فضل الصلاة في الصغر في تخفيف آلام أسفل الظهر

د. محمد وليد الشعراني*

 

يقدِّم الطبّ الحديث نظريّة جديدة عن الظهر، فيكشف النقاب عن معجزتين إسلاميتين ظلّتا محجوبتين لأكثر من ألف وأربع مائة سنة.

نصّ النظريّة:

“إذا بدأ الإنسان في تليين أسفل ظهره في سن مبكرة، واستمر في هذا التمرين وحافظ عليه أثناء الكبر فإنّ فرصته في الإصابة بالآلام الشديدة والإنزلاقات الغضروفية في أسفل الظهر ستتقلص بشكل كبير”

ملخص الدراسة:

آلام أسـفل الظهـر من المشاكل الشائعـة لدى البالغين غالـبًا ما تظهـر بسـبب فـقدان الليـونة من الرباط الطولي الخلفي Longitudinal Ligament Posterior في الظهر وكذلك النسيج الليفي الذي يشكل الطبقات الخارجية من القرص الغضروفي Annulus Fibrosis عندما تفقد هذه الأنسجة القدرة على التمغط فإنّها تتمزق عند حصول حركة خاطئة تساعد على تهتكها. والحركة التي تضع ضغطًا على هذه الأنسجة هي ثني الظهر للأمام والّركب مفرودة. هذا التمزق نادر جدًا في الأطفال لأن أنسجتهم مرنة وتتمغط عند الانحناء.

الفرضيّة:

إذا حافظنا على ميزة مرونة الرباط والغضاريف الموجودة لدى الأطفال، فهل سيقلل هذا من نسبة الإصابة بآلام أسفل الظهر والانزلاقات الغضروفية لدى الكبار؟

البحث الميداني:

أُجري بحثٌ ميدانيٌ على 188 من البالغين وقد تم سؤالهم إذا كانوا يشتكون من آلام أسفل الظهر أوعرق النسأ وعن شدّة الألم إن وجد، ثم سُئلوا عن صلاتهم متى انتظموا فيها ولم يقطعوها؟

لقد أثبتت النتائج بشكل قاطع وملحوظ صحّة هذه الفرضية واكتسب الطب هذه النظرية، حيث أن 2,6 % فقط ممن يصلون قبل سن العاشرة قد عانوا من آلام قوية أسفل الظهر، بينما 70 % ممن لا يصلون إطلاقًا يعانون من آلام قوية.

قُبلت هذه الدراسة ونوقشت في المؤتمر القطري العالمي الثاني للأطفال في الدوحة في إبريل سنة 2000م، وفي المؤتمر الدولي السادس لجراحة الظهر، والذي عقد في أنقرة من الرابع الى السابع من سبتمبر عام 2002م، وذلك بإشراف نخبة من أطباء الظهر العالميين، كما نشرت في مجلّة الظهر الأوروبيّة 1. (…)

(…) يأمر الإسلام أطفال المسلمين بالصلاة في سنّ مبكِّرة هي السابعة وعلى أقصى تقدير العاشرة. طريقة الصلاة، وفي الركوع بالذات، يتعرض الرباط والغضاريف لعملية تليين على الأقل سبعة عشر مرة يوميًا وذلك أثناء تأدية الصلوات الخمس. ولهذا فإن أطفال المسلمين لا شعوريًا يحافظون على ليونة ومطاطيّة هذه الأنسجة منذ عمر مبكرة وهذا يمنع تيبسها في الكبر وبالتالي يمنع تمزقها.

]إنّ[ الأربطة الطولية خلف الفقرات والأنسجة الليفية في الغضاريف تحافظ على بقاء الغضروف في مكانه الآمن بين الفقرات وتمنع انزلاقه. أما إذا تمزّقت هذه الأنسجة نتيجة لحركة خاطئة فإنّ جزءًا من الغضروف (وهي النواة الداخلية) تنزلق إلى الخلف حيث يوجد النخاع الشوكي والتفرعات العصبية، وكل هذا يكون مصحوبًا بالآم مبرحة. وإذا تطورت المشكلة فإنها تصل إلى ضعف تدريجي في الأعصاب. هذا التأثير على الأعصاب هو ما يعرف بعِرق النسأ، وهو يتفاوت بين التنميل والألم والشلل. ومساوئ الحركة الخاطئه فهي معروفة ولهذا نجد أن وقاية الظهر تتركز على تجنُّب هذه الحركة. (…) من الناحية الأخرى نحن نعرف أن الأربطة المرنة تستطيع أن تستوعب مقدارًا أكبر من الحركة، فنجد لاعب الجمباز يستطيع أن يفتح رجليه بسهولة لأنه قام بتمغيط أربطة الوركين من عمر مبكر، ولاعب الجمباز الذي يبدأ بالتمرين في سن مبكرة يكون أكثر تفوقًا من أقرانه الذين يمارسون هذه اللعبة في سن متأخرة. أمّا إذا فتحنا بالقوة رجلي إنسان بالغ لم يسبق تدريبه، فإننا على الغالب سنسبب له تمزقات في أربطته وربما عضلاته. يتمتع الأطفال بلياقةٍ كبيرةٍ مقارنةً بالبالغين، وسبب هذه اللياقة هو أن أنسجتهم مرنة. وإذا ما حافظنا على هذه الخاصيّة من الطفولة فإنّه من المنطقي أن تظلّ هذه الأنسجة مرنة فتقاوم الحركات الشديدة. أما إذا أهملت أوبمعنى أصحّ إذا حرمت من التمرين المستمر فإنها ستتيبس عند الكبر، فإذا تعرضت لشدٍّ قويّ بسبب حركات شديدة فإنها قد تتمزق وهذا يسبب آلام مبرحة.

(…)عندما فكّرت بالعبادات في الإسلام وجدت أن الصلاة هي الفرض الوحيد المطلوب تطبيقه بحزم على أطفال المسلمين الصغار، ففي الحديث الشريف: “مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر” (رواه الترمذي: حسن صحيح). إذا بدأ الأولاد بالركوع مرات عديدة كل يوم ابتداءً من السن السابعة وعلى الأكثر السن العاشرة، فإن الأربطة الطولية خلف الفقرات وألياف الغضروف الخلفية تحافظ على ليونتها فيصعب تمزقها في الكبر ويبقى الغضروف أمنًا بين الفقرات، وهكذا تتقلص مشكلة صعبة تعاني منها فئة كبيرة من الناس. (…)

لماذا تكثر إصابة من هم في العشرينات أو الثلاثينات أو الأربعينات بهذه الآلام وهم لا يزالون يافعين ؟

تعتبر الآم اسفل الظهر من أكثر المشاكل الطبية شيوعًا، فحوالي 70% من الناس سبق وأن عانوا من آلام مبرحة في أسفل ظهورهم في فترةٍ ما من حياتهم. (…) مشاهير الأطباء في حيرة كبيرة بسبب الانتشار الواضح لهذه الظاهرة، فأكثرهم يعترفون بأنّهم لا يعرفون سبب انتشار ظاهرة آلام اسفل الظهر. بعضهم يخمّن ويحوم حول هذه الأسباب، فعلى سبيل المثال نجد هذه العبارة ” من الأسباب المحتملة لآلام أسفل الظهر هي قلّة اللياقة وضعف عضلات الظهر والبطن، والجلسة السيئة وقلّة مدى حركة الظهر”2 . كثيرٌ من البحوث العلمية العالمية أثبتت أن الرباط الطولي الخلفي والألياف الموجودة خلف الغضروف هي المكان الرئيسي لآلام أسفل الظهر، وهذه ثلاث دراسات متنوعة لإثبات هذا:

• أثناء إجراء جراحات الظهر تحت تخدير موضعي، فإن تنبيه هذه الأنسجة يؤدي إلى الشعور بنفس الألم الذي يعرفه المريض .3

• الدراسات التشريحية لهذه الأنسجة أثبتت أنه توجد فيها نهايات عصبية للألم .4

• استخدام التحاليل المناعية لكيمياء الأنسجة، أثبت أن لهذه النهايات العصبية علاقة مباشره بآلام أسفل الظهر .5

ويعتبر هذا تفسير منطقي للإصابة بآلام أسفل الظهر حتّى قبل أن يحصل انزلاق غضروفي. إنحناء الظهر إلى الأمام يحصل فقط بين الفقرات القطنية الخمسة وهي تقع أسفل الظهر تحت الفقرات الصدريّة. 90% من هذا الإنحناء يحصل تحت الفقرتين القطنيتين الخامسة والرابعة بينما 10% من الإنحاء يحصل عند الفقرات القطنية الثالثة والثانية والأولى. وفي المقابل نجد أن 90% من الإنزلاقات الغضروفية في أسفل الظهر تحصل تحت الفقرتين الخامسة والرابعة، بينما 10% من الانزلاقات الغضروفية أسفل الظهر تحصل عند الفقرات القطنية الثالثة والثانية والاولى. نلاحظ أن نسبة الانزلاق تتساوى مع نسبة الحركة وهذا أحد الأدلّه على علاقة الانزلاقات الغضروفية بالإنحناء للأمام، حيث أن نسبة الانزلاق تصل إلى 90% في الأماكن التي تتحمل 90% من الحركة.

دليل آخر على علاقة الانحناء للأمام بالانزلاق الغضروفي هو الندرة الكبيرة للانزلاقات الغضروفية بين الفقرات الصدرية، فالفقرات الصدرية مثبّته بالقفص الصدري (الأضلاع) والإنحناء للأمام في هذا المستوى مستحيل، كما أنّ الفقرات الصدريّة غير مصمّمة على الإنحناء للأمام .6

الحقائق العلمية للانزلاقات الغضروفية لدى الأطفال:

تُجمعُ الدراسات الطبية أنّ الإنزلاق الغضروفي في ظهر الأطفال يمثل واحد إلى ثلاثة بالمائة من الانزلاقات الغضروفية. وفي دراسة على 58 طفل مصابين بإنزلاق غضروفي أسفل الظهر وُجد أن 55 منهم عمرهم أكثر من 12 سنة، اثنان عمرهم 10 سنوات وواحد عمره 8 سنوات. بمعنى آخر فإنه من أصل 58 طفل مصابين بإنزلاق غضروفي يوجد ثلاثة فقط عمرهم عشر سنوات أوأقل7 . وبإجراء حساب بسيط لمعرفة نسبة عدد الأطفال الذين يبلغ عمرهم عشر سنوات أو أقل من المجموع الكلي لعدد حالات الإنزلاق الغضروفي من كبار وصغار نحصل على هذه النتيجة المذهلة:(…) واحد إلى ثلاثة أطفال من كل ألفي شخص مصابين بإنزلاق غضروفي أسفل الظهر.

إذًا هناك خاصيّة في ظهر الأطفال الصغار تحميهم من الانزلاقات الغضروفية. وإذا استطعنا نقل هذه الميزة إلى ظهر الكبار، فهل سيقلل هذا من عدد حالات الانزلاقات الغضروفية في الكبار؟

يتميز الاطفال بليونة واضحة في أنسجتهم، وعندما يقومون بما نسميه بالحركة الخاطئة على الظهر فإنهم لا يمزقون الغضاريف أو الأربطة الطولية في الظهر، وفي عبارة أخرى فإنّهم لا يفتحون البوّابة التي يمر عبرها الغضروف. فالأنسجة المعنيّة مطاطيّة فتتمغّط ولا تتمزّق، ومن هنا تأتي فرضية النظرية: “لو استمرينا في ثني الظهر إلى الأمام عدة مرات يوميًا ابتداءً من الطفولة المبكرة وبدون توقف في الكبر، فهل سيحافظ هذا على مطاطيّة هذه الأنسجة، وهل سيخولّها عمليًا لمقاومة التمزق في الكبر، وبصيغةٍ أخرى هل الخاصيّة المطاطيّة المفيدة للأنسجة ستستمر لدى الكبار وتحمي ظهورهم من الانزلاقات الغضروفية” لإثبات هذه االفرضية نحن بحاجة لايجاد كبارًا استمروا بثني ظهورهم للأمام يوميًا والركب مفرودة وذلك ابتداءً من الطفولة المبكرة.

البحث الميداني:

أُجري بحثٌ على مائة وثمانية وثمانين من البالغين. ثمّ سئلوا إذا كانوا يشتكون من آلام اسفل الظهر. عُرّف الألم بأنه بسيط إذا لم يكن يضايقهم وشديدًا إذا كان يسبب لهم إزعاجًا، كما سئلوا أيضًا عن آلام عرق النسأ، وقد كان متوسط أعمارهم في الثلاثينات. قسّم هؤلاء البالغين إلى ثلاثة فئات:

78 من المسلمين الذين التزموا بالصلاة قبل سن العاشرة واستمروا فيها

50 من المسلمين الذين بدؤا الصلاة بعد سن الثالثة عشر

60 من غير المسلمين

 

النتيجة:

 

لا يوجد

ألم

ألم

بسيط

ألم

شديد

عرق

النسا

 
 

الذين التزموا بالصلاة قبل سن العاشرة واستمروا فيها

82%

15,4%

2,6%

لا يوجد

 

الذين بدؤا الصلاة بعد  سن الثالثة عشر

36%

16%

26%

22%

 
 

الذين لا يصلون

20%

10%

45%

25%

 

هذا الفرق الكبير في مشاكل الظهر فيمن يصلّون ومن لا يصلّون، قد أثبت بدون أدنى شك أهمية الصلاة للمحافظة على سلامة الظهر. (…) لقد فاجأتني النتائج فهذه أوّل دراسة تظهر الأهميّة العلميّة للصلاة المبكرة ولم أتوقع هذا الفرق الكبير بين الذين يحافظون على ليونة ظهورهم من سن مبكرة وغيرهم ممن حرموا من هذه النعمة في طفولتهم. (…)

نتيجةً لهذا الاكتشاف العلمي تبلورت معجزتان اسلاميتان جديدتان ظلتا مخفيتين لأكثر من ألف وأربع مائة سنة وهما تصميم الإسلام على الإنتظام في الصلاة قبل سنّ العاشرة، وكذلك الركوع في الصلاة فهو معجزة اسلامية أخرى.

بهذه النتائج نلاحظ أنّ: تعاليم الإسلام والحقائق العلمية وفرضية النظرية ونتيجة (هذه) الدراسة… جميعًا في انسجامٍ تام.

 __________________

* استشاري جراحة المفاصل والعظام / الدوحة – قطر. للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.nooran.org

1-European Spine Journal: August 2002; Volume 11; Number 4; 400.

2-Roger Dee: Hurst LC, Gruber MA, Kottmeier SA (eds) Principles Of  Orthopedic Practice: USA,

    MC Graw Hill companies 1997, Chapter 72.

3-Orthopedic Clinic Of North America 1991: 22; 181-187.

4-Journal Of Anatomy: 1981: 132; 39-56.

5-Textbook Of Spinal Surgery: Second edition 1996, Philadelphia, Lippincott.

6-Ogilvie JW: Thoracic Disc Herniation. Bridwell KH, Dewald RL (eds);

    The Textbook Of Spinal Surgery, 2nd edition. 1996: Philadelphia, Lippincott

7-NMP Clarke, DK Cleak, Intervertebral Lumber Disc Prolapse In Children And Adolescents;

Journal of Pediatric Orthopedics 1983; 3: 202-206.