معجزة الأذن

إعداد معتز الراوي*

صورة لمكونات الاذن

يقول الله سبحانه وتعالى: {هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا} [الانسان آية 1 و 2]. ويقول سبحانه: {وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة .قليلا ما تشكرون] [المؤمنون آية 78].
ان الاصوات تأتي إلينا بتموجات الهواء وان هذه التموجات منها الشديد ومنها الضعيف ومنها ما يأتي عموديًا ومنها ما يأتي جانبيًا فخلق الله تعالى (صيوان الاذن) وجعله غضروفيًا بين العظم واللحم وجعل فيه ليتلقا امواج الصوت ويعكسها من طية الى لية ويوصلها الى (الصماخ)… طيات وليات. وعلم سبحانه بان الرياح التي تحمل الصوت من الممكن ان تكون عنيفة وقد تحمل معها مؤذيات مثل غبار وحشرات فجعل سبحانه (الصماخ ) متقوسًا نحو الاعلى وجعل في فمه سياجًا من الشعر وفي باطنه الشمع ليلتقي صدمة الرياح بانحرافه وبالشعر والشمع المؤذيات فلا تصل الى غشاء الطبلة الرقيق. وعلم سبحانه ان بعض الاصوات قد تكون ضعيفة فجعل من (الصماخ) بشكله الكهفي المملوء بالهواء وسيلة لمضاعفة الصوت (التصدية) على النحو الذي نسمعه في الحمامات والكهوف من ضجة الصوت الضعيف يرجع الصدى وعلم سبحانه ان الغشاء المتوتر كالطبل هو افضل الاجسام الصلبة في توصيل الصوت فخلق (غشاء الطبلة) و(غشاء الكوة البيضية) والاغشية الاخرى في الاذن الداخلية … وعلم سبحانه انه اذا تثبت جسم صلب صغير في طرف غشاء مشدود متوتر اوصل الاهتزازات الصوتية على وجه افضل فخلق سلسلة من ثلاث عظيمات وربطها بين (غشاء الطبلة) وغشاء (الكوة البيضية) … وعلم سبحانه ان كل جسم صلب محاط بوسط مختلف عنه في الجوهر يرسل الاهتزازات بجوهره باشد مما يرسلها في الوسط المحيط به فجعل العظيمات الثلاث معلقة في الهواء يحيط بها ويفصلها عن عظام الرأس وفعل مثل ذلك في (الصفيحة اللولبية ) فاحاطها بسائل مختلف عنها في الجوهر كي لا تنقل الاهتزازات السارية في العظيمات والصفيحة اللولبية الى عظام الجمجمة وتتبدد فيها… وعلم ان سلسلة العظيمات قد تصاب بما يعطل عملها في نقل الصوت من غشاء الطبلة الى غشاء الكوة البيضية فخلق (الكوة المستديرة) وغطاها بغشاء يساعد على ايصال الصوت الى الاذن الداخلية وجعل لكل كوة من الكوتين طريقًا في داخل (القوقعة)… وعلم ان الشكل الحلزوني اللولبي هو الشكل الاصلح لانتشار الالياف العصبية السمعية على مساحة متسعة ضمن جسم صغير في حيز ضيق فخلق (القوقعة) وجعل فيها القنات اللولبية سلمين مستطرقين يصعد احدهما الدهليزي من (الكوة البيضية) وينزل الاخر الطبلي الى (الكوة المستديرة) وجعل في (القنات اللولبية) (الصفيحة اللولبية العظمية الغشائية) التي تفرز سائل اللمفا… وعلم ان بعض الاصوات تاتي من الجمجمة فخلق (القنوات الهلالية) لتساعد على جمع التموجات الصوتية الاتية من الجمجمة وتوجه سير الاصوات حسب اتجاه تجاويفها المنحنية وتوصلها الى اعصاب السمع المنتشرة في سوائلها وسوائل القوقعة وخلق الزقين الغشائيين المملوئين باللمفا  وجعل في احدهما الحجرين الاذنيين المتباورين ليزيدا بصداهما شدة الهزات الصوتية… وعلم سبحانه ان للهواء ضغطًا خارجيًا قويًا يؤذي غشاء الطبلة ان لم يقابل من داخل الاذن الوسطى بهواء يعادله ويقاومه ويحفظ الموازنة في ضغط الهواء وحرارته فاذا حصل زفير او شهيق طويل وكان الانف والفم مسدودين فيتوتر الغشاء الطبلي ويتحدب نحو الخارج عند الزفير ونحو الباطن عند الشهيق فيتشوش السمع فخلق سبحانه بوق (اوستاكيوس) وادخل منه الهواء الى الاذن الوسطى وجعل من هذا البوق في الوقت نفسه موضحًا للاصوات كما توضح ثقوب الالة الموسيقية اصواتها وجعله منفذًا للمخاط الذي يفرز من باطن الطبلة…
فسبحان الله الحكيم العليم القدير الذي عرف كل هذي الاسرار والطبائع والنواميس التي لم يعرفها العلماء إلاّ بعد آلاف السنين من خلق الانسان فخلق جهاز الاذن المعقد على مقتضى هذي الاسرار.

____________________________________________

* من كتاب (قصة الايمان بين الفلسفة والعلم والقرآن) للشيخ نديم الجسر (رحمه الله) مفتي طرابلس ولبنان الشمالي. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.quran-m.com