ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون

د. نصر الله أبوطالب*

 رسم يبين شريط الجينات DNA

ألقيت بالمستشفى الذى أعمل به محاضرة طبية عن المكتشفات الحالية حول الشيخوخة وبالذات شيخوخة الكلى وهرمها .. وأود هنا إشراك القارئ الكريم في الاطلاع على ما يسميه الباحثون الساعة الداخلية لعمر الانسان..

ومع أن العلم مهما تقدم وتعمق فسيظل جاهلاً بجلّ تفاصيل الخلق الهائلة والمكمونة، فكيف في أدنى خلية حية، في الكائن البشري.. ويبقى للمؤمنين الإيمان بما أنزل الله على رسوله ضياء لكل القضايا تقّدم العلم اليها أم تأخر.. ومع هذا فإن الاشارة الى الساعة الداخلية تقرب للبعض قضية الايمان بأن للجميع آجالاً مسماة..

لوحظ بالمعامل(المختبرات) البيولوجية أن الخلية البشرية تهرم كلما انقسمت متكاثرة… فاذا بلغت حوالي خمسين انقسامًا فانها تتوقف تمامًا عاجزة هرمة عن الانقسام أو حتى عن القيام بوظائفها الطبيعية… واستحق مكتشفوا تفسير هذه الظاهرة جائزة نوبل … فقد اكتشفوا أن أطراف الكروموسومات الستة والاربعين محمية بأغطية تحميها عن التلاحم ببعضها… وأن هذه الأطراف المسماة تيلوميرز Telomeres وعددها ٩٢ بكل خلية هي عبارة عن سلاسل محتوية للقواعد الستة TTAGGG الممكن قراءتها عربيا تتاججج… فتتكرر هذه الاحرف أو القواعد عدة آلاف المرات بطرف كل كروموسوم… ثم كلما انقسمت الخلية متكاثرة اثناء مرحلة النمو أو لتجديد الخلايا التالفة حولها فقدت الخلية من هذه التيجان مائة الى مائتي حرف من كل طرف..

حتى تقصر السلسلة الى مدى لا يمكن بعده لهذه الأطراف القيام بوظيفتها فيحكم على الخلية بالجمود أو الهرم وتمنع من التكاثر عن طريق تنشيط عامل وراثة مختص بهذه الوظيفة يرمز لبروتينه بالرمز ب ٥٣ p53.. وبالامكان ملاحظة تكاثر نشاط هذا الجين وجينًا آخر يشاركه نفس الوظيفة في تجميد الخلايا الهرمة ويرمز له ب١٦ : p16 يمكن ملاحظة تكاثرهما بشكل بارز عند صبغ الانسجة المأخوذة من الأفراد المسنين… ويشبّه كثير من الباحثين هذه الاطراف بخزانات وقود محددة السعة لكل خلية تستهلكها بمعدل معلوم خلال عمرها حتى اذا استهلكت الخلية مخزونها من الوقود جمدت وأصابها الهرم وهو الجمود الوظيفي والتكاثري وكانت بذلك مسمارًا متزايدًا في نعش العضو الذي تشكله ومن ثم الفرد بجسده كله..

وفي الواقع فإن هذه الاطراف المسماة بالتيلومير قابلة للتجديد عن طريق تنشيط انزيم اسمه تيلوميريز Telomerase يقوم بتعويض الاحرف التي نقصت مع كل انقسام…وبذلك يمكن للخلايا أن تواصل الانقسام بلا حدود… والجينات الخاصة بهذا الانزيم موجودة بكل خلية لكنها مجمدة الا في أنواع محدودة من الخلايا المتكاثرة بالجسم كالخلايا الجنسية..والقضية هي أن كبح جماح هذا الانزيم وكذلك السماح للمثبطات للتكاثر p53 & P 16 المذكورة أعلاه هو صمام أمان أساسي ضد نشوء الأورام الخبيثة..إذ يتم كسرها من قبل معظم الأورام التي تصيب الانسان مما يسمح للخلايا السرطانية بالتكاثر غير المحدود..

ومع أن هناك دور بارز للمؤثرات السلبية المكتسبة خلال الحياة من الاشعاعات والاطعمة المؤكسدة والسكاكر الضارة المساهمة في تشويه بروتينات الجسم وسلاسل الوراثة من حمض د.ن.أ.، في تسريع أو تبطيء هذه الساعة الداخلية وإحداث طفرات جينية تستدعي تنشيطا مبكرا لمثبطات التكاثر المذكورة أعلاه.. وفي ذلك تعجيل بشيخوخة الخلايا والفرد إلا أن الساعة الداخلية المذكورة أعلاه تظل حدًا فاصلاً للعمر الذي لن يتجاوزه الكائن البشري حتى ولو لم يتعرض لأي مؤثرات سلبية خارجية.. وتوضح هذه الساعة كما سماها الباحثون الغربيون للعقول البشرية لمحة من نظام محفوظ للآجال عند الخالق لا يعلمه الا هو، قال الله تعالى : {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (سورة تبارك).

والله أعلم.. ليبلغ كل أحد أجله المسمى.

__________________________________

* وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.quran-m.com