النوم آية من آيات الله

د. عبد الحفيظ الحداد*

قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾الروم: 23.

… بعد تطور مسيرة البحوث العلمية، وتمكن الإنسان من اكتشاف الحقائق المتعلقة بالكثير من القضايا الكونية ومنها النوم، استطاع إدراك مناط الحقيقة الكامنة وراء وصف الله جل وعلا لهذا النوم بأنه آية من آياته جل وعلا…

… أبان الله عز وجل أن النوم جزء من وفاة الأنفس وأنه وفاة دون وفاة للأنفس فقال عز وجل في سورة الزمر: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾الزمر: 42 ومن عجيب ظاهرة النوم أنه عرض يتم في الإنسان من غير طريق سلطان إرادته فهو لا يملك السيطرة على النوم وقد يتمناه محتاجًا إليه فلا يستطيعه وقد يشتهي السهر فيغلبه سلطان النوم، وقد اتضح للباحثين من علماء الطبيعة أن النوم أهم للحياة من الطعام والشراب.

ومن آيات الله التي اكتشفها العلماء الطبيعيون في ظاهرة النوم أن ملايين الخلايا في المخ تنفصل عن مقابلاتها حالة النوم وتتصل فتتماس ببعضها البعض حالة اليقظة، فالحادثة شبيهة بمفصل مجمع كهربائي ذي أسلاك اتصال تعد بالملايين وكل منها يؤدي وظيفة خاصة يتصل بناحية من أنحاء المدينة العظيمة، وإذا كان كل ذي حياة مما نعرف من الأحياء بحاجة إلى النوم فمن الذي يدبر أمر الأحياء وهي نائمة فاقدة شعورها الظاهر.

إن منطق حقائق هذا الكون يهدينا إلى ضرورة وجود موجود عظيم حي لا تأخذه سنة ولا نوم. سباتًا: السبات أصله الراحة والسكون. قال الزجاج: السبات: أن ينقطع أي الحي عن الحركة والراحة في بدنه. فقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴾ أي وجعلنا نومكم راحة لكم. تقول لغة: سبت يسبت إذا نام لينال ما يحتاجه من الراحة.

وقد أثبت علماء الأحياء أن استرخاء الجسم في حالة النوم يساعد على تنظيم الدورة الدموية ومدها بالنشاط الجديد، ليساعد ذلك على طرد ما علق في أنحاء الجسم من مواد ضارة كان الأرق أو اليقظة الطويلة السبب في علوقها وترسبها) .

ويزيد الشيخ متولي الشعراوي يرحمه الله هذا المعنى وضوحًا حيث يقول: (مقومات الحياة هذه لونان: لون يقظة وهذه للحركة والعمل، ولون فيه نوم. وكأن أول مقوم للحياة، لا تعتقد أنه الطعام والشراب فقط، بل النوم. النوم الذي عجز الفلاسفة والعلماء الكيماويون في بحث ما سببه؟ ما نظامه؟ كيف يأتي الإنسان؟ وعملوا تجارب متعددة لكي يروا هذه الظاهرة.

آخر ما انتهى إليه أن النوم ردع ذاتي في الآلة الإنسانية. .. فيقال: ما بالك غلبك النوم… ونمت هذه ما معناها؟ معناها أنك لم تعد تصلح لمواجهة الحياة بطاقة، فانتظر إلى أن تعود إلى نشاطك ثانيًا. ولذلك يبقى الإنسان متعبًا وو..إلخ والنعاس يغلبه، فينام ساعتين أو ثلاثة ثم يقوم في منتهى النشاط ما الذي حدث؟ ولذلك انظر القرآن عندما يعرضها في عملية حية ويقول: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ﴾… ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا﴾ كأن النوم هذا عملية حياتية ضرورية. ولذلك قال بعدما خلقناكم أزواجًا قال: ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴾ إذا فمسألة النوم نعمة من نعم الله الكبرى على الإنسان. ولذلك كان من ضمن آيات الامتنان من الله على خلقه ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ﴾ وبعد ذلك يقول: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ ثم يقول: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾ إذن جعلنا (النوم سباتا) هذه عملية من النعم الكبيرة ومادام النوم هذا يفقد الإنسان صلته بحركة الحياة فسماه السبات، لأن السبت هو القطع. قطعك عن حركة الحياة بالنوم، قطعك رحمة بك وبآلتك ولذلك سموه موتًا ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ لأنه قطع عن الحركة لا إلى عودة ولأنه يفقد الحركة والوعي).

ويذكر الشيخ عبدالرحمن حبنكة الميداني هذه التجربة التي تؤكد ضرورة النوم بقوله: (وفي هذا نذكر ما قرره علماء الروس من أن التجارب التي أجريت على صغار الكلاب أثبتت أنها لم تستطع الحياة لأكثر من خمسة أيام بغير نوم، بينما عاشت مثيلاتها التي تنام عشرين يومًا بغير أكل). وصدق الله العظيم القائل: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾الروم: 23.

الحقائق العلمية

… نزل القرآن الكريم في زمن لا توجد فيه مختبرات ولا ميادين بحث، ومن ثم فقد نزل على نبي أمي يعيش بين ظهراني قوم لا يكتبون ولا يقرأون؛ بل إننا لدى إدراكنا لوجه التطابق بين ما نراه من حقائق عرفت عن النوم في زماننا هذا وبين دلالات النصوص الواردة بصدد النوم فإننا نكون عند ذلك أمام شاهد آخر من شواهد الإعجاز العلمي؛ وبداية لابد لنا من الإشارة إلى تفاوت كلام العلماء المتخصصين بصدد حقيقة النوم. وسوف نذكر مختصرًا لنظرياتهم مبتدئين بما ذكره الدكتور أنور حمدي في كتابه النوم ص63ـ79 عن تلك النظريات، وكما يلي:

النظرية الأولى: ويمثلها جيمس دريفر؛ والتي بعبر عنها بقوله: إن النوم حالة فيسيولوجية ليست مفهومة.

النظرية الثانية: ومفادها أن النوم حالة جسمية فيزيولوجية يحتاج إليها الكائن طبيعيًا بصورة متكررة كل ليلة، وتدوم لفترة عدة ساعات يكون خلالها الجهاز العصبي في حالة من الراحة.

النظرية الثالثة: ويرى أصحابها أن النوم هو إمساك القوى النفسانية عن أفعالها، ومنها الإحساسات وقوة التحريك.

النظرية الرابعة: ومفادها أن النوم هو رجوع الحواس عن الحركة وسكون النفس وانقباضها مع الحرارة الغريزية من الدماغ إلى داخل الجوف، وبخارات معتدلة تصعد من الجوف إلى الدماغ.

النظرية الخامسة: بحسب هذه النظرية يحصل النوم نتيجة نقص الدم الوارد إلى الدماغ؛ مما ينتج عنه قلة إرواء الدماغ.

النظرية السادسة: ويطلق عليها نظرية النوم الكيماوية؛ ومفادها أن النوم يحصل من أجل أن يتخلص الجسم من النواتج الضارة وذلك عن طريق انحلالها وتأكسدها؛ ومنها المواد المسماة بروتوجين التي تتجمع في حالة اليقظة ومن ثم فهي تجلب النوم وكذلك المواد المسماة لوكامين)

وبعد هذا الاستعراض لمجمل النظريات حول النوم؛ وبيان السبب الكامن وراءه نلاحظ فيها التشابه ولذلك نقول:

على الرغم من اختلاف وجهات نظر أولئك الذين حاولوا بيان مناط النوم وحقيقته، فإننا نرى بأن هناك نقاط وفاق يلتقي عليها الفرقاء في هذا المضمار والتي يذكرها الدكتور حسان شمسي باشا في كتابه النوم والأرق والأحلام بين الطب والقرآن حيث نختصر كلامه الوارد في الصفحات من17 إلى 40 بما يلي:

1.  إن النوم حالة طبيعية متكررة يتوقف فيها الكائن الحي عن اليقظة. وتصبح حواسه معزولة نسبيًا عما يحيط بها من أحداث. وكل الحيوانات الثديية على اختلاف أنواعها تنام، ويحدث عندها في تخطيط دماغها تغييرات مماثلة لما يحدث عند الإنسان.

2.  يحصل لمختلف أجهزة الجسم لدى النوم راحة واستجمام، ومعاودة النشاط للعمل؛ ولذلك فكلما كانت مدة النوم كافية ازدادت إمكانية الجسم للنشاط والعطاء بعده.

3.  تتناسب حاجة الإنسان للنوم طردًا مع مقدار ما يصيبه من تعب.

4.  حرمان الإنسان من النوم مضر جدًا؛ وفي حال ديمومة الحرمان فإن الإنسان يصيبه الهلاك.

5.  النوم من أقوى الأسباب المعينة على تخليص الدماغ من الارتباك والإرهاق والإجهاد؛ بل ومدعاة لعافيته من بعض الظواهر المرضية التي تعتريه من التوتر والكسل والارتباك والتشتت والذهان.

6.  النوم له عدة أنواع منها الحالم (المتناقض) والتقليدي (الهادئ).

7.  يتغير معدل إفراز الهرمونات من الغدد الصم أثناء النوم.

وبهذه الجولة التي قصدنا منها التعرف على نظريات النوم ومعرفة مجالات الوفاق بين الفرقاء في هذا المضمار يستبين لنا كون النوم من الحاجات الضرورية للإنسان؛ بحيث لا يمكن حرمانه من النوم وإلا بأن حيل بينه وبين النوم فإنه يشرف على الهلاك.

وحول أهمية النوم يلفت الدكتور الكسيس كاريل النظر إلى ضرورة تنظيم النوم، فيقول في الصفحة 262 من كتابه الإنسان ذلك المجهول ما يلي: (ينام الإنسان العصري إما أكثر وإما أقل مما يجب وهو لا ينسق نفسه بسهولة بالنسبة للنوم الكثير ولكنه يدفع ثمنًا غاليًا إذا نام وقتًا قصيرًا في فترة طويلة).

ولنتأمل كلام د. شبيب الحاضري ص9 من بحث له عن النوم حول فوائد النوم حيث يعدد منها ما يلي:

أ سكون الجوارح وراحتها مما يعرض لها من تعب. حيث تستريح الحواس من نصب اليقظة، ويزول الإعياء.

ب يعين الجسم على الهضم.

ج يخلص الجسم من السموم المتراكمة، كما يعيد الحيوية والنشاط إلى جميع أجزاء الجسم.

د يساعد في بناء أنسجة الجسم التالفة.

هـ يعتبر علاجًا للقلق والتوتر والاضطرابات العصبية.

و يعين على راحة أجهزة وأعضاء الجسم مثل القلب.

ز يزداد أثناء النوم إفراز بعض الهرمونات مثل هرمون النمو GH(1).

وتحت عنوان النوم مفيد وضروري لتحسين الذاكرة نشر مقال على صفحة الإنترنت ورد فيه: (يشار إلى أن العلماء كانوا قد كشفوا في وقت سابق عن أن النوم الجيد وخصوصًا في الليل يساعد على جوانب معينة من الذاكرة وتحديدًا تنشيط استذكار ما حدث في الماضي واستذكار التصورات)(2).

كما ورد في مقال آخر على الإنترنت ما يلي: (في جامعة شيكاغو أثبت أن الأرق المزمن يقلل قدرة البالغين على تأدية الوظائف الحيوية الأساسية مثل تخزين النشويات، وعمليات الدماغ بل يؤثر على نظام إفراز الهرمونات. فالأرق يمكن أن يؤدي إلى تحطم الخلايا الدماغية وضمور في مناطق الدماغ الخاصة بالتعلم والذاكرة، كما ثبتت ذلك بعد الأبحاث التي أجريت على الحيوانات كما يؤثر الأرق على هرمونات بناء العضلات وهرمون النمو ويقلل الأجهزة المناعية للجسم(3).

وجه الإعجاز هنا:

إننا بهذا الاستعراض لمجمل فوائد النوم وبيان ضرورته وشدة حاجة الجسم إليه، مع ما استبان لنا من توصل العلماء المتخصصين بهذا الجانب إلى معرفة حقيقة مستقرة في هذا الميدان ومفادها: أن النوم ضروري للإنسان وأن حرمانه من النوم مدعاة لهلاكه. وإن هذه الحقيقة لدى التأمل تتطابق تمامًا مع ما ورد ضمن دلالات النصوص القرآنية الواردة بصدد النوم. وهذا التطابق التام بين ما دلت عليه النصوص الواردة في هذا الشأن مع ما توصل إليه أولئك العلماء من حقائق تابتة ومستقرة، يدل بكل جلاء أن القرآن الكريم الذي وردت فيه تلك النصوص هو كلام الله عز وجل وأن الذي بلغنا هذا القرآن الكريم هو رسول من عند الله حقًا والحمدلله رب العالمين.

______________________________
* باحث في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع  www.eajaz.org

الهوامش:

1.   انظر ص9 من بحث د/ شبيب الحاضري بعنوان: النوم بين التعاليم الإسلامية والبحوث الطبية.

2.   انظر المقال بعنوان النوم مفيد وضروري لتحسين الذاكرة على صفحة BBC ARABIC 1/4/1425 على الإنترنت.

3.   أنظر أصل المقال في مجلة «البتول» عدد مايو 2..4، وعنوان المقال الجسم السليم في النوم السليم للأخت حواء.