إعجاز القرآن الكريم في الكلام عن الحديد

بقلم: حسين أحمد كتّاب*

مقدمة

الحديد، سمّيت سورة كاملة باسم هذا المعدن الكثير الصدأ. ارتبط الحديد في القرآن الكريم بفعل الانزال وخاصية البأس ونصرة الله بالغيب ثم وصف الصانع تعالى نفسه بالقوي والعزيز. فهو ضروري لحياة الإنسان والحيوان والنبات. ولأنه يصدأ بسهولة أو علمياً يتأكسد، فهو يدخل في تركيب هيموجلوبين الدم لينقل بتأكسده الأوكسجين من الرئتين الى خلايا الجسم، وكذلك لحياة النباتات كونه أحد العناصر الضرورية لعملية التمثيل الضوئي التي تعتبر اساس الحياة على الأرض؛ وعلامة نقص الحديد في النبات اصفرار أوراقه، ويدخل الحديد في كل شيء تقريباً. فالحياة كما نعرفها غير ممكنة بدونه.

يقول ربنا تبارك وتعالى في محكم كتابه:{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } (الحديد:25).

الإنزال

ورد الانزال في عدة مواضع من القرآن الكريم، فأنزل الله المنّ والسلوى على بني اسرائيل: {وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ }، وأنزل عقابًا من السماء على الذين ظلموا: { فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } كما أنزل الله شرائعه التي تفضي الى العدل :{ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ }. كما أنزل الله الماء من السماء فأحيا به الأرض بعد موتها وجعل الله من الماء كل شيء حي {وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ }.  وما يذكر بالنزول يدل على مجيئه من خارج الأرض، او على الأقل من خارج التربة. والغاية من الانزال إمّا ان تكون من أجل ايجاد بيئة صالحة للحياة، أو للهداية، أو للعذاب.

البأس

ولكن، لماذا الحديد؟ يخبرنا تعالى أن فيه منافع للناس تؤدي الى حياة أفضل وهذا واضح في حياتنا اليومية، ولكن، ماذا عن البأس، كتب التفسير تصفه بالقوة والردع وأخرى تصفه بالسلاح. والبأس في المعاجم هو الرهبة والشجاعة والشدة والعذاب في الحرب.

كيف يتكوّن الحديد

يتكون معدن الحديد نتيجة الاندماج النووى في قلب النجوم التي يزيد حجمها عن 8 اضعاف حجم شمسنا، فعند دخول هذه النجوم بمرحلة السوبر نوفا أو المستعر الأعظم أو بمعنى آخر انفجار النجم، فان النجم يقذف بمعظم محتوياته على شكل انفجار ضخم، ولوهلة، يكون ضوءه اقوى من ضوء المجرة التي تحتويه! وحيث ان حرارة قلب النجم تزيد عن 10 ملايين درجة مئوية، فان كافة العناصر بما فيها المعادن تكون في حالة غازية. عند حدوث الانفجار، يقذف النجم بغازاته الى السماء فيما يسمى بالسحابة السديمية أو السحابة الجزيئية بينما وصفت في القرآن بأنها دخان وهي تسمية أدق علمياً!  { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } حيث تبدأ هذه الغازات بفقدان حرارتها والتكثف الى حالتها الصلبة كالحديد والمعادن الاخرى، وبعضها الى حالة سائلة كالماء ويبقى البعض الآخر في حالته الغازية مثل الاكسجين والهيدروجين والنيتروجين والهيليوم. ما ينتج عن التكثف هو ولادة نظام شمسي جديد، حيث يتكون هذا النجم الجديد في مركز تكثف السحابة السديمية (الدخان) بينما تنشأ عقد تكثّف اخرى حول النجم الجديد سرعان ما تخنُس وتجري وتكنُس وبالتالي تولد الكواكب.

فالحديد هو أحد المكونات الرئيسية للكواكب الصلبة، فهو موجود على عطارد والزهرة والارض والمريخ وحتى في قلب الشمس ويعزو العلماء لون المريخ الأحمر الى ارتفاع نسبة الحديد المؤكسد (الصدأ) في تربة هذا الكوكب.

استخدام الحديد

اكتشف الانسان الحديد الناتج عن النيازك قبل 5500 سنة ولكنه لم يستطع استخدامه كمنفعة في حياته اليومية، وتمكن من استخراج خام الحديد من الأرض وصهره وصبه في قوالب أو صفائح خلال الدولة الحيثيية في تركيا 1400 ق م، ولكن هذا الحديد كان هشاً وغير قابل للثني أو الطرق بسبب ارتفاع نسبة الكربون فيه وبالتالي فإن صناعة السلاح من هذا الحديد لم تُحدث أي فائدة تذكر أمام الأسلحة البرونزية.

clip_image717حفرة بارينجر في أريزونا بالولايات المتحدة والتي سببها نيزك حديدي
 

ثم، وبفضل من الله، ألان الله الحديد لسيدنا داوود عليه السلام { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ ٱلْحَدِيدَ } سنة 1040 – 970 قبل الميلاد وذلك باضافة الحجر الجيري الى الحديد المنصهر والذي بدوره أدى الى تخفيض نسبة الكربون في الحديد وبالتالي ولأول مرّة، تم انتاج الفولاذ أو الحديد المطاوع أو الحديد القابل للطرق Wrought Iron . كما وعلم الله سيدنا داوود صنعة لبوسًا وهي نوع من الدرع أو القميص المصنوع من الحلقات الحديدية لتقيه هو وجيشه من بأسهم ! { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} وتفسيرها “حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَعَلَّـمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ…. } الآية، قال: كانت قبل داود صفـائح، قال: وكان أوّل من صنع هذا الـحَلَق وسَرَده داود“. وبالتالي فان سيدنا داوود كان يمتلك ميزة تكنولوجية فوق أعدائه، فقد كان هو وجيشه يحاربون بالسيوف الحادة المصنوعة من الحديد المطروق ويرتدون الدرع الخفيف المسرود من حَلَق الحديد، بينما كان خصومه يستخدمون السيوف البرونزية أو تلك المصنوعة من الحديد المسكوب والتي كانت تتهشم وتتكسّر بأيديهم، ناهيك عن الدروع الثقيلة المصنوعة من الصفائح والتي تحد من الحركة.

للحديد على الأرض مصدران، المصدر الأول يتكون كما ذكرنا من تكثف الدخان والذي تكونت منه الكواكب، والمصدر الثاني يأتي من السماء على شكل نيازك، وعندما تحدث ابن سينا (ت 428هـ، 1037م) عن النيازك قسمها إلى نوعين؛ حجري وحديدي، وهو نفس التقسيم المتبع في الوقت الحالي.

clip_image718النيازك الحديدية
 

وللتعبير عن كثافة الحديد، نجد أن وزن المتر المكعب من الماء هو 1000 كيلوغرام (1 طن)، بينما وزن المتر المكعب من الرخام 2700 كيلوغرام، ووزن المتر المكعب من الحديد 7874 كيلوغراما.

بأس الحديد، لماذا أنزل الله الحديد؟

كوكب الأرض هو أكثر كواكب المجموعة الشمسية كثافة إذ يبلغ معدّل كثافته 5.51 غرام لكل سنتيمتر مكعب، وحيث أن هذا الرقم يمثّل معدل الكثافة، فإن قلب الأرض أشد كثافة من هذا الرقم بينما لا تزيد كثافة المحيطات بكثير عن 1 غرام لكل سنتيمتر مكعب. ويعتقد العلماء بأن كمية الحديد الضخمة الموجودة في قلب الأرض Earth Core والتي تمثل 32.1% من وزن الأرض هي ما يجعل كثافة كوكب الأرض مرتفعة الى هذا الحد. كمية الحرارة المرتفعة في قلب الأرض هي المسؤولة عن إحداث تيارات في طبقة قلب الأرض المنصهرة  والتي بدورها تُحدث حركة في القطع المتجاورة أوالصفائح التكتونية . حركة قلب الأرض المنصهرة والتي تحتوي بأغلبها على الحديد هي المسؤولة أيضا عن توليد المجال المغناطيسي لكوكب الأرض والذي يقوم بدوره بصد الرياح الشمسية القادمة من الشمس والتي لها أثر مدمر على الغلاف الجوي للأرض وبالتالي الحياة العضوية ومنها نحن البشر. وهذه هي صفة الحديد غير الملموسة – البأس الشديد – والذي من صفاته الشجاعة والردع وأنه يضع الخوف والرهبة على خصومه.  كوكب الأرض هو الكوكب الصلب الوحيد الذي يحتوي على قلب منصهر وحركة في الصفائح التكتونية!

clip_image719كثافة الكواكب في المجموعة الشمسية

 

clip_image720تأثير المجال المغناطيسي أو حزام فان ألين الذي مصدره الحديد على الرياح الشمسية
 

في حال انعدام المجال المغناطيسي للأرض، فإن الرياح الشمسية ستصطدم بالغازات المكونة للغلاف الجوي مما يؤدي الى ما يعرف علميًا بتشتت كومبتون حيث يؤدي الاصطدام الى طرد احد الالكترونات السالبة الشحنة من مدارات غازات الغلاف الجوي، وهذا بالتالي يعني أن الغاز اصبح موجب الشحنة مما يجعله ينجذب الى الرياح الشمسية المتعاقبة محاولاً سرقة الكترونًا منها وبالتالي يُطرد من الغلاف الجوي للأرض وهذا ما حصل بالفعل لكوكب المريخ وما يحصل الآن في كوكب الزهرة، حيث أن الروبوتات التي تم ارسالها الى كوكب المريخ تؤكد بأن الماء تواجد في السابق على كوكب المريخ بحالته السائلة ولكنه لم يعد موجودًا إلا في حالة التجمد في الأقطاب أو تحت التربة. وهذا ما تؤكده الآية الكريمة{  وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ}، إذ يفتقر كوكب المريخ للمجال المغنطيسي ويعتبر قلبه بحالة صلبة ولذلك لا توجد به قطع متجاورة (صفائح تكتونية) وبالتالي ذهب معظم الماء.  وصف تعالى في سورة عبس كيفية انزال الماء { أَنَّا صَبَبْنَا ٱلْمَآءَ صَبّاً } بينما وصف طريقة نفوقه بالذهاب {وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ }.  مثال حي لنا لنعتبر منه، فبدون المجال المغناطيسي، لن تكون الحياة ممكنة على الأرض.

كيف انزل الله الحديد

في عام 1974، وضعت فرضية لتفسير تكوّن القمر الذي واجه العلماء مصاعب علمية في تفسير وجوده حول كوكب الأرض، وتضع الفرضية مبدأ ارتطام كوكب بحجم المريخ مع الكرة الأرضية والتي كانت في حالة شبه منصهرة مما أدى بمجمله الى اندماج قلبي الكوكبين الغنيان بالحديد وترسبه في قلب الأرض وتطاير المواد الأقل كثافة كالاتربة والصخور في مدار حول الأرض والتي أدت الى تشكل القمر، أحد أهم المؤشرات لذلك هو انخفاض كثافة القمر 3.3 غرام لكل سنتيمتر مكعب مقارنة بالأجرام الأخرى. في عام 1984 اتفق معظم علماء الفلك على أن هذه الفرضية هي الأكثر قبولاً بينهم. وتم عمل محاكاة في عام 2012 على الحاسوب لتمثيل الفرضية حيث يظهر كيف اندمج قلب الجرم الصادم الغني بالحديد مع كوكب الأرض ليرفع بالتالي كمية الحديد الموجودة في قلب الأرض.

يُدرك العلماء أهمية الحديد على كوكب الأرض، ويُدرك العلماء أيضًا أن تكوّن أي كوكب مثل الأرض بالطريقة “التقليدية” في نظامنا الشمسي لن يحتوي على كمية كافية من الحديد لتوفير بيئة صالحة للحياة، وبالتالي ذهب العلماء لوضع فرضيات لتبرير كمية الحديد الإضافية الموجودة في كوكب الأرض دون أن يعرفوا بأنهم يؤكدون بابحاثهم هذه بأن الله حق وكلامه حق ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم حق. (…)

______________________________

* للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www. fussilat.org