الإعجاز العددي … ما له وما عليه

بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل


مقدمة

الحمد لله رب العالمين القائل في مُحكم الذكر: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ{89}} (سورة النحل)، وصلى الله على من أكرمنا به وجعله شفيعًا ورحمة لكل مؤمن أحب الله ورسوله، وعلى آله وأصحابه وسلّم.

شُبهات كثيرة أُثيرت ولا تزال حول موضوع الإعجاز العددي في القرآن الكريم، فالبعض يعتقد أن لا فائدة من دراسة الأرقام القرآنية، باعتبار أن القرآن الكريم كتاب هداية وتشريع وليس كتاب رياضيات وأرقام! ومن العلماء من يعتقد أن إعجاز القرآن إنما يكون ببلاغته ولغته وبيانه، وليس بأرقامه. ويتساءل البعض حول مصداقية الحقائق الرقمية ومدى صِدق النتائج التي تقدمها أبحاث الإعجاز العددي، وقد تطور الأمر لدى بعض المعارضين إلى إنكار هذا العلم المسمى بالإعجاز العددي برمّته بسبب عدم اقتناعهم. ولكن لماذا ينأى علماء المسلمين بأنفسهم عن علم الرياضيات في القرآن؟ وهل هنالك أحكام مسبقة تجاه هذا العلم بسبب بعض الانحرافات والأخطاء التي وقع بها بعض من تناول هذا الموضوع منذ حوالي ربع قرن وغيرهم ممن بحثوا بعد ذلك في هذا المجال؟

إن أي علم ناشئ لا بد أن يتعرض في بداياته لشيء من الخطأ حتى تكتمل المعرفة فيه. وهذا أمر طبيعي ينطبق على المعجزة الرقمية القرآنية. وذلك لأن اكتشاف معجزة في كتاب الله تعالى أمر ليس بالهيِّن، بل يحتاج لجهود مئات الباحثين. وإذا ظهر لدى بعض هؤلاء أخطاء كان من الواجب على المؤمن الحريص على كتاب ربه أن يتحرَّى هذه الأخطاء ويصحِّحها لينال الأجر من الله تعالى في خدمة هذا الكتاب العظيم. وإذا كان باعتقاد البعض أنه لا فائدة من دراسة لغة الأرقام القرآنية، فإن هذا الاعتقاد لا يستند إلى أي برهان علمي، بل جميع التطورات التي نشهدها في القرن الواحد والعشرين تؤكد على أهمية لغة الرقم في إقامة الحجة على كل من يُنكر صدق هذا القرآن. وبما أن لغة الرقم هي لغة العلوم الحديثة، فما الذي يمنع أن نجد هذه اللغة في كتاب الله تعالى؟ وما الذي يضرّنا إذا صدرت أبحاث كهذه تُعلي من شأن القرآن، وتخاطب أولئك الماديين بلغتهم التي يتقنونها جيداً: لغة الأرقام؟

المؤكد عن إعجاز الرقم 19 في القرآن:

…إن معظم الباحثين الذين اعتمدوا الرقم 19 أساسًا لأبحاثهم، قد وقعوا في خطاٍ غير مقصود، إما في عدّ الحروف، وإما في منهج الحساب. وهذا لا يعني بأن التناسقات العددية القائمة على العدد 19 ليست موجودة، بل إننا نجد إعجازًا مذهلاً لهذا الرقم الذي ذكره الله تعالى في قوله: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ{30}}(سورة المدثر). وسوف نرى بعضًا من عجائب هذا الرقم في القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه:

عدد سور القرآن 114 سورة، من مضاعفات الرقم 19.

عدد حروف أوّل آية في القرآن 19 حرفاً، وهي البسملة.

عدد حروف القاف في سورة {ق} 57 حرفًا، من مضاعفات 19. وعدد حروف القاف في سورة الشورى 57 حرفًا كذلك. مع ملاحظة أن كلتا السورتين في مقدمتهما نجد حرف القاف. عدد حروف الياء والسين في سورة {يس} 285 حرفًا، من مضاعفات 19.

ماذا عن حساب الجُمل؟

يُعتبر هذا النوع من الحساب الأقدم بين ما هو معروف في الإعجاز العددي. ويعتمد على إبدال كل حرف برقم، فحرف الألف يأخذ الرقم 1، وحرف الباء 2، وحرف الجيم 3، وهكذا وفق قاعدة “أبجد هوّز”. وإنني أوجّه سؤالاً لكل من يبحث في هذه الطريقة: ما هو الأساس العلمي لهذا الترقيم؟ وأظن بأنه لا يوجد جواب منطقي عن سبب إعطاء حرف الألف الرقم 1، وحرف الباء الرقم 2، … لماذا لايكون الباء 3 مثلاً؟ إن هذا الحساب لم يقدّم أية نتائج إعجازية، وإن كنا نلاحظ أحيانًا بعض التوافقات العددية الناتجة عن هذا الحساب. ولكن إقحام حساب الجمّل في كتاب الله تعالى، قد يكون أمرًا غير شرعي، وقد لا يُرضي الله تعالى. لذلك فالأسلم أن نبتعد عن هذا النوع وما يشبهه من ترميزات عددية للأحرف والتي لا تقوم على أساس علمي وشرعي، حتى يثبُت صِدْقُها يقينًا.

ما فائدة الإعجاز العددي؟

قد يقول البعض ما الفائدة من دراسة لغة الأرقام في القرآن الكريم لاسيما أن هناك علومًا قرآنية كالفقه والعبادات والأحكام والقصص والتفسير جديرة بالاهتمام أكثر؟ أولاً وقبل كل شيء يجب أن نبحث عن منشأ الاتجاه السائد لدى شريحة من الناس، ومنهم علماء وباحثون، للتقليل من شأن المعجزة الرقمية في القرآن الكريم. فنحن نعلم جميعًا الأهمية الفائقة للغة الأرقام في العصر الحديث، حتى يمكن تسمية هذا العصر بعصر التكنولوجيا الرقمية، فقد سيطرت لغة الرقم على معظم الأشياء التي نراها من حولنا. وبما أن القرآن هو كتاب صالح لكل زمان ومكان فلابدّ أن نجد فيه إعجازًا رقميًا يتحدّى كل علماء البشر في القرن الواحد والعشرين. فالذين يظنون بأنه لا فائدة من الإعجاز الرقمي، إنما هم بعيدون عن تطورات العصر، وغالبًا ليس لديهم اختصاص في الرياضيات. والغريب: كيف يمكن لإنسان لم يدرس الرياضيات أن ينتقد معجزة رياضية في كتاب الله؟!

أرقام لافتة:

…ولو أنه لا فائدة من هذه الأرقام فلماذا كان الرقم سبعة هو الأكثر تكرارًا في كتاب الله بعد الرقم واحد؟ ولماذا عدد السماوات سبع، وقد تكررت عبارة (سبع سماوات، السماوات السبع) في القرآن كله سبع مرات بالضبط بعدد هذه السماوات؟ لماذا تكررت كلمة (القِبلة) سبع مرات في القرآن، ونحن نعلم بأن الطواف حولها هو سبعة أشواط؟ ولماذا جعل الله تعالى لجهنم سبعة أبواب، وجاء عدد مرات ذكر كلمة جهنم في القرآن (77) مرة، أي من مضاعفات الرقم سبعة؟ ولو كانت الأرقام لا معنى لها في القرآن فلماذا تكررت كلمة (الشهر) 12 مرة بعدد أشهر السنة، ولماذا تكررت كلمة (اليوم) 365 مرة بعدد أيام السنة؟ ولماذا جاء عدد مرات ذكر كلمة (الدنيا) في القرآن كله مساويًا لعدد مرات ذكر كلمة (الآخرة)؟ وقد تكررت كل كلمة من هاتين الكلمتين 115 مرة.

هذا وإن المؤمن الذي أحبَّ الله ورسوله وأصبح القرآن منهجًا له في حياته لا ينبغي له أن ينأى بنفسه عن علوم العصر وتطوراته، ولا يجوز له أبدًا أن ينتقص من شأن القرآن بإهماله لهذه المعجزة، لأنها صادرة من عند الله تعالى، ولولا أهمية هذه المعجزة لم يكن الله عزّ وجلّ ليضعها في كتابه! وحال المؤمن دائمًا في لهفةٍ لجديد هذا القرآن وجديد إعجازه، وما يُعلي شأن كلام الله وشأن هذا الدين. أما عن الأخطاء وبعض الانحرافات التي وقع بها بعض من بحثوا في لغة الأرقام القرآنية فيجب ألا تثنيَنا عن دراسة هذا العلم الناشئ، بل يجب على المؤمن أن يسارع إلى معرفة الأخطاء ليتمكّن من تجنبها.

الإعجاز العددي: هل يصرف المؤمن عن معاني ودلالات الآيات؟

ولكن بعض علماء المسلمين يرون أن الاهتمام بعَّد كلمات وحروف القرآن قد يصرف المؤمن عن دلالات ومعاني الآيات، فالمؤمن بحاجة إلى فهم آيات القرآن من الناحية اللغوية ليهتدي بها إلى طريق الله تعالى. هذا فهم خاطئ أيضًا! فكيف يمكن للخالق العظيم جلّ جلاله أن يضع شيئًا في كتابه ليصرف الناس عن فهم آيات هذا الكتاب؟! إن كل حرف من حروف القرآن فيه معجزة تستحق التدبُّر والتفكُّر. وبما أن هذا القرآن صادر من عند الله تعالى فإن كل شيء فيه هو من عند الله، ولا ينبغي لمؤمن حقيقي راسخ في العلم أن يقول إن هذه المعجزة لا تعنيني لأنني مؤمن أصلاً، بل لسان حال المؤمن يقول دائما: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا{7}} (سورة آل عمران). إن تأمُّل كلمات القرآن وآياته وحروفَه من الناحية العددية يجعل المؤمن أكثر حفظًا واستحضارًا لهذه الآيات، وهذا الكلام عن تجربة طويلة تتجاوز عشر سنوات مع الإعجاز الرقمي. وبالرغم من أنني أنفق وقتًا طويلاً على دراسة وتأمُّل الإعجازات الرقمية لكتاب الله تعالى ، إلا أنني لم أنصرف عن دلالات هذه الآيات، بل على العكس اكتسبت شيئًا جديدًا وهو الدقة في تلاوة هذه الآيات، والحرص على كل حرف من حروف القرآن، وأنه لا يجوز زيادة حرف ولا نقصانه.

هل يمكن للبشر أن يأتوا بمثل هذه الإعجازات؟

وقد يظن البعض ممن ليس لديهم الخبرة والتجربة بعدّ الحروف وإحصاء الكلمات، بأنه من السهل على أي إنسان أن يركّب جُمَلاً يراعي فيها تكرار الحروف، إذن أين الإعجاز؟ في كتاب الله عزّ وجلّ نحن أمام مقياسين: مقياس لغوي ومقياس رقمي. فلا نجد أي نقص أو خلل أو اختلاف في لغة القرآن وبلاغته من أوله وحتى آخره، وفي الوقت نفسه مهما بحثنا في هذا الكتاب العظيم لا نجد أي اختلاف من الناحية الرقمية، فهو كتاب مُحكم لغويًا ورقميًا. إن محاولة تقليد القرآن رقميًا سيُخل بالجانب اللغوي، فلا يستطيع أحد مهما حاول أن يأتي بكلام بليغ ومتوازن وبالوقت نفسه منظَّم من الناحية الرقمية، سيبقى النقص والاختلاف في كلام البشر، وهذا قانون إلهي لن يستطيع أحد تجاوزه، وهذا مانجد تصديقًا له في قول الحقّ تبارك وتعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا{82}} (سورة النساء). ففي هذه الآية دعوة لتأمّل التناسق في كلام الله تعالى، وتمييزه عن الاضطراب والاختلاف الموجود في كلام البشر. أليست هذه إشارة غير مباشرة لتدبُّر القرآن من الناحية البيانيّة والعددية؟

هل ينطبق الإعجاز العددي على قراءات القرآن العشر؟

أما قولهم: لا أرقام ثابتة في القرآن يمكن بناء معجزة عليها، وأن الأرقام في القرآن الكريم هي مثار خلاف عند الكثير من العلماء والباحثين، وأن عدد قراءات القرآن عشر، وهذه المصاحف العشرة تختلف من حيث عدد الآيات لكل سورة. فكيف نسمي هذه الأرقام حقائق يقينيّة، وهي قد تختلف من مصحف إلى آخر؟ والجواب عن هذه الشبهة نجده في قول الله عز وجل عن القرآن الكريم: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا{82}} (سورة النساء). إذن في كتاب الله ليس هناك اختلاف، بل تعدّد القراءات وتعدّد الأرقام، وهذا يعني تعدّد المعجزات وزيادة في الإعجاز. ويمكنني أن أقول بأن الإعجاز الرقمي يشمل جميع قراءات القرآن، ويشمل جميع كلماته وحروفه وآياته وسوره، حتى النقطة في كتاب الله تعالى لها نظام مُعْجِزْ! ولكن أبحاث الإعجاز العددي تقتصر حاليًا على قراءة حفص عن عاصم، وهو المصحف الإمام، فهذه القراءة هي الأوسع انتشارًا في العالم الإسلامي، وهي الموجودة بين أيدينا اليوم. وحتى نكتشف معجزة جديدة يجب علينا إجراء دراسة مقارنة لهذه القراءات من الناحية الرقمية، والنتيجة المؤكدة لهذه الدراسة أن كل قراءة فيها معجزة خاصة بها. وأن وجود عدد من القراءات هدفه زيادة عجز البشر عن الإتيان بمثل هذا القرآن الذي قال الله عنه: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا{88}} (سورة الإسراء). وينبغي على كل مؤمن أن يعلم بأن القرآن متناسق في ألفاظه ومعانيه، وفي آياته وسوره، وفي بيانه ودلالاته، وفي عدد كلماته وحروفه. وقد يُخفي هذا التعدّد لقراءات القرآن معجزة عظيمة، بيانيّة وعددية، ولكن عدم رؤية المعجزة، لا يعني أبدًا أنها غير موجودة، إنما يعني أن رؤيتنا نحن البشر محدودة.

هل يوجد إعجاز عددي في لفظ كلمات القرآن؟

وهنالك سؤال مهم: إلى أي حد تراعي أبحاث الإعجاز الرقمي لفظ كلمات القرآن الكريم، إذ كما نعلم أن القرآن نزل مقروءًا وليس مكتوبًا؟ لقد لفت انتباهي هذا الأمر منذ زمن، وبعد تفكير وبحث طويلين أدركت بأن أي شيء في القرآن الكريم يُخفي وراءه معجزة. إن الذي يقرأ كتاب الله يرى أن طريقة رسم الكلمات وعدد الحروف المرسومة لا يساوي عدد الحروف الملفوظة (غالبًا)، أي أن هناك تعدّدًا في الأرقام، وتتعدد هذه الأرقام أكثر إذا لفظنا كلمات الآية باستمرار أو كل كلمة بمفردها. وأن هناك حروفًا تُكتب ولا تُلفظ، وحروفًا أخرى تُلفظ ولا تُكتب. وقد قمت بإجراء بحث داخل سورة الفاتحة (السبع المثاني)، وتبيَّن أن هنالك بناءً رقميًا عجيبًا يقوم على الرقم سبعة لرسم هذه الكلمات كما رُسمت في القرآن، وبناءً آخر يقوم على الرقم سبعة أيضًا يشمل لفظ كلمات السورة. ومن هنا يمكن استنتاج الحقيقة المهمة وهي أن المعجزة تشمل رسم الكلمات ولفظها معًا! وهذا يزيد في الإعجاز. ويكفي أن نعلم بان سورة الفاتحة وهي السبع المثاني تحوي أربعة عشر حرفًا مشدّدًا (7×2)، وهذه الحروف تُكتب مرّة واحدة ولكنها تُلفظ مرّتين.

هل يمكن معرفة الغيب باستخدام الأرقام القرآنية؟

وهنالك من يبالغ في مسألة الإعجازالعددي فيربط بعض الأرقام القرآنية بأحداث سياسية أو تاريخية كزوال إسرائيل وأحداث الحادي عشر من أيلول والتنبؤ بقيام الساعة، ألا يُعتبر هذا أحد منزلقات الإعجاز الرقمي؟ إن المبالغات موجودة في كل العلوم، حتى في تفاسير القرآن، فقد تتعدد أراء العلماء حول تفسير بعض الآيات. وقد نجد تفسيرات متناقضة لبعض آيات القرآن، وقد نجد تفسيرات خاطئة أيضًا. فمثلاً الذي فسَّر بأن الأرض مسطّحة وليست كرويّة تفسيره خاطىء، وفهمُه بعيد عن الواقع لقوله تعالى: {وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ{20}} (سورة الغاشية). والتفسير الصحيح لهذه الآية أنه يجب على المؤمن النظر إلى خلق الله وخصوصًا الأرض التي مهَّدها الله لنا، وجعلها مستوية أمامنا، فمَهما سرنا على سطحها نعود من حيث بدأنا، ولو أن الله تعالى جعلها مليئة بالحفر والتعرجات والمنحدرات مثل سطح القمر لتعذرت الحياة، وصعبت كثيرًا ولكنها رحمة الله بعباده.

إن لغة الرقم هي اللغة التي نعبر بها عن الماضي والمستقبل، فنحن نعبر عن التواريخ بالأرقام كما نعبر عن الأعمال التي سنقوم بها مثل السفر أو الاستعداد لموسم الحج أو لشهر رمضان بالأرقام أيضًا. وقد قال الله تعالى {وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً{12}} (سورة الإسراء). واليوم يتنبأ علماء الفلك بموعد حدوث كسوف الشمس أو القمر بدقة تامة، وهذا لا يُعدّ أمرًا محرّمًا. نعم الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكن هناك أشياء يمكن معرفتها بواسطة الحسابات، مثل الثقوب السوداء التي لا يمكن رؤيتها مطلقًا، ولكن يمكن حساب وتحديد بُعْدها عنا، ومقدار جاذبيتها، وسرعة حركتها بواسطة لغة الأرقام. إذن المشكلة ليست في لغة الأرقام، بل في استعمال هذه اللغة بشكل علمي صحيح، فإذا ما جاء من يدّعي أنه استخرج من القرآن تاريخًا معيّنًا أو حدثًا مستقبليًا، فإن عليه أن يأتي بالبرهان العلمي الذي لا يعارضُه أحد فيه.

ماهي الضوابط الواجب الالتزام بها من قِبل من يبحث في هذا العلم

حتى يكون البحث مقبولاً ويطمئن القلب إليه يجب أن يوافق العلم والشرع، أي يجب أن يحقق الضوابط التالية لكل عنصر من عناصره:

1- معطيات البحث: يجب أن تأتي من القرآن نفسه، ولا يجوز أبدًا أن نُقحم في كتاب الله عزّ وجلّ مالا يرضاه الله تعالى.

2- طريقة معالجة المعطيات: يجب أن تكون مبنيّة على أساس علمي، وشرعي. فلا يجوز استخدام طرق غير علمية. لأن القرآن كتاب الله تعالى، وكما أن الله بنى وأحكم هذا الكون بقوانين محكمة، كذلك أنزل القرآن ورتبه وأحكمه بقوانين محكمة، وقال عنه: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ{1}} (سورة هود).

3- نتائج البحث: أما نتائج البحث القرآني فيجب أن تمثّل معجزة حقيقيّة لا مجال للمصادفة فيها وينبغي على الباحث في هذا المجال إثبات أن نتائجه لم تأت عن طريق المصادفة. وذلك باستخدام قانون الاحتمالات الرياضي.

الخلاصة:

إذن المعجزة الرقمية هي أسلوب جديد في كتاب الله يناسب عصرنا هذا. الهدف منه هو زيادة إيمان المؤمن كما قال تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا{31}} (سورة المدثر). هذه المعجزة هي وسيلة أيضًا لتثبيت المؤمن وزيادة يقينه بكتاب ربه لكي لا يرتاب ولا يشك بشيء من هذه الرسالة الإلهية الخاتمة، كما قال تعالى:{وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ{31}}(سورة المدثر).

ولكن الذي لا يؤمن بهذا القرآن ولا يقيم وزنًا لهذه المعجزة ما هو ردّ فعل شخص كهذا؟ يخبرنا البيان الإلهي عن أمثال هؤلاء وردّ فعلهم: {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً{31}} (سورة المدثر). هذا هو حال الكافر يبقى على ضلاله حتى يلقى الله تعالى وهو على هذه الحال.

لذلك لا ينبغي للمؤمن الحقيقي أن يقول بأن المعجزة الرقمية لا تعنيني أو لن تؤثر على إيماني أو لن تزيدني إيمانًا. بل يجب عليه البحث والتفكر والتدبر في آيات القرآن من جميع جوانبه. هذا القرآن سيكون شفيعًا لك أمام الله عندما يتخلَّى عنك كل الناس! فانظر ماذا قدمت لخدمة كتاب الله وخدمة رسالة الإسلام.

اللهم أرِنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

 ____________________________________________

*  بتصرّف. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.55a.net