المفاعيل الاجتماعية لشرب الخمر

عصام عبد الله*

” الْخَمْرُ أُمُّ الْفَوَاحِشِ وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ مَنْ شَرِبَهَا وَقَعَ عَلَى أُمِّهِ وَخَالَتِهِ وَعَمَّتِهِ “.1 حديث شريف

الخمر مذهبة للعقل: قيل لرجل من العرب : لم لا تشرب النبيذ ؟ قال : (والله ما أرضى عقلي إلا صحيحا فكيف أدخل عليه ما يفسده ؟). وقال الحسن : (جاء النبيذ إلى أحب خلق الله إليه حتى أفسده)، يعني العقل.

وقال بعضهم: (لو كان العقل علقا يشترى لتغالى الناس في شرائه فالعجب من أقوام يشترون بأموالهم ما يذهب بعقولهم).

تلحق الخمر العار بسمعة شاربها وسمعة أهله من بعده: قال شاعر:

دعاني عمرو للتي لا أريدها                      وكنت لعمرو عالما لو درى عمرو

فقلت له يا عمرو دع ذكر ما ترى               فإني ممن لا تحل له الخمر

أأشربها بعد الثمانين إنني إذن                  غير محمود وإن عمني الفقر

فللفقر خير عقبة من سلافة                       تبقني عارا وإن يفسد العمر

يسب بها عقبي خلافي إذا دعوا                 وليس بماح عارها عني القبر.

وقال آخر:

جاءوا بفاقرة صفراء مترعة                     هل بين باذقكم والخمر من نسب ؟

إني أخاف مليكي أن يعذبني                     وفي العشيرة أن تزري على حسبي

الخمر عجز في العافية ومرقة للدين، قال بعضهم: (ما في شربة من نبيذ ما يخاطر رجل بدينه).

وأنشد قيس بن عاصم المنقري ، وهو ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية فقال :

رأيت الخمر مصلحة وفيها مناقب             تفسد المرء الكريما

فلا والله أشربها صحيحا                         ولا أشقى بها أبدا سقيما

ولا أعطي بها ثمنا حياتي                       ولا أدعو لها أبدا نديما

إذا دارت حمياها تجلت                           طوالع تسفه الرجل الحليما

الخمر تؤدي بشاربها إلى الهزء والسخرية:

من اللافت أن عدا من وجهاء الجاهلية من قريش أقلعوا عن الشرب قبل دنوّ آجالهم استحياء مما فيها، من بينهم هشام والوليد ابنا المغيرة ، وأمية بن خلف وحرب بن أمية، وعبد الله بن جدعان، تنزها عنها، ولقد تاب ابن جدعان قبل أن يموت فقال :

شربت الخمر حتى قال قومي                   ألست من السقاة بمستفيق

وحتى ما أوسد في منام                          أنام سوى الترب السحيق

وحتى أغلق الحانوت رهني                    وآنست الهوان من الصديق

وقيل للعباس بن مرداس بعدما كبر : ألا تأخذ من الشراب فإنه يزيد من جرأتك ويقويك ؟ قال : أصبح سيد قومي وأمسي سفيههم؟ لا والله لا يدخل جوفي شيء يحول بيني وبين عقلي أبدا.

الخمر متلفة للمال مفسدة للدين: وقال بعض الحكماء لابنه : يا بني ما يدعوك إلى النبيذ ؟ قال : يهضم طعامي ، قال : هو والله يا بني لدينك أهضم.

وقال شاعر: وإذا النبيذ على النبيذ شربته                       أزرى بدينك مع ذهاب الدرهم

وقيل لقيس بن عاصم في الجاهلية : تركتَ الشراب ؟ قال : لأني رأيته متلفة للمال داعية إلى شر المقال مذهبة بمروءات الرجال.

الخمر مفسدة لأهل البيت الذي تدار فيه الكؤوس:

وكان يقال : ما مالت النشاوى في دار رجل قط إلا فسدت نساؤه.

خاتمة: ماذا يبقى من شارب الخمر بعد الثمالة؟

وألح رجل على أبي إسحق الفزاري قائلاً: يا أبا إسحاق أجبنا ما تقول في النبيذ ؟ قال : (ما أدري ما أقول لك إلا أني رأيت مجنونا يصرع يسوى رأس سكران). وكان العرب يتندرون استهزاءً بشاربي الخمر فيقول بعضهم في الثمالى:

السكر على ثلاثة : منهم من إذا سكر تقيأ وسلح (بال على نفسه وتغوّط)، فهذا مثل الخنزير ، ومنهم من إذا سكر كدم وجرح فمثله مثل الكلب ، والثالث إذا سكر تغنى ورقص فمثله مثل القرد.

قال الحكم بن هشام لابن ابن له وكان يتعاطى الشرب : يا بني إياك والنبيذ فإنه قيء في شدقك، وسلح على قعدك (أي يتغوط ويلوث ثيابه دون أن يشعر) وحدٌ في ظهرك وتكون ضحكة للصبيان وأميراً للذبان .2

وقانا الله جميعاً من الاستهزاء وقلة المروءة وفقدان الوعي ونقصان الكرامة، والحمد لله رب العالمين.

 ________________________

* إعلامي وعضو في منتدى الإعجاز العلمي للقرآن والسنة في لبنان.

[1]  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ج9 ص367، والدارقطني في سننه  ج10 ص417 عن ابن عباس.

[2]  مقتطفات من كتاب ذم المسكر لابن أبي الدنيا.