اليأس خدعة من الشيطان

د. هارون يحيى*

 

الذي لا ينجح في ما يقوم به، والذي يفقد شيئًا قيمًا، والذي يفشل في امتحان والذي يخشى الحصول على نتائج سلبية، إذا كان هذا الشخص يرى هذه المخاوف من منظور واحد، فإنه قد سلم نفسه عمومًا لاستياء كبير بسبب هذه النتائج غير المتوقعة .في مثل هذه الحالات، فإن الإنسان المؤمن يتبنى موقفًا مختلفًا تمامًا، فهو يعلم أن كل ما يحدث له هو من عند الله تعالى، وبذلك يظهر رد فعل حكيم عند مواجهتها. كما يبينه الله تعالى في القرآن الكريم : (وَنَبلوكم بِٱلشَّرِّ والخير) (سورة الأنبياء ، 35) لذلك فالمؤمن عندما يصادف صعوبات أو مشقات في حياته فإنه لا يستسلم لليأس بأي حال من الأحوال.

الذي يشجع الناس على اليأس هو الشيطان

الشيطان يحاول دائمًا أن يشعر الإنسان بقلة الثقة في نفسه واليأس عند التفكير في مستقبله المجهول فيجعله متشائمًا في تفكيره. فالشيطان يعمل لكي لا يؤمن الناس بالله ولا يطيعوه. فلا يريد الشيطان من الناس أن يؤمنوا ولا أن يثقوا بالله لتكون حياتهم تعيسة وبدون حماس، على عكس ما يحبه الله تعالى من عباده , فانه تبارك و تعالى يدعوا للخير والإيمان بمشيئته وبقدره كما جاء في كتابه الكريم. فالشيطان لا يريد أن يتقرب الناس إلى الله أو أن يعيشوا بالأخلاق الحميدة والقيم الفاضلة للقرآن. وعند وقوع حادث، فإن الشيطان يوسوس للإنسان محاولاً تحطيم معنوياته ليجعله من اليائسين المحبطين لينجر عن ذلك للعجز وللتعب، حتى أنه في بعض المجتمعات أصبح اليأس نمط حياة. فالناس الذين وضعهم الشيطان تحت نفوذه، يكونون مولعين بالأغاني الحزينة والأفلام التي تكون ذات طابع تشاؤمي وكل ما يعبر عن اليأس والإحباط، فتراهم يتذوقون ذلك ويتحسسونه مما يؤثر سلبًا في معنوياتهم وأفكارهم و بالتالي في حياتهم و يضر بتوازن عقولهم ومنطق أحكامهم فلا يمكنهم اتخاذ قرارات سليمة طول حياتهم إذ اليأس شعارهم.

من ناحية أخرى، فإن الناس اليائسين ينشرون اليأس بين الناس الذين من حولهم، فينتج عن ذلك مناخ سلبي ومتشائم. وفي هذه الحالة يصبحون في خدمة الشيطان وذلك بوعي أو بغير وعي، لأنه من خلال الناس المتشائمين يريد الشيطان خلق حالة سلبية للعقول وهذه خدعة من خدع الشيطان كما توضح الآية في قوله تعالى : إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (سورة الانعام ، 121)

أما المؤمنون فإنهم لا يتأثرون بعمل الشيطان, المؤمنون دائما متفائلون بإذن الله ويبقون بعيدين عن الحياة المتشائمة وبذلك يفوزون برضا الله وثوابه في الدنيا و الآخرة ، فيعيشون في بركة الله فتصبح حياتهم سعيدة.

إذا سعى المؤمن للتمسك بأخلاق القرآن، تجده قريبًا من الله، شاكرًا في السراء و صابرًا في الضراء قاهرًا للشيطان فلا يستطيع التأثيرفيه بأي شكل من الأشكال.

الرضا بقدر الله هو الحل للتخلص من اليأس

خلق الله تبارك و تعالى كل شيء في الكون بمشيئته. فكل شيء كائن أو سيكون، قد خلقه الله منذ الأزل بقدر، سبحانه له ملك السموات والأرض وهو على كل شيء قدير.

ومن المستحيل أن يغير قدره في أي حال من الأحوال. ومنه فإن المؤمن الذي يدرك هذا، يعرف أن كل ما يحدث من حوله هو جزء من مصيره المكتوب في اللوح المحفوظ عند الله، كما قال الطحاوي رحمه الله: [فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى أنه كائن، ليجعلوه غير كائن، لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه غير كائن، ليجعلوه كائناً، لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة] فعلى سبيل المثال، يمكن أن يفقد الإنسان جميع ممتلكاته أو شخصًا عزيزًا على قلبه ، إلا أنه بعد وقوع الحادث والخسارة المادية أو المعنوية ، يجب على المؤمن أن لا يفقد في كل حال من الأحوال الأمل والإيمان طوال حياته، فالكل معرض في حياته إلى عراقيل ومشاكل يمكن أن تؤثر سلبًا عليه, ومن المعروف أنه لا يمكن لأي شخص معرفة ما سيحدث في المستقبل . الحقيقة الوحيدة هي أن كل ما يعيشه الإنسان مكتوب بقدر عند الله منذ الأزل. فكل شخص سيعيش حتمًا كل ما كتبه الله له فهذا هو قدره بكل تأكيد.

يمكننا تفسير ذلك من خلال تقديم مثال من الحياة اليومية : نحاول تصور المشهد في أذهاننا : تصادم سيارتين. كل من هذين الشخصين يسيران بسرعة للالتحاق إما بعائلاتهم أو الذهاب إلى مقر عملهم. كل واحد منهم يأخذ سيارته في وقت محدد و يسير في الطريق.

من الممكن قبل الدخول إلى المكان الذي سيقع فيه الحادث، يتردد كل واحد منهما لكن في الأخير يسيران في الطريق التي سيقع فيها الحادث. فمن الممكن أن أحد أو كلا السائقين طوال حياتهم يقودان سيارتهما ، ولكن مجرد لحظة واحدة من فقد الانتباه على الطريق لتعديل جهاز الراديو الخاص به مثلا، فيصبح بذلك كل شيء محددا من أجل التخطيط لوقوع هذا الحادث. كل التفاصيل تقود الشخصين إلى وقوع الحادث والأمثلة عديدة و مختلفة في هذا الباب. ولكن السبب الرئيسي هو أن هذا الحدث مقدر لهذين الشخصين حتى قبل أن يولدوا. وبالتالي يجب تقبل القضاء و البحث عن الجانب الايجابي لهذه التجارب و الأهم عدم الوقوع في اليأس الذي يحاول الشيطان زرعه في الإنسان، فيكون شكر الله في مثل هذه الحالات هو الخيار الأفضل والأجمل كما تدعونا إلى ذلك أخلاق القرآن : مصداقا لقوله تبارك و تعالى : “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا و على الله فليتوكل المؤمنون. (في سورة التوبة ، 51)

* ما هو مهم في الحدث الذي يبدو لنا سلبيا هو أن نرى فيه الجانب الإيجابي، والفوائد التي تنبثق من هذا الحدث .

* والذي يسعى لقراءة هذه الأحداث من زاوية ايجابية لرؤية الفضل من وراءها، سوف يجد أن هذه الأحداث قد تم خلقها بطريقة مثالية وبدون تقصير، وسيزيد من اهتداءه ومن إيمانه.

* من يتخذ الله وكيلا، يكون مؤمنًا بقدره، سوف يدرك على أي حال الرضا. ولذلك ، فإنه سيعيش بإذن الله حياة طيبة تعمها السعادة ويزينها الصفاء والإيمان .

المؤمنون متفائلون ومتلذذون بحلاوة الإيمان

المؤمن الذي يقرأ هذه الآية من القرآن إيمانا واحتسابا “… ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”. (سورة يوسف ، 87) تجده لا يعرف معنى اليأس. فالله يخبرنا أن الإحباط واليأس ليستا من صفات المؤمن ، ولكنها صفات الكافرين الضالين عن هدى الله في الدنيا و الآخرة: “و يتجنبها الأشقى.” (سورة الأعلى، 11) “… و عسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم و الله يعلم و أنتم لا تعلمون”. (سورة البقرة ، 216)

و كما قال الله تعالى في هذه الآيات الأخيرة، المؤمن الصادق في إيمانه لا يعرف اليأس، فعند الضراء، لا يسلم نفسه للسخط و الاحباط بسبب الهموم، بل من الحكمة و الإيمان بالله أن يرى منافع ما يكرهه، كالثواب على الصبر و غفران الذنوب . و الذي يعمل على تحليل الأحداث بصفة ايجابية، سوف يفهم أن الأحداث تم إنشاؤها بطريقة مثالية وبدون تقصير و سيلاحظ أن إيمانه سيزيد. والمؤمن الذي يهب حياته فقط لإرضاء الله و يخصصها للفوز بالجنة يحاول التصرف والتفكير من خلال هذه الأخلاق القرآنية، لأنه عندما ينال القوة والاستعانة والدعم من الله ، يدرك أن كل حدث سيؤدي إلى منفعة. ولذلك ، فإن المؤمن الذي يثق في الله فإنه سوف يعيش بإذن الله حياة طيبة تعمها السعادة ويزينها الصفاء والإيمان .

يقول الله عز و جل في هذه الآية حيث يخبرنا عن حكمته في الخلق:

“قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين”. (سورة الحجر55)

(سورة البقرة 216)…تعلمون “و عسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم و الله يعلم و أنتم لا

الله يختبر الناس بمصاعب تتناسب مع طاقاتهم

{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}

[سورة البقرة: 286]

أظهر الله في القرآن الكريم أنه سيمتحن كل مسلم بأشكال متعددة طوال حياته. لكن من أهم الأسرار في هذا الموضوع والذي يحتاج كل مؤمن لمعرفته هو: أنك إن واجهتك مصيبة، أو عقبة صعب عليك تجاوزها، فإن الله قد أعطاك القوة لتتجاوز المصائب وتنجح في الامتحان. ولنعلم بدايةً أن هذا القانون من سنن الله في خلقه، والإيمان بهذا القانون من أهم ما يتزود به المؤمن ليتجاوز هذا الامتحان.

عندما تواجهك مصيبة ما وتعتقد أنك أضعف من أن تتغلب عليها، أو أنك لن تتغلَّب عليها بوسائلك ومعرفتك الخاصة، عندها ستفتقر إلى القوة التي تواجه بها مصابك. على أي حال، فمن المستحيل أن تجد مثل طريقة التفكير هذه عند أي مؤمن حقيقي، يؤمن بالله ويخشاه، ويؤمن بالدار الآخرة، ويعلم أن كل شيء خُلق وقُدِّر له قدره، والذي يبادر في فعل الخيرات.

ولكن يمكن أن ترى مثل هذا النوع من المنطق الكاذب عند الذين يتصرفون وفقاً لما يراه الجهال. عندما يواجه مثل هؤلاء الناس المصائب والاضطرابات، سيكون عليهم أن يبذلوا كل ما أمكنهم للتغلب عليها، وعلى الفور يقعون فريسة الضعف. أول كلماتهم تعبر الاستسلام واليأس، كلمات تشكو من الوضع الذي يجدون أنفسهم فيه. وكذلك معتقداتهم تشبه كلامهم، فهم من خلال هذا الكلام اليائس الذي يقنعون أنفسهم به، يشكلون سلوكهم ويجعلون أنفسهم عاجزين تماماً.

ومن أكبر الأخطاء التي يرتكبها الناس الذين يتصرفون بهذه الطريقة، أنهم يفشلون في تقدير الله حق قدره بل قد ينسونه. فيقضون حياتهم وهم يتخيلون أنهم قادرون على فعل كل شيء بأنفسهم. والحقيقة أن أسوأ المصاعب وأشد الأحوال هي أمور يمكن حلها بلحظة إذا أراد الله ذلك.

الله جبار وقادر أن يفعل ما يريد في لحظة إرادته، وأكبر وأعظم مما يمكن أن يتخيله البشر. وإن أخطر الأوضاع، والمصائب التي تكون كالجبال يمكن أن يسويها ويزيلها بكل سهولة ويسر. إذا أراد الله ذلك، وهذا أمر مهم عند من يدرك ذلك ويقضي حياته على هذا الإيمان.

مَن يكرّس كل لحظة من حياته لله ويعيش في خضوعٍ له، سيُظهر الانقياد نفسَه والثقة بالله وسيكون في أمان عندما تتحداه المصائب. ومهما بلغت المشكلة أو المصيبة فهو قادر على المواجه، لأن المؤمن يعلم من البداية أن مَن لديه الإيمان من السهل عليه أن ينتصر. فيثق بالله ويعلم أنه يستمد قوته من الله، ويتحدى المصائب بإيمانه وبالقيم الأخلاقية التي استمدها من القرآن الكريم.

الحقيقة الثانية في هذا الموضوع أن المؤمنين يستمدون القوة من الله، فالله سبحانه يُذلِّلُ الصعوبات للمؤمن الحق. وهذا القانون الثابت مما أخبر به الله في القرآن الكريم:{إن مع العسر يسرا} والسر الآخر الذي أخبر به لله في القرآن الكريم أنه بينما تُذَلّل المصاعب وتفتح أبواب الخير وتُيّسر طرقه للمؤمنين الملتزمين بهذه القيم الأخلاقية، فإن الآخرين الذين يظنون أنهم يستغنون بأنفسهم ويرفضون قيم الإسلام وأخلاقه فإن الله يمدّ لهم في غيّهم ويستدرجهم من حيث لا يعلمون بتسهيل وتيسير أبواب الحرام لهم ليواجهوا غضب الله:

{إن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً * فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب} [سورة الإنشراح:5-6]

{ونيسرك لليسرى} [سورة الأعلى:8]

{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}[سورة الليل:5-7]

{أَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[سورة الليل:8-10]

بيّن الله القيم الأخلاقية التي تضفي سهولة على هذه الدنيا والآخرة، وبين ويسّر كل ما هو صحيح، وهدانا إلى أسباب السعادة والبركة في حياتنا. وكشف عن أسباب بقاء بعض الناس أسرى للمصاعب والمتاعب، وضعفاء، ومستائين وحائرين. أما الذين تفيض قلوبهم بالإيمان بالله وبحبه وإجلاله وتقديسه وبالخوف منه سبحانه فهم يجدون دائماً لكل مشكلة صعبة حلّ ولكل مشقةٍ تيسير.

يجب أن يعيش المؤمن دون أن ينسى هذا السر المهم، ويعرف أنه سوف يستمد قوته من الله في مواجهة كل الصعوبات، وبأن جميع الابواب ستفتح له عندما يُقبِل على الله، فالإقبال على الله هو الحل الوحيد الذي يوفر السلام والراحة والسعادة والبركة في الدنيا.

__________________________

* وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.harunyahya.com