تحت كل شعرة جنابة

الإعجاز العلمي في مسمى الجنابة وحكمها الشرعي*

د. عبد البديع حمزة زللي[1]

 clip_image394

مقدمة:

        لم يكن مفهوم الجنابة حسب مضمونها الشرعي معروفًا لدى العرب قبل الاسلام واختلف علماء اللغة والتفسير في استخلاص الأسباب التي دعت إلى تسمية من أصابته الجنابة بالجنب.

ودارت معظم التفاسير حول تجنب الجنب المساجد أو تجنب الناس له ما لم يغتسل.

لكن دراسة الاحاديث الشريفة المتعلقة بهذا الأمر ستقودنا إلى استنتاج ان الجنابة شيء يخرج من داخل الجسم ليعم اجزاءه الخارجية بعد المواقعة الجنسية.

ونلاحظ أن الاحاديث النبوية الشريفة تشير إلى أنواع ثلاثة من المواد الضارة الحاملة للأذى الموجودة في جسم الانسان، فهي إما ان تصيب الجسم وتؤذيه وإما ان تخرج منه ويتعافى وإما أن تُجَبَّ من داخله وتستقر على خارجه والنوع الأخير هو الذي يعنينا في هذا البحث حيث يظهر فيه تناسب لفظة الجنابة مع المواد المجنَّبة من الجسم.

ويكشف هذا البحث النقاب عن إعجاز علمي جديد حول لفظة الجنابة وحول الحكمة الخفية في وجوب اغتسال من تصيبه الجنابة وعدم وجوبه على من خرج منه :”المذي” وكيف أن خروج المني الطاهر بشهوة يوجب الغسل بينما نكتفي بازالة المذي النجس وأثاره عند نزوله دون الحاجة إلى الغسل.

ولم يكن بمقدور الاجيال السالفة إلا التسليم بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا بينما أصبح بامكان جيلي القرن العشرين والواحد والعشرين التحقق بواسطة المجاهر المتطورة وأجهزة التحليل الدقيقة من ان هذا النبي الكريم لا ينطق عن الهوى وان هو الا وحي يوحى.

ولا ينحصر الاعجاز العلمي اللغوي في هذا المجال بلفظة الجنابة فقط بل بلفظتين اضافيتين هما “أذهب” و”أصاب”.

وترتبط الالفاظ الثلاث بمعنى نقل وانتقال الاشياء والمواد من موضع إلى موضع آخر.

فأذهب تعني تخلّص وأصاب تعني انتقال المواد المؤذية التي يفرزها جسم شخص ما إلى اجسام اشخاص آخرين فيتسبب بضررهم وأذاهم.

1- انتقال الأذى:

        من المعروف أن جسم الانسان يحمل أجناسًا وأنواعًا مختلفة من الكائنات الحية الدقيقة، منها ما يكون على جلده ومنها ما يكون داخل فمه او جهازه الهضمي أو سواه من الأجهزة (الدموي، التنفسي…) ومن هذه الكائنات ما هو مفيد للجسم ومنها ما يضر ويؤذي ومنها ما لا يؤثر بالبعض بينما يضر ويؤذي البعض الآخر خاصة الذين يعانون من اختلال في جهاز المناعة أو الصغار أو المتقدمين في السن…

وعلى سبيل المثال فان البصاق أو النخامة ينقل كائنات حية ممرضة وغير ممرضة إلى جسم شخص آخر أو ثوبه لتتكاثر فيه.

وقبل أن يعرف العلم ذلك وقبل أن يذكره أحد من قبل، أمر النبي صلى الله عليه وسلم كل من يتنخم أن يغيِّب نخامته حتى لا تلتصق بجدار أو بطريق الناس ولا تصيب إنسانًا آخر فتؤذيه بقوله: -ح: “إذا تنخم احدكم في المسجد فليغيب نخامته، أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه.”

ولا ضرورة هنا للتوسع في شرح الأذى الناجم عما يخرج من جسم الانسان من بول وغائط ما لم يطمر أو يخفى، وعن اذاهما القاتل إذا ما حصرا في جسم الانسان.

لكن المهم هنا هو ما لا يعرفه الكثير من الناس في أن مواد ضارة ومؤذية يفرزها جسم الانسان وتستقر على سطح جلده وهي لا تقل أذى عن البول والغائط. فالجهاز الهضمي والجهاز البولي ليسا الجهازين الوحيدين اللذين يخرجان السموم من أجسامنا؛ بل هناك أجهزة أخرى تساعد أيضًا في عمليات الموازنة والتنقية الذاتية، والجلد هو متنفس اساسي لهذه الأجهزة. والخطورة هنا أن البول والغائط يزالان عن الجسم حال نزولهما بينما لا يفطن كثير من الناس إلى الافرازات البطيئة الصامتة التي تخرج عبر المسام الجلدية، لتسبب مشاكل صحية متعددة. فوحدات الغدد العرقية تفرز العرق على سطح الجسم ومهمتها الاساسية العمل على تنظيم وموازنة حرارة الانسان.

والغدد العرقية نوعان، الغدد العرقية الاخراجية الصغيرة والغدد العرقية الكبيرة.

2- الغدد العرقية الاخراجية الصغيرة: (Ecrine sweat glands units)

          تنتشر هذه الغدد في جميع أنحاء الجسم، وهي صغيرة الحجم أنبوبية شديدة الالتفاف تطل على سطح البشرة بفتحات صغيرة جدًا وما تفرزه يلتصق غالبًا بالشعر وخاصة بالشعيرات الدقيقة التي لا تظهر للعين بسهولة.

وتكثر هذه الغدد في مناطق مثل جبهة الرأس والعنق والصدر والظهر وراحة اليدين وباطن القدمين.

وفي المناطق الخالية من الشعر يزداد تأثر هذه الغدد بالمؤثرات والمنبهات العاطفية بدليل تعرق اليدين خلال بعض المواقف العصبية الحرجة مثلاً. والوظيفة الأساسية لهذه الغدد هي انتاج العرق لخفض حرارة جسم الانسان عن طريق تبخر العرق.

والجدير بالذكر أن جسم الانسان يتعرق في الجو البارد تمامًا كما يتعرق في الجو الحار وكذلك أثناء الليل والنهار، إلا أن العرق البارد يتبخر فور خروجه من الجسم، وبالتالي فإن الحركات الرياضية تؤدي الى الافرازات نفسها في الصيف كما في الشتاء.

لكن لهذه الغدد وظائف أخرى أهمها إخراج المواد الضارة والسموم من الجسم. وتستطيع هذه الغدد أن تخرج كمية أكبر مما يخرجه البول لدى الأشخاص الذين يقومون بنشاطات شاقة أو رياضية أو العاملين في بيئة حارة.

وكلما زادت كمية العرق نشط الجسم في اخراج كمية أكبر من المواد الضارة والسامة. وتركيب العرق شبيه بتركيب بلازما الدم وهو يحتوي على الصوديوم والكلور والأمونيا والكالسيوم والفسفور والمغنسيوم واليود والكبريتات والحديد والزنك وأحماض امينية وبروتينات واللبنات (ملح الحامض اللبني Lactate) واليوريا. وهكذا فإن هذه الغدد تشكل نمطًا من آليات الموازنة والتنقية الذاتية في الجسم اذ انها مهيئة لتلفظ ما يضر الجسم ولتحفظ ما يحتاج اليه من مواد مفيدة كالحديد والزنك والنحاس.

يضاف إلى المواد المفرزة المذكورة بعض المواد الكيميائية الضارة والسامة الناجمة عن تعرض الانسان للتلوث البيئي فيفرز الجسم عبر الجلد مواد مثل الرصاص والزئبق وبعض العقاقير. ومع أن تركيز جميع المواد المذكورة قليل في افرازات الغدد المذكورة إلا أن بقاءها على سطح الجلد وعدم إزالتها بوسائل النظافة يشكلان خطرًا حقيقيًا على الجسم البشري كما لو أنه أبقى على جسده شيئًا من البول أو الغائط.

3- وحدات الغدد العرقية البعيدة (الكبيرة)Apocrine sweat glands units :

        هي أكبر من الغدد الاخراجية الصغيرة ولها قنوات وأنابيب أكثر طولاً وأكثر التفافًا من أنابيب الغدد الصغيرة وهي أكبر منها حجمًا بعشرة أضعاف. وتفتح هذه الغدد في غمد الشعرة أي جرابها لذلك فإن ما تفرزه يستقر تحت الشعرة مباشرة.

وهذه الغدد تغطي كامل بشرة الجنين قبل شهره الخامس ثم تختفي قبل الولادة وبعدها لتعود إلى الظهور عند مرحلة البلوغ التام؛ مع ظهور شعري الإبط والعانة.

وتوجد هذه الغدد في المناطق التالية: -منطقة العانة –منطقة الإبطين –كيس الصفن (كيس الخصيتين) –قلفة الرجل –فرج المرأة –الصدر –المنطقة الملونة الدائرية حول حلمة الثدي –القنوات السمعية الخارجية في الاذن.

وعدد الغدد العرقية الكبيرة عند النساء يبلغ ضعف عددها عند الرجال كما أن افرازات هذه الغدد عند الإناث ترتبط ارتباطًا وثيقًا بدورات الحيض.

اما وظيفة هذه الغدد فلا علاقة لها بتنظيم درجات حرارة الجسم، بل هي أكثر ارتباطًا ببعض أوجه الدورة الجنسية، اذ لا تقوم بافرازاتها تحت تأثير الحرارة المحيطة بالجسم ما لم تصاحب هذه الحرارة محفزات عاطفية او حسّية، كما انها لا تتأثر بالعوامل الموضعية مثل نوع العمل والغذاء والدواء. وهذه الافرازات ليست مرئية مثل العرق العادي، لكنه افراز لبني أبيض أو أصفر اللون يجف فوق الجلد ليشكل طبقة شبيهة بمادة البلاستيك اذ يجف بسرعة فور خروجه من تحت الشعرة تاركًا بقايا ملوّنة لماعة عند فتحة جراب الشعرة.

ولم يعرف حتى الآن إلا القليل عن تركيب هذا الافراز غير أن المواد والعناصرالتي يحتويها شملت البروتينات والسكريات والأمونيا والدهون والحديد. ويمكن للماء أن يزيل بسهولة كل هذه الافرازات السامة والضارة وبات بالامكان أن نتفهم نوع الافرازات الناجمة عن الغضب والانفعال ولماذا امر رسول الله من يعتريه الغضب أن يتوضأ.

-ح: “إن الغضب من الشيطان وان الشيطان خلق من النار وانما تطفأ النار بالماء فاذا غضب احدكم فليتوضأ”.[2]

وسواء كانت الافرازات ناجمة عن الغدد العرقية الصغيرة أو الكبيرة فإن السموم التي يفرزها الجسم تستقر تحت كل شعرة وخاصة في مناطق منابت الشعر الحساسة.

4- مفهوم الجنابة:

        الجنابة في الشرع هي مخالطة الرجل المرأة[3] وتعني خروج المني بشهوة في النوم او اليقظة من ذكر أو أنثى وهي موجبة للغسل لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الماء من الماء”.[4]

وأمر صلى الله عليه وسلم كما نعلم بالاغتسال من الجنابة بقوله:

-ح: “إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وانقوا البشر”.[5]

ويتضح من مثل هذه الاحاديث الشريفة وغيرها أن الجنابة ليست هي المني بل هي شيء آخر يخرج من داخل الجسم ويستقر عند كل شعرة وبشرة خاصة وأن العلماء لم يجعلوا خروج المني هو الموجب الوحيد للغسل. فالغسل من الجنابة يصبح واجبًا عند الجماع ولو لم يحدث الإنزال. وقد تبين علميًا أن حالة الجسم الفسيولوجية عند المواقعة الجنسية تتطلب جهدًا جسديًا يمارسه الطرفان، وهو جهد مختلف عن الجهد الرياضي اذ يفرز الجسم في كلتي الحالتين هرمونات مختلفة.

ومن المعروف أن عموم الهرمونات لا تبقي على تركيبها الاساسي في الدم بعد أن تؤدي وظيفتها في الجسم، فتتعرض إلى عمليات التأيض ويخرج ما تخلف من تأيضها عن طريق وحدات الاخراج المختلفة ومنها العرق.

فعلى سبيل المثال فان هرمون الاستروجين المثير للدورة النزوية يُحمَل بواسطة النظام الوريدي الطحالي splenic venous system إلى الكبد حيث يتأيض هذا الهرمون. كما يزداد هرمون الادرينالين اثناء المواقعة الجنسية فينتج عن ذلك زيادة في ضربات القلب وسرعة في التنفس وارتفاع في ضغط الدم، ويقوم الادرينالين بتهيئة الجسم لمواجهة الاجهاد، فيسرع تحويل الطعام إلى طاقة في العضلات، وتصل تأثيرات هذا الهرمون إلى الذروة عند القذف فيفقد 6 كيلو سعرات حرارية في الدقيقة عند الانزال ثم يفقد 4.5 كيلو سعرات حرارية في الدقيقة بعد الانزال.

من هنا تبرز مهمة ووظيفة الوحدات الاخراجية المنتشرة على جميع بشرة الانسان في حالة المواقعة الجنسية وخاصة في المناطق التي لا تثار عن طريق المنبهات الحرارية بل عن طريق الامور الجنسية، فتعمل على اخراج السموم المتولدة في الجسم لتستقر على سطح البشرة.

من هنا يمكن ان نفهم ان الافرازات والسموم التي تخرج من جسم الانسان لا تذهب عنه بل تُجَنَّب عليه حيث تنتقل من داخله إلى سطحه الخارجي فتتوضح المعجزة النبوية المتعلقة بالجنابة اذ اطلق عليه الصلاة والسلام اسم الجنابة على المواد التي تخرج من الجسم وتستقر تحت الشعر أو عنده. فهي جنابة بالفعل لأنها لم تذهب عن الجسم تمامًا بل استقرت جنبه. وقد تنبه الامام النسائي رحمه الله فعقد بابًا في كتاب السنن سماه: “باب إزالة الجنب الأذى عنه قبل إفاضة الماء عليه”.

5- إزالة الجنابة:

        وإذا كان خالق الكون جلّت قدرته قد خلصنا نحن البشر من هذا الأذى باخراجه من داخل الجسم إلى خارجه، فيبقى على كل مدركٍ عاقل ان لا يتركه على جسمه ليتراكم ويسبب مشكلات صحية محتملة أو يتأخر في إزالته عن الجسم فيعود من جديد إلى داخل الجسم لأن للجلد قدرة على امتصاص كثير من العناصر والمركبات الكيميائية التي تتصل به مباشرة.

كذلك فان للجلد قدرة على اعادة امتصاص المعادن السامة التي افرزها من قبل كالرصاص مثلاً، وقد دلت الابحاث والدراسات أن طول بقاء هذه المواد على سطح الجلد كفيلة بزيادة المواد السامة في الجسم، وليس أسهل من إزالتها عن طريق الغسل.

6- المشكلات الصحية المحتملة من تراكم افرازات الغدد العرقية:

        تعيش على سطح بشرة الانسان أجناس وأنواع مختلفة من الكائنات الحية الدقيقة ويطلق عليها اسم “الفلورا الميكروبية”، وتحمل كل منطقة من الجلد فلورا ميكروبية خاصة بها، وهناك نوعان منها مقيم وعابر: الأول يعرف بالفلورا الميكروبية المقيمة وتتكون من أنواع واعداد بكتيريا خاصة بكل منطقة من مناطق الجسم.

لكن بعض الناس يحمل مكورات بكتيرية اضافية وغير طبيعية تدعى المكورات العنقودية الذهبية (staphylo cocus auros) وهذه تشكل خطورة على حاملها وعلى المجتمع.

كما تستوطن على الجلد ايضًا بعض البكتيريا الحديثة.

وأما النوع الثاني فيعرف بالفلورا ميكروبيا العابرة، وهذا النوع يستوطن الجلد لفترة زمنية محددة دون ان يتكاثر عليه لكن بعضه قد يكون ممرضًا والآخر غير ممرض.

ومن الجدير معرفته أن مدة استيطان هذه البكتيريا على الجسم مرهونة بعوامل أخرى مثل: حالة الجلد الصحية، وقوة المقاومة في الجسم ووجود الفلورا الميكروبية المقيمة، ونسبة المواد الدهنية والبروتينية التي يفرزها الجسم عن طريق الجلد.

و يؤدي تراكم الافرازات إلى مشاكل صحية أقلّها ما يلي:

        أ- الروائح الكريهة

مع ان افرازات الغدد العرقية هي في الأصل عديمة الرائحة لكن البكتيريا المتواجدة في جرابات الشعر وعلى سطح الجلد تقوم بتحليل هذه الافرازات لتنتج أحماضًا دهنية وأمونيا ومواد أخرى ذات رائحة كريهة.

كما أن الغدد العرقية الصغيرة تحت الابطين تساعد في اصدار الروائح الكريهة عن طريق امداد البكتيريا ببيئة رطبة تؤدي الى تكاثرها وانبعاث الروائح الكريهة منها.

وأما في مناطق العانة والسرة وتحت الابطين فان الغدد العرقية الكبيرة فيها قد تتسبب بانبعاث الروائح الكريهة في حال التأخر بعدم ازالة الافرازات بالغسل لأن البكتيريا تعمل على تحليل هذه الافرازات لتولد روائح كريهة منفّرة، قد تصل إلى درجة النفور بين الزوجين بعيد المداعبة وحتى قبل المباشرة وخاصة بعدها.

ولذلك نجد الناس في بعض المجتمعات قد اعتادوا الاغتسال قبل المباشرة الجنسية بسبب انبعاث الروائح الكريهة من مواقع الملاعبة الجنسية في أجسامهم.

        ب- اعادة امتصاص السموم والعناصر الضارة

ذكرت تفاصيل مضارها في فقرة “ازالة الجنابة” الواردة سابقًا (فقرة رقم5).

        ج- تحويل الكائنات الحية الدقيقة المتعايشة إلى كائنات ممرضة

ان تراكم افرازات الغدد العرقية على بشرة الانسان يلعب دورًا هامًا في اصابة الجسم بالأمراض، فالكائنات الحية الدقيقة تكون جاهزة لانتهاز فرصة ضعف الجهاز المناعي أو ضعف مقاومة الجسم فتتكاثر بشكل مطّرد لتغزوا بعض الانسجة والاعضاء لتسبب له مشاكل صحية مختلفة.

ومن المعلوم ان ما ينقص في قدرة الجسم على المقاومة هو تعاطي العقاقير المثبطة للجهاز المناعي مثل الكورتيزون وتعاطي المضادات الحيوية لفترة طويلة.

        د- تسهيل فرصة العدوى للبكتيريا الانتهازية:

ربما تسببت المكورات العنقودية الذهبية التي يحملها بعض الاشخاص باضرار صحية بالغة، اذا وجدت الفرصة للتكاثر فتضرب الانسجة لتظهر فيه التهابات وقروح ودمامل وخراج وحصف جلدي الخ… كما انها قد تتوغل لتصل إلى الدورة الدموية فتسبب تسمم الدم أو عطب البدائل الطبية التي زرعها الله في الجسم.

ولا يحدث ذلك الا اذا تأخرت العناية بالجسم خاصة عندما تضعف مقاومة الجلد الذي جعله الله تعالى سدًا منيعًا في وجه الميكروبات، فالجلد السليم يستطيع ان يقتل البكتيريا السبحية في يوم واحد والمكورات العنقودية في ثلاثة أيام كما أنه يستطيع ان يقضي على الفطريات أيضًا. ولا يضعف من مقاومته أكثر من اهمال النظافة وقلة الاغتسال، فيصبح عرضة لهجوم البكتيريا وتظهر فيه الامراض الجلدية المختلفة.

        هـ- تفاقم المشكلات الصحية:

يؤدي تراكم الافرازات المذكورة إلى تسهيل عملية حضانة الكائنات الحية الدقيقة وتعمل كذلك على تغذية هذه الكائنات فتزداد اعداد فلورا الكائنات الحية الدقيقة على الجلد.

كما أن هذه الافرازات تعمل كمذيب يقوم بمهمة استخراج المواد المسببة للحساسية ولاثارة وتهيج الجلد من انسجة القماش ومن المجوهرات التي تكون على اتصال مباشر بالجلد فتؤذيه وتضعفه، فتزيد من مشاكل التهابات جرابات الشعر والحصف الجلدي والقوباء وحب الشباب والثآليل والدخنية وهو التهاب جلدي يتسم بالحك والتعرق المفرط ومرض الشري وهو طفح جلدي ذو بثور حكاكة.

7- الاعجاز العلمي في موضوع المذي: كيف يكون نجسًا ولماذا لا يوجب الغسل

        أ- تعريف المذي:

هو البلل اللزج الذي يخرج من الذكر عند التهيج ولا يجب فيه الغسل وهو نجس يجب غسله وينقض الوضوء. والمذّاء هو الذي يكثر مذيه.

وفي الحديث الشريف: “…ذاك المذي اذا وجده أحدكم فليغسل ذلك منه وليتوضأ وضوءه للصلاة”.[6]

        ب- حقيقة المذي علميًا:

هو سائل لزج شفاف رقيق قلوي غني بالبروتينات المخاطية تفرزه غدتا البروستاتا كل منهما بحجم الباسلاء.

وللمذي وظيفتان مهمتان لا بد منهما قبل عملية القذف حتى تتم عملية إخصاب البويضة في المرأة بنجاح.

الوظيفة الأولى: تنظيف المجرى البولي للذكر قبل سريان الحيوان المنوي فيه لأن النطفة رقيقة التركيب ولأن البول يؤذيها فتصبح غير صالحة لتلقيح البويضة عند المرأة.

كما يساهم بمعادلة الوسط الحمضي في مهبل المرأة لاتمام عملية الاخصاب فيرتفع الرقم الهيدروجيني من 3.5-4 إلى 6-6.5 للافرازات المهبلية حتى تتمكن الحيوانات المنوية من انجاز حركتها المثلى.

الوظيفة الثانية: تسهيل مهمة ولوج العضو التناسلي لتصبح النطفة عند قذفها أقرب ما تكون إلى البويضة عند الأنثى.

        ج- الحكم بنجاسة المذي:

تنجم نجاسة المذي ليس من أصله بل لأنه اختلط ببول الرجل قبل خروجه من العضو التناسلي. مما يؤكد نجاسته ونجاسة اللباس الذي يتلوث منه.

ولا بد من التذكير باسباب نجاسة البول: فهو يحتوي في تركيبه على البولة السامة والفضلات المعدنية ومركبات كيميائية ضارة ومؤذية، وله رائحة مستكرهة، وهو بتركيبه وسط صالح لنمو الكائنات الحية الدقيقة الضارة والممرضة وتكاثرها وحتى انتقالها إلى مكان آخر. ويصبح المكان المصاب بالبول أكثر عرضة للتبدل والتفسخ لتنبعث منه الروائح الكريهة في حال عدم تنظيفه.

        د- عدم وجوب الاغتسال على من خرج منه المذي:

 بعدما عرفنا أن الاثارة الجنسية هي العامل لتشغيل غدتي البروستاتا حتى تفرز المذي، وأن هذا السائل لا يخرج إلا من العضو التناسلي للذكر، على عكس ما يخرج من جميع بدنه عند القذف، يتبين لنا أن موقع النجاسة هو فتحة خروج البول من عضو الرجل وموضع اللباس الذي يصيبه دون سائر الجسم، فيكفي غسل الفرج والموقع الذي أصاب الثوب فقط بينما راينا أن الأذى والنجاسة تخرج من جميع الجسم تقريبًا في حالة الجماع مما يتطلب غسل البدن كله.

 

خاتمة:

        تأمرنا شريعتنا الاسلامية، من قبل ان يكتشف العلماء الأسباب والمسببات بأن نزيل الجنابة التي تصيبنا بالغسل، والواجب الشرعي على المسلمين أن يأتمروا في كل الأحوال بما أمر به الإسلام وأن ينتهوا عما نهى عنه دون الحاجة إلى معرفة الأسباب أو الحكمة.

لكن المولى خالق الكون وعالم الغيب سبحانه وتعالى يعلم أن الانسان عجول وحريص على أن يتحسس السبب او الحكمة من كل أمر يقضيه أو فعل يفعله ويتطلع إلى أن يعرف كيف يحدث الله تعالى آياته المعجزة في الكون وفي الخلق وذلك كي يطمئن قلبه فالحمد لله على الاسلام.



*  تم تلخيص البحث الأساسي لاتساعه ويمكن مراجعته بكامله مع المراجع والأسانيد على الموقع التالي: www.nooran.org

[1]  استاذ علم التلوث والتسمم البيئي. وكيل معهد البحوث والاستشارات بجامعة طيبة – المدينة المنورة. رئيس وحدة البحوث البيئية والصحية – جامعة أم القرى – المدينة المنورة.

[2]  أحمد في مسنده ، مج4، حديث عطية السعدي رضي الله عنه، رقم الحديث18008 ، رقم صفحة قديم 226.

[3]  أبو الحسين أحمد بن فارس – مج1 ص199.

[4]  سيد سابق، فقه السنة ص56.

[5]  رواه ابو داود في السنن عن أبي هريرة.

[6]  رواه النسائي عن ابن عباس.