طبقة الأوزون ..ورجع السماء و زرقتها

أ.د. خالد حسين*

يقول الله تعالى في القرآن الكريم :” و السماء ذات الرجع ” / الطارق آية 11

ان من أوجه الرجع للسماء ما تردّه طبقة الاوزون من اشعاعات ضارة للحياة على الأرض .

لم تعد قضية الأوزون مشكلة محلية او اقليمية , بل اصبحت شأنا عالميا ,يحتاج الى تضافر الجهود لمواجهة الأخطار التي قد يحملها المستقبل … و قد يتسائل البعض : لماذا كل هذا الاهتمام العالمي بقضية الأوزون؟ و تكمن الاجابة في مدى خطورة الآثار الصحية و البيئية , لا على الانسان وحده , بل على الحيوان و النبات و النظم البيئية الأخرى .

الأوزون عبارة عن غاز سامّ ازرق باهت له رائحة مميزة و كريهة يتكوّن جزيئه من ثلاث ذرات أوكسجين و صيغته الكيميائية و يعتبر العالم “ماتينوس فان ماركوس” أول من اكتشف و حضّر الأوزون عام 1758 م , ثم حضّره “كريستيان سشونيين” في عام 1860 م و أطلق عليه اسم “الأوزون . و قد عرف لأول مرة عن طريق رائحته الحادة و المزعجة التي غالبا ما تلاحظ قرب المفاتيح الكهربائية و لون الأوزون الأزرق يملأ صفحة السماء على ارتفاع يتراوح بين 20 و 60 كلم في الجو المحيط بالأرض خاصّة و أنّ أعلى تبعثر للضوء المرئي يحدث عند الطول الموجي لّلون الأزرق في جوّ السماء.

يتكوّن الأوزون بطريقتين :

– طبيعية : نتيجة التفريغ الكهربائي الناتج عن طريق البرق أو بتأثير الأشعة فوق البنفسجية على الأوكسجين العادي في طبقة الأوزون الذي يبعثر الضوء الأزرق في الطيف الضوئي فتبدو السماء زرقاء.

– صناعية : عن طريق التفريغ الكهربائي الناتج من آلة توليد الأوزون :

في آلات التصوير مثلا . ان وجود الأوزون الأزرق في طبقات الجو العليا يعتبر عاملا رئيسيا للحفاظ على الحياة و استمرارها . اذ يعمل كحاجب واق للأرض من 95% الى 99% من أشعة الشمس فوق البنفسجية المسببة لسرطان الجلد اذا ما تعرض لها الانسان بكثرة . و هو أي الأوزون الأزرق في حالة توازن ديناميكي , حيث يتعرض لعمليّتي البناء و الهدم بصورة مستمرة و متوازنة و متساوية في المقدار و ذلك في الظروف الطبيعية , و يمثّل هذا التوازن سنّة كونية حتى تستقر الحياة غير أن الملوثات البيئية التي تنشأ عن الصناعة و الأنشطة البشرية ذات المنفعة المادية تؤدي الى الاخلال بهذا التوازن الكوني الذي نتج عنه حدوث ثقوب الأوزون بسبب التدخل البشري السالب .

ان استنزاف طبقة الأوزون قد يؤدي الى تسرب الاشعاعات الكونية على الأرض ( أشعة غاما و غيرها ) بكميات كبيرة و التي تحتوي على جسيمات مشحونة قادرة على ابادة الحياة على وجه الأرض . ان كثرة التعرض لتلك الاشعاعات تؤدي للاصابة بسرطان الجلد , كما أن الكميات المتزايدة من الأشعة فوق البنفسجية , و التي تخترق طبقة الأوزون , تضعف كريات الدم البيضاء مما يؤدي الى التأثير على الجهاز المناعي لجسم الانسان . و لا تقتصر أضرار الأشعة على الانسان فقط , و انما تؤثر على الكائنات الحية الاخرى كالنباتات و الحيوانات . و من ناحية أخرى فهناك مخاوف من أن زيادة نفاد الأشعة فوق البنفسجية للأرض سيزيد من معدل درجة حرارة سطح الأرض و بالتالي يؤدي ذلك الى ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري مما يؤدي لانصهار الجليد في القطبين و بالتالي ارتفاع مستوى البحار و غرق بعض الشواطئ الا أن الحفاظ على حزام الأوزون في الجو يشكّل ضمانة لرجع السماء الضار للحياة على الأرض.

أعرب العلماء عن قلقهم من أن المركبات الكيميائية المسمّاة _ الكلوروفلوروكربون ( ) ( في أنظمة التبريد) _ هي المسؤولة عن خرق طبقة الأوزون الواقية للأرض . فعندما ينبعث هذا المركب و يصعد ببطء في الهواء ليصل الى طبقات الجو العليا تقوم أشعة الشمس فوق البنفسجية بتفكيك هذا المركب الى أجزاء يتفاعل بعضها مع الأوزون الموجود في تلك الطبقة , و بذلك يقلل من كمية الأوزون و يكسر التوازن و يضعف زرقة السماء عند الثقوب و يقلل من رجع الاشعاعات الضارة .

وقد أجريت دراسة معمّقة مع فريق من زملائي في فرنسا عن الأوزون و دورته في الجو المحيط بالأرض و أثبتنا بأن دورة الغازين تتغيّر وفقا لتغيّر درجة الحرارة في الجو و يزداد الامتصاص تبعا لتغيّر حرارة الجو على ارتفاع يتراوح بين 20 و 60 كلم فوق سطح الأرض على درجة حرارة (-20 تحت الصفر و -90 ° ) . لذلك و من أجل مكافحة ظاهرة ثقوب الأوزون , فان الحظر الدولي على المنتجات الكيماوية , التي تؤثر على طبقة الأوزون , بدأ يأخذ مفعوله في تقليص حجم تلك الثقوب , و من الممكن تلاشيها تدريجيا في غضون خمسين عاما لتزداد السماء زرقة من جديد و يحل التوازن و الاستقرار و تصبح السماء أكثر رجعا و ردا لكل ما هو ضار للنبات و الحيوان والانسان.

 

________________________

 * كلية العلوم الجامعة اللبنانية وأستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في جامعة الجنان – طرابلس لبنان.

المصادر و المراجع:

1- القرآن الكريم

Spectroscopie d’absorption intra cavité2-

Laser de la molécule d’ozone, 160 pages

دار مكتبة الايمان بيروت 2006

Spectrochimica acta A603-

pp889 – 898 (2004)