الداء والدواء في جناحي الذبابة

الأستاذ الدكتور مصطفى إبراهيم حسن*

 

ملخص البحث[1]:

        تم إجراء هذا البحث للتعرف على الداء والدواء في “حديث الذباب” للرسول، صلى الله عليه وسلم، وللرد على المتشككين في هذا الحديث. لقد تم عزل 9 أنواع من البكتريا موجبة وسالبة الجرام، بالإضافة إلى نوعين من الخميرة (فطريات). تم عزل هذه الكائنات من الجناحين الأيمن والأيسر لأربعة أنواع من الحشرات وهي: الذبابة المنزلية Musca domestica، ذبابة الاصطبل الكاذبة Muscina stabulans، ذبابة الرمل Phlebotomus papatasi، والبعوضة المنزلية Culex pipiens. تم تجميع هذه الحشرات من بيئات مختلفة (في محافظات الجـيزة والقاهرة وجنوب سيناء) وذلك بواسطة الشبكة الهوائية أو بشفاط البعوض الكهربائي. تم عزل الكائنات الدقيقة باستخدام ست أوساط غذائية مختلفة اختيارية وغير اختيارية وذلك لعزل أكبر عدد من الكائنات الدقيقة. سجلت أعداد البكتريا المعزولة من أوساط الآجار المغذى بمستخلص الخميرة وتربتوز الدم اكبر عدد بين كل الأنواع المعزولة. أثبتت الدراسة أن بكتريا Bacillus circulans– (ت 88)  كانت أقوى نوع بكتيري في إفراز المادة الأيضية الأكثر فاعلية.

ولقد تم عزل هذا النوع الخطير من الجناح الأيمن لكل من الذبابة المنزلية وذبابة الاصطبل الكاذبة. أظهرت الصفات الفيزيائية والكيميائية للمادة الأيضية الخالية من الشوائب أنها مركب ذات طبيعة اروماتية وتم تحديد الصيغة الكيميائية للمركـب وهي C30H37N4SO9. تم دراسة النشاط ضد الميكروبي لهذه المادة على أنواع كثيرة من الميكروبات المعزولة من الذباب وميكروبات أخرى من خــارج الذباب وكانت أكثرها تأثيرًا بالمركب هي البكتريا موجبة الجرام المسببة للأمراض. وكان أقل تركيز كافي لإحداث عملية تثبيط نمو البكتريا الضارة هو:5ug/ml .

المقدمة:

(…) لم يتم الحصول على أي مرجع عربي أو أجنبي درس أنواع الميكروبات المختلفة المصاحبة لأجنحة أي نوع من الذباب. ويعتبر هذا البحث هو أول بحث يقدم في هذا المجال على المستوى الدولي والمحلي.

يهدف البحث الحالي إلى عزل الأنواع المختلفة من الميكروبات المتواجدة على جناحي ثلاثة أنواع من الذباب هي: الذبابة المنزلية، وذبابة الاصطبل الكاذبة، وذبابة الرمل بالإضافة إلى البعوضة، وذلك من أجل الوصول إلى حقائق علمية والتعرف على الداء والدواء في جناحي الذباب مصداقًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وهو من الأحاديث الصحيحة. كما رواه العديد من الرواة.

 صورة لذبابة المنزل

الحديث النبوي: سندًا ومتنًا:

ذكر الدكتور خليل إبراهيم سلام خاطر، سند الحديث ومتنه في كتابه “الإصابة في حديث الذبابة”. وأيضًا نقل عنه الدكتور كارم غنيم سند الحديث ومتنه في كتابه “الإشارات العلمية في الأحاديث النبوية”. ولقد روى الحديث العديد من الرواة مثل: 

(…) روى البخاري في صحيحه وابن ماجه في سننه وأحمد في مسنده عن أبى هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه – كله – ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء وفى الآخر شفاء”. ذكره البزار، وكذلك التبريزي في “مشكاة المصابيح”، وابن حجر في “تلخيص الحبير”.

 (…) وروى ابن ماجه في سننه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أحد جناحيْ الذباب سم والآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام، فامقلوه، فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء”. (وامقلوه يعني إغمسوه، كما ورد في النهاية لابن الأثير.)

(…) وروى أحمد في مسنده، أيضًا، عن وكيع عن ابراهيم بن الفضل، عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا وقع الذباب في طعام أحدكم أو شرابه فليغمسه ثم يخرجه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، وإنه يقدِّم الداء”. (…)

تتبّع صاحب كتاب “الإصابة”[2] سند حديث الذبابة في باب كامل من كتابه، وجعل الفصل الأوّل فيه حول طرق هذا الحديث، والفصل الثاني فيه حول دراسة أسانيد هذا الحديث. أما طرق الحديث فتناول فيها (…): طرق حديث أبي هريرة، وطرق حديث أبي سعيد الخدري، وطرق حديث أنس بن مالك، وطرق حديث عليّ بن أبي طالب.

(…)، حتى أحصى صاحب الكتاب أربعًا وثلاثين طريقًا من حيث الإجمال، واثنين وأربعين طريقًا من حيث التفصيل، وقد أثبت رواة الحديث كل هذه الطرق.

(…) ثم تناول صاحب الكتاب دراسة أسانيد الحديث من طرقه المختلفة، وأثبت في هذه الدراسة بما لا يدع مجالاً لشك صحة هذا الحديث، فهو إذن حديث صحيح، بل هو من أعلى درجات الصحة. ثم ختم بقوله: إن هذا الخبر (أيْ: حديث الذباب) قد كثرت طرقه بحيث زادت على خمسين طريقًا، (…) وبهذا يتبيّن أن هذا الحديث صحيح من حيث الرواية والسند(…).

والحديث النبوي لم يدع أحدًا إلى صيد الذباب ووضعه عنوة في الإناء، ولم يشجع على ترك الآنية مكشوفة، ولا على الإهمال في نظافة البيوت والشوارع، ولا يتعارض مع الحماية من أخطار انتشار الذباب بأية صورة، ولم يجبر من وقع الذباب في إنائه واشمأز من ذلك على تناول ما فيه: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}[3].

وهذا الحديث لا يمنع أحدًا من القائمين على صحة الناس، ولا من الأطباء من التصدي للذباب ومقاومته بالوسائل المختلفة.

ولا يمكن أن يتبادر إلى الذهن (ذهن علماء الدين أو غيرهم) أنّ هذا الحديث يدعو إلى إقامة مزارع للذباب.

ولكننا إذا أخذنا آخر الحديث، “فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاءً”. فإننا نجد رسولنا الكريم يدعونا إلى البحث والتوجه إلى دراسة الذباب لمعرفة ماهو الداء الذي يوجد على أحد جناحي الذباب، وأيضًا إلى معرفة الدواء أو الشفاء الذي يوجد على الجناح الآخر وذلك لكي يتوصل علماء المسلمين إلى الأدوية التي تعالج الأمراض التي ينقلها الذباب.

وبدراسة الحديث نجد أنه يتضمن علوم الفيزياء والطب والصيدلة والميكروبيولوجي  والحشرات بالإضافة إلى علوم الدين واللغة.

الطرق والوسائل المستخدمة:

1 – جمع الذباب:

         تم جمع نوعين من الذباب غير الماص للدم هما: الذبابة المنزلية، وذبابة الاصطبل الكاذبة. كما تم تجـميع ذبابة الرمل التي تمص دم الإنسـان والحيوان. وأيضًا تم جمع البعوضة المنزلية التي تتغذى على دم الإنسان والحيوان. هذه الحشرات تم جمعها من محافظات القاهرة، والجيزة، وجنوب سيناء. وتم نقل الحشرات في أنابيب معقمة إلى المختبر لتشريحها وعزل الكائنات الدقيقة منها.

2 – تشريح الذباب:

تم تشريح الذباب لفصل كل من الجناح الأيمن والجناح الأيسر لكل ذبابة وذلك بأدوات تشريح دقيقة ومعقمة وذلك لعدد 20 حشرة من كل نوع، بعد ذلك تم وضع كل من الجناح الأيمن والجناح الأيسر كل على حده لكل ذبابة في محلول فسيولوجي معقم ( 0.9 شلامين).

3 – عزل الكائنات الدقيقة:

تم اخذ 50 ميكرولتر من كل عينة وتم وضعها على المزارع البكترية الآتية :

1-     Nutrient agar emended with 1% yeast extract.

2-     Nutrient agar emended with 5% sheep blood

3-     MaConkey’s agar

4-     Starch nitrate agar

5-     Tryptose blood agar

6-     Staphylococcus media

تم وضع الأوساط البكتيرية السابقة في حضانة درجة حرارتها 30°م تحت ظروف هوائية. تم عد البكتريا (الوحدات المكونة للمستعمرة (CFU بعد 48 ساعة بعد ذلك تم تعريف البكتريا حتى مستوى النوع. (…)

4 – التحليل الحصري للنشاط ضد الميكروبي:

تم ذلك بواسطة أقراص الورق التحليلية وذلك لدراسة النشاط ضد الميكروبي لأنواع البكتريا المختلفة ضد بعضها.

5 – عملية التخمر:

تم دراسة تأثير أقوى مزارع بكترية تم عزلها من الطريقة السابقة ضد بعضها من اجل الحصول على أقوى نوع من البكتريا ذات فاعلية ضد الأنواع الأخرى.

6 – استخلاص وتنقية المركب الآيضي:

تم اختيار المذيب العضوي المناسب باستخدام Bioautographic technique وذلك عند قيم pH مختلفة. ثم تنقية المستخلص بواسطة Thin layer and column chromatography.

كما تم استخدام الجهاز الأول مرة ثانية لتأكيد نقاوة نشاط المركب الآيضي للتحليل الطيفي.

تم دراسة Spectroscopy للمركب النشط النقي باستخدام الاشعة فوق البنفسجية (UV) وجهاز Spectrophotometer وايضا الأشعة تحت الحمراء (IR) كما تم الحصول على Mass spectral Data بواسطة جهاز Hp model MS 5988 

7 – تقييم اقل تركيز مثبط للبكتريا (MIC):

تم ذلك باستخدام طريقة Agar Diffusion Method للحصول على اقل تركيز مثبط للمركب النشط ضد الأنواع المختلفة من البكتريا، الخميرة والفطريات المعزولة من الذباب ومن خارج الذباب.

النتائج والمناقشة:

أسفر فحص جناحي كل من الذبابة المنزلية، وذبابة الاصطبل الكاذبة، وذبابة الرمل والبعوضة عن وجود تنوع كثيف وعديد لأنواع الكائنات الدقيقة المتواجدة عليها. ولقد سجلت أعلى كثافة عددية وتعدد لأنواع الكبتريا والفطريات على جناحي ذبابة الاصطبل الكاذبة والذبابة المنزلية. تواجدت البكتريا موجبة الجرام بكثافة عددية اكبر من مثيلتها في البكتريا سالبة الجرام. سجل الجناح الأيمن أعلى كثافة عددية من البكتريا موجبة الجرام في كل انواع الذباب. وكما (…) أن التنوع الميكروبي على الذباب يعكس البيئة التي يعيش فيها الذباب. أي أن لكل بيئة أنواع معينة من الكائنات الدقيقة تختلف عن أية بيئة أخرى. لوحظ أن البكتريا موجبة الجرام قد سجلت أعلى كثافة عددية من البكتريا سالبة الجرام. وهذا يوضح قدرتها على المعيشة في الظروف الصعبة، حيث أنها تتحمل الحرارة والبرودة وتأثير المواد الكيميائية والإشعاع. سجل جنس Bacillus50% من كل أجناس البكتريا المعزولة وخاصة البكتريا موجبة الجرام.

تتميز عزلات البكتريا سالبة الجرام بأن لها أهمية طبية خاصة من حيث قدرتها على التسبب في كثير من الأمراض. ولقد تم عزل ثلاثة اجناس من هذه البكتريا هي: Salmonella و Erwina و Pseudomonas. ويصيب الجنس الأخير الإنسان والحيوان وأيضا النبات. (…)

تم عزل سلالتين من الخميرة، حيث وجد أن لها شكل بيضاوي، وتتكاثر بواسطة التبرعم. ولقد لوحظ أن احدهما يفرز مادة عديدة السكريات حول الخلية. ولقد عزل الباحث في بحث سابق أنواع من الفطريات تسمى Empusa muscaeلديها القدرة على إفراز بعض المضادات الحيوية، والتي تستطيع أن تقتل العديد من أنواع البكتريا سالبة وموجبة الجرام. ولقد تمكن كل من “ارنشتين” و”كوك” الانجليزيين في عام 1947، و “روليوس” السويسري في عام 1950م، من عزل مادة مضادة للحيوية تسمي “جافاسين” من فطر من نفس الفصيلة التي ذكرناها والتي تعيش في الذبابة. تم أيضًا في هذا البحث عزل بعض أنواع الاكتينومايستس والتي لها القدرة أيضًا على إفراز بعض المضادات الحيوية.

لوحظ أن بعض أنواع البكـتريا مثل  Erwina و Salmonella  و Lactobacillus gasseri لها تأثير ضعيف ضد أنواع البكـتريا الأخرى. بينما هناك خمسة أنواع من البكتريا لها كفاءة عالـية في القضــاء على أنـواع البكتريا الأخرى هي:B. circulans  و L. animalis و B. subtilis و P. aeruginosa  و S. aureus.

ولقد تم تخمير هذه البكتريا وحللت لمعرفة تأثيرها ضد بعضها.

تبين أن أكثر أنواع البكتريا فاعلية هي B.Circulans وكانت أقوى كائن من بين كل الأنواع ولقد لوحظ تواجد هذا النوع من البكتريا على الجناح الأيمن للذباب وهي تتحمل درجات الحرارة العالية والاشعاع وتأثير المواد الكيميائية والبرودة.

بعد ان تم اثبات ان B.Circulansهي أقوى انواع البكتريا المتواجدة والمعزولة من الجناح الأيمن للذباب، تم اخضاعها لعزل المادة الفعالة منها. ولقد تم تحضيرها في صورة بودرة، ليس لها شكل معين ولونها ابيض مصفر. ولوحظ أن درجة انصهارها 185°م. وتذوب في الكحول والكلورفورم كما أنها تذوب في الماء. ولكنها لا تذوب في اثير البترول.

تم تحليل المادة الفعالة باستخدام تحليل Thin layer chromatography ولقد اسفر ذلك عن وجود 5 أحماض امينية. كما أوضح التحليل وجود نسبة عالية من المحتوى النيتروجيني في المادة. تم تحليل المادة باستخدام Mass spectra للمادة النقية وتم تحديد الصيغة الكيميائية للمركب وهي C30H37N4SO9.

يوضح جدول الـ Bioautography للمادة الايضية الفعالة وتفاعلها مع المذيبات المختلفة ولوحظ أنها تتحرك كنقطة فردية.

تم تحليل المادة الفعالة بواسطة الامتصاص الطيفي للأشعة فوق البنفسجية UV. كما تم تحليل المادة باستخدام الأشعة تحت الحمراء IR. كما تم استخدام ايضًا H-NMR لتحليل هذه المادة ومعرفة تركيبها.

من كل التحـليلات السـابقة اتضـح ان المادة الفعالة مضـادة للحيوية لها تركـيب اروماتي. وتشابه في طبيعتها مركبات أخرى لها طبيعة حلقية كما ورد في بعض الأبحاث (Zhang et al 1999).

في البحث عن اقل تركيز كاف لتثبيط نمو الكائنات الدقيقة Minimum Inhibatory Concentration (MIC)، اتضح ان اقل تركيز من المادة الفعالة المعزولة كان لها تأثير قاتل ضد كثير من أنواع البكتريا سالبة أو موجبة الجرام، ضد الخميرة ضد الفطريات الخيطية. أوضح منحني الوقت الكافي لقتل البكتــريا ان اقل تركيز هو5 mg/ml كاف لقتل أنواع كثيرة من البكتريا .

(…) ولقد كانت أكثر أنواع البكتريا تأثرا هي: B. subtilis   و S. aureus، وهما من أكثر أنواع البكتريا الممرضة للانسان وتسبب العديد من الأمراض مثل: التهابات العين وخراج أو دمامل، والحصف (داء جلدي)، والتهاب المثانة، والتهاب المعدة والقولون، والتهاب العظام، وإصابة الجهاز البولي التناسلي، والجهاز العصبي المركزي وفساد الأطعمة وغيرها.

الاستنتاج أو وجه الإعجاز العلمي:

يتضح من النتائج السابقة وجود كثافة عددية عالية من أنواع عديدة من البكتريا على جناحي الأنواع الثلاثة من الذباب، بينما قلت أعداد البكتريا وأنواعها على جناحي البعوضة. كما اتضح أن أكثر أنواع البكــتريا شراسة هو نوع B. circulans الذي يفرز مادة مضادة للحيوية لكثير من أنواع البكتريا الأخرى سواء سالبة أو موجبة الجرام. ولقد لوحظ تواجد هذه البكتريا بكثافة عالية على الجـناح الأيمن للذباب. كما لوحظ وجود انواع من الفطريات التي تفرز أيضًا مواد مضادة للحـيوية لكثير من أنواع البكـتريا. كما اتضح قدرة البكتريا B. circulans على قتل الأنواع الاخرى من البكتريا في زمن قصير جدًا. وهي البكتريا التي تنقل العديد من الأمراض للإنسان والتي تم ذكرها.

إذا رجعنا إلى نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابي هريرة: “إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليطرحه فإن في احد جناحيه داء وفي الآخر شفاء”.

نجد أن حرف الفاء في “فليغمسه” يفيد السرعة، بينما “ثم” تفيد التراخي والبطء. لذلك فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم  بغمس الذباب بسرعة لأنه يتعلق على سطح السائل لوجود التوتر السطحي وكلمة “ثم” بعد الغمس تعطي فرصة للأنواع المفيدة من البكتريا والفطريات لكي تفرز المواد المضادة للحيوية والدواء (الشفاء) لكي تقضي على البكتريا الضارة (الداء). ولقد ثبت أنه حتى لو أكل الإنسان أو شرب من الإناء فإن المادة الفعالة تظل نشطه في أمعاء الإنسان لأن هذه البكتريا في حالة معايشه في أمعاء العائل. كما أنها تتحمل درجات الحرارة العالية، وتأثير الإشعاع، وتأثير المواد الكيميائية والبرودة أي أن الذباب حتى لو سقط في إناء به طعام أو شراب ساخن أو بارد فإن البكتريا المفيدة (الدواء) تظل نشطة وتفرز المادة الفعالة القاتلة لأنواع الميكروبات الأخرى بأقل تركيز وهو 5 mg/ml. أي أن 5 جم من المادة كافية لتعقيم 1000 لتر من اللبن أو أي سائل أو طعام.

ولعل عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمر بغمس الذباب تتضح في ميكانيكية إفراز المادة الفعالة (الدواء) حيث أن إفراز أنواع البكتريا النافعة والفطريات لهذه المواد لايتم إلا في وجود وسط، وهو هنا الطعام أو الشراب الموجود داخل الاناء. حيث يسمح هذا الوسط لأن يتقابل كل من الداء والدواء وجهًا لوجه بدون عوائق ويتم الالتحام وعند ذلك تقوم الكائنات المفيدة بالقضاء على الكائنات الضارة. ولقد وجد أن المادة المضادة للحيوية والتي تقتل البكتريا سالبة أو موجبة الجرام لا تتحرر من الخلايا الفطرية إلا اذا امتصت السائل وعند ذلك فإنه بواسطة خاصية الضغط الاسموزي تنتفخ ثم تتفجر وتطلق محتوياتها التي تعتبر كالقنابل وتقوم بالقضاء على البكتريا الضارة. ولوحظ أن هذه القنابل تقذف لمسافة 2 مم داخل السائل وهي مسافة تعتبر عظيمة بالنسبة لحجم الكائنات الدقيقة.

 صورة لعين ذبابة المنزل مكبرة فسبحان المصور

وفي أبحاث كثيرة سابقة قام بها الباحث الحالي مع آخرون، تم عزل معظم البكتريا الممرضة من على السطح الخارجي للذباب وخاصة من على الأرجل والبطن مثل بكتريا: الجمرة الخبيثة، والتيفويد، والباراتيفويد، والدوسنتاريا، وامراض العيون، والجهاز التنفسي، والجهاز الهضمي، والجهاز العصبي، والجهاز البولي التناسلي وغيرها كثير. لذلك فإنه عند غمس الذباب في الاناء فإن البكتريا المفيدة والتي تم استخلاص المادة الفعالة منها بالاضافة إلى المواد ضد الحيوية المفرزة من الفطريات تقوم بالقضاء على كل هذه الانواع الضارة. ولعلنا فهمنا الحكمة من قول سيد الخلق صلى الله عليه وسلم “فليغمسه” وفي احاديث أخرى “فامقلوه” أي فاغمسوه.

لقد لوحظ ان أعداد البكتريا بعد غمس الذبابة تتناقص كثيرًا عما كانت عليه قبل الغمس ولذلك لان البكتريا المفيدة والفطريات تفرز المواد المضادة للحيوية التي تقتل البكتريا الضارة بعد سقوطها في السائل. (…)

ولعلنا في هذا البحث قد ألقينا الضوء على الداء والدواء في جناحي الذباب ورددنا على المتشككين في الحديث الشريف. وكما قال الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه “السنن النبوية مصدرًا للمعرفة والحضارة” يجب ألا نقابل حديث “غمس الذباب” بالرد أو التكذيب لمجرد الاستبعاد. وبعد هذه النتائج فليس هناك أي مجال للاستبعاد بعدما صارت الحقيقة جلية واضحة.

وطبقًا للنتائج التي تم الحصول عليها في البحث الحالي، فإن حديث الذباب يلقي الضوء على كثير من المعلومات في مجال الفيزياء، والكيمياء، والطب، والصيدلة، والبيولوجيا … وغيرها. وأهم ما نود الإشارة إليه، هو أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لم يدع أحدًا إلى وضع الذباب في الإناء عنوة، أو إلى الشرب أو الأكل من الإناء الذي وقع فيه الذباب، ولكنه صلى الله عليه وسلم يلفت نظرنا إلى أن لكل داء دواء. ويدفعنا الحديث في آخره إلى البحث عن الدواء أو الشفاء في جناحي الذباب، لمعالجة الأمراض التي ينقلها الذباب للإنسان. بل أن البحث الحالي اثبت بإن المادة المضادة للحيوية المعزولة من جناحي الذباب تستطيع ان تقضي على كثير من المسببات المرضية الأخرى غير المتواجدة على الذباب. إن الحديث الشريف يفتح المجال لاكتشاف عشرات المضادات الحيوية من الذباب خاصة إذا عرفنا أن هناك 64000 نوعًا من الذباب منتشرة في جميع أنحاء العالم. وأن الكائنات الدقيقة المتواجدة على الذباب تعكس البيئة التي يعيش فيها الذباب. أي أن الأمراض التي ينقلها الذباب في منطقة ما، تختلف عن تلك التي ينقلها الذباب في منطقة أخرى. أي أننا نستطيع أن نحصل على علاج أو دواء لكل الأمراض التي ينقلها الذباب في مناطق العالم المختلفة، حيث أن الداء والدواء متلازمان في جناحي الذباب والأحرى ان يتم اكتشاف تلك المضادات الحيوية بواسطة علماء المسلمين، ولعل هذا البحث هو الأول من نوعه في هذا المجال وربما يفتح الطريق لتحقيق مزيدًا من الانتصارات العلمية لعلماء المسلمين. حتى لا يتهمنا الغرب بأننا كسالى ننتظره لاكتشاف الحقائق العلمية ثم نقول بأن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة قد ذكرت هذا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، قال تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى}[4].

 



*  أستاذ الحشرات الطبية ومدير مركز أبحاث ودراسات الحشرات الناقلة للأمراض كلية العلوم (بنين)، جامعة الأزهر، القاهرة، مصر. للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.nooran.org أوwww.55a.net .

[1]  تعرض في السابق عدد من المستشرقين والملحدين لحديث “الذبابة في الإناء” بكثير من النقد والسخرية. وهذا البحث هو أوّل محاولة علمية جادة وموثقة تؤكد صحة مضمون الحديث علميًا.

[2]  د. خليل إبراهيم ملاّ خاطر: الإصابة فى صحة حديث الذبابة.دار القبلة للثقافة الإسلامية (الرياض – السعودية)، ط1، 1405هـ

[3]  القرآن الكريم، سورة البقرة، آية 286.

[4]  القرآن الكريم، سورة النجم، آيات 3-4-5.

المراجع العربية:

1 – دكتور غريب جمعه : فتح الوهاب بشرح حديث الذباب . مطبعة الكيلاني . القاهرة .

2 – دكتور خليل ابراهيم ملاّ خاطر: الاصابة في صحة حديث الذبابة. دار القبلة الإسلامية (الرياض – السعودية). ط 1، 1405هـ.

3 – د. يوسف القرضاوي: السنة النبوية مصدرًا للمعرفة والحضارة. دار الشروق (القاهرة)، ط1 1417هـ / 1997م.

4 – د. كارم غنيم: الاشارات العلمية في الأحاديث النبوية. الطبعة الأولى 1426هـ / 2005م.

المراجع الأجنبية:

1- Ahmad, M.; Hassan, M. and Zayed, A. (1995): Microbial flora associated with some species of biting and non–biting flies (Diptera). J. Fac. Edu., 20 : 477–489.

2- Alcamo, E. and Frishman, A. (1980): The microbial flora of field collected Cockroaches and other arthropods. J. Env. Health, 42 : 263–266.

3- Breznak, J. (1982): Intestinal microbiota of termites and other xylophagous insects. Ann. Rev. Microbiol., 36 : 323–343.

4- Fouda, M. (1984): Significance of symbiotic in Hippoboscia equina (Diptera, Hippoboscidae) ZAUG Ent., 97 : 376–378.

5- Ghanem, E.H.; Hassan, M.I.; Gazal, S.A.; El–Sehrawi, M.H. and Ali, O.A. (1986): Studies on bacterial flora associated with three species of blood sucking flies (Diptera). Egyptian Society of Applied Microbiology, Proc. VI. Conf. Microbiol. Cairo, Vol. 1, part (3). Taxonomy Paper No. 22.

6- Greenberg, B. (1973): Flies and disease, Vol. II. Princeton Univ. Press, Princeton, NY.

7- Hassan, M.; El–Kordy, E.; Wahba, M. and Mahdy, H. (2000): The effect of different species of bacteria on certain biological aspects of the sandfly Phlebotomus papatasi Scopoli (Diptera : Psychodidae). J. Union Arab Biol., 13A : 223–231.

8- Hassan, M.; Lotfy, N. and Mahdy, H. (1998a): Blood digestion period and egg development in aposymbiotic Phlebotomus papatasi scopoli (Diptera : Psychodiadae). Proc. Egypt. Acad. Sci., 48 : 191–206.

9- Hassan, M.; Mahdy, H. and Lotfy, N. (1998b): Biodiversity of the microbial flora associated with two species of sandflies Phlebotomus papatasi and P. langeroni (Diptera : Psychodidae). J. Egypt. Ger. Soc. Zool., 26E : 25–36.

10- Hassan, M.; Zayed, A. and Ahmad, M. (1996): The influence of symbiotic bacteria on digestion and yolk protein synthesis in Culex pipiens L. (Diptera : Culicidae). J. Egypt Ger. Soc. Zool., 21 : 269–284.

11- Holt, J.; Krieg, N.; Sneath, P.; Stanely, J. and Williams, S. (1994): Bergey`s Manual of Determinatie Bacteriology, 9th ed. Williams & Wilkins, Baltimore.

12- Honda, Y.; Ueki, M.; Okada, G.; Onose, R.; Usami, R.; Horikoshi, K. and Osads, H. (2004): Isolation and biological properties of a new cell cycle inhibitor, curvularol, isolated from Curvularia sp. RK97–F166. J. Antib., 54 : 10–16.