التربية البيئيّة في الإسلام

جهاد خير الدين قرقوتي*

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

مقدمة:

بدأت العلوم البيئية تدرس في الجامعات الغربية, في سبعينيات القرن الماضي , ولم يظهر علم التربية البيئية إلا في تسعينيات القرن الماضي , حيث بدأ الكلام عن إدراج التربية البيئية تدريجيا” في مناهج وزارات التربية لدى عدد من الدول .

عندها تذكرت بعض الآيات والأحاديث النبوية وأفعال الصحابة الكرام , منذ حوالي ألف وأربعمائة عام, ولما قررت الكتابة عن التربية البيئية في الإسلام , شعرت بالعزة والكرامة وإعجاز هذا الدين , وشعرت أيضا” بالتقصير تجاه هذا الدين العظيم , فهو بين أيدينا ولا نهتم به , ولانقرأ عنه إلا اليسير بينما يبحث غيرنا قرونا” ليصل إلى ما هو في متناول أيدينا , ونحن عطاش نتلمس العلوم المختلفة ونتذلل للحصول عليها من هنا وهناك .

إنّ الإسلام الذي ينظم ويحدد علاقة الإنسان بربه وعلاقة الإنسان بكافة مخلوقات الله إنما يحوي بين طيّاته المحافظة على البيئة والتي نعرفها على أنها جملة نظمٍ وعلاقاتٍ طبيعيّة واجتماعية يحيى في ضمنها الإنسان وغيره من الكائنات الحيّة ويتفاعل معها إما سلباً أو إيجاباً.

إنّ الطريق الصحيح لبيئة سليمة إنما يكون بتطبيق التربية البيئيّة التي هي حركةٌ دائمة يتمكن بفضلها الأفراد والجماعات من الوعي بمحيطهم ويكتسبون عبرها المعارف والكفاءات والتجارب وكذلك العزم والإرادة من أجل إيجاد حلول عمليّة لمشاكل البيئة الحالي منها ومن أجل مستقبل أفضل.

1- الإسلام والبيئة:

يحتوي الإسلام في مجمل تعاليمه على الإحتياجات الحقيقيّة والطبيعيّة للإنسان، وهذه التعاليم هي التي تؤهله وأكثر من أي وقتٍ مضى، للعودة للعب دوره الطبيعي والطليعي في نمو الإنسان وتطوره.

ومع تقدم الحضارة الماديّة فإنَّ إحتياجات الإنسان الإستهلاكيّة وإمكانياته أصبحت متفلتة ومعقّدة لدرجةٍ أنها تضّحي بإنسانيّة الإنسان وأخلاقيّاته.

ففي هذا المجتمع المادّي المعقد نحيت القيم الإنسانيّة جانباً حتى أن القيم الأخلاقيّة أصبح يُنظر إليها بازدراء إن لم نقل باستهزاء.

وفي أغلب دول العالم وشعوبها تتوجه البنية الأساسية للتربية والتعليم بإتجاه الكسب المادي الإقتصادي حتى أنَّ بعض الصفوف وبعض الإختصاصات في الجامعات تغلق ولأسباب إقتصادية تجاريّة، وذلك لعدم وجود العدد الكافي من الزبائن، حتى أنَّ كلمة زبائن تستعمل في كافة المجالات وتلك كلمة ماديّة بحتة.

بينما تقوم النظرة الإسلامية للعالم بأجمله على العدالة والإنصاف حتى أنَّ السموات والأرض إنما خلقت على هذه القاعدة وأن كل شيء محسوب وبدقة في هذا الكون. وإنَّ أي تحوير لهذه القواعد العامة التي تحكم العالم ستؤدي بالضرورة إلى فوضى وإضطراب وإختلال التوازن في القوانين الطبيعيّة.

لقوله تعالى: “الرحمن*علم القرآن*خلق الإنسان*علمه البيان*الشمس والقمر بحسبان*والنجم والشجر يسجدان*والسماء رفعها ووضع الميزان*ألا تطغوا في الميزان* والأرض وضعها للأنام.”(سورة الرحمن)

فالعوامل الطبيعية ليست حرة في تقرير وتقدير هذا التوازن وأن ردود الفعل لأي خلل طبيعي إنما هي لإعادة التوازن وإزاحة العوائق التي تقف بوجه هذا التطور، وأنَّ أي خلل في أي مجال إنما هو محكوم بردٍ وبشكل طبيعي لتصحيح المسار من الداخل أو حتى من الخارج إن لزم الأمر.

2- الإنسان والبيئة:

قال إبن خلدون عالم الإجتماع الأندلسي ومنذ قرون عدة: “الإنسان إبن بيئته”، فمن غير المعقول ألاّ تؤثر بيئه الإنسان الطبيعية والجغرافية على حركته وروحه. إنَّ الروحانيات الإنسانية التي تنمو وتزدهر في مناطق حارة وصحراوية ذي الكثبان الرملية، لا يمكن أن تكون نفسها في مناطق ساحلية رطبة أو في غابات كثيفة، فلا شك بأن الطقس الحار والمياه المالحة والمناطق الجبلية لا يمكن أن يكون لها التأثير ذاته على الإنسان في المناطق الباردة، والمياه العذبة والسهول والمستنقعات، فكما أن هذه العوامل الطبيعية الفيزيائية للناس تختلف بإختلاف المناطق فإنَّ التفاعل والردود تختلف.

إنَّ العوامل التاريخية والمناخ الإجتماعي والعلاقات الإقتصادية والظروف الإجتماعية كلها تلعب دوراً أساسياً في توجيه الإنسان وحركته ورؤيته ونمط حياته حتى أنها تقف بعض الأحيان حائلاً أمام طريق حرية الإنسان وقدرته على الإختيار.

إنَّ الإنسان بحاجة للتوجيه والتغيير أمام بعض غرائزه الجامحة وكما أن العوامل الطبيعية والظروف البيئية تحدد له إختياراته ونمط معيشته فعليه بالتالي أن يعمل جاهداً لتحسين محيطه.

إنَّ القواعد والأسس الرئيسية التي يعتمد عليها الإنسان من أجل هذا التحسين والتغيير للأفضل، إنما تشكل أهم مواضيع الإرادة والإختيار الإنساني.

هذه المثل العليا إنما هي قيم عليا نضحي من أجلها، فإن أردت فعلاً أن تجد إنساناً وبكل معنى الكلمة فعليك أن تفتش عن شخص عقائدي يتحلى بقيم تتعدى النظرة الشكلية والجسديّة.

والإسلام يحدد هذه القيم التي هي من عند الله والمسلم يسعى جاهداً للوصول لها والعمل بها مرضاة لله.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الإيمان بضع وسبعون شعبة – أو بضع وستون شعبة – فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الأيمان” متفق عليه وقال أيضاً: “التبسم في وجه أخيك صدقة.”

لقد حث الإسلام على فعل كل ما ينفع الناس وما يبعد عنهم الضرر كما أكد حرصه أيضاً على المرافق العامة ونظافتها والعناية بها، وأكد الإسلام على القاعدة الشرعية الأساسية بأنه “لا ضرر ولا ضرار.”

والإنسان هو العامل الأساسي لأي بناء بيئي، وهو الذي أكرمه الله فأحسن صنعه وميّزه عن باقي المخلوقات، هذا الأنسان هو الكنز الحقيقي الذي يتغافل عنه الكثيرون. المهم أن نهتم ببناء البشر وليس الحجر، كما أنَّ إعتماد الثقافة البيئية أثناء هذا البناء كفيل بإيصالنا إلى بداية الطريق الصحيح نحو بيئة إنسانية سليمة. إنَّ هذه الثقافة البيئية لا تتطلب زيادة نفقات على ما يسمى بوزارة البيئه وإنما يجب أن تتركز على الإنسان وعودته لدينه وفطرته السليمة، وليس بإضطهاده كما هو حاصل في الماضي والحاضر.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي يأم الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وأولادها وهي مسؤولة عنهم وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.”

إنَّ التغيير في الظواهر الطبيعية، محكوم بقوانين وأسباب وعوامل، وأنَّ الطبيعة محددة ومرسومة ضمن خطوط معينة. وبالنسبة للمجتمع فإنَّ الإسلام يؤكد على النظم الإجتماعية وأسباب أي تغيير إجتماعي، فيتكلم عن الأمم صعودها وإندثارها، قوتها وضعفها، تماسكها وهزالتها، ويتحدث عن أسباب ونتائج ذلك-وأنَّ الأحداث التاريخية ليست وليدة الصدفة وأنَّ كل شيء في الطبيعة والمجتمع إنما يخضع لقوانين ونظم.

إنَّ طبيعة الإنسان المادية والروحية تؤدي به في مراحل حياته إلى إنحناءات وإضطرابات نفسية وهو مسؤول عن توجيه نفسه وضبط رغباتها، وإذا تملكته الأنانية وحب السلطة، فإنه يسعى لتحقيق رغباته وغاياته وبكل الطرق الغير أخلاقية. إنَّ ذلك يقضي على المجتمع ويسممه، وإنَّ الأفكار والعادات السيئة والألهة القديمة والحديثة وطواغيت العصر القديم والعصر الحديث إنما يسعون جاهدين لإعتقال كل فكر صحيح يؤدي بصاحبه ومعتنقيه إلى طريق الصواب، وذلك من أجل إستغلال البشر وإستعمالهم لمصالحهم ولبناء الحجر لهم ولحاشيتهم.

إنَّ أسوأ الإستغلال إنما هو إستعمال الإنسان لغايات أنانية بسيطة، وكم من الدماء والبكاء أريق بسبب هؤلاء الناس وحبهم للسلطة والكراسي. لقوله تعالى: “… ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً ” سورة النساء

وإنَّ الفساد وأعمال هؤلاء إنما هي السبب الرئيسي لأي تغييرات تاريخية مدمرة.

إنَّ إرهاب الشعوب وقهرها، هو من أخطر مظاهر الإرهاب البيئي وأكثرها سلبية على البيئة. والحروب هي من أهم مظاهر الفساد وتخريب البيئة.

3- الحكم والبيئة:

والحكم السليم القويم والعادل هو الذي يسود بالأمن والطمأنينة والرخاء هذا ما يعلمه الإسلام للأمة المنتصرة، لا تزهوا بنصرها ولا تعتدي وإنما تمنع البغي والفساد، ولتحل الحق **كما ورد في قوله تعالى: “الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور.” سورة الحج

هذه الرحمة التي نقلها النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه قولاً وفعلاً، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه صاحب وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوصي جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهم ويقول: “لا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً، ولا إمرأة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له.”.

وعلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسامحه الديني والإنساني، نجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين يدخل القدس فاتحاً، وتحين صلاة العصر وهو في داخل كنيسة القدس الكبرى فيأبى أن يصلي فيها كي لا يتخذها المسلمون من بعد ذريعة للمطالبة بها وإتخاذها مسجداً.

عمر رضي الله عنه الذي قطع الشجرة في مكان بيعة الشجرة، لأن الناس بدأوا بتقديس تلك الشجرة، هو ذاته الذي يخاف أن يحاسبه ربه على ناقة عثرت بأرض العراق، ويسأله عنها ربه لما لم تعبد لها الطريق يا عمر.

4- استصدار التشريعات وتنوير سبل الحياة:

ثم ظهرت في العصور التالية التعاليم التطبيقية للإسلام وإهتمامه ببيئة الإنسان ومحيطه واستصدار أعظم التشريعات، فمن بناء المؤسسات الخيرية والمدارس والمستشفيات، وبناء الخانات والزوايا للعبادة وللفقراء والمسافرين، والسبيل لمنع العطش, والمؤسسات الإجتماعية، والتكافل الإجتماعي بإنشاء مؤسسات اليتامى واللقطاء والعجزة والعميان وتزويدهم بكل ما يحتاجون إليه من سكن وغذاء ولباس وتعليم، ومن إمداد الأمهات بالحليب والسكر مثل مبرات صلاح الدين في دمشق. ولم ينس الإسلام في خضم المسؤوليات العظيمة، رحمته بالحيوان ومنع تحميل الدواب فوق ما تطيق، وإقامة دور عجزة للحيوان وأوقافاً لتطبيبها ورعايتها.

إنَّ الإسلام وبتقدمه المتوازن في كل الإتجاهات والمناطق وممارساته الإنسانية، جعل الأيدي مفتوحة لإستقبال هذا الفاتح الإنسان الذي إنتظروه طويلاً، بعد أن كاد اليأس يغلب عليهم، حتى أن المدن أخذت تفتح أبوابها وحصونها وقبل مدة من وصول جيوش الإسلام، فهي جيوش رحمة وليست جيوش إحتلال. وإنَّ ما فُرض على المسلم من زكاة وغيره أشد مما كان يفرض على غيرالمسلم من أهل الكتاب، حتى أن بعض المدافعين عن المدن كانوا ينضمون للقتال إلى جانب المسلمين في وجه الحكام السابقين الجائرين.

إنَّ هذا التقدم الإنساني نحو هذه الشعوب لم يؤد إلى دمارها، وإنما أدى إلى تغيير وإستبدال النظم الجائرة بنظام عادل وإلى تبديل عبادة الحجر والبشر بعبادة الواحد الأحد. إنَّ الإسلام جاء للبناء والتحسين وليس العكس كما يشيعه المفترون.

المحافظة على الآثار: لقد قام الإسلام بدور هام بالحفاظ على الثقافات والحضارات القديمة من إغريقية وفرعونية وبلاد ما بين النهرين وفارسية وهندية، وحتى أنه كان يشجع على معرفة فكر الأخرين والتحقيق والتمحيص بكتبهم، فالمعرفة إنما هي إستكمال ما وصل إليه الآخرون ومتابعة الطريق، وقد شجع المسلمون أيضاً على دراسة التاريخ وحركته وشعوبه والسفر للبلاد البعيدة لجمع كل ما هو خير للناس، وشجع على ترجمة الكتب من اللغات القديمة فكانت مراكز المعرفة وخاصة في دمشق وبعدها في بغداد، كخلايا النحل دائمة الحركة في سبيل المعرفة وتقدم ورفاهية الإنسان في كل مكان. ورغم الأخطاء وبعض الممارسات في الحكم التي تتنافى مع قواعد الإسلام فإنه ينبغي علينا أن لا ننسى فضل الخلافة الإسلامية من أموية وعباسية وعثمانية وخلال إثنى عشر قرناً على الحضارة الإسلامية وعلى العالم أجمع.

5- أثر التوجيه الديني على البيئة:

إنَّ الإنسان المسلم بنَّاءٌ بطبيعته، إنه يبني نفسه وبيته ومسجده وبيئته، وإنَّ نجاحه في بناء بيئته إنما يعتمد على نجاحه في بناء نفسه والعكس صحيح، وبمعنى آخر فإنَّ نجاحه في تحسين بيئته إنما يجعله على طريق تحسين ظرفه ووضعه.إنَّ هذه العلاقة بين الإنسان وبيئته تجعله شديد الإنتباه والتيقظ لتحسين وضعه العام وعلى كل المستويات. مما دفعه إلى تأسيس قواعد مهمة في مجالات النظافة والمأكل والملبس والمشرب ومجالات الصحة البدنية والعقلية….إلخ.

وقد إعتبر الإسلام أنَّ الطهارة والنظافة هدف إيماني، لقوله تعالى:

“… ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون” سورة المائدة

وكذلك قوله جلّ وعلا:

“” …. إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين” سورة البقرة

وحض أتباعه على طهارة ثيابهم وجسدهم وأسنانهم ومياه الشرب والمياه المستعملة لحاجاتهم وأماكن إقامتهم وشوارعهم وأحيائهم العامة وغذائهم. وعدم هدر المواد الغذائية برميها في الزبالة وعدم الإسراف في الأكل لأن ذلك ليس فقط ضد القواعد والنظم الإقتصادية بل أيضاً بسبب ضرره الصحي الذي يعود على المستهلك نفسه، وليس من العدل أن يهدر الناس الغذاء ويأكلونه بإسراف، في الوقت الذي يموت فيه آخرون من الجوع.

لقوله تعالى: “يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين” سورة الاعراف

” إنَّ النمو الصحي الكامل للإنسان بحاجة لغذاء صحي وعلاج صحي وإلى جو ومناخ صحي خال من التلوث وكل ما يشيع الأمراض.

إنَّ الصلوات المفروضة الخمس وما يتعلق بها من طهارة الجسد والثياب والمكان والإتجاه للقبلة في الصلاة وصوم رمضان، ينمي لدى الإنسان معنى المسؤولية تجاه نفسه وغيره وينمي إرادته التي تعطيه القدرة والقاعدة الصلبة لتنظيم وترتيب حياته.

إنَّ الإسلام يرفض وبشكل قطعي الأنانية وذلك الشعور الإصطناعي المادي، وهو يريد منا أن نحب لغيرنا ما نحب لأنفسنا، وأن نعامل غيرنا كما نحب أن يعاملونا، وأن نساوي بين الناس فالناس سواسية في الحق والعدالة الإنسانية وقال رسول الله : ” الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله”. وقول عمر رضي الله عنه: “متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.”

ومن أجل بيئة سليمة وعلاقة إنسانية جيدة فقد نظم الإسلام هذه العلاقة بين الجيران من الناحيتيتن الأخلاقية و المادية حتى أن سيدنا جبريل عليه السلام أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالجار لأن المشاكل بين الجيران يجب أن تعالج بالتراضي بعيدًا عن المقاضاة في المحاكم وهذا أفضل في تسوية مشاكلهم ولكي يستطيعوا الإستمرار في العيش معاً وبهناء وبمسؤولية كما قال صلى الله عليه وسلم: ” ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه” متفق عليه.

وقال أيضاً: “والله لايؤمن, والله لايؤمن, والله لايؤمن ! قيل من يا رسول الله؟ قال: الذي لايأمن جاره بوائقه! متفق عليه. اذ ان الناس شركاء في الجوار والشارع والمحلّة وهي البيئة المحيطة مباشرة بالمسلم وجيرانه.

ومن تحسين شروط البيئة الاهتمام باللباس والأكل فالمطلوب عدم الإفراط في شيء، فلا تفريط ولا إفراط، وعدم إعلاء الصوت عند التحدث وإحترام الزوار ومعاملتهم بإحترام ومحبة، وإفشاء السلام بين الناس فإن ذلك يولد المحبة بين النفوس ومساهمة المسلم في خدمة بيته وأهله فهذا تواضع منه وتقرب إلى أهله ويزيد من المحبة والألفة وينمي التعاون في أهل بيته، وأن تكون حياته بسيطة وغير معقدة بعيدة عن الرسميات والتكاليف والتشريفات وأن يكون دائم الإبتسام، فالإبتسام بوجه أخيك صدقة. وأن يحترم الصغير منا الكبير ويطيعه وأن يحب كبيرنا صغيرنا ويحميه وينصحه. ومن أهم السلوك الإجتماعي الإسلامي وبلا شك ألا وهو الضيافة، وقد إشتهر المسلمون بذلك وكان لديهم دورٌ عامة للضيافة وخاصةً لعابر السبيل ولم يخلو بيت من جناحٍ مخصص للضيافة وإكرام الضيف بالمأكل والمشرب ومساعدته على تأمين حاجته.

إنَّ هذه المودة والتراحم بين الناس تزيد من محبتهم لبعضهم وتشد أواصر الأخوة وتزيد من دائرة الأصدقاء، فإنَّ تضحياتنا المادية ما هي إلا تقاسم بيننا، فنحن كلنا عبرة سبيل وما الحياة الدنيا إلا كشخصٍ وقف يستريح تحت فيّ شجرة، ليعاود بعد ذلك المسير.

إن أعمالاً كدور للإنتاج وتقديم الغذاء والملبس للمحتاج مهمة جداً، لكن ما نحن بحاجة إليه أكثر هو تأمين الرعاية والعلم والعمل لهؤلاء لكي لا يستعطوا أحداً، ونحن إذا إكتفينا فقط بتأمين الغذاء والملبس لهم فإننا نساعد في إضعاف نفوسهم وجعلهم فئة منفصلة عن هذا المجتمع، فئة تكره بيئتها ومجتمعها وتسعى إلى هدمه والإنتقام منه في أول فرصة تسنح لها، فما علينا إلا أن نأخذ بأيديهم لكي يذوبوا معنا ونذوب معهم، فإن ظلمهم البعض وإذا قُدرِّ لهم ظرف صعب فعلينا، أن نعمل على إخراجهم من ذلك الظلم لتأمين فرص الحياة الكريمة لهم، ولذلك تبدو النشاطات التعاونية في كل الإتجاهات مهمة جداً على مستوى الجمعيات الأهلية.

إنَّ المبدأ العام في الإسلام لا ضرر ولا ضرار، وحسب القوانين الإقتصادية الإسلامية فإن كل الخيرات من أرض وماء وفضاء هي للجميع ولا ينبغي أن تكون ملكاً خاصاً لأحد، ومن وجهة النظر الإسلامية فإنَّ الثروات ليست وافرة وغزيرة، وإنَّ الحصول عليها ليس سهلاً،

وإنَّ إستخدام هذه الثروات الطبيعية وبشكل مدروس وللإبقاء عليها لمن يأتي بعدنا والأقتصاد فيها

أمر ضروري جداً ومطلوب شرعاً لأنه بمثابة الدم في عروق الأمة .

إنَّ التعاليم الإسلامية تؤكد على مسؤولية الفرد في تكوين البيئة والحفاظ عليها، كما تؤكد على تأثير البيئة على الإنسان وعلى تكوين أفكاره وأخلاقياته، وأنَّ خياراته محدودة لأن أقدار الناس متعلقة بعضهم ببعض.

عندما يطلب المسلم من الله قائلاً: “إهدنا وليس إهدني، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وليس السلام علي وعلى عباد الله الصالحين”، إذن فهو دين جماعي وليس فردي وإنَّ المسؤولية الفردية جزء من المسؤولية الجماعية.

خاتمة:

إنَّ الطمأنينة وسعادة النفس إنما تحصلان بإنتصار الإنسان على نفسه وعلى هواه أي بإنتصارها على الأنا. وإنَّ إنقياد الإنسان وإذعانه للقيم المادية وإهماله القيم الأخلاقية إنما يقوده نحو التعاسة ويغرقه في مستنقع الوحشية ويجعل محيطه وبيئته كغابة كثيفة لا يرى فيها حتى نفسه ولا أخاه ويعيش فيها متخبطاً ذات اليمين وذات الشمال. إنَّ الإكتشافات العلمية والإبتكارات والتطور الصناعي والتقنيات الحديثة وبدلاً من أن تحسن وضع الإنسان وبيئته إنما قامت بإزدراء الإنسان وإنسانيته وقوت أنانيته وساهمت إلى حد بعيد في دمار الأمم والقضاء على مواردها.

إنَّ جشع الدول الغنية والكبيرة وإستمرارها في هدر الموارد بهدف السيطرة والهيمنة على العالم إنما تدمر نفسها والعالم بأسره وإن سيطرة العقلية المادية على الأخلاقيات وعدم التوازن بين القيم المادية والأخلاقية ستكون من نتائجها حدوث كوارث لا حدود لها والحل يكمن بهذا التوازن والشعور بالمسؤولية وأهمية إستمرار النسل البشري وإنسانية الإنسان.وأقولها بقناعة أن أمة الإسلام وبما فضَّلها الله على غيرها من الأمم وعلى أنها أمة وسطية إنما هي الوحيدة القادرة على لعب الدور المميز في الحاضر والمستقبل كما في الماضي بالحفاظ على الإنسان وبيئته وذلك بالتوازن بين المادة والقيم الأخلاقية والشعور بالمسؤولية الكونية، توازن لا ينافي التطور ولا يلغي العلم بل يشجع عليه ويوجهه لما فيه خير الإنسان والبشرية بكافة أجناسها وقومياتها وأديانها وألوانها ولغاتها. ولكن …هل يقبلون بالحق وكلمته؟ وهل يوقفون نحر الأرض ومن عليها؟ وهل يتركون من هو أهل لذلك ويطلقون يديه؟ أم أنّ تعصبهم الأعمى وعنصريتهم تمنعهم من ذلك..!

إنَّ الإسلام يدعو الإنسان بالمبادرة للحركة نحو الأفضل وهو لا يجبره على ذلك فله إختياره ولو كان مسيّراً ومن دون إرادة فأين مبادرة ذلك الإنسان وإرادته ولما الحساب على ما فعل إذن؟

وقد وجد أن عليه المسير في هذه الرحلة، رحلة الحياة مستعيناً بالله وبتعاليمه شاداً بها أزره متوكلاً على الله عاملاً بكل جهد ممكن للوصول إلى بر الأمان ذاكراً قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: “أعقلها وتوكل.

هذا الإنسان مليء بالتناقضات، فهو في غرائزه المادية إنما يدفع بإنسانيته نحو الأسفل، وفي أخلاقياته فإنه يدفع بها إلى الأعلى. إنَّ إمتلاك الإنسان للمعرفة, يجعله يستفيد من هذه التناقضات بحيث يستخدمها في مكانها المناسب، وهو بمجهوده الدؤوب فإنه يعمل مسيطراً على عواطفه وأحاسيسه ويوظفها لما فيه خيره وتطوره وتحسن بيئته وإنسانيته.

إنَّ الإسلام بحبه للخير وكرهه للشر إنما يشدد على رفضه لكل أنواع التلوث الضار في الطبيعة والفكر والمجتمع، وقد شدد على الأخوة الإسلامية كأساس لثبات نظام الدولة والعدالة، هذا التأسيس الروحي للعلاقة الإنسانية يلعب دوراً أساسياً في الحفاظ على حقوق الأفراد وحماية مصالحهم الإجتماعية.إنَّ الوقاية من الأضرار غير ممكنة من غير النقد الذاتي المستمر الذي يؤدي إلى صحوة للنفس والضمير الحر.

________________________

* باحث في التربية والعلوم البيئية.