لطائف حول معجزة النمو عند الإنسان والنبات

د.هارون يحي*

معجزة النمو لدى الإنسان

يتحكم الإنسان جزئيًا في جزء يسير جدًا من جسمه، فهو مثلاً يستطيع المشي والحديث أو القيام بعمل باستخدام يديه، ولكن آلاف العمليات الكيميائية والفيزيائية التي تجري في أعماق جسمه تتم بدون علمه وإرادته، ولنتناول عملية نمو الجسم كمثال على ذلك.

إن رضيعًا في العام الأول من عمره يبلغ وزنه ضعفي وزنه عند ولادته تقريبًا وطوله يزيد بنسبة 50%، ومع مرور السنوات يزداد وزنه وطوله بشكل سريع. هذا النمو المعجز يتحقق عن طريق التواصل البديع بين الخلايا، ويدار جسمنا عن طريق نظام اتصالات كيميائي، وعناصر هذا النظام الناقلة للأوامر والمسماة الهرمونات تنقل أوامر استمرار حياتنا بين الخلايا، وعن طريق هذا التواصل يتحقق نمو متزن في جسمنا. إن الطفل يكبر ويصبح بوزن 70-80 كغم وبطول 170-180 سم في ظرف عشرين إلى خمس وعشرين سنة، أما الذي يؤمن ذلك فهو تلك المادة المعجزة التي تفرزها الغدة النخامية أي هرمونات النمو، ولنرى تأثيرات هرمونات النمو في الجسم عن طريق التعرف على الغدة النخامية أولاً.

الغدة النخامية هي قطعة لحمية زهرية اللون صغيرة بحجم حبة الحمص، مرتبطة عن طريق مستقيم صغير بمنطقة هيباتالاموس الموجودة تحت الدماغ، وعن طريق هذا الارتباط تتلقى الأوامر المباشرة من الهيباتالاموس حيث تنتج الهرمونات اللازمة وفقًا لهذه الأوامر، وتؤمن القيام بالترتيبات التي يحتاجها الجسم. ونمو الجسم هو من الترتيبات التي تقوم بها الغدة النخامية في الجسم.

الخلايا التي تتحرك وفقا لأوامر الغدة النخامية

إن عملية نمو جسم الإنسان تتم بشكلين مختلفين أحدهما عن طريق زيادة حجم بعض الخلايا، أما الآخر فعن طريق تكاثر بعض الخلايا بالانقسام، وهرمون النمو هو الذي يؤمن ويتحكم بهاتين العمليتين. يؤثر هرمون النمو الذي تفرزه الغدة النخامية على كل خلايا الجسم، وكل خلية تفهم معنى التعليمات التي تصلها من الغدة النخامية وإذا وجب عليها النمو تنمو، وإذا وجب عليها التكاثر بالانقسام تكاثرت.

مثلا قلب الطفل عند ولادته يكون بحجم جزء من 16 جزءًا من حجمه عند الكبر تقريبًا، ومع ذلك فإن إجمالي عدد الخلايا بنفس عدد خلايا قلوب الكبار، وهرمون النمو يؤثر على كل خلايا القلب في مرحلة النمو، وهكذا فإن كل خلية تنمو بقدر ما أمرها هرمون النمو. وهكذا أيضا ينمو القلب ليصبح قلب إنسان ناضج.

يكتمل تكاثر خلايا الأعصاب في نهاية الشهر السادس والطفل في رحم أمه، ويبقى عدد خلايا الأعصاب ثابتًا في الفترة من هذه المرحلة حتى الولادة ومن الولادة حتى الكبر. وهرمون النمو يأمر خلايا الأعصاب أيضًا بالنمو حجمًا، وهكذا يأخذ نظام الأعصاب شكله النهائي مع انتهاء مرحلة النمو.

والخلايا الأخرى في الجسم -مثل خلايا العضلات والعظام- تتكاثر بالانقسام طوال مرحلة تطورها، وهرمون النمو هو أيضًا الذي يبلغ هذه الخلايا الكم الذي يجب أن تنقسم إليه.

وفي هذه الحالة يجب علينا أن نسأل السؤال التالي: كيف يمكن للغدة النخامية أن تعرف المعادلة اللازمة لانقسام الخلايا أو نموها؟ إن هذا إعجاز لأن قطعة لحمية بحجم حبة الحمص تتحكم بكل الخلايا الموجودة في الجسم وتؤمن نمو أو انقسام هذه الخلايا.

عظمة خلق الله

في هذه النقطة يظهر الكمال في خلق الله، فالخلايا الموجودة في منطقة صغيرة، تؤمن نمو أو انقسام تريليونات الخلايا ضمن نظام معين. مع أن هذه الخلايا لا يمكنها رؤية جسم الإنسان من الخارج ولا معرفة مدى ضرورة نمو الجسم وعند أي مرحلة يجب أن يتوقف. إن هذه الخلايا اللاشعورية تنتج هرمون النمو بدون معرفة حتى ماذا يفعلن في غياهب الجسم، والأدهى أنهن يوقفن الإنتاج في الوقت الواجب توقفهن عنده. كما يلاحظ أن نظامًا بديعًا خلق في الجسم، لدرجة أن كل مرحلة من النمو وإفراز الهرمونات تكون تحت السيطرة.

إن قيام هرمون النمو بإصدار أوامره لبعض الخلايا بالنمو حجمًا ولبعضها بالانقسام هو معجزة بذاته، لأن الهرمونات التي تصل لكلا الخليتين هي نفسها، لكن كتب على الشفرة الجينية للخلية التي تتلقى الأوامر كيف يجب عليها أن تتحرك، وهرمون النمو يأمر بالنمو ومكتوب في تلك الخلية كيف يتم ذلك. يثبت هذا مرة أخرى مدى القدرة والعظمة في خلق كل نقطة في جسم الإنسان.

إن تأثير هرمون النمو على كل خلايا الجسم معجزة عظيمة. ولو أطاعت بعض الخلايا هرمون النمو وعصته البعض منها لكانت النتيجة مصيبة. مثلا إذا نمت خلايا القلب بالشكل الذي أمرها به هرمون النمو، ورفضت خلايا القفص الصدري التكاثر والنمو، ماذا كان سيحدث؟ بالتأكيد سينحشر القلب النامي في القفص الصدري الصغير وتكون النتيجة موت الإنسان.

أو إذا نما عظم الأنف وتوقف جلده عن النمو، فإن عظم الأنف سيمزق جلد الأنف ويخرج. إن كل العضلات والعظام والجلد والأعضاء تنمو بشكل متناسق، وهذا الانسجام التام يتم نتيجة طاعة كل الخلايا لهرمون النمو.

التطور المعجز للعظام

يأمر هرمون النمو بتطور أنسجة العظم اللينة في أطراف العظام، وهذا العظم اللين يشبه قلب طفل ولد حديثًا، وطالما لا ينمو العظم اللين لا ينمو الطفل، والخلايا الموجودة هنا تنمي العظام طوليًا، ولكن كيف تعرف هذه الخلايا الموجودة ضرورة تنمية العظام طوليًا؟ إذا نمت هذه العظام جانبيًا فإن الفخذ لن يطول، حتى أن عظم الفخذ عندها سيمزق الجلد في هذه المنطقة ويخرج. ولكن كل شئ تم حسابه وتم وضع المعلومات الخاصة بهذا الحساب في الشفرة الجينية للخلية، وعن طريق هذه المعلومات تعرف كل خلايا العظام كيف يجب عليها أن تتصرف، وبالتالي تنمو العظام طوليًا.

يجب أن لا ننسى عند دراسة نشاطات هرمون النمو أن نجاحها ناتج عن توحد مجموعة من الذرات وأنها جزيئات جامدة لا شعور ولا يد ولا عين ولا دماغ لها.

إن كل هذه التفاصيل المتعلقة بهرمون النمو وكل هذه التوازنات الحساسة المتداخلة تظهر حقيقة واحدة: أن الإنسان خلقه الله دفعة واحدة وبشكل متكامل، والله ذكر قدرته على الخلق في القرآن الكريم كما يلي:{ وله من في السماوات والأرض كل له قانتون . وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.} (سورة الروم 26-27) .

 

معجزة النمو لدى البذور

إن البذور التي هي أجسام بمظهر قطع خشبية جافة، عندما تتوفر لها الظروف الملائمة تتبرعم بشكل محير وتنبت أنواع النبات. ترى ما الذي يميز هذه الأجسام الصغيرة الجافة عن قطع الخشب ؟

هناك صفات مهمة جدا تميز البذور عن الأجسام الأخرى . إن البذور هي أجسام تحتوي في داخلها على كل المعلومات التي تتعلق بأي نبتة، أي معلومات حول كل غصن وكل ورقة وعدد وشكل أوراق النبتة التي تنتمي إليها، وما سيكون لون وسمك لحائها، وعدد وعرض الجذور التي تحمل الماء والغذاء إليها، وماذا سيكون طول النبتة وهل ستثمر أم لا، وإذا أثمرت ما سيكون طعم ورائحة وشكل ولون هذه الفاكهة.

تتكون البذور في بنيتها الأساسية من الغلاف الخارجي ومخزن الغذاء والجنين الذي تتواجد فيه المعلومات، ولكن وعلى الرغم من تشابه التركيبة الأساسية لها جميعًا، إلا أن حجم مخزن الغذاء ونوع وسمك الغشاء الحافظ المحيط بالبذرة وشكل وطعم الفاكهة التي تنمو عليه مختلف جدًَا، ويكون تنوع شكل ولون ومادة غلاف البذرة وفقًا للنوع والظرف الذي تعيش فيه النبتة .

وعند الدراسة من هذه الناحية فإن كل البذور تظهر أمامنا كأعجوبة في التصميم، والآن لنرى اختلافات التصميم هذه عن طريق الأمثلة. توجد بذرة واحدة في المشمش ، وهذه البذرة تحفظ جيدًا داخل القشرة الصلبة، أما الجزء اللاحم فهو حلو المذاق ومناسب للأكل، وهذا الجزء غذاء جيد للناس والطيور والقوارض والحشرات والحيوانات الأخرى. لكن تكون الفاكهة من قسمين فرصة جيدة أيضًا للنبات، لأنه مع أكل الفاكهة تظهر النواة التي على شكل بذرة قاسية، وتتبرعم البذرة في مكان مناسب وتحصل على إمكانية النمو كشجرة جديدة.

وكمثال آخر لنأخذ الكيوي الذي هو فاكهة تؤكل بذورها أيضًا بعكس المشمش، ولهذا السبب فإن بذور الكيوي عديدة وليست واحدة، وبذور الكيوي تكون على شكل أعداد كبيرة داخل الفاكهة، وهي صغيرة عمومًا ولكن لكونها مجمعة وكثيرة، فلو أكلت فاكهة واحدة فقط يزداد احتمال أن تتحول واحدة من البذور إلى نبتة.

وإلى جانب مثل هذه الفروق في التصميم العام للبذور، خلقت أغشية البذور الحافظة للجنين بمميزات تلبي الاحتياجات بالكامل .

المعلومات المخفية في البذرة

إن الجنين الذي يحتوي المعلومات داخل البذور قيم جدًا. ولهذا السبب تجب المحافظة على هذا الجنين بعناية حتى تتطور النبتة بشكل تام، وهذه المحافظة توفرت عن طريق أغلفة البذور التي تتغير وفقا لنوع النبات. وبقدر متانة المادة المكونة لغلاف البذرة، بقدر ما تحمى البذرة من المؤثرات السلبية للجو الخارجي، والمواد المكونة للغلاف الآخر تكون عوامل مؤثرة في بقاء البذور فوق سطح الماء وفي طيرانها مع الرياح.

تتصف الأغلفة الخارجية للبذور بمواصفات متعددة وملفتة للنظر، فبعض الأغشية الخارجية تكون مغلفة بمادة مرة من أجل إبعاد الأعداء أما البعض الآخر فيكون غنيًا بمادة تحد من فساد الجذور.

وعلى الجانب الآخر تكون الأغلفة الخارجية الحافظة للبذور قاسية عادة، وهذه الخاصية تحمي البذرة في مواجهة المؤثرات الخارجية. فمثلاً تتراكم مادة شمعية متينة على الأسطح الخارجية لبعض البذور في المرحلة الأخيرة لتطورها، وعن طريقها تقاوم البذور تأثير الماء والغاز. وقد تكتسي أغلفة البذور بمواد مختلفة وفقًا لنوع النبات، فكما في حبة الفاصولياء تكتسي بغشاء رقيق، وكما في بذرة الكرز تكتسي بقشرة صلبة كالخشب. أما قشور البذور الواجب أن تكون مقاومة للمياه فتكون أكثر صلابة وسمكًا من غيرها.

لنقدم مثالاً على التصميم في البذور من حبة الفاصولياء التي تعودنا عليها في حياتنا اليومية. تحاط حبة الفاصولياء بغلاف أو غلافين وفقا لنوعها. وهذا الغلاف يحمي البذرة من ظروف الجو الخارجية مثل البرد والجفاف والمؤثرات الأخرى. والغلاف هو المكان الذي تجري فيه كل التعاملات مع المحيط الخارجي، وباختصار يلعب الغلاف دورًا مهمًا في نمو البذور. فعند قطف حبة الفاصولياء من مكانها يلاحظ وجود أثر بيضاوي، وهذه هي نقطة ارتباط الحبة مع النبتة الأم، وعند تفحصها بدقة يلاحظ وجود ثقب صغير هنا يسمى “الفويهة”، ويمكن تشبيه هذا الثقب بالصرة لدى المواليد حيث يمر من داخل هذا الممر الخاص أنبوب يفيد في تلقيح خلية التكاثر الأنثوية في داخل البويضة. وعندما يحين الوقت كذلك يمر الماء عبر هذا الثقب ليؤدي إلى تبرعم البذرة. إن سمك قشرة البذور يتكون وفقًا لنوع النبتة – كما ذكرنا قبل قليل-، وقشرة البذور لكل نبتة لديها الكفاية للتطور في الوسط الذي تتواجد فيه، فلا تكون سميكة جدًا ولا رقيقة جدًا لأن البذرة ذات القشرة السميكة جدًا يمكن أن تعيش في كل الظروف الصعبة. ولكن ثمة أمر سلبي للقشرة السميكة جدًا، وهو أنه قد يتسبب في بعض المشاكل عند خروج الجنين. أما البذرة ذات القشرة الضعيفة فقد تفسد بسرعة أكثر بسبب الكثير من المؤثرات الخارجية، ولذلك فإن كل البذور تتميز بسمك القشرة الأنسب لمحيطها.

من هنا يظهر بوضوح أن البذور ذات المظهر الخارجي البسيط، لها في الأصل تصميم تفصيلي، فمواصفات كل البذور من نسب المواد التي تحتويها إلى ما بداخلها وحتى الأغلفة الخارجية الحافظة، تختلف فيما بينها وفقا للظروف المناخية والبيئية التي تتواجد فيها، ولكن كيف ظهر هذا التنوع وهذه التفاصيل ؟

لنجيب على هذا السؤال بالمثال التالي: لنفترض أنكم ذهبتم إلى معرض للرسم ورأيتم الصالة مليئة بصور البذور، وليكن في كل صورة رسم لتفاصيل متعلقة ببذور نبتة مختلفة، ولنفترض أيضًا أنكم سألتم صاحب المعرض عمن رسم كل هذه الرسوم المختلفة، فإذا أجابكم هذا الشخص بأن لا رسام لهذه الرسومات وأنها صممت عن طريق التطور وبمساعدة الصدف، فماذا تفكرون؟ بالتأكيد تفهمون أن مثل هذه الإجابة غير منطقية وغير عقلانية بالمرة، وتصرون على وجود رسام لها.

ونظرًا لأنكم لن تصدقوا التصميم التطوري لصور البذور الجامدة، فإنكم لن تصدقوا كذلك نفس الأمر فيما يتعلق بالبذور التي تحوي كل المعلومات المتعلقة بنبتة حية، والتي تتبرعم في الظروف والأجواء المناسبة، وتنبت الأشجار الضخمة ومئات الفواكه والزهور المختلفة. كما يلاحظ أن الأصل هنا هو وجوب الإجابة على تساؤلات مثل: من الذي صنع هذا التصميم وكيف؟ وكيف جعلت النبتة مناسبة لهذا التصميم وكيف تم ترسيخ ذلك؟

والنتيجة أن تركيبة البذور تحتوي على تصميم وخطة واضحة تمامًا، ولا يمكن إيضاحها أبدًا بإدعاءات الصدفة التي يطرحها أصحاب نظرية التطور. وبالتأكيد أيضًا أن هذه الخطة هي ليست نتاج الصدف الفارغة ولا مسببات أخرى. وكما لكل رسم رسام، فإن لكل تصميم وخطة صانع. أما التصميم الرائع في البذور فهو لله تعالى المبدع والقادر. إن التخطيط والتنفيذ الذي نراه في كل مراحل حياة النبات، هو من الأدلة الواضحة على أن الله صاحب القوة العظيمة هو خالقها.

{ هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون . ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لأية لقوم يتفكرون.} (سورة النحل 10-11).

_____________________

* وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.harunyahya.com