من دلائل القدرة الإلهية في آليات الانتثار النباتية

 د. نظمي خليل أبو العطا*

 

          ماذا يفعل النبات المسكين الذي يدّعي الدارونيون أنه خلق بالصدفة والعشوائية, ومن دون تدبير في هذه البيئة الأرضية الواسعة؟! وكيف يسعى إلى رزقه وقد شدته جذوره بقوة إلى الأرض , والشجرة الواحدة تنتج ملايين البذور والثمار والحبوب التي إن بقيت في مكانها بعد سقوطها هددت أمها وأخواتها ونفسها بالهلاك لنفاد الغذاء وضيق المكان وحجب الضوء؟! …

            … هذا النبات إذا اعتمد على الصدفة والعشوائية والطفرة والانتخاب الطبيعي , كما خطط له دارون , فإن مآله إلى الجوع والضعف والهلاك والدمار والانقراض !!

clip_image703

          ولكن الله سبحانه وتعالى الذي غفل الدارونيون عن وجوده , … لم ينس هذا النبات الذي كلفه بصناعة الغذاء لكل هذه الموجودات الأرضية … زوده سبحانه  وتعالى وعطف عليه بهذه الآليات المعجزة التي سبق بها الانسان والحيوان في تعمير الكون فتسلق الجبال , وطار في الهواء , وسبح في الماء , وركب الانسان والحيوان , وهبط الوديان , وقطع الفيافي والمحيطات والبلدان , وانتشر في الهضاب والسهول , والحقول والصحاري , والعيون الباردة والساخنه , وفي المناطق الحارة والباردة , كل ذلك بآليات معجزة ووسائل مبدعة متقنة حملت الجراثيم والبذور والحبوب والثمار والأوراق والسيقان والجذور لكل مكان معمور وغير معمور في هذه الأرض.

          فبذور بعض النباتات دقيقة الحجم كالدقيق خفيفة الوزن فحملتها الرياح إلى مكان بعيد جداً , كما هو الحال في نباتات الأراشد (Orchids) وحبوب اللقاح (Pollen  grains).

          ولثمار بعض النباتات أجنحة تحمل تلك الثمار إلى مسافات بعيدة , فعندما يحرك الهواء أغصان تلك النباتات المحملة بثمارها الجافة المجنحة الخفيفة المتزنه , فإنها تطير في الهواء بطريقة حلزونية طوربيديه دواميه عجيبه فتصل إلى مسافات بعيدة, ومثالها نبات أبو المكارم Machaerium tipa.

          وفي نبات الحميض Romex sp. يتحول الكأس الزهري إلى أجنحة تحمل الثمار بعد تمام نضجها إلى مسافات بعيدة .

          وأما في نبات الجعضيض Sonchus sp. فقد تحول كأس الثمرة إلى شعيرات مظلية تحمل الثمار إلى آلاف الكيلومترات , وكم شاهدنا هذه الثمار الطائرة العجيبه وهي تطير في خفة ورشاقة في الهواء في اتزان بنائي وحركي عجيب , وكم جرينا خلفها في الحقول والحدائق, وهي تطير أمامنا, وكلما اقتربنا منها دفعها الهواء بعيداً عنا …

          … قال موسى عليه السلام عندما حاوره فرعون: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} [طه] . وخلقه : بتسكين اللام أي صورته اللائقه بخاصيته(1) .

clip_image704

          وهدى : أي أرشده لما يصلح له (ويصلح معيشته) ولا رد أبلغ وأعظم من هذا الرد المعجز.  

          ولنبات الخشخاش Papaver : ثمرة كبيرة محموله على حامل طويل مرن متلاعب بالهواء وللثمرة في أعلاها ثقوب , فإذا حرك الهواء الثمار تمايلت لطول عنقها, ونثرت بذورها على اليمين وعن الشمال وفي الشرق والغرب وكل مكان حولها .

          فمن أعطى هذا النبات في الصحراء الخالية القاحلة المنقطعة هذا العلم الدقيق المتخصص لتصنع هذا التركيب العجيب من المظلات والأجنحة لاجتياز الفيافي والقفار , وعبور البحار والأنهار(2)؟!!

          وبعض النباتات تركب الحيوان والانسان وتتعلق به لتصل إلى مسافات بعيده فنبات الشبيط Xanthium زوده الله سبحانه وتعالى بخطاطيف تتعلق بفراء الحيوان وشعره وصوفه وريشه كما أنها تتعلق بأجولة التعبئة للمحاصيل لتصل إلى بلاد بعيدة عبر الشحن البري والمائي والجوي .

          كما يقوم الانسان في عمليات التصدير والاستيراد, والتهادي , والبيع والشراء بنقل النباتات والبذور والحبوب وتوزيعها على البلاد القريبة والبعيدة …

clip_image705

          ويقوم الماء في العيون والأنهار والبحار والمحيطات والسيول بنقل الثمار والحبوب والبذور المهيأة للنقل المائي إلى مسافات بعيدة , وقد زود الله هذه الثمار والحبوب والبذور بأغلفة عوامة وحافظة للثمار حتى لاتتلف..

          وفي نبات الفيوناريا Funaria sp. تتكون أسنان بريستومية (Peristome teeth ) والطوق (Annulus) والغطاء (Operculum) وهي تراكيب توجد في الطور الجرثومي (Sporophyte) , تقوم بفتح الحافظة الجرثومية (Capsule) بآلية عجيبة في الجو الجاف , ناثرة الجراثيم إلى مسافات بعيده , كما تخرج الرصاصات من بندقية الصيد بالرش (الخرطوش).

          وفي السراخس (Ferns) مثل نبات كزبرة البئر Adiantum تنفتح الحافظة الجرثومية (Sporangium) بآلية تلقي بالجراثيم (Spores) بعيداً عن الأم كما تلقي الكرة بالمضرب في لعبة التنس(3) .

وكما قلنا سابقاً فإن حبوب اللقاح نفسها خفيفة الوزن وكثيرة العدد حيث تحملها الرياح لأميال لتلقيح الأزهار المؤنثة واتمام عملية التلقيح والاخصاب.

          وهناك الفطريات التي فصلت في مملكة مستقلة تلك الفطريات تنتج العديد من الجراثيم يصل عددها في فطر البافبول العملاق (Gaint puffball) إلى خمسة ترليون جرثومة(4) تطلقها في الهواء ناشرة إياها في مساحات واسعة …

          كل ذلك يدلل على أن الله قد خلق هذه الكائنات وقدر لها رزقها, ووهبها على ضعفها من الأليات التي تنشرها بفضل الله في الأرض لتحصل على رزقها مصداقاً لقول الله تعالى : {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام] .

clip_image706

          فهو سبحانه يعلم كل حبة تسقط على الأرض , وتنتقل في الرطب واليابس … فإذا كانت فطرة البافبول العملاقة Giant puffball )) الواحدة تعطي خمس ترليون جرثومة في الثمرة الزقية (Ascocarp) الواحدة , وكل جرثومه تطير وتسقط وتنبت وتنمو وتتزاوج وتتكاثر وتنقسم حتى تعطي من جديد الثمرة الزقية (Ascocarp) كل ذلك لايمكن أن يحدث دون علم الله وتقديره وتدبيره , فالله تعالى لم يخلق الخلق عبثاً , ولم يتركهم هملا , بل خلقهم لغايات مقدره , ورعاهم برعايته , وتكفل برزقهم سبحانه وتعالى كما قال في كتابه الكريم: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)} [هود].

          فكل بذرة تدب على الأرض , وكل ثمرة تدب على الأرض , وكل جرثومة تدب على الأرض , وإذا استطعنا أن نكبر أصوات دب تلك المخلوقات لسمعنا دبيب سقوطها , ودبيب تحرك جذورها وسيقانها , وكل هذه الترليونات على الله وحده رزقها مصداقاً لقوله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)} [فصلت].

_________________________

* وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.quran-m.com

(1)  انظر : كلمات القرآن, تفسير وبيان الشيخ حسنين مخلوف, الاسكندرية: دار الصفا والمروة للنشر والتوزيع.

(2) انظر موضوع (ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى) في كتابنا آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات: مكتبة النور- القاهرة.

(3) لم أشأ أن ادخل القارئ غير المختص في تفاصيل تلك التراكيب وأجزائها حتى لاتضيع الفكرة في خضم التفاصيل العلمية.

(4) Biology life on Earth , Teresa Audesirk and Gerald Audesirk. Prentice Hall , upper River. New jersey(1996)(P.432).