أسباب النزول

باسم وحيد الدين علي

المقصود هو أسباب نزول آيات معينة من القرآن الكريم، بحق شخص أو ردًا على سؤال أو توضيحًا لملابسات حدثٍ ما أو قضيةٍ معينةٍ. ويعرفه العلماء بأنه علم: “ما نزلت الآية أو الآيات تتحدث عنه أو تبين حكمه أيام وقوعه” أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. دون التعرض لبقية الآيات العديدة التي نزلت دون أن تكون مرتبطة مباشرة بحدث معين، ومن ذلك قصص الأنبياء وأخبار الأمم السالفة وأنباء الغيب القادمة، وأهوال يوم القيامة ووصف الجنة والنار وأهليهما…

1- تتطلب معرفة أسباب نزول آية من الآيات:

        * مصدر النقل: يشترط أن يكون مصدر الرواية صحابيًا واذا روي النزول ساقطًا من سنده الصحابي فلا يقبل إلا اذا اعتضد بحديث مرسل آخر.

        * دقة العبارة: نص صريح أن سبب نزول الآية هو حدث ما أو سؤال ما سئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم. حيث أن هناك لبس حين ينطبق حكم آية ما على حدث معين إذ ليس من الضروري ان الآية قد نزلت اثر حصول ذلك الحادث، بل ربما قبل وقوعه.

        * تعدد روايات الأحداث لآية واحدة نزلت: حيث يقتضي التدقيق في صحة كل رواية قبل اعتمادها. مثل ما ورد في اسباب نزول سورة الضحى وكذلك ما ورد في موضوع السؤال عن الروح. (راجع كتب تفسير القرآن الكريم).

        * تعدد الآيات النازلة لسبب واحد: تقتضي معرفة الآيات المتعددة التي نزلت لترد على سؤال واحد أو لسبب واحد. كالآيات الكثيرة التي نزلت في حق النساء بعدما سألت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: “يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء.”

2- فوائد علم أسباب النزول:

        *  فهم الحدث أو السؤال الذي أدى إلى نزول الآية فهمًا صحيحًا وسليمًا يعين المفسِّر على عدم الخطأ في التفسير أو الشطط فيه.

        * توضيح الغاية من النص وعدم الأخذ بظاهر الآية اللغوي فقط: فقد يتساءل امرؤ اعتباطًا عن لزوم عبارة {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} في الآية 199 من سورة البقرة فيتبين من شرح أسباب نزولها أنه توجيه لوجهاء قريش الذين كانوا في الجاهلية يأنفون الوقوف مع الناس في عرفات ويكتفون بالوقوف في مزدلفة ترفعًا، فأمرهم الله تعالى أن يقفوا جميعًا في صعيد واحد محدد لا فرق فيه ولا تفرقة.

        * استنباط سند الحكم الشرعي ومعرفة تفاصيله:

 ونجد المثل في آية: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا وجوهكم فثمّ وجه الله إن الله واسعٌ عليم} (سورة البقرة آية 115) فقد يفهم خطأً من ظاهر الآية أنها تبيح للمصلي ان يستقبل أي اتجاه اذا أراد الصلاة والحقيقة غير ذلك، فسبب نزول الآية هو في صلاة نافلة صلاها عدد من الصحابة مع رسول الله في ليلة ظلام دامس، فاتخذ كل منهم الجهة التي اعتقد أنها جهة القبلة.

مما أعان الفقهاء على استنباط الاحكام الشرعية في صلاة نافلة السفر وكذلك في صحة صلاة من تحرى القبلة وأخطأ في تحديد جهتها.

* التعرف إلى الحكمة الإلهية من خلال ما يرد من تعليل في سياق سرد الآية وما يأتي من وعظ قبلها وبعدها.

      * معرفة من هو المقصود بآية معينة: المؤمنون أم المشركون أم المنافقون أم أهل الكتاب الخ…

        * التعرف إلى بلاغة القرآن الكريم ودقة عباراته:

فعلى سبيل المثال: كيف نفهم عبارة {فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} (من آية السعي في سورة البقرة آية158) فقد شرحت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها لابن اختها عروة بن الزبير رضي الله عنهما حين فهم الآية أنه لا مخالفة فيمن حج أو اعتمر ولم يسع بين الصفا والمروة فأجابته: “بئس ما قلت يا ابن اختي، طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون وإنما من أهل مناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى الآية (…) ولو كانت كما تقول لكانت فلا جناح عليه ألا يطوف بهما” (تفسير القرطبي أخرجه الترمذي عن عروة).

كما ورد أن بعض المسلمين استوضحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله كنا نطوف بالصفا والمروة (أي في الجاهلية) وان الله انزل الطواف بالبيت (بالكعبة) فلم يذكر الصفا، فهل علينا من حرج ان نطوف بالصفا والمروة؟ فانزل الله عز وجل {…فلا جناح عليه ان يطوف بهما…}.

الخلاصة:

تؤدي معرفة اسباب النزول إلى استيضاح الحقيقة وازالة الاشكال وفهم روح النص القرآني واستنباط الحكم الشرعي واستخلاص العبر وعدم التعجل في التفسير بالرأي. وفي الحديث الشريف: -ح: “من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ” (رواه ابو داود والترمذي والنسائي عن جندب). –ح: “من فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار” (اخرجه الترمذي من حديث ابن عباس وابو داود عن ابن العبد والنسائي في الكبرى). وروى الديلمي عن ابي هريرة: -ح: “من فسّر القرآن برأيه وهو على وضوء فليعِد وضوءه”.