أكمل الكتب

أ. باسم وحيد الدين علي

بسم الله الرحمن الرحيم.

هو أكمل كتاب، بل الكتاب الوحيد الكامل، ومن دقق فيه وجد فيه مواصفات الكتاب الكامل. عنوانه واضح: “كتاب الله:، وكل كتاب يبدأ بـ “شكر” المؤلف لمن ساهم في إعداد الكتاب، إلا هذا الكتاب ففيه “شكر” العباد لصاحب الكتاب: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وعرّف عن ذاته العلية فقال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. وأشار إليهم أن يعرفوا خالقهم ويعترفوا له بقوته وضعفهم فيناجوه قائلين: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. ثم ليطلبوا الإرشاد والهداية من الذي خلقهم والذي يعرف مكنونات أنفسهم فيقولوا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}. فيأتيهم “الإهداء” الجواب بأن الهداية المطلوبة هي في اتباع مضمون هذا الكتاب: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}.

تبدأ “مقدمة” الكتاب في مطلع سورة البقرة منوّهة بأهميته وبأسباب كتابته، فيؤكد كاتبه جلّ وعلا أنه بلا ريب ولا شك كلام رب العالمين للعالمين. كلامٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنما هو تنزيل رب العالمين. ورغّبهم بقراءته وأعلى درجة قرائه فوصفهم بالمتقّين. ولكي لا يدعي الناس التقوى دونما استحقاق عرّف المتقين اختصاراً بالخصال الرئيسية التالية: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}.

ثم نوّه في المقدمة، بأن الناس ثلاثة: مؤمن وكافر ومنافق. وأن لكلٍ علامة ولسان حال لا يخفى على الله، ويعلّم الخالق المؤمنين طرق كشفهم وتمييزهم.

ثم يستحث الله تعالى القرّاء ليعوا أهمية كلامه: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِيرَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)}. وليتفكروا في الخلق وصولاً إلى الإيمان بالخالق عزّ وجلّ:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}.

وقبل أن تنتهي المقدمة، يوجّه الباري عز وجل أنظار العباد وأفكارهم إلى أخطر نقطة ينبغي على العبد أن يتفكر فيها ويعي مسؤوليتها، إنها غاية خلق الله تعالى للانسان لماذا خلقه وبأي ميزة كرّمه، الميزة التي حسده الشيطان عليها.

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}، وتستغرب الملائكة بما يشبه الاعتراض المشوب بالتخوف من هذا المخلوق، {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}؟ فاجابهم المولى:{قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ، وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، قَالُواسُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [البقرة: 30 – 33].

ثم أسجد الله تعالى ملائكته لهذا المخلوق الجديد، سجود ترحيب وتكريم، تكريم للعقل الذي أودعه فيه ولقلبه الذي سيكون مهبط أنوار الله بعد ذلك.

هنا تنتهي “المقدمة”، ويبدأ عرض الكتاب مبوباً بدقة لا تخفى على القارئ المتمكن، فالباب الأول يتضمن الزهراوين، أي سورتي البقرة وآل عمران، لكل منهما “فصل”، وفي كل فصل “قسمان”.

يتضمن القسم الأول من الفصل الأول (أي سورة البقرة)، خبر تكليف بني إسرائيل، بنشر دين الله وبالاشراف على حسن تسيير دورة الحياة الانسانية بإقامة العدل وإحياء الأرض، ورعاية الخلق. فما رعوا مهمتهم حق رعايتها، فاستحقوا غضب الله وعذابه. وأما القسم الثاني من سورة البقرة، فيعين الأمة البديلة المكلفة بقيادة الانسانية إلى الدين والعدل والخير والأمن والسلام. وهي أمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. ويبدأ هذا القسم (الثاني من الفصل الأول)، بقول الله تعالى: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) } [البقرة].

وإلى العدد القادم، إن شاء الله، في محاولة متواضعة لتفصيل هذا الكتاب العظيم[1].

 

 _______________________________________

 [1] استعملنا العبارات المعتمدة في تبويب الكتب (إهداء وشكر ومقدمة وأبواب وفصول وأقسام)، على سبيل الاستعارة تقريبا للأذهان، وجلّ كتاب الله تعالى عن تشبيهه بأي كتاب آخر.