إعجاز القرآن الكريم – تقديم

أ. باسم وحيد الدين علي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد، ننتقل في باب “الرحمن علم القرآن” إلى موضوعٍ له أول وليس له آخر، أوله يوم بدأ ينزل على قلب رسول الله، وآخره يوم نلقى الله، يبعث كل ذي عقل إلى التفكر، وكل ذي حكمة إلى التدبر، وكل صاحب قلب إلى الإنصات والإصغاء، ليخلص أولو الأحلام والنهى إلى السؤال الأخطر:

أنى يكون لبشر أن يأتي بمثل هذه العبارات وهذه المعاني التي تفعل فعلها في النفوس وتحرك الأحاسيس والمشاعر وتوقظ الهمم والضمائر؟

ثم أنّى لمخلوق أن يأتي بمثل هذه الحقائق والدقائق التي أفصح عنها القرآن العظيم قبل مئات السنين من بدء الاكتشافات والاختبارات بأحدث الوسائل والمعدات؟

والإعجاز لغةً من “أعجز”، أي أن الفاعل أعيا سواه عن اللحاق به أو أن يفعلوا فعله، والمعجزة أمر خارق للعادة مقرونة بالتحدي. والتحدي بدأه رب العالمين معرّفاً عن كتابه الكريم ومؤيداً لنبيه العظيم، قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} {88}. (سورة الإسراء).

ولأن أحداً لا يستطيع أن يأتي بمثل هذا القرآن المعجز، تحدى الله المنكرين أن يأتوا بعشر سور مخففاً ومستدرجاً لمن خف عقله وأعماه غروره، فقال: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {13} فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} {14}. (سورة هود).

ثم سهّل المولى تعالى على المعادين والمستكبرين المجابهة فاكتفى بأن يأتوا بسورة واحدة واستبق النتيجة إمعاناً في التحدي، مهدداً بعد ذلك من لا يريد أن يفهم ويقر ويذعن، بأن النار مثوى المنكرين والمستكبرين، فقال: { وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {23} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} {24}. (سورة البقرة).

ويبسّط سيدنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم الأمر، فيشرح معنى الإعجاز في القرآن بكل وضوح وبيان:

“كِتَابُ الله فِيهِ نَبَأُ مَا كان قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبّارٍ قَصَمَهُ الله، وَمَنْ ابَتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلّهُ الله، وَهُوَ حَبْلُ الله المَتِينُ، وَهُوَ الذّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الالْسِنَةُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلُقُ عَلى كَثْرَةِ الرّدّ، وَلاَ تَنْقَضَي عَجَائِبُهُ، هُوَ الّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتّى قالُوا {إِنّا سَمِعْنَا قُرْآنَا عَجَبَاً يَهْدِي إِلَى الرّشْدِ فَآمَنّا بِهِ}، مَنْ قالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ”.

وبعد أن أعطى المولى تعالى لكل نبي معجزة ظاهرة بينة تقيم الحجة والبرهان على أهل زمانه وكل حسب المستوى العقلي والحضاري لذلك المجتمع، منّ على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فأعطاه إضافة إلى المعجزات الظرفية، معجزة أفحمت أهل عصره وأهل العصوراللاحقة باستمرار وعلى مر الدهور، وهي معجزة القرآن الكريم التي سماها الله تعالى أكبر شهادة: { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ …}.(من الآية 18 من سورة الأنعام).

-ح:” قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة “.

(اخرجه الإمام مسلم في كتاب الإيمان).

 

أما أوجه الإعجاز قي كتاب الله تعالى فسنتابعها في الأعداد القادمة إن شاء الله.