إعجاز القرآن في أخبار السماء

أ. باسم وحيد الدين علي  ود.محمد فرشوخ

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

نستعرض اليوم بعض أخبار السماء والتي أتى بها القرآن الكريم ولم تكن الأمم تعرفها من قبل أو اندثرت أخبارها أو حرّفها الأقدمون. ولا يمكن تمييز ذلك إلا بمراجعة الكتب التي كانت متداولة قبل نزول القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، لنجد خلوها من المعلومات التي تفرد بها القرآن الكريم. ويجدر بالذكر أن الرسل قد أتوا بمثل ذلك أو بعضه، وكلهم مؤتمنون على الرسالة ذاتها، لكن سمة الإنسان هي النسيان، فما أن يمضي الرسول إلى جوار ربه حتى يقدم الناس على حذف ما لا يناسبهم والمبالغة فيما ينفعهم. فكان القرار الإلهي في نهاية الأمر بنزول القرآن وحفظه من التحريف لقوله تعالى في سورة الحجر:{إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون}.

وأخبار السماء التي أتى بها القرآن الكريم المعجز، تبدو لأول وهلة أنها معروفة، لكنها لم تكن كذلك قبل نزول القرآن الكريم.

من هذه الأخبار خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وهنا صحح القرآن الكريم ما لا يليق بالله تعالى أنه استراح في اليوم السابع. فرد القرآن الكريم على مقولة الاستراحة بعد الخلق، بأن الله تعالى القوي القادر على خلق هذا الكون العظيم، تعالى عن أن يمسه تعب أو إرهاق، فالتعب والإرهاق من صفات المخلوقات، إذ أن المخلوق هو المحدود القدرة، فأظهر القرآن الكريم أولاً عظمة الخلق، ثم نبّه، إلى أنه من السهل على الله أن يعيدَ خلقَه مرات ومرات. قال تعالى في سورة الروم: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {27}. ومع أن خلقَ السماوات والأرض شيء خطير، لقوله تعالى في سورة غافر: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {57}.

فإن المولى تعالى يرُدّ على من قَصُر فهمه عن معرفة عظمة الله، وضاق إدراكه عن التمييز بين قدرة الله المطلقة، وبين طاقة الناس المحدودة، فقال في سورة فاطر: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا {41}.

ثم نفى عن ذاته العليّة صفة التعب، والحاجة إلى الراحة، فقال في سورة ق: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ {38}. وقال في سورة الأحقاف: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {33}.

وبالمناسبة، فقد أوضح الخالق العظيم في القرآن الكريم، معنى أيام الخلق الستة، لمن اعتقد من السالفين أن الخلق قد تم في ستة أيام من أيامنا هذه، فعرّف اليوم في السماء في سورة الحج بقوله تعالى: وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ {47}. وعرّف يوماً آخر من أيام السماء في سورة المعارج بقوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ {4}.

ويفهم من ذلك أن يوماً قد يعني مرحلةً تمتد دهوراً بمقاييسنا، وقد لا تعدو عند الله تعالى أكثر من مقدار {كن فيكون}. 

ومن نبأ السماء أيضاً لحظةُ خلقِ ابنِ آدم وما رافقها وتلاها من أمور، تفرد بها القرآن الكريم وحده، ولم يكن بمقدور أحد من قبل ومن بعد أن يعرِف نبأها، لولا أن الله تعالى شرفنا بذكرها في كتابه الفريد العظيم، فالجن من نار وآدم من تراب، وشرّف آدم بأن خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلمه الأسماء كلها، مما تعرفه الملائكة ومما لا تعلمه، كي يعرف الإنسان قدر هذا الشرف العظيم الذي أعطي له، ويرد على فضل الله تعالى بالاعتراف والإيقان والخضوع والامتثال، فقال في سورة الحجر:

 وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ {26} وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ {27} وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ {28} فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ {29}.

ولأن القرآنَ الكريمَ كتابُ حقٍ وكتاب صدق، لم يُخْفِ الله تعالى فيه شيئاً عن عباده، حتى قلةَ أدبِ إبليس مع الله عز وجل، ذكرها ربنا في القرآن، ولم ير فيها انتقاصاً من هيبته ولا من جلاله عند الناس. ولو كتب أحدنا مذكراته، لأخفى بعضاً مما يخجل من عرضه على الناس، لكن الله تعالى وهو الحق، وهو أصدق القائلين، كشف بالتفصيل عن ذلك الموقف الذي خرج فيه إبليس من رحمة الله، بسبب غيرته وحسده ونفسه الأمارة، فأصبح من أول لحظةٍ خُلِق فيها آدم، عدواً له ولذريته من بعده. فقال تعالى في سورة ص: فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ {73} إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ {74} قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ {75} قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ {76} قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ {77} وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ {78} قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ {79} قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ {80} إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ {81} قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ {82} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ {83}.

وقد ذكَر الله تعالى ذلك، رحمةً بنا لينقذنا، وينبهنا، إلى خطر إبليس وأعوانه، ولكي نأخذ حِذرنا من شرك الشيطان وحبائله، قال تعالى في سورة فاطر: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ {6}.

وما إخبارُنا عن هذه المواجهة إلا لتعليمنا وتحذيرنا من خطر الإصغاء إليه واتباع سبيله.

ويفاجأ الباحث حين يراجع الكتبَ السالفة، فلا يجد فيها ذكراً لمواقف الشيطان وأساليبه، حتى أن خبر إغوائه لآدم وحواء في الجنة ورد في التوراة بأن الحيّة هي التي أغوتهما، ولم يُذكَر إبليس باسمه وبحقيقته، وقلما نقرأ في غير القرآن عن  الشيطان ووسائله، ومغرياته وحبائله.

وفي الخلاصة نتساءل، ما هو المقصود من إيراد أخبار السماء في القرآن الكريم؟  أهو التعرفُ إلى خالق هذا الكون؟ أم توسيعُ مدارك العبد حتى ينصرف إلى الأهم والأدوم والأجدى؟ أم تحصينُ الانسان بالمعرفة لكي لا يغتر ولا يُغرَّر به، فلا يتوجه إلا لربه وخالقه ؟ أم لهذه الغايات وغيرها مجتمعة؟

فنجد أن الله تعالى يحب خلقه، ولا يرضى لعباده الكفر، ولم يترك وسيلة للإقناع إلا اعتمدها في القرآن الكريم، ولم يترك أمة إلا خلا فيها نذير، وادخر القرآن والنبيَّ محمداً عليه الصلاة والسلام للزمن الأخير من عمر الدنيا، وسلحهما بالأدلة والبراهين، العلمية والروحية، فإذا بأصحاب العقول يذعنون وبأصحاب القلوب يؤمنون.

ومما سلف، تظهر لنا وجوه إعجاز القرآن الكريم في خبر السماء، وما مضى من أنباء، والتي لا يعلمها إلا الله، ولم يحفظها سوى الله. ولولا ما ورد في القرآن الكريم منها، لقال من قال، ما شاء أن يقول، بلا رقيب ولا ضابط ولا حسيب، وها هي المكتشفات العلمية تؤكد للمتشككين، صحة ما ورد في القرآن الكريم ودقته.