الفاتحة أمّ الكتاب

أ. باسم وحيد الدين علي

أستفتح صلاتي لربي، مستعيذاً به من الشيطان الرجيم، كي لا يكون للشيطان أثرعلى ما أقوم به، ومفتتحاً باسم الله الرحمن بحنانه، الرحيم بخَلقه وصنع يده، حامدأ لمنّه وفضله، مقراً له بالعبودية والعبادة، مستعيناً به للاهتداء إلى الصراط  الدالّ عليه، المستقيم الأقصر إليه، صراطِ الذين رضي عنهم لا الذين ضلّوا عن سبيله ولا الذين غضب عليهم.

هي فاتحة الكتاب، بها تفتتح كتابة القرآن وقراءته، أولها استفتاح وطرق لباب الرحمن، وبصيغة الغائب، حتى إذا اطمأن قارئها أذِن له بالمخاطبة فيكلّم ربه معلناً ولاءه له قائلاً: {إياك نعبد وإياك نستعين}، طالبا منه العون والهداية، وهو عالم بأن الصراط المستقيم واحد، فيصفه لربه ليؤكد أنه يعبده عن وعي ومعرفة.

سمّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم “أم الكتاب”، قال الإمام البخاري: (سميت أم الكتاب, لأنه يبتدأ بكتابتها في المصاحف, ويبدأ بقراءتها في الصلاة).

 ويسمى كل أمر جامع عند العرب أمّاً. فمثلها بالنسبة لبقية السور كمثل جذع الشجرة لسائر فروعها وأغصانها وثمارها.

فهي “أم القرآن”، لأنها تشتمل على مقاصدالقرآن كلها وتوجزه. إذ أن كل آية فيها تختصر جماً كبيرا مما ورد في الكتاب فصلت بعد ذلك تفصيلا بالشواهد والأدلة. ففيها تصديق وإعلان إيمان لأهم ما ورد في الكتاب الكريم: الربوبية والتوحيد، والرحمة وأسماء الله الحسنى، ووصف يوم الحساب، والدعاء وطلب الهداية والرغبة بالاستقامة، وصفات المؤمنين، وصفات الكافرين والضالين.

وهي من أركان الصلاة، روى الإمام مسلم عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم: -ح: “لاصلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن”.

وسماها الله تعالى السبع المثاني فقال : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87].قال عليه الصلاة والسلام لأبي سعيد بن المعلّى: ” لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِىَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِى الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ”. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِى،…، قَالَ «{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هِىَ السَّبْعُ الْمَثَانِى وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِى أُوتِيتُهُ». ومن معاني السبع المثاني أن آياتها السبع تقرأ مكررة في كل ركعة من كل صلاة. وكذلك لأنها تتضمن الثناء على الله تعالى في مجمل آياتها.

وسميت “الشافية” و”الرقية”، أخرج البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا فَنَزَلْنَا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ، فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الحَيِّ سَلِيمٌ، وَإِنَّ نَفَرَنَا غَيْبٌ، فَهَلْ مِنْكُمْ رَاقٍ؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مَا كُنَّا نَأْبُنُهُ بِرُقْيَةٍ، فَرَقَاهُ فَبَرَأَ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلاَثِينَ شَاةً، وَسَقَانَا لَبَنًا، فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنَا لَهُ: أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً-أَوْكُنْتَ تَرْقِي؟ – قَالَ: لاَ، مَارَقَيْتُ إِلَّا بِأُمِّ الكِتَابِ، قُلْنَا: لا َتُحْدِثُوا شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَ – أَوْنَسْأَلَ – النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ».

 ومن أسمائها:«سورةالحمد»و«سورةالصلاة»و«الواقية».كما أضاف المفسرون لها أسماء أخرى ومنها:الْكَافِيَةَ،وَالشِّفَاءَ،وَالْكَنْزَ،وَالْأَسَاسَ،وَالنُّورَ،وَسُورَةَ تَعْلِيمِ الْمَسْأَلَةِ، وَسُورَةَ الْمُنَاجَاةِ، وَسُورَةَ التَّفْوِيضِ.

في قراءة الفاتحة إعتراف لله تعالى بوحدانيته وربوبيته وبرحمته وبشمول ملكه، وبالحاجة والمآل إليه.بقراءتها يسترد الخائف روعه، ويثبت المؤمن يقينه، ويجدد المبتلى صبره والفاقد أمله.فيها الرقية وفيها الخوف وفيها الرجاء وفيها الرضى بالمنع وفيها العطاء. إستعادة سريعة للصلة بين العبد وربه ليصحح وضعه ومعتقده ورؤيته وهدفه عند كل سانحة وضائقة وأزمة.

عجيبة سورة الفاتحة، فهي تخاطب كل المستويات الفكرية وكل الأجيال، وبكل الأساليب. والهدف هو هداية الخلق إلى الحق.سهلة الحفظ حتى على الأطفال، ولا يملّ من قراءتها مسلم، مهما تكررت، تشعر العبد بحسن الصلة بربه وحسن التوكل عليه، ويشرق قلبه بالأمل والرجاء. وإذا استغرق العبد في التفكر فيها فتحت له معانٍ كثيرة تزيده خشوعاً وقرباً وأنسا.

تستوفي الفاتحة أركان الدعاء ففيها اعتراف وتمجيد وتضرع، روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ” يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل. إذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال الله: أثنى علي عبدي. فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال الله: مجدني عبدي. وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل “.

فهنيئاً لمن قرأها متفكرا متدبرا فقد حقق أدبها واستحق جائزتها. اللهم آنسنا بالفاتحة وافتح علينا من معانيها، واشفنا ببركتها، ولا تحرمنا من أنوارها، واجعل لنا منها باباً إليك لا يغلق ومفتاحاً لحفظ كتابك، وعصمة لنا من شرور أنفسنا ومن شر الشيطان الرجيم، اللهم آمين.