رسم القرآن الكريم

باسم وحيد الدين علي

بسم الله الرحمن الرحيم

أترك الميدان في هذا العدد للدكتور نور الدين عتر[1]، ليلخص لنا هذا الموجز الوافي المتعلق برسم القرآن الكريم [2]:

هذا البحث يظهر لنا غاية حفظ الأمة لكتاب ربها، حتى في طريقة كتابته.

والمراد برسم القرآن هنا كيفية كتابة الحروف والكلمات في المصحف على الطريقة التي كتبت عليها في المصاحف التي أمر عثمان اللجنة الرباعية فكتبتها، ووزّعها على الأمصار. ويُطلق عليه: رسم المصحف، ومرسوم الخطّ[3].

ويرجع هذا الرسم في الأصل إلى كتابة القرآن بإملاء النبي صلى الله عليه وسلم على كتاب الوحي، فكتبوه حسبما يعرفون وبإشرافه صلى الله عليه وسلم واطلاعه عليه. وليس منشأ الرسم هو تأثر المسلمين العاطفي بإجلال الخليفة الشهيد عثمان بن عفان كما تصوره بعض الكاتبين متأثرًا بآراء استشراقية.

ومن هنا فإن جمهور العلماء ذهبوا إلى منع كتابة المصحف بما استحدث الناس من قواعد الإملاء، للمحافظة على نقل المصحف بالكتابة على الرسم نفسه الذي كتبه الصحابة واستمرت عليه الأمة، وقد صرح الإمام أحمد فيه بالتحريم فقال:” تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في ياء أو واو أو ألف أو غير ذلك “[4].

وسئل الإمام مالك: هل تكتب المصحف على ما أخذته الناس من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى.

قال الإمام أبو عمرو الداني: “ولا مخالف له من علماء الأمة”[5].

وهكذا اتخذت الأمة الإسلامية الرسم العثماني سنّة متبعة إلى عصرنا هذا، كما قال البيهقي في شعب الإيمان: “واتباع حروف المصاحف عندنا كالسنن القائمة التي لا يجوز لأحد أن يتعداها”[6].

وكان ذلك للمبالغة في المحافظة والاحتياط على نص القرآن حتى في مسألة شكلية هي كيفية رسمه.

لكن العلماء استثنوا من ذلك نقط المصاحف وتشكيلها، لتمييز الحروف، والحركات فأجازوا ذلك بعد اختلاف في الصدر الأوّل عليه، وقد اضطروا إلى ذلك لتلافي الأخطاء التي شاعت بسبب اختلاط العرب بالعجم.

وكان أوّل ما فعلوه من ذلك ضبط حركات الحروف، وقد رمزوا لذلك في بادئ الأمر بنقط على كيفية معينة، ثم تلا ذلك تمييز الحروف المعجمة عن غيرها.

وقد اختلفوا في أوّل مَن نقّط المصاحف، فقال المبرد: “أوّل مَن نقّط المصاحف أبو الأسود الدؤلي صاحب عليّ بن أبي طالب، وذكروا أن ابن سيرين التابعي كان له مصحف نقّطه له يحيى بن يعمر، وذكر الجاحظ في كتاب الأمصار أن نصر بن عاصم أوّل مَن نقّط المصاحف وكان يُقال له: نصر الحروف[7].

وهكذا حافظت الأمة على صورة الحروف والكتابة وفق الرسم العثماني، إنما أضافت له النقط والشكل، لما أن ذلك دلالة على هيئة المقروء فلا يضر إثباتها لمَن يحتاج إليها.

وإذا ما نظرنا لمتطلبات العصر وللحاجة إلى تسهيل قراءة القرآن وتعلمه على الناس فبوسعنا أن نقول: إنه يجوز كتابة القرآن بالرسم المعتاد لنا في مجالس التعليم، لتسهيل التعلم ولكي يتم نقل المتعلم إلى الرسم الأصلي بسهولة، نتيجة تدربه على أسلوب القرآن الكريم، على ما يُستفاد من رأي الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله، الذي توسّع في هذه المسألة ولم يلزم العامي بالرسم العثماني قائلاً:” لئلا يوقع في تغيير الجهّال، ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه، لئلا يؤدي إلى دروس العلم، وشيء أحكمته القدماء لا يترك مراعاته لجهل الجاهلين، ولن تخلو الأرض من قائم لله بالحجة”[8].

 



[1]  رئيس قسم علوم القرآن والسنة بجامعة دمشق، وأستاذ التفسير والحديث بكليات الشريعة والآداب بجامعتي دمشق وحلب.

[2]  عتر ، نور الدين، علوم القرآن الكريم، مطبعة الصباح بدمشق ، الطبعة السادسة ، 1996م، ص:187-189.

[3]  السيوطي، جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن. مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر. ج2 ص166.

[4]  المقنع لأبي عمرو الداني ص30 وانظر البرهان في علو م القرآن  لبدر الدين محمد الزركشي ج1 ص379.

[5]  المقنع ص10 والبرهان الموضع السابق.

[6]  البرهان ج1 ص380.

[7]  البرهان ج1 ص 250-251.

[8]  البرهان ج1 ص 379.