نزول القرآن

 

باسم وحيد الدين علي

ويقصد به نزول كلام الله تعالى على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبلغه للناس ويرى بعض العلماء المفسرين أن هذا النزول على ثلاثة مراحل[1].

أوله نزوله إلى اللوح المحفوظ لقوله تعالى:{بل هو قرآن مجيد، في لوح محفوظ}(البروج21-22). و اللوح المحفوظ هو الكتاب الأعظم الذي سُجِّل فيه قضاء الله تعالى وقدره وما كان وما سيكون[2].

وأما نزوله الثاني فهو إلى “بيت العزّة” في السماء الدنيا دفعة واحدة لقوله تعالى:{انا انزلناه في ليلة مباركة}(الدخان 3) وقوله كذلك:{انا انزلناه في ليلة القدر}(القدر1).

وأما نزوله الثالث فكان على قلب النبي صلى الله عليه وسلم منجمًا أي متفرقًا وعلى مدى 23 سنة بحسب الظروف والأحداث الخاصة. قال تعالى:{نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين}(الشعراء 193-194) ولقوله تعالى في سورة الإسراء: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا(106)}.

الحكمة من نزوله منجمًا

أراد الله تعالى بحكمته البالغة وهو أعلم بمن خلق أن يتنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يبلغه للناس تباعًا وليس كما نزلت التوراة في ألواح موسى دفعة واحدة وذلك لكي يستوعبه الناس ببطء ورويّة ولكي تلتصق عباراته بالأحداث المناسبة فيزداد رسوخًا ويزداد الناس فقهًا، ويسهل عليهم حفظه. وكان من جملة فوائده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجد في الآيات المنزلة ما يشرح له صدره ويشد عزيمته ويواسيه في معاناته، وما يجيب به على أسئلة الناس وحاجاتها وما يرد به على المنتقدين والمعتدين والحاقدين والمتهكمين. قال تعالى:{وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتوك بمثل الا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا}(الفرقان 32-33).

وقد ساعد نزول القرآن على دفعات في جعل المسلمين ينقادون تدريجيًا ويستجيبون لأوامر الله تعالى. وصار التشريع ينزل بالتدرج والمسلمون يتخلون تباعًا عن العادات السيئة في الخمر والميسر والزنا والاستعباد، ويمارسون الطاعات والعبادات تدريجيًا من الصلاة إلى الزكاة إلى الصوم إلى الحج دون أن يجدوا في الأحكام الجديدة عبئًا أو تمنعًا.

إعادة جمع القرآن وترتيبه

يخطئ من يظن أن القرآن الكريم أعيد جمعه وترتيبه بناء لإشارة أحد من خلق الله. فقد تكفل الله تعالى بإعادة ترتيبه كما كان عليه قبل نزوله إلى الأرض. قال جلّ وعلا:{لا تحرك به لسانك لتعجل به انّ علينا جمعه وقرآنه}(القيامة 16-17).

وصار جبريل عليه السلام يراجع مع النبي صلى الله عليه وسلم ما نزل من القرآن خلال شهر رمضان من كل عام ويدله على ترتيب الآيات والسور، وصار النبي صلى الله عليه وسلم يدل الصحابة الكرام على موضع كل آية وكل عشر آيات وكل سورة على مكانها في القرآن.

ومن سعادة حظ من يديم قراءة القرآن الكريم قراءة التدبر والتفكر والتفقه أن يرى أن كل سورة من القرآن مترابطة المعنى ومتصاعدة الوتيرة لها مقدمة ولها شرح وتوسيع ولها خلاصة وخاتمة.

حتى السور القصيرة في الجزء الأخير من القرآن الكريم تبدو بترتيب لافت يغني بعضه بعضًا.

نورد منها على سبيل المثال:

النبأ العظيم (سورة النبأ) يليه إنكار الكفار للآخرة (النازعات) وتؤكده خاتمة السورة التالية (عبس) بمشاهد من اليوم الآخر ستفاجئ الكفار وتبشر المؤمنين.

وكذلك يوجه الكلام إلى قريش فيذكرهم بحملة أبرهة على الكعبة (سورة الفيل) وما حل به وبجيشه المعتدي ثم ينتقل إلى مشركي قريش ويأمرهم بأن يألفوا هذا الدين لأن الله هو الذي يحمي الكعبة وأهلها ويرزقهم ويؤمنهم من الخوف (سورة قريش).

قال الإمام الشاطبي:” ان السورة الواحدة مهما تعددت قضاياها فهي تكون قضية واحدة[3].

والخلاصة أن الله تعالى أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا ثم أنزله متفرقًا على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليثبته في قلبه وفي قلوب المؤمنين. ثم أعاد جمعه كاملاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ان التاريخ لم يسجل اختلافًا واحدًا بين الصحابة أثناء جمعه وتدوينه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

والله تعالى يقول وهو أصدق القائلين:{انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون}(الحجر 9).  

 



[1] المدخل إلى علوم القرآن، د. محمد أمين فرشوخ، دار الفكر العربي، ط1 1990.

[2] علوم القرآن الكريم، د. نور الدين عتر، مطبعة الصباح، ط6 1996.

[3] الموافقات، ج3، ص414.