أدبه صلى الله عليه وسلم مع الناس

بقلم أ.ع.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كريم العشرة، لطيفاً، طليق الوجه، بسّاماً ، يريح الناظر إليه ويحبب الإسلام إلى من أتى ليسمعه أو يراه، يقول عنه الإمام علي رضي الله عنه : (كان صلى الله عليه وسلم أوسع الناس صدراً وأصدق الناس محبة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة).

وكان يصغي كل الإصغاء إلى محدثه، ويسأله ويقبل عليه ويلاطفه، فعن أنس قال: (مَا رَأَيْتُ رَجُلاً الْتَقَمَ أُذُنَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَيُنَحّي رَأْسَهُ حَتّى يَكُونَ الرّجُلُ هُوَ الّذِي يُنَحّي رَأْسَهُ، وَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَخَذَ بِيَدِهِ فَتَرَكَ يَدَهُ حَتّى يَكونَ الرّجُلُ هُوَ الّذِي يَدَعُ يَدَهُ)[1].‏

وعن أبي هريرة: (…ولم يكن أحد يصافحه إلا أقبل عليه بوجهه، ثم لم يصرفه عنه حتى يفرغ من كلامه) [2]. وكان إذا أقبل بوجهه وحدث رجلاً ما ظن هذا الرجل أنه خير القوم لشدة تودد النبي المصطفى إليه[3].

ويصف جابر بن عبد الله رضي الله عنه قسمات وجه النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الوحي أو وعظ قلت: نذير قوم أتاهم العذاب فإذا ذهب عنه ذلك رأيت أطلق الناس وجهاً وأكثرهم ضحكاً وأحسنهم بشراً). وكان إذا حدث الناس غلب عليه التبسم[4].

وكان يرد التحية بأحسن منها، فإن قيل له السلام عليكم رد وعليكم السلام ورحمة الله ، وإن قيل له مثل ذلك رد قائلاً: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته[5].

وكان يرحب بالقادم عليه فقال لعمار :(مرحبا بالطيب المطيب) [6]، وقال لوفد عبد القيس:(مرحبا بالوفد غير خزايا ولا ندامى)[7].

وكان يسأل زائره عن حاله وحال قومه، فيقول كيف أنت؟ أو كيف أصبحت؟ ويتمنى على جليسه أن يجيب بحمد الله تعالى[8].

وكان عليه الصلاة والسلام ينزل الناس منازلهم، كل على قدر دينه وعلمه وسنه ومكانته بين قومه وهو القائل: ( ليس منا من لم يجلّ كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه)[9]. وأوصى بذلك فقال:( إن من إجلالي توقير الشيخ من أمتي…)[10]. ونبه إلى اكثر من ذلك فجعل تعظيم شيوخ المسلمين من تعظيم الله وإجلاله فقال:( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم)[11].

وأتى قوم يتقاضون في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما تحدث فتى منهم قاطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: [ كبِّر، كبِّر ]، أي دع من هم أكبر منك سناً يتحدث باسم القوم، فقام كبير من القوم فتكلم[12].

-وقدم وفد جهينة على النبي صلى الله عليه وسلم فقام غلام ليتكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مه فأين الكبير؟ كما دخل جرير بن عبد الله، رضي الله تعالى عنه، على رسول الله، صلَّى الله عليه وسلم، وعنده أصحابه، وضنّ كل رجل بمجلسه. فأخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رداءه، فألقاه إليه، فتلقاه بنحره ووجهه، فقبّله، ووضعه على عينيه. وقال: أكرمك الله كما أكرمتني. ثم وضعه على ظهر رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فإذا أتاه كريم قوم فليكرمه)[13].

وهو بذلك يقر بين الناس تبادل الهيبة والتوقير والاحترام. والمجتمع الذي يعرف هذه القيم يكرس هيبته بين الناس ويحفظ قدره على مرالأيام وتعاقب السنين، وورد: (ما أكرم شاب شيخاً لسنّه إلا قيض الله له في سنّه من يكرمه). وفي الحديث الشريف:(البركة مع أكابركم)[14].

ولم يكن مجلسه متزمتاً ولا كئيباً، بل كان ينبسط إلى جلسائه ويحادثهم بأمور الدنيا والآخرة ، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:( كنت جاره صلى الله عليه وسلم، فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إليّ فآتيه، فاكتب الوحي، فكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا…)[15].

وكان يمازح أصحابه بلا لعب ولا لهو، ولا يقول في مزاحه إلا حقا، وكان يلاطف الصغير والكبير والعجوز. ومن الصحابة شاب من البادية يدعى زاهر، دميم الخلقة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ويمازحه، فوجده مرة في السوق يبيع متاعاً له، فاحتضنه من الخلف وزاهر لا يبصره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يشتري هذا العبد، فرد زاهر: يا رسول الله  إذاً والله تجدني كاسداً، فقال عليه الصلاة والسلام: أنت عند الله غالٍ[16].

وقدم وفد النجاشي، صاحب الحبشة، على النبي صلى الله عليه وسلم فقام يخدمهم، فقال له أصحابه نحن نكفيك، أي نقوم بدلاً منك بضيافتهم وخدمتهم، فقال: (إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وأنا أحب أن أكافئهم)[17].

وفي الختام نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قمة في الأدب والأخلاق والتواضع مع كل الناس على علو قدره وعظم شأنه ورفعة قدره. كيف لا وهو خير خلق الله.

 



[1]  أبو داود عن أنس.

[2]  البزار والطبراني وابن سعد في الطبقات عن أبي هريرة.

[3]  الترمذي في “الشمائل” عن عمرو بن العاص.

[4]  رواه الإمام أحمد عن أم الدرداء عن أبي الدرداء.

[5]  أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن جابر

[6]  الترمذي وابن ماجه والبخاري عن عليّ.

[7]  في الصحيحين عن ابن عباس.

[8]  أحمد عن أنس، الطبراني عن ابن عمر.

[9]  أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك عن عبادة بن الصامت.

[10]  الخطيب في الجامع عن أنس

[11]   أبو داود عن أبي موسى

[12]  البخاري عن سهل بن أي حثمة.

[13]  الحاكم عن جابر.

[14]  إبن حبان عن ابن عباس.

[15]  الترمذي والبيهقي والطبراني عن خارجة عن أبيه زيد بن ثابت.

[16]  الترمذي عن انس.

[17]  البيهقي في “الدلائل” عن أبي قتادة.