حسن معاملته صلى الله عليه وسلم للإناث

بقلم أ.ع.

إلى المطالبين بإنصاف الجنس اللطيف، وإلى الذين يتهمون الإسلام بالقسوة وبالاستهانة بكرامة المرأة وبحقوقها، وإلى الذين لا يلقون لزوجاتهم ولا لبناتهم ولا لأمهاتهم بالاً، ويعتبرون جنس المرأة عليهم وبالا.

إلى الذين يتعاظمون حين يأتيهم مولود ذكر، وتتمعر وجوههم إذا ولدت لهم أنثى، وعاتبهم الله تعالى في سورة النحل بقوله: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ {58}  يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ }. أهدي هذه المعلومات عن معاملة خير خلق الله للضعيفات من خلق الله، الكريمات عند الله.

لأن بر الوالدين معلوم عند الناس، وخاصة بر الرجل أمه، والذي بدونه يكابد العاق شقاوةً في الدنيا وضيقاً في الرزق وسوءاً في الخاتمة ولا يشم ريح الجنة في الآخرة، نتطرق مباشرة إلى وصف عشرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم لأهل بيته من نسائه وبناته وقريباته.

كان صلى الله عليه وسلم إذا قدم عليه  رجال حديثو عهد بالإسلام يذكرهم بواجباتهم تجاه نسائهم وكان يقول:  “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، (أي لعيالي وأقاربي)، ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم”.

فقد كانت عشرته لأهله جميلة ورقيقة ومحببة، حتى أنه كان يرسل بنات الأنصار لعائشة يلعبن معها وكانت إذا شربت شرب من موضع فمها ويقبلها وهو صائم وأراها الحبشة وهم يلعبون في المسجد وهي متكئة على منكبه، وكان يوم عيد، يلعب السودان بالدرق والحراب، قالت: فقال صلى الله عليه وسلم: “تشتهين تنظرين؟” فقلت: نعم، فأقامني وراءه، خدي على خده، وهو يقول: “دونكم يا بني أرفدة” (يوعز إليهم باللعب). حتى إذا مللت، قال: “حسبك”. قلت: نعم، قال: ” فاذهبي”.

وسابقها في السفر مرتين فسبقها وسبقته ثم قال: هذه بتلك وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة وفي الصحيح أن نساءه كن يراجعنه الحديث وتهجره الواحدة منهن يوماً إلى الليل ودفعته إحداهن في صدره فزجرتها أمها فقال لها: دعيها فإنهن يصنعن أكثر من ذلك. وجرى بينه وبين عائشة رضي الله عنها كلام حتى أدخل بينهما أبا بكر حكماً، وقالت له عائشة مرة في كلام غضبت عنده وأنت الذي تزعم أنك نبي اللّه؟ فتبسم.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحريرة قد طبختها له فقلت لسودة (زوجته أيضًا)، والنبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينها، كلي. فأبت فقلت: لتأكلين أو لألطخن وجهك فأبت فوضعت يدي في الحريرة فطلبت وجهها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فوضع بيده لها وقال لها: “الطخي وجهها” فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لها فمر عمر فقال: يا عبد الله! فظن أنه سيدخل فقال: “قوما فاغسلا وجوهكما”. لأن الذي يحصل في البيت من مداعبة لا يجب أن يعلم به الذين في الخارج، فتبقى الهيبة ويسود الاحترام.

وكان الحبيب صلى الله عليه وسلم يعلّم الرجال أموراً تتعلق بالنساء وعشرتهن، أولها التودد عند الطعام وفي الفراش:… ويضع أحدكم اللقمة في في (فم) أهله فهي له صدقة. وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا يا رسول الله يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال صلى الله عليه وسلم: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ قالوا: نعم. قال: كذلك إن وضعها في الحلال كان له فيها أجر”. بل وجه أصحابه والناس إلى ضرورة احترام مشاعر الزوجات في أدق المواقف فنهى “أن يكون بين الرجل وأهله وقاعاً من غير أن يرسل رسوله المزاح والقبل، لا يقع أحدكم على أهله مثل البهيمة على البهيمة” وأن يصبر الرجل على زوجته فقال: “إذا جامع أحدكم أهله فليصدقها فإذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها”.

والزوج الوفي لا يكون وفياً حقاً إلا إذا كان كذلك في محيا زوجته وحتى بعد مماتها، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: “جاءت عجوز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف أنتم كيف حالكم كيف كنتم بعدنا، قالت بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فلما خرجت قلت يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال فقال: يا عائشة إنها كانت تأتينا زمان خديجة وإن حسن العهد من الإيمان”.

وللمرأة عند رسول الله كرامتها وكلمتها وعهدها تماماً كما يفعل الرجال، فقد روى ابن عباس عن أم هانيء بنت أبي طالب أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:”مرحباً بأم هانيء”، وأخبرته أنها أجارت رجلاً من المشركين، فقال: قَدْ أجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ وَآمَنّا مَنْ آمَنْتِ”.

ومن وصاياه الأخيرة في حجة الوداع، شدد النبي صلى الله عليه وسلم على الرفق بالنساء أماً كانت أو أختاً أو زوجة أو بنتاً: إن الله يوصيكم بالنساء خيرا إن الله يوصيكم بالنساء خيرا فإنهن أمهاتكم وبناتكم وخالاتكم إن الرجل من أهل الكتاب يتزوج المرأة وما تعلق يداها الخيط فما يرغب واحد منهما عن صاحبه.

فلا ينسى الرجل نصيب أخواته وبناته بعد بره لأمه وتلطفه بزوجته، فقال: من كان له ثلاث بنات، (وفي رواية وثلاث أخوات)، فصبر على لأوائهن وضرّائهن وسرّائهن أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهن، فقال رجل أو ثنتان يا رسول الله قال أو ثنتان، فقال رجل أو واحدة يا رسول الله قال أو واحدة.‏

وحين كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر أتاه خبر وفاة ابنته رقية، فقال: “الحمد لله، دفن البنات من المكرمات”. أي أن الله تعالى يرفع كرامة الأهل الذين يصبرون على فقدان ابنة لهم توفيت ولهم في رسول الله أسوة حسنة. لأن البنت عند أهلها مدعاة للرحمة واللطف والخدمة.

ورأى مرة فتاة خادم صغيرة السن، تبكي خوفاً من مواليها لكونها كسرت آنية أرسلوها بها، فأمسك بيد الصغيرة وجاء القوم فحياهم وقال واعظاً: “لا تضربوا إماءكم على كسر إنائكم فإن لها آجالا كآجالكم.”

وكان يعتبر أن الرجل الرجل هو الذي يتلطف في بيته وليس الذي يظهر شدته على أهله فذلك جبن وتجبر في غير موضعهما، ومما كان يقوله: “… وإن الرجل ليكتب جباراً وما يملك إلا أهل بيته”.

ولا يظنن أحد أن في ملاعبة الأهل ومداعبتهن ضعف، فالرجولة ليست تعني أبداً الاستقواء على الجنس الرقيق الضعيف في غير محله، فقد روى بعض الصحابة ما شاهده في إحدى سفرات النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير وحادٍ (حادي الإبل منشداً لتنشيطها في المسير) يحدو بنسائه، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو قد تنحى بهن (آلم ظهورهن فاستوقفنه)، فقال: “يا أنجشة ويحك ارفق بالقوارير”.‏ قال أبو قلابة: لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه،(أي لاعتبرها الرجال ضعفاً وخضوعاً).

وفي الختام فإن الحرة المؤمنة الشريفة الوفية لا ترد على مثل هذا اللطف وحسن المعشر إلا باللطف والخلق الحسن والوفاء والأدب، حتى أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن يبذلن جهدهن لإرضائه وفعل ما يحب وتجنب ما يكره، وفي صحيح البخاري،عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان، تغنيان بغناء بعاث: فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال: “دعهما”. فلما غفل ( رقدت عين النبي صلى الله عليه وسلم)، غمزتهما فخرجتا.

وإلى لقاء آخر مع خير خلق الله.