خير خلق الله من وحي القرآن الكريم

بقلم أ.ع.

 

من يتتبع أخبار الأمم عبر التاريخ والآثار وعبر الكتب السماوية يستنتج أن الأنبياء والرسل كانوا يخاطبون الناس على قدر عقولهم وأفهامهم ووفق المستوى الحضاري والمعرفي الذي عرفه زمانهم، فكانت عقول الأنبياء والرسل أفضل العقول وقلوبهم أصفى القلوب وعزائمهم أقوى العزائم، وأخبار النبي هود وعيسى المسيح عليهما السلام واضحة في هذا المجال فقد تحدى هود قومه ولعن عيسى الكهنة والفريسين جهاراً ودعاهم بأولاد الأفاعي.

وكان لا بد لعقل النبي العربي من أن يكون أكمل العقول وأوعاها لا في عصره فحسب فقد جعله الله تعالى خاتم النبيين مما يجعله يبز العقول المعاصرة له والعقول التي ستأتي بعده. وكذلك أنزل عليه كلاماً خالداً نهائياً تاماً كاملاً ليس بعده كلام تعهد الله تعالى بحفظه إلى يوم الدين وهو كلام  ستحتاجه الأمم لبناء حضارتها مهما بلغت قدراتها العلمية والنفسية والمادية .

خير خلق الله من وحي القرآن الكريم

زكّى الله تعالى نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم فذكره في الكتب السماوية السالفة: {… وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ {156} الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ…}،(سورة الأعراف).

ومهد له من سبقه من الأنبياء: وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ {6}(سورة الصف).

وأمر كل نبي باتباع الرسول الذي سيأتي بعده وبتأييده ونصرته:{ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ…{81}،(آل عمران) .

كما ميز الله تعالى بأن جعله رسولاً إلى كافة الأمم وليس إلى أمة معينة: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا…{158}،(الأعراف).

وذكره في القرآن الكريم بأحلى ذكر ووصفه بأحسن الصفات:{ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {128} (سورة التوبة)، كما قال فيه:{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {4}،( سورة القلم )،

كما أمر الناس بطاعته، وميزه بأن جعل طاعة الناس له من طاعتهم لله تعالى:{ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا {80}،(سورة النساء).

وأمر تعالى عباده حتى المذنبين منهم بأن يزوروا النبي صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً، ويستغفروا الله عنده، ليحظوا بتوبة الله عليهم ورحمته:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا {64} (سورة النساء).

وأظهر له في القرآن الكريم الحب والعطف والمودة : طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى{1}،(سورة طه)…{ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {8}(سورة فاطر )، وشجعه على المضي في الدعوة واعداً من أحبه ومتوعداً من حاربه{إنا كفيناك المستهزئين}،{95}(سورة الحجر).

وأوصاه باللين مع الخلق وجعله رحمة للناس كافة: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}،{107}،( سورة الأنبياء ).

وحين تعرض لسيل من المآسي وقست عليه الظروف متعه الله تعالى برحلة لم تحصل لأحد قبله ولا بعده

وعلى الرغم من كثرة المشككين بهذه الرحلة منذ أبي جهل إلى يومنا هذا فإن الله تعالى أثبت ذلك في كتابه العزيز وفي أكثر من موضع:{ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى {7} ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى {8} فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى {9} فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى {10} مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى {11} أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى {12} وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى {13} عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى {14} عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى {15} إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى {16} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى {17} لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى {18}،(سورة النجم).

وكذلك في سورة التكوير قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ{23} وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ {24} وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ {25} فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ {26} .

ولمعرفة أهمية هذه الرحلة أنها لم تأت كمكافأة وحسب بحيث يستبقيه في السماء كما حصل مع رسولين من قبل، بل كانت الرحلة لشحذ الهمة وتقوية العزيمة وإعادته إلى الأرض لإتمام المهمة واستكمال الرسالة.

وأكرِم في تلك الرحلة أيما إكرام، وقدّم على سائر الأنبياء والرسل، وكانت له مشاهدات متنوعة، حدث عنها فيما بعد، بعضها مروع خوفاً من الحساب، وبعضها رائع يذهب بالألباب، فصار بعد عودته يحدث بما رأى وليس فقط بما كان يخبره عنه جبريل الأمين من قبل. ووعده الله تعالى لئن أتم الرسالة بأعلى مقام:{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا {79}،(سورة الإسراء).

وجعل مكانته سامية في أمته وميزه وأمته على سائر الأمم: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا…} {143}،(سورة البقرة).

 

ومن تفضيل الله تعالى لنبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم، صلاته وملائكته عليه وأمره للمؤمنين بأن يصلوا عليه هم أيضاً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {56}،(سورة الأحزاب).

خير خلق الله من وحي سيرته

كيف لا يكون خير خلق الله وهو الذي كان أكثر الناس تواضعاً وأقلهم ترفعاً، أزهدهم في الدنيا وزينتها، وأرغبهم بالآخرة وديمومتها، يفيض بالحب والحنان وشجاعته فوق شجاعة الشجعان،  أدمثهم خلقاً وحياءً، وأكثرهم صياماً وقياما، خلقه كما ينص القرآن، وقلبه يبيت عند الرحمن، يتفطر رحمة على الطائر المسكين والجمل الحزين، يخدم خدمه وتتورم قدمه، يأكل إن وجد الطعام وإن لم يجد فصام، يصلح نعله بنفسه ويكنس بيته بيده، كثير الأحزان، كثير الصمت والتفكر، نادراً ما يضحك، جل ضحكه التبسم، ينزل القوم منازلهم ويقرب أهل الدين والإيمان ، يعطي الدنيا لطلاب الدنيا ويربي أهل الإيمان على الحرمان، كلامه حكم وأعماله سنن، لا يغضب لنفسه وإن غضب لله لا مرد لنقمته.

دخل الدنيا يتيما وعاش فيها جاداً، وخرج منها ولم تنل منه ولم يحظ بزينتها ولا رفاهها. خرج وقلبه على الصلاة وهمه أمته ووصيته الرفق بالنساء. خرج إلى الدنيا دامعاً وعاش عمره حزينا وكان آخر من الدنيا دمعة باردة سقطت من عينه على عنق زوجته.

حين خير بين البقاء في الدنيا وبين الموت اختار الرفيق الأعلى، كانت آخر زيارة له إلى مقبرة البقيع يسلم على من سبقه من أصحابه إلى رحمة الله ويتحضر للحاق بهم.

كان يخاف على أمته بعده من الدنيا ورفاهيتها وكان يوصيهم بالتمسك بالكتاب والسنة ويوصي بأهل بيته ويحذر من النيل من أصحابه. ومن آخر وصاياه تبليغ سلامه إلى من لم يتمكن من رؤيته من أمته.

من بلغه خبره أحبه ولئن تعرف عليه عشقه، ومن تعلق به علت همته وانقدحت بصيرته، وإلى الحلقة القادمة.