طفولته صلى الله عليه وسلم

أ.ع.

 

ذكر ابن إسحاق أن آمنة ام النبي صلى الله عليه وسلم لما ولدته بعد أن توفي عنها والده عبد الله أرسلت خلف جده عبد المطلب إنه ولد لك غلام فانظر إليه، فأتى عبد المطلب ونظر إليه وأخذه ودخل به الكعبة وصار يدعو الله وأهله من خلفه يؤمّنون على دعائه ثم أعاده إلى أمه. وجده هو الذي سماه محمدا.

وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عبد المطلب سئل: ما حملك على أن تسميه محمداً وليس من أسماء آبائك ولا قومك؟ فاجاب:” أردت أن يحمده الله في السماء ويحمده الناس في الأرض”.

وعهد جده إلى امرأة من بني سعد تدعى حليمة لإرضاعه في البادية مقابل أجر، وكانت تلك عادة سادة قريش لكي يحظى أطفالهم الرضّع  بالصحة والنشاط والفصاحة بعيداً عن المدن وعن مناخها وعن الأوبئة التي قد يحملها القادمون إليها.

وروت حليمة عن البركة التي جنتها من إرضاع ذلك اليتيم فعلى الرغم من سنة القحط وطعن ناقتها في السن بدّل الله حال عائلتها من الجوع فامتلأ الضرع باللبن وباتوا لياليهم بخير وشبع وصار زوجها يقول لها: تعلمي يا حليمة لقد أخذتِ نسمة مباركة.

وعنه صلى الله عليه وسلم قال: “واسترضعت في بني سعد، فبينما أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بُهماً لنا، أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بيد أحدهما طست من ذهب مملوءة ثلجاً فأخذاني فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها “. (هي محل الغلّ والحسد).

وفي الحديث الصحيح  أنهم كانوا يرون أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم.

صباه صلى الله عليه وسلم

وكان حيثما حلّ  صلى الله عليه وسلم تحلّ البركة والخير على البيت الذي ينزل فيه وأنشد فيه عمه أبو طالب الذي كفله بعد وفاة جده[1] يقول:

وأبيضُ يستسقى الغمامُ بوجهه          ثمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ

وقد رعى النبي صلى الله عليه وسلم الغنم في صباه في بني سعد وفي جوار مكة بعد ذلك وقد جاء في الحديث: “عليكم بالأسود من ثمر الأراك فإنه أطيبه، فإني كنت أجتنيه إذ كنت أرعى الغنم، فسئل وكيف ترعى الغنم يا رسول الله؟ قال نعم وما من نبي إلا وقد رعاها”.

ومن حكمة الله عز وجل في ذلك أن في رعاية الغنم من العبر والدروس ما يجعل الراعي حليماً رؤوفاً بضعفاء مخلوقات الله قادراً على تحمل شظف العيش وتقلبات الطقس، يجهد في فهم أحوال من يعجز عن النطق والتعبير، يقنع بالقليل من الطعام وأجل الدروس هو توفر الوقت الكافي للتأمل والتفكر في عظيم خلق الله وفي روعة صنع الله تعالى…

شبابه صلى الله عليه وسلم:

لم يعرف النبي صلى الله عليه وسلم الفسوق أو اللهو مطلقاً، وقد عصمه الله تعالى من المعاصي في المرتين اللتين حاول فيهما أن يسمر كما يسمر الشباب قال: ح:”ما هممت بقبيح مما همّ به أهل الجاهلية إلا مرتين من الدهر كلتاهما عصمني الله عز وجل منهما : قلت لفتى كان معي بأعلى مكة في غنم لأهله يرعاها أبصر لي غنمي حتى أسمر هذه الليلة بمكة كما يسمر الفتيان قال نعم فخرجت فلما جئت أدنى دار من دور مكة سمعت غناءً وصوت دفوف ومزامير فقلت ما هذا فقالوا فلان قد تزوج بفلانة ، فلهوت بذلك الصوت حتى غلبتني عيناي فنمت فما أيقظني إلا مس الشمس وفي رواية :وضرب الله على أذني فوالله ما أيقظني إلا حر الشمس فرجعت إلى صاحبي فقال ما فعلت ؟ فأخبرته ثم فعلت الليلة الأخرى مثل ذلك”.[2]

ولعل للمشيئة الإلهية حكمة بالغة في ذلك أن يعيش رسول الله يتيماً وأن لا يتوفر له من يعلمه أو ينفق عليه وأن لا يكون لأحد فضل عليه، فكان يقول: ” أدبني ربي فأحسن تأديبي”.

إذ لم ينشأ في كنف المعلمين ولا الشعراء ولا الفلاسفة بل في الصحراء القاحلة يرعى الغنم ويتعلم الحلم ويتكسب الصفاء بانتظار الاصطفاء.

دعاه الناس في الجاهلية وقبل النبوة بالصادق الأمين لأمانته وصدقه وسمو أخلاقه، فصار محط أنظارهم، مما دفع بالسيدة خديجة بنت خويلد وهي من أشراف مكة لأن ترسله في تجارة لها بالشام.

كما اختاره الله تعالى للقيام بدور مشرف أثناء إعادة بناء الكعبة المشرفة عام 605 م، فقد بقيت الكعبة على حالها منذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام وصارت جدرانها تتزعزع وقد ساهم صلى الله عليه وسلم في إعادة بناء الكعبة بعد أن احترقت حين كانت إحدى النساء تجمرها بالبخور.. وأعيد بناؤها من أخشاب سفينة حبشية انكسرت بجدة فاشترتها قريش، حتى إذا وصلوا إلى الحجر الأسود اختلفوا فيمن يرفعه وأوشكوا على التقاتل ثم اتفقوا على تحكيم أول من يدخل من باب المسجد فلما رأوا رسول الله ولم يكن قد بعث بعد، يدخل قالوا: هذا الأمين رضينا به وأخبروه ، فكان له شرف حمل الحجر الكريم وفكرة العباءة ليحمل كل من أشراف مكة طرفاً منها.[3] وحجب الله به دم الناس .

يتبع

 



[1]  توفي أبوه عبد الله وهو جنين في بطن أمه وتوفيت أمه وهو في السادسة وكفله جده عبد المطلب الذي توفي والنبي بعمر  ثماني سنين فكفله عمه أبو طالب.

[2]  علي بن برهان الدين الحلبي، السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، دار المعرفة، بيروت ، ج 1  ص200

[3]  المرجع ذاته، ص229 ومحمد رشيد رضا ، كتاب محمد رسول الله، ص42.