قالوا فيه

د.أ.ع.

الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وبعد، فقد كتِب عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يكتب عن أي شخص سواه كمّاً أو نوعاً، وما استرعى أحد من أصحاب العقائد ولا من الملوك والرؤساء ولا من الحكماء إنتباه أعداد لا تحصى من الكتاب والفلاسفة والعلماء مثلما استرعى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانتباه والاهتمام والبحث والدراسة.

ولو اقتصر الأمر على شروح الدين الإسلامي عقيدة وعبادات ومعاملات لبقي الأمر في حدود المعقول، لكن ما جذب الاهتمام أيضاً واستقطب الانتباه، هو شخصه صلى الله عليه وسلم، بأخلاقه المتميزة وبقدراته النافذة وبشخصيته الأخاذة ثم بمفاعيل تعاليمه لمن رآه وعرفه ولمن جاء بعده وأخبِر عنه. كيف لا ومفعول دعوته باقٍ مستمر يتدفق وينبع ويثمر إلى يومنا هذا وهو آخذ في النمو والاستقطاب.

لذلك لا يعجبن أحد من بعض النقد والتجريح المستمر بحقه، فذلك ناجم عن عجز الذين وضعوا نصب أعينهم مهاجمته ونقد تعاليمه رغبة في دفع الناس إلى الارفضاض عنه، فكانت النتيجة أنهم بإساءاتهم المجحفة لفتوا انتباه الذين لا يعرفون رسول الله ولا سمعوا به من قبل، فأقبلوا يقرأون ما كتب عنه بأقلام محايدة موثوقة، وإذا بقلوبهم تميل إليه وبعقولهم تشحذ منه، فيزداد غيظ المستكبرين والمأجورين وكلما ازدادوا تهجماً وتجريحاً إزداد عدد المعجبين به والمنقادين لعقيدته.  

والتجريح قديم مستجد بدأ منذ العهد الأموي وقاده الذين انفض الناس عنهم وباتوا بلا عمل ولا أتباع وصارت دعواهم إلى انحسار، وفي العصور الوسطى صار التجريح ضرورة لتجييش النفوس والجيوش لاجتياح الشرق الإسلامي بحملات ضخمة استقدمت من أقاصي الشرق والغرب.

وما أن أطل عصر النهضة وتحرر الفكر في أوروبا حتى  أخذ مفكروها وحكماؤها وعقلاؤها يقرأون عن الحضارات السابقة ليأخذوا عنها ويتابعوا ما وصل إليهم من منجزاتها، وكان لا بد من التعرف على ذلك الرجل “الملهم” الفريد الذي تمكن من إطلاق أوسع ثورة فكرية واجتماعية وروحية في التاريخ،  وكان أقل ما وسعهم قوله أنهم معجبون به وبعقله وبحكمته وبقدراته الروحية وشخصيته النافذة البالغة التأثير. ومن بين هؤلاء نذكر بعض ما كتب عنه وقيل فيه:

فهذا المؤرخ الأوروبى «جيمس ميتشنر» يقول فى مقال تحت عنوان «الشخصية الخارقة» عن النبى (صلّى الله عليه وسلم): « … وقد أحدث محمد- صلّى الله عليه وسلم- بشخصيته الخارقة للعادة ثورة فى الجزيرة العربية، وفى الشرق كله، فقد حطم الأصنام بيده، وأقام دينا خالدا يدعو الناس إلى الإيمان بالله وحده» .

ويقول الفيلسوف الفرنسى (كارديفو) : «إن محمدا كان هو النبى الملهم والمؤمن، ولم يستطع أحد أن ينازعه المكانة العالية التى كان عليها، إن شعور المساواة والإخاء الذى أسسه بين أعضاء الكتلة الإسلامية كان يطبق عمليا حتى على النبى نفسه» .

أما الروائى الروسى والفيلسوف الكبير تولتسوى الذى أعجب بالإسلام وتعاليمه فى الزهد والأخلاق والتصوف، فقد انبهر بشخصية النبى (صلّى الله عليه وسلم)، وظهر ذلك واضحا على أعماله، فيقول فى مقالة له بعنوان «من هو محمد؟» :

«إن محمدا هو مؤسس ورسول، كان من عظاماء الرجال الذين خدموا المجتمع الإنسانى خدمة جليلة، ويكفيه فخرا أنه أهدى أمة برمتها إلى نور الحق، جعلها تجنح إلى السكينة والسلام، وتؤثر عيشة الزهد ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقى والمدنية، وهو عمل عظيم لا يقدم عليه إلا شخص أوتى قوة، ورجل مثله جدير بالاحترام والإجلال» .

وخصص الفيلسوف الإنجليزى توماس كارلايل (1795 م- 1881 م) ، فى كتابه (الأبطال وعبادة البطولة) فصلا لنبى الإسلام بعنوان «البطل فى صورة رسول: محمد- الإسلام» ، عد فيه النبى (صلّى الله عليه وسلم)، واحدا من العظماء السبعة الذين أنجبهم التاريخ، وقد رد كارلايل مزاعم المتعصبين حول النبى( صلّى الله عليه وسلم) فقال: «يزعم المتعصبون من النصارى والملحدين أن محمدا لم يكن بريد بقيامه إلا الشهرة الشخصية ومفاخر الجاه والسلطان. كلا وايم الله!، لقد كان فى فؤاد ذلك الرجل الكبير ابن القفار والفلوات، المتورد المقلتين، العظيم النفس المملوء رحمة وخيرا وحنانا وبرا وحكمة وحجى وإربة ونهى، أفكار غير الطمع الدنيوى، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه، وكيف لا وتلك نفس صافية ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين» .

وبعد أن يتعرض بالتحليل النفسى لعظمة نبى الإسلام ونبوته وتعاليمه السامية، يقول: «وإنى لأحب محمدا لبراءة طبعه من الرياء والتصنع» .

أما المستشرق الأمريكى إدوارد رمسى فقال: «جاء محمد للعالم برسالة الواحد القهار، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فبزغ فجر جديد كان يرى فى الأفق، وفى اليوم الذى أعادت فيه يد المصلح العظيم محمد ما فقد من العدل والحرية أتى الوحى من عند الله إلى رسول كريم، ففتحت حججه العقلية السديدة أعين أمة جاهلة، فانتبه العرب، وتحققوا أنهم كانوا نائمين فى أحضان العبودية» .

ويقول الفيلسوف والشاعر الفرنسى لامارتين: «إن ثبات محمد وبقاءه ثلاثة عشر عاما يدعو دعوته فى وسط أعدائه فى قلب مكة ونواحيها، ومجامع أهلها، وإن شهامته وجرأته وصبره فيما لقيه من عبدة الأوثان، وإن حميته فى نشر رسالته، وإن حروبه التى كان جيشه فيها أقل من جيش عدوه، وإن تطلعه فى إعلاء الكلمة، وتأسيس العقيدة الصحيحة لا إلى فتح الدول وإنشاء الإمبراطورية، كل ذلك أدلة على أن محمدا كان وراءه يقين فى قلبه وعقيدة صادقة تحرر الإنسانية من الظلم والهوان، وإن هذا اليقين الذى ملأ روحه هو الذى وهبه القوة على أن يرد إلى الحياة فكرة عظيمة وحجة قائمة حطمت آلهة كاذبة، ونكست معبودات باطلة، وفتحت طريقا جديدا للفكر فى أحوال الناس، ومهدت سبيلا للنظر فى شؤونهم، فهو فاتح أقطار الفكر، ورائد الإنسان إلى العقل، وناشر العقائد المحررة للإنسان ومؤسس دين لا وثنية فيه» .

ويقف المفكر (لورد هدلى) مندهشا عند معاملة النبى (صلّى الله عليه وسلم)، للأسرى من المشركين فى معركة بدر الكبرى، ملاحظا فيها ذروة الأخلاق السمحة والمعاملة الطيبة الكريمة، ثم يتساءل: «أفلا يدل هذا على أن محمدا لم يكن متصفا بالقسوة ولا متعطشا للدماء؟، كما يقول خصومه، بل كان دائما يعمل على حقن الدماء جهد المستطاع، وقد خضعت له جزيرة العرب من أقصاها، إلى أقصاها وجاءه وفد نجران اليمنيون بقيادة البطريرك، ولم يحاول قط أن يكرههم على اعتناق الإسلام، فلا إكراه فى الدين، بل أمنهم على أموالهم وأرواحهم، وأمر بألا يتعرض لهم أحد فى معتقداتهم وطقوسهم الدينية» .

ويقول الفيلسوف الفرنسى (وولتر) : «إن السنن التى أتى بها النبى محمد كانت كلها قاهرة للنفس ومهذبة لها، وجمالها جلب للدين المحمدى غاية الإعجاب ومنتهى الإجلال، ولهذا أسلمت شعوب عديدة من أمم الأرض، حتى زنوج أواسط أفريقيا، وسكان جزر المحيط الهندى» .

ويقول الفيلسوف والكاتب الإنجليزى المعروف برنارد شو: «إن أوروبا الآن ابتدأت تحس بحكمة محمد، وبدأت تعيش دينه، كما أنها ستبرئ العقيدة الإسلامية مما اتهمها بها من أراجيف رجال أوروبا فى العصور الوسطى» . ويضيف قائلا: «ولذلك يمكننى أن أؤكد نبوءتى فأقول: إن بوادر العصر الإسلامى الأوروبى قريبة لا محالة، وإنى أعتقد أن رجلا كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق فى العالم بأجمعه اليوم، لتم له النجاح فى حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم كله السلام والسعادة المنشودة» .

ويفند المؤرخ الأوروبى روبرت بريغال مزاعم الغربيين عن تأثر الإسلام بالتشريعات اليونانية الرومانية، فيقول: «إن النور الذى أشعلت منه الحضارة فى عالمنا الغربى لم تشرق جذوته من الثقافة اليونانية الرومانية التى استخفت بين خرائب أوروبا، ولا من البحر الميت على البوسفور (يعنى بيزنطة) ، وإنما بزغ من المسلمين، ولم تكن إيطاليا مصدر الحياة فى أوروبا الجديدة، بل الأندلس الإسلامية» ، إلى أن يقول: «إن هذه الحقيقة التاريخية لا يمكن للغرب إنكارها مهما أوغل فى التعصب، واستخف به العناد. إن دين أوروبا لمحمد رسول الإسلام غريب ألا يجد محل الصدارة فى نسق التاريخ المسيحى» .

أما وليام موير المؤرخ الإنجليزى فيقول فى كتابه (حياة محمد) : «لقد امتاز محمد(عليه السّلام)، بوضوح كلامه، ويسر دينه، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول، ولم يعهد التاريخ مصلحاً أيقظ النفوس وأحيا الأخلاق ورفع شأن الفضيلة فى زمن قصير كما فعل نبى الإسلام محمد»

ويقول الشاعر الفرنسى الشهير (لامارتين) : «أعظم حدث فى حياتى هو أننى درست حياة رسول الله محمد دراسة واعية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود، من ذا الذى يجرؤ على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد؟! ومن هو الرجل الذى ظهر أعظم منه، عند النظر إلى جميع المقاييس التى تقاس بها عظمة الإنسان؟! إن سلوكه عند النصر وطموحه الذى كان مكرسا لتبليغ الرسالة وصلواته الطويلة وحواره السماوى هذه كلها تدل على إيمان كامل مكنه من إرساء أركان العقيدة. إن الرسول والخطيب والمشرع والفاتح ومصلح العقائد الآخرى الذى أسس عبادة غير قائمة على تقديس الصور هو محمد، لقد هدم الرسول المعتقدات التى تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق».

وأختم بما قاله العالم الشهير ألبرت آينشتاين: «أعتقد أن محمدا استطاع بعقلية واعية مدركة لما يقوم به اليهود أن يحقق هدفه فى إبعادهم عن النيل المباشر من الإسلام الذى مازال حتى الآن هو القوة التى خلقت ليحل بها السلام» ..

وليت المجال يتسع هنا لإيراد شهادات مئات آخرين من مشاهير العلماء والقلاسفة والمفكرين والأدباء العالميين، من مثل: واشنطن إيرفنج، ورودي بارت، وإدوارد بيروي، وبلاشير، ومارسيل بوازار، وآرنولد توينبي، وفيليب حتي، وجورج حنا، والدكتور م.ج.دراني، ودافيد دي سانتيلانا، وهنري دو فاستري، وإينين ديتيه، وول يورانت، ومكسيم رودنسون، وفرانز روزنثال، وجاك ريسلر، وجورج سارتون، ونصري سلهب، ولويس سيديو، وهنري سيروي، ولورافيشيا فاغليري، وليوبولد فايس، وكلود كاهن، وهاماتون جب، وإيفلين كوبولد، وجولدزيهر، وروم لاندو، ولايتنر، وجوستاف لوبون، وهنري ماسيه، ومونتيه، والمهاتما غاندي، وجواهر لال نهرو، ومايكل هارت، ومونتغمري وات، وهربرت جورج ولز، ورينولد نيكلسون، والسير وليام موير، وإدوارد جورج، وإدوارد جيبون، وفولتير، وفرانشسكو جابريللي، وكارلو ألفونسو فللينو، وسيجريد هونكه، وكارل بروكلمان، وغوته، ولويس ماسينيون، وجان جاك روسو، وأوغست كانت، وكريستوفر دارسون، وعلامة فيينا الحقوقي شيريل، والشاعر الروسي بوشكين. [1]

وأمام شهادات مثل هذه النخبة العالمية التي يفاخر بها الغرب والشرق، لا ينبغي أن نلقي بالاً لمجموعة أخرى من حملة أبواق التضليل ومطلقي الشتائم بلا دليل أو بأدلة محرفة مفتراة، فمثلهم من كان على مر العصور يجتريء على الله فكيف لا يجترؤن على رسوله؟

ليس لدينا وقت للرد على الشتائم والتقبيح والتجريح “المدفوع ثمنها مسبقاً”، فالقادمون من كل بلاد الله للتعرف على خير خلق الله أحق بوقتنا وأصفى لمودتنا وأرقى لمستوانا. قال الله تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ }، [النمل: 79] . فهل يخصص شبابنا وشاباتنا “بعض وقتهم”، للتعرف على هذه الشخصية المحمدية الفذة كما فعلت هذه النخبة العالمية؟



[1]   جمعت هذه الأقوال وغيرها في كتاب: الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عيون غربية منصفة. للأستاذ حسين حسيني معدى رحمه الله، دار الكتاب العربي، دمشق، الطبعة الأولى 1419ه.