مقامه صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى

بقلم أ.ع.

ما أقسم الله تعالى بحياة أحد إلا بحياة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم: فعن ابن عباس ، رضي الله عنهما قال : « ما خلق الله عز وجل ، وما ذرأ  نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم ، وما سمعت الله عز وجل أقسم بحياة أحد إلا بحياته، فقال : لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون[1]  »

ومما قاله الله تعالى لنبيه الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز:

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا {78} وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا {79} (سورة الإسراء).

وفي معنى المقام المحمود: أورد الإمام القرطبي في تفسيره [2]عدة أقوال أهمها:

[القول الأول] – الشفاعة للناس يوم القيامة؛ قاله حذيفة بن اليمان. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها تقول: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود. وفي صحيح مسلم عن أنس قال حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض فيأتون آدم فيقولون له اشفع لذريتك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم عليه السلام فإنه خليل الله فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيؤتى موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى عليه السلام فإنه روح الله وكلمته فيؤتى عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيأتوني فيقولون: يا محمد اشفع لنا الى ربك فليقض بيننا فأقول: أنا لها حتى يأذن الله عز وجل لمن يشاء ويرضى فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يصدع بين خلقه نادى مناد: أين أحمد وأمته فنحن الآخرون الأولون نحن آخر الأمم وأول من يحاسب فتفرج لنا الأمم عن طريقنا فنمضي غراً محجلين من أثر الطهور فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها فنأتي باب الجنة فآخذ بحلقة الباب فأقرع الباب فيقال: من أنت فأقول: أنا محمد فيفتح لي فآتي ربي عز وجل … فأخر له ساجدا فأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي وليس يحمده بها أحد بعدي فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وسل تعطه، وقل تسمع، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أي رب أمتي أمتي فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا (من الخير) ثم أعيد فأسجد فأقول ما قلت فيقال: ارفع رأسك وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: أي رب أمتي أمتي فيقول: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا دون الأول ثم أعيد فأسجد فأقول مثل ذلك فيقال لي: ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: أي رب أمتي أمتي فيقال: أخرج من كان في قلبه مثقال كذا وكذا دون ذلك.‏

[القول الثاني]- أن المقام المحمود إعطاؤه لواء الحمد يوم القيامة.

فعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي آدم فمن سواه إلا تحت لوائي…” الحديث.

ولا تناقض بين القولين السابقين بل يتكاملان.

[القول الثالث]- إخراج النبي صلى الله عليه وسلم من النار بشفاعته بعضاً من أهلها؛ قاله جابر بن عبدالله. وذكره مسلم في كتاب الإيمان باب أدنى اهل الجنة منزلة فيها.

والمقام المحمود عند البعث مقام يغبطه به الأولون والآخرون كما روي عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود.

ومما أخبر به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أخرج الطبراني وابن عساكر عن ابن مسعود قال: إن الله اتخذ إبراهيم خليلا، وإن صاحبكم خليل الله، وإن محمدا سيد بني آدم يوم القيامة. ثم قرأ (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا).

وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم؟

ومما أخبر به عن نفسه: أخرج الترمذي وابن مردويه عن ابن عباس قال: “جلس ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرونه، فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم، وإذا بعضهم يقول: إن الله اتخذ من خلقه خليلا فإبراهيم خليله. وقال آخر: ماذا بأعجب من أن كلم الله موسى تكليما. وقال آخر: فعيسى روح الله وكلمته. وقال آخر آدم اصطفاه الله. فخرج عليهم فسلم فقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم ان إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسى كليمه، وعيسى روحه وكلمته، وآدم اصطفاه الله ربه كذلك، ألا وإني حبيب الله ولا فخر، وأنا أول شافع، وأول مشفع ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتحها الله، فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر.

وفي دلائل النبوة [3]، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الناس يصعقون (يغشى عليهم) يوم القيامة فأكون أول من يفيق ، »

وفيها عن أنس بن مالك ، أن النيي صلى الله عليه وسلم قال : « أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع ، لواء الحمد معي ، وتحته آدم ومن دونه ومن بعده من المؤمنين ».

وفي الدلائل أيضاً وعن أنس كذلك:« أنا أولهم خروجا إذا بعثوا ، وقائدهم إذا وفدوا ، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا ، وأنا شافعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشرهم إذا أبلسوا ، لواء الكرامة ومفاتيح الجنة ولواء الحمد يومئذ بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على ربي ، يطوف علي ألف خادم كأنهن بيض مكنون ، أو لؤلؤ منثور ».



[1] سورة : الحجر الآية  72

[2]  الإمام القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تفسير سورة الإسراء ، الآية 79.

[3]  أبو نعيم الأصبهاني ، دلائل النبوة، ج1 ص 30 و31 و35.