من أخلاقه صلى الله عليه وسلم

بقلم أ.ع.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير التبسم للناس:

عن عبد الله بن الحارث بن جزء، أنه قال: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.[1]

وكان يمازح أصحابه بلطف فيقول لأحدهم مثلاً :”يا ذا الأذنين” [2]، ومَن مِن الناس ليس له أذنين؟ واحتضن النبي أحد صحابته  وجعل يقول :”من يشتري هذا العبد؟” [3]، ومَن مِن المؤمنين ليس عبداً لله تعالى؟

وقال بعض الصحابة: يا رسول الله إنك تداعبنا! قال: ” نعم، غير أني لا أقول إلا حقا”.[4]

وكان يختار للناس أيسر الأمور:

عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، أنها قالت : « ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ، ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى » زاد القطان في روايته : « فينتقم لله بها ».[5]

وما آذى أحداً من خدمه ولو بكلمة:

وعنها أيضاً رضي الله عنها، قالت : « ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط : لا امرأة ولا خادما ، إلا أن يجاهد في سبيل الله . ولا نيل منه (من كرامته) شيء قط فينتقم من صاحبه ، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى ، فينتقم لله ».[6]

وعن أنس رضي الله عنه ، قال : « لقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فوالله ما قال لي أف قط ، ولا قال لشيء فعلته : لم فعلت كذا ؟ ولا لشيء لم أفعله : ألا فعلت كذا » .[7]

وكان يعين أهله في أعمال البيت ولم يكن خجلاً من ذلك:

وعن الأسود ، قال : سألت عائشة : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في أهله ؟ فقالت : « كان يكون في مهنة أهله » . قال : يعني في خدمة أهله . وإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة « رواه البخاري في الصحيح ، عن آدم.

وقيل لعائشة : ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ؟ قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرا من البشر يفلي ثوبه ، ويحلب شاته ، ويخدم نفسه.[8]

وكان شديد الحياء على الرغم من شدة رجولته وقوة شخصيته:

وعن أبي سعيد الخدري ، أنه سمع يقول : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أشد حياء من العذراء في خدرها ، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه ».[9]

وكان خلوقاً مع مجالسيه ومحدثيه إلى أبعد الحدود:

وعن أنس بن مالك ، قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا صافح ، أو صافحه الرجل ، لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع ، وإن استقبله بوجهه لا يصرفه عنه حتى يكون الرجل ينصرف ، ولم ير مقدما ركبته بين يدي جليس له »[10]

وكان يجالس الفقراء ويجبر بخواطرهم:

وجاء في جلوسه مع الفقراء والمساكين أهل الصفة وبذلك أمره ربه ونهاه عن طردهم . قال الله تعالى : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه(سورة الكهف-28)، وقال تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه (سورة الأنعام-52).

وعن أبي سعيد الخدري ، قال : كنت في عصابة من المهاجرين جالسا معهم ، وإن بعضهم يستتر ببعض من العري ، وقارئ لنا يقرأ علينا ، فكنا نستمع إلى كتاب الله تعالى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر معهم نفسي » . قال : ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطنا ليعدل بيننا نفسه فينا ، ثم قال بيده هكذا ، فاستدارت الحلقة وبرزت وجوههم . قال : فما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحدا منهم غيري . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أبشروا معاشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة ، تدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم ، وذلك خمسمائة عام ».[11]

يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً :

قال زيد بن سعنة (صحابي كان من أحبار اليهود فأسلم بعد ذلك) : ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً .

[فكنت ألَطِّف له لأن أخالطه فأعرف حلمه من جهله]. قال زيد بن سعنة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الحجرات ومعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأتاه رجل على راحلة كالبدوي فقال: يا رسول الله، لي نفر في قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغداً، وقد أصابتهم سنة وشدة وقحط من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعاً كما دخلوا فيه طمعاً، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تغيثهم به فعلت. فنظر إلى رجل إلى جانبه-أراه علياً –  فقال: يا رسول الله، ما بقي منه شيء. فوجد زيد بن سعنة الفرصة سانحة لاختبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقرضه إلى وقت معلوم  واعطى رسول الله المال إلى الرجل : فدنوت إليه فقلت: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمراً معلوماً في حائط بني فلان إلى أجل معلوم، وقال: “اغد عليهم وأغثهم بها”.

قال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاث، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان في نفر من أصحابه، فلما صلى على الجنازة ودنا إلى الجدار ليجلس إليه أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ، قلت له: يا محمد، ألا تقضيني حقي؟ فوالله ما علمتم بني عبد المطلب لمطل، ولقد كان بمخالطتكم علم. ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره فقال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع وتصنع به ما أرى؟ فوالذي نفسي بيده، لولا ما أحاذر فوته لضربت رأسك بسيفي. ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلي في سكون وتؤدة، فقال:

” يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن اتباعه، اذهب به يا عمر فأعطه حقه وزده عشرين صاعاً من تمر مكان ما رعته”.(أي أخفته).

قال زيد: فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعاً من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رعتك. قال: وتعرفني يا عمر؟ قال: لا [من أنت؟] قلت: أنا زيد بن سعنة. قال: الحبر؟ قلت: الحبر(أي العالِم الكبير). قال: فما دعاك إلى أن فعلت برسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلت، وقلت له ما قلت؟ قلت: يا عمر، لم يكن من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، وقد اختبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، وأشهدك أن شطر مالي  – فإني أكثرها مالاً –  صدقة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قال عمر: أو على بعضهم، فإنك لا تسعهم؟ قلت: أو على بعضهم.

فرجع عمر وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وآمن به وصدقه وبايعه وشهد معه مشاهد كثيرة، ثم توفي في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبر، رحم الله زيداً. [12]

ساعد جمال أخلاقه في اعتناق الكثيرين للإسلام:

وعن جرير أن رجلاً أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأرعد من هيبته فقال “هون الله عليك فلست بمَلِك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد “.[13]

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سباباً، ولا فحاشاً، ولا لعاناً، كان يقول لأحدنا عند المعتبة (معاتباً): ” ما له ترب جبينه؟ “.[14]

وعن أنس ، قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وعليه برد غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذاً شديداً ، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته . ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك . قال : فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضحك ، ثم أمر له بعطاء. [15]

ويختصر سيدنا علي رضي الله عنه أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:

        كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهى ولا يوئيِّس منه راجيه ولا يخيَّب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء، أو الإكثار، وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث، كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير وإذا تكلم سكتوا، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته…[16]

 



[1]  أخرجه الترمذي في سننه –أبواب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[2]  الترمذي في  الشمائل عن أنس.

[3]  الترمذي عن أنس.

[4]  الترمذي في الشمائل عن أبي هريرة.

[5]  رواه البخاري في الصحيح ، عن عبد الله بن مسلمة القعنبي، ورواه مسلم ، عن يحيى بن يحيى. وفي دلائل النبوة للبيهقي – (ج 1 / ص 280).

[6]  رواه مسلم في الصحيح ، عن أبي كريب ، عن أبي أسامة.

[7]  رواه مسلم في الصحيح ، عن سعيد بن منصور ، وأبي الربيع عن حماد  وفي دلائل النبوة للبيهقي – (ج 1 / ص 283)

[8]  دلائل النبوة للبيهقي – (ج 1 / ص 308 و309)

[9]  رواه البخاري في الصحيح ، عن بندار ورواه مسلم ، عن زهير بن حرب وغيره ، كلهم عن عبد الرحمن بن مهدي  وفي دلائل النبوة للبيهقي – (ج 1 / ص 290)

[10]  دلائل النبوة للبيهقي – (ج 1 / ص 295)

[11] دلائل النبوة للبيهقي – (ج 1 / ص 346 و347).

[12]  روى ابن ماجة منه طرفاً، ورواه الطبراني ورجاله ثقات. وفي دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني –(ج1  / ص 58).

[13]  أخرجه الحاكم من حديث جرير وقال صحيح على شرط الشيخين.

[14]  أخرجه البخاري عن أنس.  ومعنى ترب جبينه أي أصابه التراب من أثر السجود فكان دعاءً له بالطاعة وليس دعاءً عليه .

[15]  رواه البخاري في الصحيح عن ابن أبي أويس وأخرجه مسلم من وجه آخر عن مالك ، وفي دلائل النبوة للبيهقي – (ج 1 / ص 293).

[16]  الترمذي عن الحسين بن علي رضي الله عنهما.