الإعجاز النبوي العلمي في الإنجاب وفي تخلّق الجنين

بقلم أ.ع.

ينبهر من يلاحظ في القرآن الكريم تلك الدقة العلمية في وصف تخلق الجنين بقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} [سورة المؤمنون].

لكن الذي يتابع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بشأن هذا الخلق العظيم لا يستطيع أن يكابر وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفة النبوة والوحي وإطلاع الله تعالى له على علوم لم تعرفها البشرية إلا بعد ألف وبضع مئات من السنين، أي بعد تطور علوم الطب والتشريح والمختبرات والميكروسكوبات، والحمض النووي…

فمن عجيب ما ذكره سيد البشرية وخير خلق الله الأحاديث التالية:

1-عن الإنجاب: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْعَزْلِ، فَقَالَ: «مَا مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ خَلْقَ شَيْءٍ، لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ». (صحيح مسلمعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه).

فلم يكن أحد يتصور أن القذف الواحد من المني يحوي ما بين 200 إلى 300 مليون حيوان منوي وأن حيواناً منوياً واحداً فقط هو الذي سيفوز بتلقيح بويضة المرأة.

فالخمس الأول من الحيوانات المنوية التي تخرج من ماء الرجل لا يكون صالحاً للتلقيح، ثم يموت في المهبل عدد كبير آخر، ثم يموت عند عنق الرحم مثله، ثم يذهب عدد كبير آخر إلى أماكن بعيدة عن البويضة، بحيث لا يصل إليها سوى 500 حيوان منوي فقط. عند ذلك تحصل عملية السباق والاصطفاء والانتقاء ليصل حيوان منوي واحد يقوم بالتلقيح.  

والعجيب في هذا الحديث أنه لم يتطرق إلى ماء المرأة وكان لا بد من انتظار 14 قرناً حتى يتبين أن المرأة تنتج ما لا يزيد على 400 بويضة صالحة خلال جميع حياتها التناسلية.

وأما ما جاء في النصف الثاني من الحديث الشريف ذاته حول الحمل غير المقصود رغم كل وسائل منع الحمل، فقد صدرت عنه دراسات كثيرة اثبتت صحة هذا الكلام الشريف ودقته. كل ذلك جاء في جملة واحدة موجزة ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.

2-وعن شبه الجنين بأمه أو بأبيه:” مَاء الرجل غليظ أَبيض، وَمَاء الْمَرْأَة رَقِيق أصفر، أَيهمَا علا أَو سبق يكون مِنْهُ الشّبَه”…إِذا علا مَاؤُهَا مَاء الرجل أشبه الرجل أَخْوَاله، وَإِذا علا مَاء الرجل ماءها أشبه أَعْمَامه”. (رواه الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه). وفي ذلك أبحاث كثيرة أثبتت الفرق بين ماء الرجل وماء المرأة واختلاف المجال الحمضي والقلوي بينهما وتأثير طغيان احد المجالين على الشبه وعلى الذكورة والتأنيث عند الأجنة.

3-وعن نفخ الروح في الجنين وظهور عظامه بعد أن يبلغ من العمر أربعين يوماً:

” إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح. ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد”. (رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه).

ويؤكد هذه المعلومات حديث آخر رواه الإمام مسلم بسنده عن حذيفة بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكًا، فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك”.

4-وعن خصائص الجنين الوراثية:

” كل ابن آدم يأكله التراب إلاّ عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب”. وفي لفظ أخر له: ” وليس من الإنسان شيء إلاّ يبلى إلاّ عظمًا واحدًا هو عجب الذنب، ومنه يركّب الخلق يوم القيامة”. (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة).

يقول الدكتور محمد علي البار عضو الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة:إن أحاديث عجب الذنب من معجزاته صلى الله عليه وسلم. فقد أوضح علم الأجنة الحديث، أن الإنسان يتكون، وينشأ من عجب الذنب هذا(يدعونه الشريط الأوّلي Primitive Streak)، وهو الذي يحفّز الخلايا على الانقسام، والتخصص، والتمايز، وعلى أثره مباشرة يظهر الجهاز العصبي في صورته الأولية (الميزاب العصبي، ثم الأنبوب العصبي ثم الجهاز العصبي بأكمله)، ويندثر هذا الشريط الأوّلي إلا جزءًا يسيرًا منه يبقى في المنطقة العصعصية التي يتكون فيها عظم الذنب (عظم العصعص)، ولئن بقي جذره فلكي يعاد تركيب خلق الإنسان منه يوم القيامة كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

ليس بعد هذا الحديث حديث فمن شاء فليؤمن بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا ومن شاء غير ذلك فهو وشأنه وكل امريءٍ بما كسب رهين.