الجبال بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي في القرآن الكريم

أ.د. زغلول راغب النجار*

 

مقدمة:

في مجال الإعجاز العلمي لا يجوز لنا أن نوظف إلا الحقائق المؤكدة، أو القضايا القطعية التي قطع فيها العلم بصورة مؤكدة، لأننا نقصد بالإعجاز أن نثبت للناس، مسلمين أو غير مسلمين، على حد سواء، أن القرآن الذي نزل قبل 1400 سنة على نبي أمي صلى الله عليه وسلم في أمة أمية، قد احتوى على كثير من الحقائق… ومن هذه الحقائق ما اكتشفه العلم الحديث عن الجبال وتبيّن أنه ذكر من قبل في هذا الكتاب الكريم بدقة علمية متناهية.

الجبال في القرآن ومفهومها العلمي:

(…) ذكرت الجبال في القرآن الكريم في تسع وثلاثين آية، ست آيات تذكر الجبل بالمفرد، وثلاث وثلاثين آية تذكر الجبال بالجمع، وهناك عشر آيات أخرى تتحدث عن الجبال بوصف الرواسي، هذه الآيات قمت بتبويبها في موضوعات متعددة متخصصة،

 clip_image481صورة لقمة إيفرست أعلى قمة في جبال الهملايا

وأقول باختصار، هناك آيات تشير إلى أنها مرتفعات على سطح الأرض، مثل قوله تعالى: { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا } [البقرة: 260]، {قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ } [هود: 43]، وآيات تشير إلى ضخامة الكتلة الجبلية وارتفاعها وطبيعتها المائلة، مثل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ } [الرعد: 31]، {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ } [الحشر: 21]، وكلها آيات تعظم من شأن هذه التضاريس الأرضية.

وهناك آيات تشير إلى جبال لها تاريخ، مثل جبال قوم ثمود الذين كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً، وآيات تشير إلى الجبال التي شهدت بعض المعجزات، مثل جبل سيدنا إبراهيم، وجبل موسى عليه السلام، وآيات تذكر استخدام كل من الإنسان والحيوان للجبال كملجأ وسكن، مثل آيات سورة النحل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا } [النحل: 68]، وآيات تصف الجبال بأنها أوتاد، وهكذا، فلدينا عشر آيات واضحة تؤكد أن الجبال لها دور في تثبيت القشرة الأرضية، إن هناك آيات تصف الجبال من الناحية المادية بأنها من جدد بيض وحمر وسود، كما في سورة فاطر، وآيات تشير إلى أن الجبال تتحرك وليست ساكنة، بالرغم من كتلتها الهائلة، وهي إشارة إلى تحرك الأرض، وآيات تشير إلى الجبال في إطارها الروحاني غير العادي وغير الملموس بوصفها تعبد الله وتسجد له سبحانه وتعالى، مثل آيات واردة في سور: طه، الحاقة، المزمل، الطور، المعارج، وآيات تشير إلى نهاية الجبال في الآخرة، لكننا لن نتحدث في كل هذه المجموعات التسع التي تنقسم إليها آيات القرآن الكريم، وإنما سنعرض الآيات التي تتحدث عن الجانب العلمي للجبال.

أولاً-الجبال أوتاد: التي يقول فيها الحق تبارك وتعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 6-7]. وبالرغم من أن المفسرين القدامى مروا على هذه الآية مرور الكرام وتوصلوا، أو توصل بعضهم إلى تصور أن الجبال لها دور في تثبيت الأرض، لكنهم لم يستطيعوا شرح هذا الدور في إطاره العلمي الصحيح، ويعجب الإنسان حين يرى هذه الإشارة هي كلمتين: (والجبال أوتاداً )، فكما أن الوتد أغلبه مندس في الأرض وأقله ظاهر على السطح، ووظيفته التثبيت، فقد أثبت أهل العلم الحديث أن هذه وظيفة الجبال، وأن هذه هيئة الجبال، وإذا أخذنا أي دائرة معارف علمية، أو أي معجم لغوي أو علمي، وبحثنا عن مدلول كلمة ( جبل) وجدنا المعاجم الصادرة في التسعينيات (91، 92، 93، 94) وإلى يومنا هذا، …أن الجبال نتوءات على سطح الأرض، ترتفع فوق الأرض المحيطة بها بمدى يتراوح بين 305 و 610 متراً ويزيد، ويعتبرون ما دون ذلك من الربى، ( جمع ربوة )، والربوة هي التل المرتفع، ثم دون الربوة، التل، ودون التل: الهضاب، ثم السهول والأودية ن إلى غير ذلك…

فالعلماء الآن يعرفون هذه التضاريس الأرضية بهيئتها الظاهرة على سطح الأرض، ولكن لها امتدادات تخترق الغلاف الصخري للأرض، وان هذه الامتدادات تصل (نزولاً) من 10 إلى 15 ضعف ارتفاع الجبل فوق سطح الأرض، تماماً كالوتد: أقله ظاهر على سطح الأرض وأغلبه مندس في صخور الأرض، أو تربتها، وقد توصل العلماء إلى ذلك بجهود علمية مضنية استخدموا فيها العمليات المساحية، وعندما اكتشفت هذه الظاهرة كان المساحون البريطانيون يقومون بمسح جبال الهمالايا، والمساحون يستخدمون منضدة مستوية (Plate Table) والمنضدة هذه كان لها شاقول، أي خيط، وله ثقل معدني، فلاحظوا أن هذا الثقل المعدني ينجذب إلى الكتلة الجبلية، ولكن بأقل من تقدير الكتلة، ليس هذا فقط، بل أنه في بعض الحالات كان الشاقول هذا يندفع بعيداً عن الكتلة الجبلية، فالكتلة الجبلية أصلاً تشده إليها، فاعتبروا ذلك نمطاً من أنماط السحر في الهند، والهند مليئة بالسحرة، إلى أن حاول العلماء أن يقدموا تفسيراً لذلك فقالوا: لا بد أن كتلة الجبل هذه، وهي مكونة من صخور خفيفة، تندفع إلى الداخل حيث توجد صخور ذات كثافة أقل من الصخور من المحيطة بها، فيصبح جذب الجبل للبالون هذا أو للشاقول أقل من العادة أو حتى قد يدفع البالون في عكس اتجاه الجبل، نظراً لوجود صخور محيطة أعلى كثافة.

ثم استطاع العلماء منذ بدايات الثلاثينيات من القرن العشرين أن يدرسوا في جبال الألب وجبال الروكي في أمريكا، بطرق علمية ملموسة – كيف أن هذه الجبال فعلاً تنغرس في أعماق سحيقة، بدأت مجموعة من العلماء الجيوفيزيقيين ( أو الذين يدرسون الطبيعة الأرضية )، بواسطة دراسات الهزات الأرضية، وبواسطة دراسة القياسات التثاقلية الأرضية، أن يؤكدوا بما لا يرقى إليه شك أن هذه الجبال الظاهرة على سطح الأرض والمرتفعة ارتفاعاً كبيراً لها امتدادات تزيد عن هذا الارتفاع من 10 إلى 15 ضعف، ويثبت بذلك أن سمك الغلاف الصخري للقارات يتراوح من 35 إلى 40 كيلو متر في المتوسط، ونجد أن غلاف القشرة الأرضية في قيعان البحار والمحيطات يتراوح من 5 إلى 8 كيلو متراً، لأن الغلاف المكون القيعان البحار والمحيطات من معادن وصخور أعلى كثافة من المعادن والصخور التي تكون الغلاف الصخري للقارات…

ليس هذا فقط، بل لاحظ العلماء أن سمك الغلاف الصخري للقارات ( الذي قدروه من 35 إلى 40 كيلو متراً ) يصل في جبال الألب إلى أكثر من 70 كيلو متر، ويصل في جبال الهملايا إلى أكثر من مائة كيلو متر، لأن الغلاف الصخري للأرض يبلغ سمكه ( 100) كيلو متر في المتوسط.

وفي جذر الجبل (المطمور) من الثروات المعدنية ما لا يمكن أن يتوفر إلا تحت مثل هذه القوى الهائلة من الضغط والحرارة.

وبكلمة واحدة يصف القرآن الكريم الشكل الخارجي للجبل، والشكل الداخلي له، ووظيفته الداخلية، وتبقى هذه الآية في سورة النبأ: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ( 6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } [النبأ: 6-7] آية معجزة، لأنه لم يكن أحد في وقت تنزيل القرآن الكريم يعرف شيئاً عن هذه الحقيقة الكونية، وبالطبع فإن العلماء يعرفون أن للشكل الخارجي هذا فوائد متعددة على سطح الأرض، منها جريان الأنهار، ولذلك نجد آيات الإرساء هذه يمن علينا ربنا تبارك وتعالى كثيراً بها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، ويربط ما بين الجبال أو إرساء الأرض، وجريان الأنهار، وهناك وظائف كثيرة للجبال المليئة بالخيرات المعدنية، والجبال مأوى للبشرية قبل أن تعرف المسكن، والجبال مأوى لكثير من الحيوانات وكثير من الحشرات، كالنحل… ويعجب الإنسان لماذا تحدث القرآن الكريم في عشر آيات واضحة عن هذه الجبال على أنها رواسي ويمن علينا ربنا تبارك وتعالى بإرساء الأرض بالجبال في مثل قوله: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ( 32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } [النازعات: 32- 33].

ثانياً– الجبال رواسي تثبت الأرض: يختلف العلماء في مجال علوم الأرض إلى يومنا هذا في فهم كيف يمكن للجبال أن ترسي الأرض، لأن كتلة الجبال بالنسبة إلى كتلة الأرض لا تذكر، فأعلى قمة هي 8848متر، يعني أقل من تسعة كيلو مترات، وأغور غور هو غور ماريانو عند جزر الفليبين، وعمقه 11 كيلو متراً، يعني لا تصل المسافة إلى عشرين كيلو متراً… فمن أعمق غور إلى أعلى قمة إذا قورن هذا بنصف قطر الأرض الاستوائي ( وهو أكثر من ستة آلاف كيلو متر )، نعرف كيف يمكن لهذه الكتل البسيطة أن تثبت الأرض، ولا يمكن أن يتخيلها الإنسان لأنها كتلة بسيطة للغاية، ولم يستطع الناس في العصور المتتالية أن يفهموا كيف أن الجبال تثبت الأرض، ففي أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين، توصل العلماء عند سبر أغوار المحيطات فوجدوا عجباً: وجدوا، وعلى عكس ما كان يعتقد الناس في الماضي، أن أكثر أجزاء المحيطات ضحالة هي أواسطها وأن أكثر أجزاء المحيطات عمقاً هي عندما يلتقي قاع المحيط بالقارة، واحتاروا: كيف يكون ذلك ؟

clip_image482الشكل التالي يبن أماكن توضع الصدوع على سطح الكرة الأرضية

اتجه العلماء إلى هذه السلاسل الجبلية ( التي تمتد عبر قيعان البحار والمحيطات، وهي تفوق في ارتفاعها أعلى الجبال على سطح الأرض ). فوجدوا أنها تحيط بشبكة هائلة من الصدوع، تمتد عشرات الكيلو مترات طولاً وعرضاً، تمزق هذا الغلاف الصخري إلى عمق مائة كيلو متراً، فأيقنوا أن من صفات الأرض الأساسية أنها ذات صدوع، ويعجب الإنسان هنا إلى هذه الإشارة التي جاءت في سورة الطارق، في قوله سبحانه وتعالى: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ } [الطارق: 12]. تندفع من هذه الشبكة الهائلة من الصدوع حمم بركانية بملايين الأطنان، وبدرجات حرارة تتعدى الألف درجة مئوية، فتتحرك قيعان البحار والمحيطات تحت القارات لتكون جيوباً في أعماق قيعان البحار والمحيطات.

   clip_image483 

clip_image484

clip_image485الأشكال التالية تبين تشكل الجبال من قعر المحيطات

وفي هذه الجيوب تترسب كميات هائلة من الصخور الرسوبية، وحينما يتحرك قاع المحيط تحت القارة يمر بدرجات حرارة عالية فينصهر، ولو أنه انصهار جزئي، ثم يدخل في داخل الطبقة اللدنة شبه المنصهرة هذه، فيزيح كميات منها، فيؤدي إلى زيادة المداخلات النارية، ويؤدي إلى زيادة نشاط البركان، يختلط ذلك كله بالكم الهائل من الصخور الرسوبية ليتكون في هذا الجيب، لتتكون الجبال، وحينما تتكون السلسلة الجبلية فإنها تعمل تماماً كالمسمار الذي يخلط مادة القارة بقاع المحيط، وتمر هذه العملية بمراحل مذهلة للغاية، تبدأ بظهور جزر بركانية في قيعان البحار والمحيطات، وتظهر هذه الجزر، وهي قمم لسلاسل جبلية المتكونة فوق قيعان البحار والمحيطات، مثل: جزر هاواي، وجزر الفلبين، وجزر إندونيسيا… كل هذه الجزر عبارة عن قمم لسلاسل جبلية بركانية هائلة.

تصطدم هذه الجزر ببعضها لتنمو، ثم تصطدم بالقارة لتكون سلاسل جبلية، مثل جبال الإنديز في أمريكا الجنوبية، وقد تصطدم قارة بقارة، ويستهلك قاع المحيط بينهما بالكامل، كما حدث في جبال الألب، وهذه آخر مرحلة لتكوين السلاسل الجبلية، وهي المرحلة التي يتكون فيها أعلى القمم الجبلية، وعندها تتوقف الحركة تماماً، تظهر للقارات مساحات صالحة للحياة، لأنه لو استمرت هذه الحركة لا يمكن لتربة أن تتجمع ولا يمكن لنبتة أن تظهر ولا يمكن لطريق أن يرصف… ولذلك يمن علينا ربنا تبارك وتعالى في آيات كثيرة بإرساء الأرض بالجبال: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ( 32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } [النازعات: 32- 33]. وتذكر الآيات القرآنية الإرساء، وهي آيات كثيرة، فنقرأ مثلاً في سورة الرعد قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الرعد: 3]، وقال: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا}، فربط بين الرواسي والأنهار، لأنه لولا الرواسي ما كانت الأنهار، ونقرأ في سورة الحج قول الله سبحانه وتعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ } [الحجر: 19]، والربط بين الرواسي والإنبات أيضاً في سورة النمل، يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [النحل: 15]، وفي سورة الأنبياء يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } [الأنبياء: 31]… انظروا إلى قول الله تبارك وتعالى: { رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ}، والميدان هو الاضطراب، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث رائع في مسند احمد بن حنبل، يقول فيه: ( عندما خلق الله الأرض جعلت تميد فأرساها بالجبل )، أظن أنه لا يوجد وضوح أكثر من هذا…

وانتصاب الجبل على سطح اليابسة إنما هو من أعظم المعجزات، فالجبل بارتفاعه البسيط فوق سطح الأرض يندفع بنحو 10 – 15 ضعف هذا الارتفاع ليخترق الغلاف الصخري للأرض، ثم يطفو في هذه الطبقة، طبقة لدنة منصهرة عالية الكثافة عالية اللزوجة، فتحجبه بذلك قوانين الطفو، وهي التي تؤدي إلى انتصابها فوق سطح الأرض، ولولا هذا ما قام الجبل على الإطلاق، ولذلك فإن ربنا يشير إلى هذا في الآية: { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} [سورة الغاشية: 17-19].

 clip_image486أصل الماء هو من جوفها الشكل التالي يبين بركان يخرج منه بخار الماء يتساقط على شكل أمطار

ثالثاً-ألوان الجبال: نطالع في سورة فاطر إشارة لطيفة جداً، يقول فيها الحق تبارك وتعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } [فاطر: 27-28]. لماذا هذه الألوان ؟ لأن الغالبية العظمى من مادة غلاف الأرض إما مكونة من صخور جرانيتية يغلب عليها اللون الأبيض أو الأحمر بدرجات متفاوتة، أو صخور قيعان البحار والمحيطات وهي صخور داكنة سوداء يغلب عليها الحديد والماغنسيوم، وهذه حقائق لم يدركها الناس إلا في سنوات متأخرة للغاية، ويغطي ذلك بساط رقيق من الصخور الرسوبية ومن التربة، لكن الغالبية العظمى من الأرض بين هذه الألوان الثلاثة، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلفة ألوانها: هذه مادة القارات، وغرابيب سود هذه مادة قيعان البحار والمحيطات، والصخور التي تنطلق من فوهات البراكين، هذه أعظم تقسيمات للصخور.

رابعاً-حركة الجبال: الآية الأخيرة في هذه المجموعة هي آية حركة الجبال، ونقرأها في سورة النمل: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } [النمل: 88]، وهذه كناية لطيفة إلى دوران الأرض حول محورها أمام الشمس، إن كل الإشارات القرآنية إلى حركة الأرض عبارة عن إشارات تأتي في صياغة لطيفة لا تذهل ولا ترهب الناس في وقت تنزل القرآن الكريم، يفهم منها أهل العصور المتتالية منذ زمن التنزيل بقدر استطاعته، وتبقي الحقيقة القرآنية صحيحة، فكل إشارة إلى كروية الأرض، وإلى دوران الأرض، وإلى حركات الأرض المختلفة، إشارة لطيفة لا يفزع أهل البادية في وقت نزول القرآن الكريم منها.

خلاصة: هذه المجموعات الأربع من الآيات هي المجموعات التي تتعلق بالطبيعة العلمية البحتة للجبال، وهناك، كما أشرت، قضايا كثيرة أخرى عَرَضْتُ لها، أما بقية الآيات فلا يتسع المقام لتناولها، لأنها تخرج عن عنوان البحث وهو ” المدلول العلمي للجبال “، وأردت بذلك أن أؤكد على أن الإعجاز العلمي للقرآن حقيقة ثابتة لأن القرآن كلام الله الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته، وحينما يشير الخالق إلى خلقه لا بد أن تكون هذه الإشارات هي الحق المطلق الذي لا يمكن للعلم البشري مهما أوتي من أسباب الفتح أن يتجاوز هذا الفهم، ولذلك لو وعى المسلمون هذه الحقيقة لسبقوا غيرهم من الأمم في اكتشاف الكثير من سنن الكون وحقائقه، ولكن يبقى لنا دور مهم في الإشارة إلى هذه القضايا تثبيتاً لإيمان المؤمنين، ودعوة للمشركين والكافرين بأسلوب إثبات الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وهو من أعظم أساليب الدعوة إلى الله في عصرنا هذا. (…)

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

_________________________

* للراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة الموقع www.quran-m.com: بعنوان: (بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي

المدلول العلمي للجبال في القرآن كمثال) .

مصدر الصور : موقع الموسوعة الحرة http://wikipedia.org/