تركيبة الحمض النووي في القرآن الكريم

م. محمود قباني*

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحِمْضُ النَّوَوِيُّ في القرآن الكريم

قال الله عزّ وجلّ: (وفي الأرْضِ آياتٌ لِلْموقِنينَ * وفي أنْفُسِكُمْ، أفَلا تُبْصِرونَ)، (الذّارِيات:20 – 21).

– (اقْرِأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الّذي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الّذي عَلَّمَ بِالقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ)، (العَلَق: 1 – 5).

وهذه الآيات الكريمة هي أوّل ما أُنْزِلَ من “الوَحْيِ” على النَّبِيَّ الكريم “محمّد” صلّى “الله” عليه وسلّم، وهي تعطي الجواب لمن يتسائل عن “كيفيّة خَلْقِ الإنسان”, فتُبَيِّنُ أنّ “خَلْقَ الإنسان” تَمَّ من (عَلَق)، وتَحُثُّ مَن يريد أن يَعرِف أكثر أن “يَقرأ”. فالجواب الشّافي يكمُن في كلمة (اقْرَأْ) أوّل السّورة التي تخصّ قراءة “القرآن الكريم”، وكلمة (اقْرَأْ) الثّانية في الآية رقم “ثلاثة”، والتي تعني “البَحْثَ العِلْمِيَّ”: (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) و(عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)، فالآيتان المذكورتان والآيات التي تَلَتْها تربط “النَّصَّ القرآنيَّ” مع “العِلْمِ” الخاصِّ بـ “خَلْقِ الإنْسانِ” بشكل وثيق.

(الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآنَ * خَلَقَ الإنْسانَ * عَلَّمَهُ البَيانَ)، (الرّحمن: 1 – 4).

(سَنُريهِمْ آيَاتِنا في الآفاقِ وفي أنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الحَقُّ، أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهيدٌ)، (فُصِّلَت: 53).

وكذلك توجد في “القرآن الكريم” آيات كريمة تتحدّى “المشرِكين” و”مُنكِري أُلوهِيَّةِ رَبِّ العالَمين” أن يأتوا بكتابٍ أو دليلٍ عِلْمِيٍّ يُثبت ادّعاءاتِهِم. وهذا التَّحدّي يُثبت أنّ “الله” عزَّ وجلَّ قد قَدَّمَ الأدلَّة العلميَّة في كتابه الكريم، وإلاّ لَما طرح هذا التَّحدّي أصلاً. أمّا موضوع “التَّحدّي” فهو “الخَلْقُ” بقوله تعالى: (أروني ماذا خَلَقوا مِنَ الأرْضِ)، (الأحْقاف: 4). ومن البديهيِّ أن يكون “التَّحّدي الأكبر” يخصُّ “الكائِنَ الحَيَّ (الإنسان)” الذي خلقه “الله” عزَّ وجلّ من الأرض، وأنّ الأدلَّة العلميَّة على هذا “التَّحدّي” تَكْمُنُ في “القرآن الكريم”.

(قُلْ أرَأيْتُمْ ما تَدْعونَ مِنْ دونِ اللهِ أروني ماذا خَلَقوا مِنَ الأرْضِ أمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السَّماواتِ، ائْتوني بِكتابٍ مِنْ قَبْلِ هَذا أوْ أثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صادِقينَ)، (الأحْقاف: 4).

(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتوا بِمِثْلِ هَذا القُرْآنِ لا يَأْتونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهيراً)، (الإسْراء: 88).

(يا أيُّها النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعوا لَهُ، إنَّ الّذينَ تَدْعونَ مِنْ دونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعوا لَهُ، وَإنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذوهُ مِنْهُ، ضَعُفَ الطّالِبُ وَالمَطْلوبُ)، (سورة الحَجّ: 73).

وآيات “التَّحدّي” تُثبت الارتباط بين “القرآن الكريم” و”علوم الخَلْق”، فالذي يستطيع أن يأتي بمثل هذا “القرآن الكريم” يستطيع أيضاً أن يَخلُق “كائِناً حَيّاً” كـ “الذُّبابَةِ” مثلاً. وهذا دليل إضافيّ على أنّ سِرّ، أو عِلْم، خَلْقِ “الكائِنِ الحَيِّ” الأبرز، وهو “الإنسان”، يوجد في “القرآن الكريم” المُنْزَلِ من عند “الله” جَلَّ جَلالُه.

(وَإنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتوا بِسورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دونِ اللهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقينَ * فَإنْ لَمْ تَفْعَلوا وَلَنْ تَفْعَلوا فَاتَّقوا النّارَ الّتي وَقودُها النّاسُ وَالحِجارَةُ، أُعِدَّتْ لِلْكافِرينَ)، (البقرة: 23 – 24).

(أمْ يَقولونَ افْتَراهُ، قُلْ فَأْتوا بِسورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دونِ اللهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقينَ * بَلْ كَذَّبوا بِما لَمْ يُحيطوا بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْويلُهُ، كَذَلِكَ كَذَّبَ الّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمينَ)، (يونُس: 38 – 39).

(أمْ يَقولونَ افْتَراهُ، قُلْ فَأْتوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دونِ اللهِ إنْ كُنْتُمْ صادِقينَ * فَإنْ لَمْ يَسْتَجيبوا لَكُمْ فَاعْلَموا أنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وأنْ لا إلَهَ إلاّ هُوَ، فَهَلْ أنْتُمْ مُسْلِمونَ)، (هود: 13 – 14).

(وَفي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْموقِنينَ * وَفي أنْفُسِكُمْ، أفَلا تُبْصِرونَ)، (الذّارِيات: 20 – 21).

(إنّا نَحْنُ نَّزْلنا عَلَيْكَ القُرْآنَ تَنْزيلاً)، (الإنْسان: 23).

(نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أسْرَهُمْ، وَإذا شِئْنا بَدَّلْنا أمْثالَهُمْ تَبْديلاً)، (الإنْسان: 28).

أشار القرآن الكريم إلى تركيبة “الحِمْضِ النَّوَوِيِّ” الكيميائيّة، وإلى الشّكل الفيزيائيّ اللّولبيّ المزدوج لـ “سلسلة” هذا الحِمض، وذلك في آيات عدّة تناولت كيفيّة “خلق الإنسان”، حيث بيّنت هذه الآيات بوضوح أنّ الإنسان خُلِقَ من (طينٍ لازِبٍ)، و(صَلْصالٍ كالفَخّار)، و(تراب)، و(صَلْصالٍ من حَمَإٍ مَسْنونٍ)، و(الماء).

وسيتمّ فيما يلي، بإذن الله، عرض “التركيبة الكيميائيّة” “ونظام النسخ” “والشّكل الفيزيائيّ” لـ “الحِمْضِ النَّوَوِيِّ” ببعض التّفصيل:

1 – “التّركيبة الكيميائيّة” لـ “الحِمْضِ النَّوَوِيِّ” في “القرآن الكريم”

بدأ “الله” سبحانه وتعالى “خَلْقَ الإنسان” من “الطّين”، وهو “التّراب المختلِط بالماء”، وهذا المزيج يحتوي على كلّ العناصر اللاّزمة لتركيب “الحمض النّوويّ”، وهي: “الفوسْفاتُ” و”النَّيْتْروجين”، وكذلك “الكَرْبونُ” و”الهَيْدْروجينُ” و”الأوكْسِجينُ” اللاّزمة لـ “السُّكَّرِيّات”.

قال الله عزَّ وجلّ: (الّذي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وبَدَأ خَلْقَ الإنْسانِ مِنْ طينٍ)، (السّجدة: 7).

 الشّكل (1): السِّلسلة الكيميائيّة للحمض النّوويّ

 

قال الله عزَّ وجلّ: (وهُوَ الّذي خَلَقَ مِنَ الماءِ بَشَراً فجَعَلَهُ نَسَباً وصِهْراً، وكانَ رَبُّكَ قَديراً)، (الفُرْقان: 54).

ويحتوي “الحمض النّوويّ” على “الشّيفرة الوِراثِيَّةِ للإنسان” التي هي سبب الاختلاف بين البشر من حيث الشَّكل، واللّون، والصِّحَّة، والشَّخصيَّة. وقد تمكّن العالِمان “جيمس واطسون” و”فرنسيس كريك”، في منتصف القرن العشرين الميلاديّ، من اكتشاف الشّكل الأساسيّ لـ “الحمض النّوويّ Deoxyribonucleic acid (DNA)”، وهو “اللَّوْلَبُ المُزْدَوِج”، والذي أدّى إلى التّعرّف على الكثير من المعلومات حول كيفيّة تخزين وحِفظ “المعلومات الوراثيّة”، وكيفيّة نقلِها من جيلٍ إلى جيل. ويتكوّن “الحمض النّوويّ” من سلسلة من وِحدات كيميائيّة متكرِّرة تُسَمّى “النّْيوكْلوتيدات Nucleotides”، ويتكوّن كلّ “نْيوكْلوتيد” من ثلاث مكوّنات رئيسيّة هي:  “فوسْفات”، و”جُزَيْءُ سُكَّرٍ خُماسِيّ (دِيوكْسي رايْبوز)”، و”أحد القواعد النَّيْتْروجينيَّة G,A,T,C”.

أ –  الفوسْفات  (P):

يحتوي “التّراب” على موادَّ تشبه “الصَّلْصالَ” الذي يُستخدم في صُنع “الفَخّار”، وإن كانت لا تُستخدم في صناعة “الفَخّار”، لقول الله سبحانه وتعالى: (كالفَخّار). وهذه إشارة إلى “الفوسْفات” الذي يُستَخرَج من صخور “الأباتايت”  البركانية الاصل(Apatite)  التي تماثل “الصَّلْصالَ” المستخدَم في صناعة “الفخّار” عند سحقِها ومزجِها بـ “الماء”. والمعروف أنّ “فوسفات الكالْسْيوم” هو المُرَكَّبُ الأساسيُّ لـ “الأباتايْت”، وكذلك لـ “العِظام” في جسم الإنسان.

قال الله عزّ وجلّ: (خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالفَخّارِ * وخَلَقَ الجانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ)، (الرّحمن: 14 – 15).

وقال ايضا: (ولَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنونٍ * والجانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمومِ)، (الحِجْر: 26 – 27). (قالَ لَمْ أكُنْ لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنونٍ)، (الحِجْر: 33).

  شكل -2- معدن الاباتايت

 

الإعجاز هنا: إن “الأباتايْت” هو صخر بركانيّ “حَمَأ”, و”البِلّوراتُ” التي يتكوّن منها حادَّةُ الزَّوايا وكأنّها مَسْنونَة. كما أنّ “الرّقم الذَّرِّيَّ” لـ “الفوسفات” هو “15”، وذكَر “اللهُ” عزَّ وجلَّ “الحَمَأ المَسْنونَ” في السّورة رقم “15”.

 

ب- السُكَّرٍ الخُماسِيّ (سكَّر دِيوكْسي رايْبوز)” (C5H10O5) (Deoxy Ribose)

الشّكل (3): “دِيوكْسي رايْبوز”

  يتركّب ” سُكَّرُ دِيوكْسي رايْبوز” من خمسة ذرّات من “الكربون (C)” الموجود في “التّراب”، ومن عشرة ذرّات من “الهيدروجين (H)”، وخمسة ذرّات من “الأوكسجين (O)”، و”الهيدروجين” و”الأوكسجين” موجودان في “الماء”. ويرتبط “سُكَّرُ دِيوكْسي رايْبوز” في “”العمود الفَقَرِيِّ” لـ “سلسلة الحمض النّوويّ” دائماً مع “الفوسْفات”. و”المخلوقات الحيّة”، ومنها “الإنسان”، ما هي إلاّ عبارة عن “مُرَكَّباتٍ كيماويَّةٍ” أساسها “الكربون” و”الماء”، فيما “المصادر الغذائيّة” لـ “سُكَّرِ دِيوكْسي رايْبوز” هي “السُّكَّرِيّاتُ” المتوافِرة في “الفواكه” وغيرها.

وقد أشار القرآن الكريم إلى “السُّكَّرِ” في عدّة آيات، منها الآيات التّالية في سورة “النَّحْل”:

  • · سُكَّرُ الحليب (اللاّكْتوز): (وإنَّ لَكُمْ في الأنْعامِ لَعِبْرَةً، نُسْقيكُمْ مِمّا في بُطونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ ودَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبينَ)، (النَّحْل: 66).
  • · سُكَّرُ الفواكه (الفْروكْتوز): (ومِنْ ثَمَراتِ النَّخيلِ والأعْنابِ تَتَّخِذونَ مِنْهُ سَكَراً ورِزْقاً حَسَناً، إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلونَ)، (النَّحْل: 67).
  • · سُكَّرُ العسل (الفْروكْتوز): (وأَوْحى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ أنِ اتَّخِذي مِنَ الجِبالِ بُيوتاً ومِنَ الشَّجَرِ ومِمّا يَعْرِشونَ * ثُمَّ كُلي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً، يَخْرُجُ مِنْ بُطونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ، إنّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرونَ)، (النَّحْل: 68 – 69).

الإعجاز هنا: إنّ سورة “النّحْل” التي ذكر فيها السكر هي السّورة رقم “16”، وهي تقع بعد سورة “الحِجْر” ذات الرّقم “15” التي ذُكر فيها “الفوسفات”، أي أنّ الله سبحانه وتعالى يشير الى الرابط الكيميائي (chemical bond) لذرة الفوسفات مع جزيء “سُكَّرُ دِيوكْسي رّايْبوز” على سلسلة الحمض النووي عبر اتصال او تسلسل السورتين 15 و 16.

 

ج- القواعد القلوية  (النيتروجينية) (Nucleobases)

 إنّ “النَّيْتْروجينْ” هو أساس “القواعد القَلَوِيَّةِ  G,A,T,C(guanine, adenine, thymine, cytosine)” التي تشكّل العمود الفَقَرِيَّ لـ “سلسلة الحمض النّوويّ” ومصدر هذه القواعد هو “الأحماض الأمينِيَّةُ”، الأساسيّة والثّانويّة، الضّروريّة لحياة الإنسان. ويمكن لجسم الإنسان أن يُفرز”الأحماض الأمينِيَّةَ الثّانويّة”، أمّا “الأحماض الأمينِيَّةُ الأساسيّة” فلا يمكن لجسم الإنسان أن يصنعها، لذلك هو مضطرّ للحصول عليها من مصادر الغذاء، وخاصّة “اللّحوم”، لأنّها تحتوي على جميع أنواع “الأحماض الأمينِيَّةِ الأساسيّة (arginine ,histidine, isoleucine, leucine, lysine, methionine, phenylalanine, threonine, tryptophan, and valine)”.

وقد أشار “القرآن الكريم”، بطريقة ملفتة للنّظر، إلى أهمِّيَّة “الأحماض الأمينِيَّةِ الأساسيّة” الموجودة في “اللّحوم” لغذاء الإنسان، وخاصّة في مرحلة “تَكَوُّنِ الجنين” أثناء فترة الحَمْل، وذلك بإيراد ذِكر (الأنْعامِ) في وسط الآية التي تتكلّم عن “خَلْقِ الإنسان” و”مراحل الحَمْل”، وهي الآية التّالية: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعامِ ثَمانِيَةَ أزْواجٍ، يَخْلُقُكُمْ في بُطونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ في ظُلُماتٍ ثَلاثٍ، ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ، لا إلَهَ إلاّ هُوَ، فَأنّى تُصْرَفونَ)، (الزُّمَر: 6).

 وتأتي الآية الكريمة التالية لتؤكد ان المقصود بذكر “أزواج الانعام” هي “القواعد القلوية” في الحمض النووي في تعبير ملفت للنظر (يذرؤكم فيه) يعني يبذركم أو ينبتكم فيه (ذرأ الأرض : بذرها):

 (فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير), (الشورى :11)

ثمّ وصف “القرآن الكريم” هذه “الأنعامَ” بالتّفصيل بقوله: (ثَمانِيَةَ أزْواجٍ، مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ومِنَ المَعْزِ اثْنَيْنِ، قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أمّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ، نَبِّؤوني بِعِلْمٍ إنْ كُنْتُمْ صادقين * ومِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ ومِنَ البَقَرِ اثْنَيْنِ، قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أمِ الأُنْثَيَيْنِ أمّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ، أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ وَصّاكُمُ اللهُ بِهَذا، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، إنَّ اللهَ لا يَهْدي القَوْمَ الظّالِمينَ)، (الأنعام: 143 – 144).

وما ذِكر الله سبحانه وتعالى أنواعَ “الضّأْنِ” و”المَعْزِ” و”الإبِلِ” و”البَقَرِ” الأربعة إلاّ تشبيهٌ يَرمز إلى جزيئات “القواعد القَلَوِيَّةِ الأربعة G,T,A,C” التي تترابط فيما بينها على ضفتي الحلزون النووي دائما كأربعة ازواج. فالقاعدة A ترتبط دائما بالقاعدة T والقاعدةG  ترتبط دائما بالقاعدة C. وكذلك فإن العكس صحيح عندما تكون القواعد على الضفة المعاكسة للحمض النووي فترتبط T فقط مع A وترتبط C فقط مع G ولا يمكن للقاعدة A ان ترتبط بالقاعدة G أو ان ترتبط T مع C. وبذلك تصبح الأزواج الأربعة هي AT وTA و CG  و GC.

AT , TA = “الضّأْنِ” و”المَعْزِ”

GC , CG = “الإبِلِ” و”البَقَرِ”

clip_image611 clip_image612 

الشّكل (4): القواعد النَّيْتْروجينِيَّةُ الأربعة

 

 clip_image613 clip_image614

الشّكل (5): تَرابط “القواعد القلويّة” في “سلسلة الحمض النّوويّ”

 

أما المغزى من ذكر  ال )ظلمات ثلاث( المذكورة في الآية الكريمة التي تصف أزواج الانعام فهو ان نظام النسخ وتحويل مقاطع الحمض النووي الى البروتينات المتخصصة التي تؤلف الاعضاء المختلفة في جسم الإنسان انما تتم بقراءة وترجمة القواعد النيتروجينية كل ثلاث قواعد على حدة ووضعها على ثلاثة مواضع فارغة كانت مجهولة “او مظلمة” قبل تعبئتها بالقواعد الثلاثة. “النظام الثلاثي لشيفرة الحمض النووي” ” Triplet DNA Code” .  

وللزيادة في ايصال الفهم المناسب لدور والقواعد القلوية الاربعة في الخلق وإعادة الخلق ذكر الله سبحانه وتعالى قصة نبيينا ابرهيم عليه السلام عندما طلب منه معرفة الكيفية التي تتم بها اعادة احياء المخلوقات بعد الموت. ولما لم تتوفر لسيدنا ابرهيم العلوم والتقنيات والاجهزة التي تمكنه من رؤية الحمض النووي وهو يتركب او ينقسم ويتاكثر فقد ضرب الله له مثل هذه العملية التي كانت درسا له واعجازا علميا لنا بتشبيه “الطيور الاربعة” للقواعد القلوية الاربعة. فقال سبحانه وتعالى:

)وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( (البقرة:260)

 

2 – ترتيب النّْيوكْلوتيدات (Nucleotides) على سلسلة الحمض النووي المزدوجة:

ذَكر “القرآن الكريم” ترتيب “العناصر الكيماويّة” على “الحمض النّوويّ” المذكورة أعلاه عندما سأل: (مِنْ أيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)؟ ثمّ أجاب على السّؤال بأنّ الشّيء هو “النُّطْفَة”، (مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ)، وبيّن عناصرها من خلال رموز الطّعام، (فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ)، وشَبَّهَ انفلاقِ “حَلَزونِ الحمض النّوويّ المزدوج”، في “نَواةِ” الخليّة عند تكاثرها، بانشقاق الأرض، (ثُمَّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقّاً)، وشَبَّهَ استخدام “عناصر الأرض” لـ “إنبات الحَبِّ” باستخدام “السِّلسلة النّوويّة لذَرَّةِ الفوسْفات” كأساسٍ لربط “النّْيوكْلوتيدات”.

وذَكر “القرآن الكريم” كذلك تَرابط وتَكرار”السُّكَّرِ الخُماسِيِّ (دِيوكْسي رايْبوز)” مع “القاعدة النَّيْتْروجينِيِّة”، فقد كرّر ذلك بآيات متتالية تَذْكُرُ “السُّكَّرِيّات” الموجودة في “العِنَبِ” مع رمز “الأحماض الأمينيّة” الموجودة بـ “القَضْب” مثل “الخِيارِ والكوسا”، وكذلك “الزّْيتْونَ” و”النَّخْل”، و”الفاكِهَةَ” و”الأبّ” مثل”البُقول والحشائش”.

قال “الله” عزَّ وجلّ: (قُتِلَ الإنْسانُ ما أكْفَرَهُ * مِنْ أيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أماتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إذا شاءَ أَنْشَرَهُ * كَلاّ لَمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ * فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ * أنّا صَبَبْنا الماءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنا فيها حَبّاً * وعِنَباً وقَضْباً * وزَيْتوناً ونَخْلاً * وحَدائِقَ غُلْباً * وفاكِهَةً وأَبًّا * مَتاعاً لَكُمْ ولأنْعامِكُمْ)، (عَبَس: 17 – 32).

الإعجاز هنا: إنَّ ترتيب الآيات (ثُمَّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنا فيها حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وحَدائِقَ غُلْباً( يتطابق مع التّرتيب المَقْطَعِيِّ لـ “الحمض النّوويّ المزدوج اللَّوْلَبِيّ”، حيث يرتبط “الفوسْفات”، الممثَّل بـ “الأرض”، بـ “السُّكَّرِ الخُماسِيِّ (دِيوكْسي رايْبوز)”، الممثَّل بـ “العِنَب”، مع “القاعدة النَّيْتْروجينِيَّة”، الممثَّلة بـ “القَضْب”. ثمّ ترتبط “القاعدة النَّيْتْروجينِيَّةُ” المُكْمِلَة، والممثَّلة بـ “الزّيْتونِ”، مع “سُكَّرِ دِيوكْسي رايْبوز” الثّاني، الممثَّل بـ “النَّخْل”، ويرتبط “السُّكَّرُ” مع “الفوسْفات”، الممثَّل بـ “الحَدائِق”. وبتعبير أبسط حسب الآيات القرآنيّة والشّكل (5):

  الأرض – العِنَب – القَضْب …. الزَّيْتون – النَّخْل – الحَدائِق

=

فوسْفات – سُكَّرٌ خُماسِيّ – قاعدة نَيْتْروجينِيَّة  ….. قاعدة نَيْتْروجينِيَّة – سُكَّرٌ خُماسِيّ- فوسْفات

 

)وَاللَّـهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ¤ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا( (سورة نوح :17)

 

 3- نَسخ “الحمض النّوويّ”

إنّ عمليّة “تَكاثُر الخلايا”، التي تبدأ بنَسخ “الحمض النّوويّ” نفسه، تتمُّ كالتّالي:

 clip_image615الشّكل (6): نظام نسخ الحمض النووي

 

يعتمد “نظام التّكاثُرِ” في “الخليّة الحيّة” على مبدأ فَلْقِ “سلاسل الحمض النّوويّ المزدوج” في “النَّواةِ” إالى فَلقتين، وعمل نسخات متطابقة عن كلّ “سلسلة فرديّة”. فيقوم “نظام النّسخ” الخاصّ بـ “الحمض النّوويّ” بإرسال عدّة “بْروتينات “Proteins أو “إنزيمات Enzymes” للقيام بأعمال متخصِّصة مختلفة. ويتألّف “نظام النّسخ Replisome” من 3 مراحل: “البادِئَة, الإطالَة, الإنْهاء Initiation, Elongation and Termination”، ولكلِّ مرحلةٍ “الإنزيماتُ” الخاصّة بها. ويتمّ في “المرحلة الأولى” تحضير “السِّلسلة المزدوجة”، وتقسيمها إلى أجزاء، وفَتْحُها، ووضع فَلقات “الحمض النّوويّ” و”النّْيوكْلوتيدات” في وضع “الاصطِفاف”، لتسهيل عمليّة “النّسخ”. وتقوم “المرحلة الثّانية” بإحضار “المكوِّنات” المطلوبة، وإبعادِ “العناصرِ الغَيرِ مَعْنِيَّةٍ” بـ “النّسخ” من أجل تجنُّب الأخطاء. أمّا “المرحلة الثّالثة” فهي تختصّ بقراءة “تسلسل النّْيوكْلوتيدات”، وإنزال “المكوِّنات” المُكْمِلَةِ عليها.

وبشيءٍ من التّفصيل والشّرح لـ “النّظام”، فإنّه يقوم أولاً بإرسال “إنزيماتِ الغايْريز Gyrase” لتقطيع “سلسلة الحمض النّوويّ” إلى أجزاء صغيرة، تمهيداً لنَسخها، ثمّ يقوم “الإنزيم البادىء (البْرايميزPrimase )” بتعريف نقطة بداية “النّسخ”. ويلي ذلك مباشرةُ “بَوادىءِ نَسْخِ الرَّنا (RNA Primers) ” عملها بتنظيم “اصطِفاف الجُزَيْئاتِ” الموجودة على فَلقة “سلسلة الحمض النّوويّ” الجديدة، لتهيئتها لتَلَقّي “النّْيوكْلوتيدات” المُكْمِلَة، بينما يقوم “التّوبايْسوميراز  Topoisomerase” بإرخاء التفاف “الحَلَزونِ النّوويّ المزدوج” لتسهيل المَهَمَّة، كما يقوم “الهِليكاز Helicase ” بفَرْقِ “الحلزون النّوويّ المزدوج” إلى “سلسلتين مُتَوازِيَتَيْن”، “قائِدَةٌ” و”مُتَأخِّرَة”، تُسَمّى إحداهنّ “3′” والأخرى “5′”، بسبب عملهنّ على “ذَرَّتَيِ الكربون الثّالثة والخامسة” لـ “السُّكَّرِ الخُماسِيِّ” الموجود على كلّ طرف. أمّا “البروتينات” اللاّصقة، فتعمل على كلّ فَلقة من “السّلسلة” على حِدَة، وتدفع “الموادَّ الغيرَ مرغوبةٍ” بعيداً عن “الحمض النّوويّ”. ثمّ يقوم “إنزيمان” من “البوليميريز Polymerase” بقراءة “مكوّناتِ” كلّ “سلسلة”، ثمّ إلقاء “النّْيوكْلوتيداتِ” المُكْمِلَةِ على “النّْيوكْلوتيدات” الأساسيّة لكلّ “سلسلة” على حِدَة، وتصحيح “الأخطاء الإملائيّة”. ولكنّ الأمور التي تسير بيُسر على “السّلسلة القائدة” لا تسير بنفس اليُسر على “السّلسلة المتأخِّرة”، حيث الحاجة ماسَّةٌ إلى مجموعة “إنزيمات” اخرى لإنجاز العمل بسرعة أكبر للِّحاق بـ “السّلسلة القائدة”، فتتمُّ الاستعانة بـ”شظايا أوكازاكي Okazaki Fragments التي يتمُّ لَصقها بـ “إنزيم ليغيز  Ligase. وبعد ذلك يأتي “البوليميريز” لإكمال المَهَمَّة، بقراءة وتصحيح “النّْيوكْلوتيدات” المكمِلة على “السّلسلة الجديدة النّاشئة”، وتنتهي العمليّة بتلحيم “إنزيم لّيغيز” جميع “المقاطع المنسوخة” مع بعضها البعض.

وقد أشار “القرآن الكريم” إلى هذه العمليّة بعدّة آيات في سورة “الصّافّات”: (والصّافّاتِ صَفّاً * فَالزّاجِراتِ زَجْراً * فَالتّالِياتِ ذِكْراً)، (1- 3)، وفي سورة “المُرْسَلات”: (والمُرْسَلاتِ عُرْفاً * فَالعاصِفاتِ عَصْفاً * والنّاشِراتِ نَشْراً * فَالفارِقاتِ فَرْقاً * فَالمُلْقِياتِ ذِكْراً * عُذْراً أوْ نُذْراً) , (1 – 6).

وتفسير هذه الآيات انطلاقاً من مفهوم “نَسخ الحمض النّوويّ” يصبح أمراً منطقيّاً عند تشبيه “بروتينات النّظام النّاسخ” لـ “الحمض النّوويّ” بـ “الصّافّات” و”المُرْسَلات”. فـ (الصّافّاتِ صَفّاً) ما هي إلاّ وَصْفٌ لـ “بوادىءِ الرَّنا RNA primer” وغيرها، التي تنظِّم “وقوف”، أو “اصطِفافَ الجُزَيْئاتِ” الموجودة على “سلسلة الحمض النّوويّ” لتهيئتها لتلقّي “النّْيوكْلوتيدات” الجديدة المكمِلة. كما أنّ (الزّاجِراتِ زَجْراً) هي إشارة إلى “البروتينات” التي “تَطْرُدُ (تَزْجُرُ)” “الموادَّ الغيرَ مُطابِقَةٍ” بعيداً عن “السّلسلة”. وأمّا (التّالِياتِ ذِكْراً) فإنّها إشارة إلى “إنزيم البوليميريز” الذي يتلو، أو يقرأ، “النّْيوكْلوتيدات” الأساسيّة على “نظام النّسخ” لتتمَّ تكملَتُها بإضافة “النّْيوكْلوتيدات” المكمِلة.  

  clip_image616الشّكل (7): إضافة “النّْيوكْلوتيدات” إلى “سلسلة الحمض النّوويّ” 

 

وقد تناول “القرآن الكريم” “نظام النَّسخ” بتفصيل أكثر في سورة “المُرْسَلات”، فـ “المُرْسَلاتُ” تُرْسَلُ من قِبل “النّظام النّاسخ” لـ “الحمض النّوويّ”. وتتألّف هذه “المُرْسَلاتُ” من أحد نوعين: “النّوع الأوّل” متخصِّص بـ “نسخ السّلسلة القائدة”، ووظيفته واضحة وسهلة ومعروفة (عُرْفاً)، كما تمّ شرحه سابقاً في شرح آيات سورة “الصّافّات”. أمّا “النّوع الثّاني” فيتألّف من “إنزيمات” و”بروتينات” صغيرة الحجم تقوم بعملية مُعقَّدة لـ “نسخ السّلسلة” المتأخِّرة، فتتلائم تسميتها بـ “العَصف” (العاصِفاتِ عَصْفاً)، لأنّ الأشياء التي تعصِف تكون عادة سريعة الحركة وصغيرة الحجم. أمّا (والنّاشِراتِ نَشْراً) فهي تشبيه لـ “إنزيم الغايْريز” الذي يُقَسِّمُ “السِّلسلة” إلى أقسام صغيرة ليَسْهُلَ نَسخُها. و(الفارِقاتِ فَرْقاً) تشبيه لـ “إنزيمات الهِليكاز” التي تَفْرِقُ “السِّلسلة المزدوجة” إلى فِرْقَيْن. وكذلك فإنّ (المُلْقِياتِ ذِكْراً) تشبيه لـ “البوليميريز”، لأنّه يُلقي “النّْيوكْلوتيدات” المكمِلة ليتأكَّد من وجودها في مكانها الصّحيح على “النّْيوكْلوتيدات الأساسيّة”، (عُذْراً) في حال النّسخ الصّحيح، أو (نُذْراً )في حال “الأخطاء الإملائيّة” التي تُسَبِّبُ “الأمراض” و”التَّشَوُّهات”.

الإعجاز هنا: إنّ عمليّة “نسخ سلسلة الحمض النّوويّ” تتمّ دائماً بقراءة “البوليميريز” لـ “النّْيوكْلوتيدات الأساسيّة” التي يقع طرفها على “السِّلسلة الأساسيّة 3′”، وإنزال “النّْيوكْلوتيدات” المكمِلة عليها من طرف “السِّلسلة 5′”،. (الشكل (7). والملاحظ هنا أنّ الآية (التّالِياتِ ذِكْراً) هي الآية “الثّالثة في سورة “الصّافّات”، والآية (فَالمُلْقِياتُ ذِكْراً) هي الآية “الخامسة” في سورة “المُرْسَلات”.

   

4- “الشّكل الفيزيائيّ” لـ “الحمض النّوويّ” في “القرآن الكريم”

أ – الطّين اللاّزب

يمكن استخراج “الحمض النّوويّ” على شكل “سلسلة لَزِجَةٍ (لازِبَةٍ)” من أيِّ “خليّة”، “نباتيّة” أو “حيوانيّة” أو “إنسانيّة”، بسهولة، وذلك بنَزْعِها بواسطة “كيماويّات” بسيطة، مثل: “الصّابون” و”الكَرْبونات” و”الكُحول”، ويمكن عمل ذلك في “المختبر” أو حتّى في “المطبخ”، ولـ “الحمض النّوويّ” المستخرَج شكلٌ مميَّز، فهو مثل “خيطٍ سميكٍ” ذا “لُزوجَةٍ عالِيَة”.

قال الله عزّ وجلّ: (ولَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طينٍ)، (المُؤْمِنون: 12). وقال أيضاً: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا، إنّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طينٍ لازِبٍ)، (الصّافّات: 11).

  clip_image617الشّكل (8): استخراج “الحمض النّوويّ ” (اللَّزِج)

 

الاعجاز هنا: دقة تسمية الطين الذي خلق منه الانسان “بالسلالة” و “اللازب”

 

 ب – الأمْشاج

تحتوي كلّ “خليّة” في الجسم على “نَواة”، وداخل هذه “النَّواةِ” توجد عدّة “سلاسل” من “الأحماض النّوويّة” تُسمّى “الصِّبْغِيّات (الكْروموسومات)”، وهي تظهر تحت المجهر كـ “خيوط متشابكة (أمْشاج)”، و”القرآن الكريم” يَربط أهمِّيَّتَها بحاسَّتَيِ “السَّمْعِ” و”البَصَر”، في إشارة واضحة إلى أنّ هذه “الأمْشاجَ” تحتوي على “البرمجة الخاصّة” لهذه “الحواسّ”.

قال الله عزّ وجلّ: (إنّا خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَليهِ فَجَعَلْناهُ سَميعاً بَصيراً)، (الإنسان: 2).

  clip_image618الشّكل (9): “أمْشاجُ الصِّبْغِيّاتِ” في “نَواةِ” الخليّة

 

 الإعجاز هنا: دِقَّةُ تسمية “سلاسل الأحماض النّوويّة” داخل “النَّواةِ” بـ “الأمْشاج 

 

ج – “الشّكل اللَّوْلَبِيُّ” لـ “الحمض النّوويّ”

إذا تمَّ النّظر بدقّة أكثر إلى “سلسلة الحمض النّوويّ”، يتبيّن أنّ “الشّكل الفيزيائيّ الجُزَيْئِيَّ”، كما تمّ الإيضاح سابقاً، هو عبارة عن “لَوْلَبٍ حَلَزونِيٍّ مزدوج”. وقد ذُكر الشّكل “اللَّوْلَبِيُّ” أو “الحَلَزونِيُّ” في “القرآن الكريم” على أنّه أساس “بدء الخَلْق”. ولا يقتصر الشّكل “الحَلَزونِيُّ” على “بدء خَلْقِ الكون” أو “طَيِّ السّماء” فقط، بل هو ينطبق على جميع “المخلوقات” و”الظّواهر الطّبيعيّة” أيضاً والتي هي جزء طبيعيّ في هذا “الكون”.

قال الله عزّ وجلّ: (يَوْمَ نَطْوي السَّماءَ كَطَيِّ السَّجَلِّ لِلْكُتُبِ، كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعيدُهُ، وَعْداً عَلَيْنا، إنّا كُنّا فاعِلينَ)، (الأنبياء: 104).

والمعلوم أنّ “سِجِلَّ الكتب” الموصوف في هذه الآية هو “الرُّقاقَةُ الملفوفَةُ” ذات الشكل الحلزوني، وليس الكتب ذات الصّفحات المنفصلة والمجلَّدَة كالتي هي منتشرة اليوم. (الشكل 10)

 

 clip_image619  clip_image620

الشّكل (10): “الحَلَزونُ” في “اللُّفافَةِ الوَرَقِيَّة” وفي “الحمض النّوويّ”

  clip_image621الشّكل (11): الجنين “حَلَزونِيٌّ” مثل “المَجَرَّة”

 clip_image622الشّكل (12): الأشكال “الحَلَزونِيَّةُ” في “الكون”

 

 

 

  د – شكل العَجَل

(خُلِقَ الإِنْسانُ مِنْ عَجَل سَأُوريكُمْ آياتي فَلا تَسْتَعْجلونِ) (الأنبياء: 37)

عجلة: جدع النخلة ينقر ويجعل كالسلم فيصعد عليه إلى العلالي

   وفي الحديث حديث عبد الله بن أنيس :  (فأسندوا إليه في عجلة من نخل) ، قال القتيبي : العجلة درجة من النخل نحو النقير أراد أن النقير سوي عجلة يتوصل بها إلى الموضع ، قال ابن الأثير : هو أن ينقر الجذع ويجعل فيه شبه الدرج ليصعد فيه إلى الغرف وغيرها وأصله الخشبة المعترضة على البئر .1 

 

ألإعجاز هنا: هذه الآية تمثل اوضح وصف لحلزون الحمض النووي. فإن الوحدات الكيميائية “القواعد النيتروجينية” تبدو كالدرجات في “سلم” الحمض النووي

 

        clip_image623 clip_image624 clip_image625

الشّكل (13): درجات تسلق الشجر والآبار و”سلم” الحمض النووي

 

ألإعجازأيضا: أن كلمة “عجل” التي تعني ايضا “ألسرعة” تصف سرعة نسخ الحمض النووي في الانسان المؤلف من اكثر من ثلاث مليارات من الوحدات الكيميائية في مدة لا تتجاوز ثمان ساعات.

 

ه – “الإكْسونات” و”الإنْتْرونات” في “المُوَرِّثات”

إنّ “الصِّبْغِيّاتِ (سلاسلُ الحِمْضِ النَّوَوِيِّ في نَواة الخليّة الحيّة)” تحتوي على كلّ المعلومات اللاّزمة لتكوين “المخلوق الحَيّ”، كـ “الإنسان” و”الحيوان” و”النّبات”، وهذه المعلومات مُشَفَّرَةٌ بـ “لُغَةٍ كيمْيائِيَّةٍ” يُعَبِّرُ عنها ترتيب “النّْيوكْلوتيدات” على كلِّ “سلسلة”. وهذه “اللّغة” مُقسَّمة إلى “وِحْداتٍ كيمْيائِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ” تُسَمّى “المُوَرِّثات” أو “الجينات Genes”، وهذه “المُوَرِّثاتُ” مؤلَّفة من “وِحْداتٍ” أصْغَرَ تُسَمّى “إكْسونات Exons” و”إنْتْرونات Introns”. و”الإكْسونات” هي كـ “الكتابة التي لها معاني”، وتعمل على صُنع “البْروتينات” في “جسم الإنسان”، أمّا “الإنْتْرونات” فلا تُنتج أيَّ “بْروتينات”, لأنّها “فواصِل” بين “الإكْسونات” ذاتُ أهمِّيَّة لفهم “الإكْسونات” كما تُستخدم “الفواصِل” في “اللّغة” لفهم “العبارات اللُّغويَّة”. وهذه “الفواصل” موجودة في “القرآن الكريم” في نهاية كلّ “آية”، وذلك تسهيلاً لفهم مضمون “القرآن الكريم” ومواضيعه.

 

 clip_image626الشّكل (13): “الإكْسونات” و”الإنْتْرونات” في “المُوَرِّثات”

 

السؤال هنا: هل يحتوي القرآن الكريم على الشيفرة الوراثية للإنسان كدليل علمي قاطع ؟  (وللبحث تتمة)

(وَقُلِ الحَمْدُ للهِ سَيُريكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفونَها، وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلونَ)، ( النَّمْل: 93).

_____________________________________________________

* وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مراجعة المهندس الكيميائيّ الأستاذ محمود قبّاني

البريد الإلكترونيّ: kabbani.mahmoud@gmail.com

1-    http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=5328&idto=5328&bk_no=122&ID=5338

 أهَمُّ المَراجِع

 1 – Gardiner K. Human genome organization. Curr. Opin. Genet. Dev. (1995); 5: 315–322. )PubMed(

2 – National Center for Biotechnology Information, U.S. National Library of Medicine ,National Institutes of Health NCBI X-Chromosome  MapView:  http://www.ncbi.nlm.nih.gov/projects/mapview/maps.cgi?taxid=9606&chr=X

3 – Genetic in Medicine. Thomson, McInnes, and Willard