أباطرة هذا الزمان

د. مصطفى محمود (رحمه الله)*

 

لا تصدقني إذا قلت لك إنك تعيش حياة أكثر بذخًا من حياة كسرى، وإنك أكثر ترفًا من امبراطور فارس وقيصر الرومان، وفرعون مصر… ولكنها الحقيقة!!!

إن أقصى ما استطاع فرعون مصر أن يقتنيه من وسائل النقل كان عربة كارو يجرها حصان… وأنت عندك عربة خاصة، وتستطيع أن تركب قطارًا، وتحجز مقعدًا في طائرة!

وإمبراطور فارس كان يضيء قصره بالشموع وقناديل الزيت… وأنت تضيء بيتك بالكهرباء!

وقيصر الرومان كان يشرب من السقا، ويحمل إليه الماء في القرب… وأنت تشرب مياها مرشحة من حنفيات ويجري إليك الماء في أنابيب!

وهارون الرشيد كانت عنده فرقة موسيقية تعزف له في أوقات لهوه وفراغه… وأنت عندك مفاتيح الراديو توصلك إلى آلاف الفرق الموسيقية، وتحمل إلى أذنك المبهج والممتع من كل صوت وكل فن!

والإمبراطور غليوم كان عنده أراجوز… وأنت عندك تليفزيون يسليك بمليون أراجوز. وعندك السينما سكوب والسيزاما!

ولويس الرابع عشر كان عنده طباخ يقدم أفخر أصناف المطبخ الفرنسي… وأنت تحت بيتك مطعم فرنسي، ومطعم صيني، ومطعم ألماني، ومطعم ياباني، ومحل محشي، ومحل كشري، ومسمط، ومصنع مخللات ومعلبات، ومربات وحلويات! (…)

ومراوح ريش النعام التي كان يروح بها العبيد على وجه الخليفة في قيظ الصيف ولهيب آب، عندك الآن مكانها مكيفات هواء تحول بيتك إلى جنة بلمسة سحرية لزر كهربائي!

أنت إمبراطور, وكل هؤلاء الأباطرة جرابيع وهلافيت بالنسبة لك…

ولكن يبدو أننا أباطرة أغبياء جدًا… ولهذا فنحن تعساء جدًا برغم النعم التي نمرح فيها…

فمن عنده عربة لا يستمتع بها، و إنما ينظر في حسد لمن عنده عربتان… ومن عنده عربتان يبكي على حاله، لأن جاره يمتلك طائرة… ومن عنده طائرة يكاد يموت من الحقد والغيرة لأن أوناسيس عنده مطار… ومن عنده زوجة جميلة يتركها وينظر إلى زوجة جاره…

وفي النهاية يسرق بعضنا بعضًا، ويقتل بعضنا بعضًا حقدًا وحسدًا، ثم نلقي بقنبلة ذرية على كل هذا الرخاء… ونشعل النابالم في بيوتنا… ثم نصرخ بأنه لا توجد عدالة اجتماعية… ويحطم الطلبة الجامعات… ويحطم العمال المصانع… والحقد، وليس العدالة، هو الدافع الحقيقي وراء كل الحروب. ومهما تحقق الرخاء للأفراد فسوف يقتل بعضهم بعضًا، لأن كل واحد لن ينظر إلى ما في يده، وإنما إلى ما في يد غيره، ولن يتساوى الناس أبدًا.

فإذا ارتفع راتبك ضعفين فسوف تنظر إلى من ارتفع أجره ثلاثة أضعاف، و سوف تثور وتحتج، وتنفق راتبك في شراء مسدسات…

لقد أصبحنا أباطرة… هذا صحيح… و لكننا مازلنا نفكر بغرائز حيوانات…

تقدمنا كمدينة وتأخرنا كحضارة… ارتقى الإنسان في معيشته… وتخلف في محبته…

أنت إمبراطور… هذا صحيح… و لكنك أتعس إمبراطور…

_____________________

من بريد القراء، أرسله العميد المتقاعد حسان رستم، أمين عام اللجنة الأولمبية اللبنانية.