فوائد الصمت

م. محمد خير أبو خشبة*

47- العدد السابع والأربعون خريف 2018

 

أبحاث عديدة يجريها أطباء ومتخصصون في مختلف انحاء العالم لتحقيق صحة ذهنية للإنسان أفضل، ولمعالجة أنواع من الخلل الذهني، فقد بان الخطر الحقيقي للضجيج وأثره السلبي على الصحة من الناحيتين الصحية والنفسية. وقد أظهرت أبحاث عدة مؤخراً أهمية الصمت والتفكر بسكينة وصفاء، كما تبين أن للصمت فوائد ذهنية ونفسية وحتى طبية نذكر منها ما يلي:
يساعد الصمت الانسان على تكشف قدراته الدفينة، وهو مصدر لاستجماع القوة. فإذا كان يريح الأذنين من الضجيج فإنه يعين الانسان على استعادة صحته النفسية وتحسينها. فبفضل الصمت تنمو في الدماغ خلايا جديدة في منطقة الغدة المسماة “رأس الحصان” (Hippocampe)، وهي الغدة المسؤولة عن انتاج العواطف والمشاعر. وقد أظهرت دراسة أجريت عام 2013 أن ساعتين من الصمت كفيلتان بانتاج خلايا جديدة في منطقة الغدة المذكورة وهي الموصولة والمسؤولة عن التعلم والتذكر والعواطف والانفعالات.
متى يسود الصمت يتيح للدماغ فرصة الانتقال إلى وضعية “التنظيم وإعادة التنظيم”، بحيث ينشط في جمع المعلومات وفي فرزها. ويقوم الصمت بتفعيل الذاكرة، فينقل المعلومات المستجمعة في الذاكرة القريبة (القصيرة الأمد)، إلى الذاكرة الأعمق أي الطويلة الأمد، كما يحفّز الصمت ردود فعل الانسان فيصبح أكثر انتباهاً ووعياً وتركيزاً.
الصمت علاج طبيعي وفعال لمقاومة التوتر والإجهاد. فقد بيّنت دراسة صدرت عام 2006 أن دقيقتين من الصمت تكفيان لتخفيف التوتر من الجسم ومن الدماغ بشكل أفضل من سماع قطعة من الموسيقى. وذلك عبر انخفاض مستويات الكورتيزول والأدرينالين في الدم. وكل الناس بحاجة إلى مثل ذلك، فالصمت يهدئ الأعصاب ويخفف من ضغط الدم ويقلل بالتالي من خطر الإصابة بالذبحة الصدرية، كما يقوّي جهاز المناعة، ويعزز الافرازات الكيميائية في الدماغ لإنتاج خلايا جديدة.
فوائد إضافية للصمت :
بالصمت يصبح الانسان أهدأ، ويحفز الحدس عنده، يتعمق الانسان بدراسة نفسه ويتفهمها أكثر، فيتعرف على نقاط الضعف ونقاط القوة فيه، يتحسّن عنده الوعي والانتباه، وتتحسن قدراته على الابتكار والإبداع، يساهم في معالجة الصداع والصداع النصفي، يزيل السموم الذهنية كالأوهام والوساوس، ويزيد من القدرة على الصبر والحلم، يخفف من توتر العضلات، يوسع الأفق ويتسع لوجهات نظر أخرى، يخفف الطاقة المهدورة بلا وجه حق، ويساعد على اكتشاف وتحديد الأهداف برؤية أوضح، فيصبح المرء اكثر قدرة على اتخاذ القرارات، كما يعين الصمت على تنمية علاقات أصحّ وأفضل، ويطور الإرادة ويقويها، يساعد على تحقيق الانسجام والتناغم بين الروح والعقل والجسم، يجعل المرء يستمتع باللحظة التي يعيشها، ويبلغ مستوىً أعلى من الاستقرار العاطفي.
عوامل مساعدة للتدريب على الصمت:
أدع صديقاً لك يشاركك في نزهة في الطبيعة مشياً على الأقدام، على أن تتخللها فترة من الصمت دون تبادل أي حديث.
عند الاستيقاظ إبق في سريرك لمدة خمس دقائق قبل النهوض. فكر وتحرك بهدوء واشكر ربك خلالها على نعمة النوم والراحة والعافية والعمل، وتطلع إلى يوم مشرق مليء بالخير.
قم ببعض تمارين التنفس، مما ينشط لك الدورة الدموية ويرسل الدم إلى الدماغ وسائر الجسم.
تعلم التأمل أو الذكر ومارسه بصورة يومية، فإن فوائده كثيرة. بعد صلاة الصبح أغمض عينيك ونظّم تنفسك، واقرأ في سرك بعض الدعاء والآيات، ثم صلِّ على النبي عدة مرات، ثم عليك بلا إله إلا الله جهراً ثم سراً، حتى يمتليء قلبك راحةً وسكينة، ثم اقرأ الفاتحة وانصرف إلى أعمالك. ترى الأمور بشكل أصفى وأوضح وتنتظم عندك الأولويات، وتهدأ فيك الخواطر.

الصمت في الإسلام:
هل ذكر الصمت في القرآن؟ ورد الصمت في القرآن مراراً بصورة مباشرة وغير مباشرة، فمن الآيات الواضحة نذكر:
-[ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي (أمسكي عن الكلام) لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ {43}]،(سورة آل عمران.).
-[ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا {26}]، (سورة مريم).
-[ قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّاتُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا {10}]، (سورة مريم).
ومن الآيات التي تصف الصمت وأهدافه، نذكر قول الله تعالى:
{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعً اوَ خِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]. وقوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} [المزمل: 8] ومعنى التبتل الانقطاع عما سوى الله تعالى.
ومن خصائص الشيطان الضجيج وإلهاء العبد عن الصمت والتفكر بحاله ومصيره، كشفه الله تعالى لنا مخاطباً إبليس: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا } [الإسراء: 64].

ومن شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان طويل الصمت . وكان يقول: ” مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ” . ومن السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه، قال عليه الصلاة والسلام: ” وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ” .
وقد حضّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصحابه على الصمت وكفّ اللسان، قال لمعاذ بن جبل: ” ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ , وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ ” .
مرّة جديدة نرى أن الإسلام قد سبق العلوم بقرون وعلم الانسان ما لم يعلم. فالحمد لله رب العالمين.


*عضو منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
The Hidden benefits of silence by Suzanne Kane
https://psychcentral.com/blog/the-hidden-benefits-of-silence- /
http://www.thewisdompost.com/self-improvement/silence/top-21-outstanding-benefits-silence/1605
(ت) 2850 , (م) 286 – (670) , (س) 1358 , (حم) 20829، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه.
(خ) 5672 , (م) 47. عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه.
(خ) 1357 , (م) 1031، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(ت) 2616 , (جة) 3973 , (ن) 11394