اجتنبوا العشرة لتتجنبوا العثرة

الشيخ المحامي محمد أسد صفصوف*

العدد الخامس والخمسون من مجلة الإعجاز 2021

نشر “ترافيس برادبيري” في مجلة الفوربس بتاريخ 10/11/2015 مقالاً بعنوان “عشر شخصيات سامة ينبغي تجنبها بأي ثمن”، (1)حيث أفاد بأن الشخصيات السامة تتحدى المنطق، وأفاد بأن بعض هؤلاء غير مدرك تماماً لمدى تأثيره السلبي على محيطه، وأن البعض الآخر يستمد اكتفاءه الذاتي وسعادته عبر نشر الفوضى والتأثير السلبي في محيطه.
ومن الأهمية بمكان معرفة آلية التعامل مع مختلف أنماط الشخصية عموماً، فكيف إذا كانت الشخصيات السامة على وجه الخصوص تسبب توتراً وهدراً للوقت وللجهود المبذولة، لأنها تقوم بنسج تعقيدات غير ضرورية وبإقحام الناس في صراعات لا طائل لها، والأسوأ هو جلب التوتر على مستوى العلاقات الشخصية.
في هذا السياق يقول السيد هانس هانسن: (بعض الأشخاص يلهمك وبعضهم الآخر يغرقك، لذلك أحسِن اختيار الأشخاص الذين من حولك بحكمة).
وقد أظهر بحث من جامعة “فريدريش شيلر” الألمانية عام 2015، مدى تأثير الشخصيات السامة، حيث تبيّن بأن التعرّض أو التعامل مع الشخصيات السامة يسبب توتراً وقلقاً، يماثل التعرّض للتأثيرات التي تسبب عواطف ومشاعر سلبية جياشة.
بأي حال من الأحوال، سواء كانت علّة هؤلاء الأشخاص السلبية أو الوحشية، أو متلازمة الضحية، أو شيء من الجنون، فإن مختلف الشخصيات السامة بشكل عام تقود الدماغ لا محالة إلى مكان واحد وهو التوتر النفسي، وينبغي على الإنسان أن يتجنب هذه الشخصيات تماماً.
لا تزال نتائج الدراسات لجهة تأثير التوتر المباشر والسلبي على العقل، تتوالى طيلة السنوات الماضية.
ويفيد البحث أن مجرد التعرّض للتوتر لأيام قليلة كافٍ للتأثير على فعالية الخلايا العصبية في منطقة الإيبوكمبوس-“” Hippocampus من الدماغ ألا وهي المنطقة المولجة بالذاكرة والمختصة بالمنطق السليم.
ويضيف بأن التعرض للتوتر خلال أسابيع يسبب التلف في خلايا الدماغ، وأما التعرّض خلال بضعة أشهر فهو كفيل بتدمير هذه الخلايا بشكل دائم.
تجدر الإشارة إلى أن الشخصيات السامة لا يقتصر دورها على تغيير حياة الأشخاص المحيطين بهم فتتحول إلى مزرية فحسب، بل يتوغلون إلى أعماق عقولهم.
والجدير بالذكر، بأن قدرة الإنسان الفعال المنتج ترتبط بشكل وثيق بقدرته على إدارة عواطفه، وكذلك المحافظة على هدوئه، وعليه فإن “Talent Smart” قد أجرت بحثاً على أكثر من مليون شخص بيّنت أن 90% من الأشخاص المنتجين الفعالين ماهرين بالتحكم بعواطفهم في أقصى أوقات التوتر بغية المحافظة على هدوئهم والسيطرة على أنفسهم.
إحدى أهم المواهب بلا منازع هي القدرة على تحديد ذوي الشخصيات السامة والتعرّف عليهم وتمييزهم ثم القدرة على تجنبهم.
(قل لي من تعاشر أقل لك من أنت)، إذ من الدائرة الصغيرة التي تحيط بالإنسان تتكون ملامح شخصيته ودقائقها، وفي حال وجود شخصية سامة ضمن المحيط، سرعان ما سيكتشف المخالط مع الوقت كيف كانت الشخصية السامة حجر عثرة أمام تقدمه.ولتجنّب أصحاب الشخصيات السامة ينبغي بدايةً أن نميّزهم ونتعرّف عليهم، وتكمن الحنكة في القدرة على التفريق فيما بينهم لجهة تحديد المزعجين منهم، ومن هم أصحاب المزاج الموتّر والمراس الصعب، ومن هي الشخصيات السامّة على وجه الخصوص.

فيما يلي عشرة أنماط شخصية سامة ينبغي تجنبها والابتعاد عنها أو إبعادها بأي ثمن من الأثمان حتى لا يتأثر المرء منا ويتحوّل فيصبح واحداً منهم:
1. الثرثار النمام
يقول إليناور روسفلت: العقول العظيمة تناقش الأفكار، والمتوسطة تناقش الأحداث، والعقول الصغيرة تناقش الأشخاص، والثرثارون يستمدون لذتهم من عثرات غيرهم بحيث يبدو للوهلة الأولى أنه من المسلي والممتع أن يخوض الإنسان ويتوغل في خصوصية الأخرين، لكن مع الوقت يصبح الأمر متعباً جداً، بحيث تتضح نذالة الشخص وإيذاءه للآخرين. وفي آخر المطاف هنالك الكثير من الإيجابية في هذا العالم والكثير ليتعلمه الإنسان ممن حوله، عوضاً عن إضاعة الوقت وهدره في التحدث عن عثرات الأخرين.
2. المزاجي العصبي
بعض الأشخاص لا يملكون القدرة على التحكم بعواطفهم. حيث يُسقِطون مشاعرهم على الآخرين ويدور في أذهانهم بأن الآخرين هم السبب الأساسي لتعاستهم، ومن الصعب التخلص من الشخصيات المزاجية والعصبية ويعود ذلك إلى عجزهم عن السيطرة على عواطفهم مما يجعل المحيط حولهم يشعر بالحزن تجاههم.
وعند اشتداد الأزمات الشخصيات المزاجية العصبية لن توّفر البيئة المحيطة باستعمالها “كبيت خلاء عاطفي” إن صح التعبير حيث يعملون على إخراج كل المشاعر والعواطف والطاقة السلبية ليتم توزيعها على من حولهم، لذا ينبغي تجنبهم بأي ثمن.
3. الضحية
من الصعب أن تميّز الشخصية “الضحية”، حيث يتم التعاطف مع مشاكلهم في بادئ الأمر، ولكن بمرور الوقت يتضح بأن احتياجهم الدائم المزمن هو للوقت.
الشخصية الضحية تقوم بتصوير العثرات الصغيرة وتحويلها إلى جبال شاهقة لا يمكن المرور عبرها وتجاوزها.
لا تستطيع الشخصية “الضحية” أن تلاحظ بأن الأوقات الصعبة هي فرصة سانحة للنمو والتعلم والتقدم، بل على العكس من ذلك تماماً.
قديماً قيل:” لا مفر من الألم، لكن المعاناة أمر اختياري” حيث يقوم الشخص الذي يتسم بشخصية “الضحية” بالظهور بدور المعاني في كل مرة علماً بأن هذا قرار شخصي اختياري.
4. الغارق في حب نفسه
يحرص هؤلاء على المسافات بينهم وبين الأشخاص المحيطين بهم، ويقومون بجذبهم إلى الدرك الأسفل دائماً.
وبالإمكان تمييزهم بسهولة، لأنهم يشعرون المخالط بهم بالوحدة. وذلك من وجهة نظر الغارق في حب نفسه ولذلك تنتفي الغاية من تكوين ونسج العلاقات الحقيقية بينهم وبين أي شخص أخر. فهم يعتبرون بأن البيئة المحيطة بهم ليست إلا كناية عن أدوات لزيادة ثقتهم بأنفسهم فقط ليتمادوا في الغرق في حب ذاتهم.
5- الحسود
يرى أصحاب الشخصيات الحسودة أن الخير بعيد المنال عنهم، حتى عندما تتحقق لهم أمور إيجابية، فهم لا يشعرون بالسعادة، إذ سرعان ما يقومون بمقارنة وضعهم بعالمهم الخارجي وبالبيئة المحيطة بهم عوضاً عن استمداد الرضى من داخلهم.
ولنواجه الأمر فالحقيقة الدامغة مفادها بأن هنالك دائماً أشخاص يعملون وينتجون أفضل من أشخاص آخرين، لذا فإن تمضية الوقت الطويل مع الشخصية الحسودة مؤداها خطير للغاية، لأنها توحي إلى البيئة المحيطة بالشخصيات المنتجة بأن إنجازاتها ليست بذات بال وتعمل على تسفيه كل إنجاز وتحقيره.
6. المتحكم أو المسيطر
إن المتحكمين أو المسيطرين يستنزفون الكثير من الوقت والطاقة ممن حولهم وذلك بإسم الصداقة حتى بالإمكان أن يخدعوا من حولهم حيث يعاملونهم كأصدقاء.
يدرك المتحكمون أو المسيطرون خارطة الطريق تماماً، لا سيما لجهة ما يحبون، وما يجعل الشخص المحيط بهم سعيداً وما يعتقده فكاهياً، ولكن الفارق بأنه يستعملون هذه المعلومات برمتها كجزء من أجندة مخفية مستورة لديهم قوامها وأساسها التحكم بالأخر.
المتحكمون متطلبون دائماً وبالعودة السريعة إلى تاريخ العلاقة معهم يتبيّن بأنهم يأخذون ويأخذون ويأخذون المزيد وقلما تجد أي أثر للعطاء من جانبهم، هذا إن وجد.
بالنهاية سيفعلون أي شيء لينتصروا على الشخص المقابل ليتمكنوا من السيطرة عليه وتطويعه مجدداً.
7. الهدام
في مسلسل “هاري بوتر” الشهير هنالك شخصية “الهدام” وهي كناية عن مخلوقات شريرة تسحب أرواح الأشخاص من داخل أجسادهم، عندما تدخل هذه الشخصية إلى أي غرفة تصبح مظلمة ويشعر الماكثون بالبرد القارس ويسترجعون عندئذ أسوأ ذكرياتهم.
يقول “رولنغز ” أن مبدأ شخصية “الهدامين” تم ابتكارها حيث تستند إلى الأشخاص أصحاب الطاقة السلبية فوق العادية، وهم الأشخاص الذين فور دخولهم إلى الغرفة يمتصون روحانيتها عبر نشر الطاقة السلبية والتشاؤمية في كل الموجودين. ينظرون دائماً إلى النصف الفارغ من الكوب، وباستطاعتهم حقن الخوف والقلق على الذين من حولهم في أكثر الحالات.
أظهرت دراسة صادرة عن جامعة نوتردام بأن الطلاب الذين يخالطون زملاءً لهم يفكرون بطريقة سلبية ويتشاطرون حجرة المنامة الجامعية ذاتها، سرعان ما يكوّنون أفكاراً سلبية، تصل إلى درجة الإحباط جراء تلك المخالطة.
8. الملتوي:
هنالك نوع من الشخصيات السامة يبيّتون نيّات سيئة حيث يستمدون رضاهم وسعادتهم عبر آلام الآخرين وأوجاعهم وتعاسة الذين من حولهم. يقومون إما بالإيذاء أو يُشعرون من حولَهم بالسوء وذلك للاستحصال على غايتهم من الناس.
الأمر الوحيد الجيّد بنمط هذه الشخصية أنه يمكن تمييز نواياهم بسرعة، الأمر الذي يجعل عملية إخراجهم من حياتنا سهلة.
9. مصدِّر الأحكام
يصدرون الأحكام السريعة على كل الأمور، ولديهم القدرة على تحويل أكثر الأشياء التي يحبها الأشخاص المحيطين بهم إلى أكثر الأشياء كراهةً.
وعوضاً عن تقدير الأشخاص المختلفين عنهم والتعلّم منهم، يعمدون إلى مراقبتهم عن كثب. وهكذا فإن
مطلقي الأحكام يخنقون رغبة من يصاحبهم وحقّه في أن يكون شخصاً منطلقاً، شغوفًا ومعبِّرًا، ويبقى الحل الأمثل في أن يقطع الانسان علاقته بهم وأن يتصرف على طبيعته.
10. المتكبر أو المغرور
مصاحبة أصحاب الشخصيات المتعجرفة مضيعة للوقت، لأنهم يرون ما يقوم به الذين من حولهم بمثابة تحدٍ شخصيٍ لهم.
الغرور ما هو إلا ثقة مزورة بالنفس، وهي ثقة غالباً ما تكون مقنّعة، يكمن خلفها انعدام كلّي للأمان عند صاحبها.
أظهرت دراسة لدى جامعة “أكرن” بأن الغرور يترافق مع مشاكل جوهرية في مضمار العمل، فالشخصيات المغرورة قليلة الإنتاج عموماً، ومعارِضة على وجه الدوام، كما أن لدى أصحاب هذه الشخصيات مشاكل في الإدراك أكثر من الأشخاص العاديين.

كيف تحمون أنفسكم فور لقائكم بهم؟

قد يدفع أصحاب الشخصيات السامة بعض الناس إلى فقد الأعصاب، لأن سلوكهم غير منضبط، ويتنافى مع المنطق السليم، وينبغي على المرء عدم الرد عليهم تجنباً للغوص في أية تعقيدات.
وكلما كان الشخص يعاني من سلوك متفلّت كلما كان من السهل على الأشخاص المحيطين به عدم الوقوع بكمائنه، فينبغي عدم محاولة الانتصار عليه في ملعبه، فهو سيد في الساحة التي يجيدها ويتقنها، وتلك هي لعبتهم في آخر المطاف.
ينبغي على المحيطين بالشخصية السامة أن يُبقوا على قدْرٍ من المسافة العاطفية بينها وبينهم ، (عدم التأثر بما تصوّره لهم)، وتنبغي مقاربتها والتفاعل معها على أساس أنها “بحث علمي”، وليس عليهم أن يردوا على الفوضى العاطفية التي تثار من قبلها، ولا ينبغي التجاوب إلا مع الحقائق الدامغة القطعية دون العاطفية منها.
وتتطلب المحافظة على المسافة العاطفية بعيداً عنها وعياً ومعرفةً، وإلا فإن هذه الشخصية قادرة على الاستفزاز والإيذاء وإثارة الفوضى، ما لم يقم الشخص المتضرر باستعادة زمام الأمور واستجماع قوته وإيجاد طريقة للتخلص من التأثيرات السلبية والمضي قدماً في حياته ومشاريعه. ولا ضير من صرف بعض الوقت والجهد لتعلم طرق التخلص من الشخصيات السلبية ومن حبائلها.
وقد يظن البعض أنه من الصعب التخلص من عبء هذه الشخصيات التي تعيش معهم أو إلى جانبهم، لكن الأمر يصبح سهلاً ما أن يعرف كيف يكشفها، فإنه يصبح أقدر من ذي قبل على فهم سلوكيات الشخصية السامة، وأكثر استعداداً لتدارك أذاها وخطرها.
وبمجرد تحديد الشخص السام، يصبح المرء جاهزاً للتفكير بعقلانية حول متى وأين يتعين عليه تحمّله، ومتى وأين عليه أن يضع له حداً. وتفقد الشخصية السامة المبادرة متى تم التصرف بوعي واستدراك، وهو أمر جيد ولا داعي للخوف من القيام بهذا الأمر وستجد الشخصية السامة نفسها مضطرة لتقبل الأسلوب الجديد في التعامل معها ولو على مضض.
أما إذا تُرِكت الأمور على طبيعتها، فإن العلاقات والأعمال سوف تزداد توتراً وتورطاً وصعوبة. وإذا رسم المرء حدوداً للشخصية السيئة، وقرر كيفية التعامل معها بالأسلوب والزمان والمكان المناسبين، فإنه يضع حداً للكثير من الفوضى، كي تستقيم الأمور، ولا مناص من التمسك بهذا القرار والتشدد في المحافظة على الحدود الجديدة، وخاصةً عندما يحاول الشخص المسيء عبورها، وغالباً ما يحاول.
بناءً لما تقدم وما ورد في متن المقال المترجم، نعم فرّوا! فرّوا بنقائكم، بصفائكم، بطاقتكم الإيجابية، فهي كنوز لا تقدّر بثمن ولا تعوَّض.
إن هذه الشخصيات السامة هي ثمرة ونتيجة طبيعية لبيئة سامة، لم تذق طعم التربية الإنسانية، ولا معنى عندها للأخوّة ولا للتضحية ولا للبذل ولا للإيثار، إنها قيَم تُعلّم منذ نعومة الأظفار، وتُراقَب وتُوجَّه في مرحلة الصبا، وهذه الشخصيات تعيث فساداً وأذىً في الأرض، وقد ذكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هذا الأمر في حديثه الشريف فقال:” إن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم” (2). وفي هذا الحديث إشارة إلى احتمال الأذية جراء المخالطة وهذا ما نراه جلياً في الشخصيات السامة التي أسلفنا ذكرها.
ولذلك على الإنسان منا أن يكون على دراية بمن يخالط ويجالس، مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء: كحامل المسك إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبةً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا منتنةً” (3)
ولا بد من التنويه أنه ليس في هذا الدين لا تنسّك ولا عزلة عن الناس ولا استسلام، فلا يرتحل المرء منا هرباً، ولا يأوي إلى كهف تجنباً للناس، بل على العكس، فإن الكهف اليوم وغار حراء اليوم هو قلب الإنسان، ولا بد من الفصل بين الحياة العامة وما فيها من مشاغل ومشاكل، وبين الحياة الخاصة وما فيها من تعبدٍ وشفافيةٍ وطمأنينة، قالت رابعة رحمها الله:
فالجسمُ مني للجليسِ مؤانسٌ وحبيبُ قلبي في الفؤادِ أنيسي
وجلّ ما في الأمر أن يحسن المرء انتقاء الأشخاص الذين سيحيطون به فهم صورة عنه وهو صورة عنهم.
والوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة ولذلك أدرسوا خياراتكم بطريقة علمية وعملية وواعية فإن في اجتنابكم العشرة تجنب للعثرة، يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} (سورة التوبة-119). صدق الله العظيم.


*الشيخ المحامي محمد أٍسد صفصوف، أمين سر منتدى الإعجاز.
المصادر:
(1) مجلة الفوربس بتاريخ 10/10/11/ 2015 10 Toxic People You Should Avoid At All Costs (forbes.com)
(2) أخرجه إبن ماجه وأحمد بإختلاف يسير، والطبراني في المعجم الأوسط والبيهقي واللفظ لهما
(3) عن أبي موسى الأشعري، متفق عليه.

كونوا أبناء وقتكم وسادة عصركم

ع. د. محمد فرشوخ

الكلمة الأخيرة في العدد الخامس والخمسون 

عاد الحكيم من سفر، بعد أن طال الشوق المتبادل بينه وبين طلابه، وما أن أُعلِن عن موعد اللقاء حتى تداعى الأحبة وتهاتفوا، فامتلأت القاعة وكثر الذين لم يجدوا مقاعد لهم فاستندوا إلى الجدران وافترشوا الزوايا، عدا عن المسافرين والمهاجرين الذين تناقلوا الرابط الذي سينقل لهم وقائع الجلسة بثاً مباشراً.
دخل المربي فوقف الحضور له إجلالاً رغم نهيه عن أن يقف له أحد، بينما كان عدد من أصحاب الصوت الشجي، ينشدون مديحاً محبباً مطلعه “بدر من طيبة تجلّى” ولازمته “الله جليل”.
جلس الجميع وأطرق المربي متفكراً أو ذاكراً حتى ختم المنشدون، فاستفتح وسلّم على الجمع ثم قال: “كان مجلس الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله يبدأ بالإنشاد وكان للمنشدين منصة خاصة في جانب المسجد، حتى إذا هدأت النفوس وذكرت القلوب ونزلت السكينة ينطلق الشيخ في وعظه وإرشاده”. ثم دخل الحكيم في الموضوع، فقال:
دخلنا عصراً جديداً غريباً كان مشايخنا رحمهم الله يخبروننا عن قدومه ويحذروننا من الاستهانة بخطره، وعن الوقوع في شراكه، ويوجهوننا عن طرق النجاة والخروج منه بسلام.
كنا نظنه بعيداً وإذ به يطرق أبوابنا بأسرع مما توقعنا. اجتمعت فيه فتن كثيرة لا ينجو منها إلا الموفقون، والهلكى من أثرها كثيرون.
أول فتنة بدأت كانت تطبيقاً عنيفاً سيئاً ومتعمداً للشرع الحنيف، بدأه متشددون وشجع عليه الغرب كله وقدم له التسهيلات وغطاه بالدعايات والمنشورات والإعلانات، جذبت شعاراته البراقة شباباً يافعاً متحمساً من كل الأقطار، ظنوا أنهم الرعيل المنقذ والشرارة الأولى لظهور الإسلام من جديد، وكانت نتائجه مدمرة لمدن إسلامية كانت آمنة، وهجّر على أيديهم أو بسببهم ملايين المسلمين، وأعطت الرأي العام العالمي أسوأ فكرة عن الإسلام وقرنته بالإرهاب، ثم تمت التضحية بالشباب الذين غُرِّر بهم، حيث تمت تصفية الآلاف منهم بمجازر تقشعر منها الأبدان وصاروا يصيدونهم من الطائرات كصيد الغزلان.
ثاني فتنة أطلقت واستناداً إلى المآسي والويلات التي جرّتها الفتنة الأولى كانت التفلّت من الدين بأسماء لمّاعة مثل “حرية الاعتقاد وكسر الأغلال” والاستجابة لرغبات النفس وإرضاء شهواتها. فظهرت الدعوات للمثلية وللأم العزباء ولاستعارة الأرحام ولاختيار النطف من بنوكها وصارت السخرية من الآباء أضحوكة وإهمال الوالدين في كبرهما عادة ووجدوا لزنا الأزواج تبريراً، وانفرط عقد عائلات كثيرة وصارت مسألة الشرف تقليداً بائداً.
إلى أن استكملت هذه الفتنة بضرورة عصرنة الدين وإعادة النظر بأصوله وفروعه، إذ لا يعقل (بنظر أسيادهم المستشرقين) الاستمرار بتطبيق شرع لم يتطور منذ 1400 سنة، وحمل لواءها عرب ليت أمهاتهم لم تلدهم.
ثم جاءت الفتنة الثالثة، وهي تشجيع المسلمين على الهجرة إلى اصقاع العالم “المتحضر” نظراً لحاجة هذا العالم إلى عنصر الشباب واليد العاملة والأدمغة الذكية الواعدة. ثم صارت الهجرة قسرية بالعنف والإرهاب حتى خلت مدن المسلمين من سكانها وتخلفت وافتقرت وصار عدد من أحيائها قاعاً صفصفاً، فعاث الفاسدون فيها عبثاً وسلباً وقتلاً واغتصاباً. حتى ان فكرة التغيير الديمغرافي لهذه المدن صارت فكرة رائجة، فجرى ويجري إحلال أقوام رعاع، جلبوا من عدة أصقاع، مكان السكان الأصليين.
ثم جاءت الفتنة الرابعة وهي فتنة الإفقار المتعمد، فما من بلد إلا ويعاني من العجز المالي وضعف في الدخل القومي والمديونية العالية. إلى أن تحين فرصة الانقضاض على ثرواته وعلى سيادته، بحيث يتم إملاء الشروط والتحكم بالرقاب.
ثم أتت الفتنة الخامسة وهي نشر الوباء، قيل إنه كان يستهدف الشعوب الفقيرة المغلوبة على أمرها لكن زمامه أفلت قبل ان تنجز أبحاث الوقاية منه، فأصاب الجناة والضحايا على السواء. وكان من أبرز نتائج هذه الفتنة على المستوى الديني والاجتماعي التباعد وتفريق الجماهير وإقفال المساجد وتقييد صلوات الجماعة ووقف مجالس الوعظ والإرشاد. وصار التجمع للتظاهر صعباً والمطالبة بالحقوق مستحيلة. بينما فتحت المقاهي والملاهي واستؤنفت المباريات الرياضية وحشدت الجماهير بلا قيود.
لن أكثر من سرد المزيد من تفاصيل ما يعدّه لنا “المتحضرون”، واكتفي بإضافة عنوانين هامّين، أحدهما تقليص عدد سكان الأرض وجعلها جنة للأغنياء تسود على قلة من العبيد وذلك اعتباراً من العام 2030، والثاني هو إعداد الشرق الأوسط وبلاد شمال أفريقيا، لاستقبال الشعوب الأوروبية النازحة من بلادها بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، ودخول أوروبا في العصر الجليدي، وجلّ سكان هذه المناطق عرب مسلمون، يحتار الغرب في طرق الإقلال من أعدادهم وطرق التخلص منهم، فلا يستغربن أحد بعد اليوم ظاهرة انحلال هذه الدول وهلهلة الأنظمة الحاكمة وزعزعة الجيوش فيها.
أردف الحكيم قائلاً: ربما أكثرت عليكم نوعاً ما، لكني لا أبالغ وما سبق ذكره ليس من كلامي ولا من أفكاري، إنها من تصريحات الغرب وتسريباته وأخباره وأبحاثه ونقاشاته، وقد ظهرت صحة أكثرها ونرجو ألا يتحقق ما خفي منها، لكن (سوء الظن من حسن الفطن) كما قال سيدنا عليّ رضي الله عنه.
هل نقف مكتوفي الأيدي كالغنم بين يدي الجزار؟ او نتغافل عما يجري ونكذبه ونستخف به ونستسخفه كالنعامة تدفن رأسها في الرمل ظناً منها أن الصياد لن يراها؟
بالطبع لا هذه ولا تلك، فالمبدأ الأول هو ألا نيأس ولا نفقد الأمل، فتاريخنا كله صمود أمام مؤامرات وغزوات باءت بالفشل لأنها قوبلت بالإرادة الصلبة والشجاعة والدفاع عن الحق والعدل، ومن لا يجرؤ ويُقدِم لا ينتصر ولا يجني. ومن يتخاذل مصيره إلى الذل ثم الزوال.
والمبدأ الثاني أن الذي يظن أن شياطين الأرض قد أطلقت أيديهم ليعيثوا فساداً، فقد غرق في الوهم ونسي أن الأرض أرض الله وأن الخلق خلق الله وان الله تعالى يحب عباده ولا يرضى لهم الظلم ولا الاستعباد ولا الفناء. وسيذهب ما ينفق الظالمون سدىً، فقد قال عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦)﴾ [الأنفال].
المسألة مسألة وعي والتزام، أن نعيَ ملابسات ما يجري ونتحرّى الحقائق وأن نحرّك عقولنا فنفقه ونلتف على حيل الشياطين لا أن نستسلم لتدابيرهم، فنعمل على تحقيق التواصل ولو عن بعد في مرحلة أولى، فلا تتوقف اللقاءات ولا مجالس العلم ولا الندوات، حتى أن بعض أهل الفقه ممن نور الله قلوبهم أفتوا بصلاة التراويح عن بعد وكذلك في صلوات التهجد وقيام الليل، في وقت عجز آخرون عن الالتفاف وما فقهوا فتاوى الضرورات في الظروف القاهرة، فقعدوا عن الاجتهاد وصاروا كالمستسلمين.
وأما الالتزام فمعناه عدم المس بمسلمات هذا الدين والتمسك بالعقيدة وبالأحكام فلا تغيير في الفرائض ولا في النوافل ولا حتى في الآداب. ولا يحيد أحد عن شرع الله قيد أنملة، فلا بديلَ عن الزواج ولا حَمْلَ خارجه، ولا سبيل إلى التبني، ولا تعديل في أحكام الإمامة ولا تعديل لكلام الله تعالى ولا تبديل ولا إنقاص ولا زيادة، ولا سبيل إلى إعادة النظر بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد انتهى تحقيق علم الحديث وتدقيقه منذ قرون، وكلّ طاريءٍ عليه ومنتقدٍ له ومغيّرٍ في أصوله إنما هو فتّان مغرور مريض، أو منافق أجير.
قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتن الآتية، وأمرنا أن نبادر بالأعمال الصالحة لكي نثبت فقال: «بادروا بالأعمال فتنا ‌كقطع ‌الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا».
لا تهيجكم الشعارات ولا تتحولوا إلى جماعات يقاتل بعضكم بعضاً، فالفقر عام والجوع شائع، ولن يفرقا بين المسلم وغير المسلم فكلنا مواطنون وكلنا مستهدفون، ويكفي وطننا ما جنى من قتل ودمار وفساد وخراب، وها قد آن أوان الوعي والتكاتف والعمل الصالح والجهد المثمر والكلمة الطيبة وجبر الخواطر وإطعام الجائع وإسعاف المريض مهما كان دينه ومذهبه وعقيدته أو بيئته. وسيدافع الله تعالى عن الذين آمنوا، وعن الفقراء والمظلومين مسلمين وغير مسلمين، ولن ينفع الكافرين مكرهم، قال تعالى: ﴿‌وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠)﴾ [الأنفال].
ووعد عليه الصلاة والسلام بالأجر العظيم لمن يصبر ويصمد ويلتزم فقال: «المتمسك بسنتي ‌عند ‌فساد ‌أمتي له أجر شهيد» .
وذكر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ان أجر الصابر في تلك الأيام كأجر خمسين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع العوام، فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم»، قيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلا ‌منا ‌أو ‌منهم. قال: «بل أجر خمسين رجلا منكم».
ختم الحكيم مقالته بقوله: أيها الأحبة، ربنا حكيم عليم، لا يضل ربنا ولا ينسى، أروا الله استقامةً وثباتاً ومحبةً وإيثاراً وسلاماً وتعقلاً، واجتنبوا العنف والعصبية والجاهلية والطائفية والمذهبية، والعلي القدير يتربص بالظالمين أعداء الانسانية، قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ ‌لَبِالْمِرْصَادِ (١٤)﴾ [الفجر].ومن استمسك وثبت نودي كما نودي سيدنا موسى عليه السلام: ﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ ‌إِنَّكَ ‌أَنْتَ ‌الْأَعْلَى (٦٨)﴾ [طه]. وقال لسيدنا محمد  : ﴿‌فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (٤٤)﴾ [الزخرف]. إنكم ترجون من الله ما لا يرجون، والأمر أقرب مما تتوقعون، ومن يعش يرَ. فالعاقبة للمتقين. وصلى الله على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين.


[2] «المعجم الأوسط» (5/ 315) عن أبي هريرة

[3] «سنن الترمذي ت شاكر» (5/ 257) عن أبي ثعلبة ‌الخشني.

بأيدينا.. أضعنا 77 ألف كلمة

أ.عواطف العلوي* العدد الخمسون صيف 2019 -50 في إحدى مقالاتي عن اللغة العربية، طرحت تساؤلا لطالما شغل تفكيري: ألا تلاحظون أن لغتنا باتت ضعيفة رغم انتشار المدارس، بينما كانت أقوى في زمن الأمية و«الكتاتيب»؟ لم أتمكن من وضع يدي على … Continue reading

التعامل مع مواقع التواصل

العميد الدكتور محمد فرشوخ

الكلمة الأخيرة من العدد السابع والأربعون 47 خريف 2018

لاحظ الطلاب المتوافدون أن أستاذهم الحكيم قد سبقهم إلى القاعة، فالتزموا الهدوء وساد جوٌ من السكينة والوقار، ثم خرق الصمت فجأة رنين جوّال أحدهم بنغمة موسيقية راقصة تبعتها كلمات لمغنية ماجنة، أصابت حامل الجوال بإرباك شديد؛ عالج الحكيم الموقف بابتسامة خفيفة فرجت اسارير الطلاب واستعاد الحاضرون هدوءهم وسكينتهم.
كان المشهد كافياً ليغتنم الحكيم الفرصة وينطلق إلى مشكلة العصر الأولى: كيفية التعامل مع مواقع التواصل، قال:
كان السلف الصالح يتأهبون ويحذرون، كلما بدت ظاهرة جديدة او اكتشاف او حتى علم جديد، يعرضون ذلك على كتاب الله وعلى هدي رسول الله، ثم على العقل والمنطق، فإذا وجدوا فيه خيراً لدينهم أو دنياهم أقروه واعتمدوه. وإذا وجدوا فيه ما يخالف شرع الله أو ما يحرف عن دين الله، أو ما يلهي الناس عن ذكر الله، حذروا منه وكرّهوا فيه حتى انهم كانوا يُصدِرون الفتاوى إذا ما اضطروا لنهي الناس عن الانغماس فيه والسعي إليه.

فكيف لو يروا الذي حل بالناس في هذه الأيام؟

صبية وصبيات يحملون الموبايلات، هاتف خاص لكل فتى وفتاة، موصول على الانترنت يتصل عبره بمن يشاء من الصين إلى الولايات. يسامرونه ثم يغازلونه ثم يتحرشون به ثم يستغلونه.
صبية موصولون بشياطين الأرض يشرِكونهم في ألعاب بريئة الظاهر خطيرة لدرجة تدفع الصبي إلى الانتحار.
أطفال أعمارهم بين السنتين والثلاث سنوات، يتلقون لوحة ذكية، كهدية، تسمى الآي باد، تدمر شخصية الطفل وتتلف بصره وسمعه، تعزله عن أهله وأقرانه، وتفتح له أبواب الشيطان وأعوانه، إلى أن يصبح مدمناً، وتقتصر اهتماماته على الألعاب والأغاني، ثم تراه بعد بضع سنوات، يتآلف مع ألعاب الحروب والقتل وسفك الدماء، وعندما يصل إلى سن المراهقة يصبح بحاجة للمعالجة النفسية من شدة التوتر والعصبية.

أين الآباء وأين الأمهات؟
هم أيضاً في مأزق لا بل في غيبوبة، يحملون هواتفهم الذكية من غرفة إلى غرفة لا يتخلون عنها لا عند الطعام ولا عند المنام وحتى في الحمام. فرحين انهم انفتحوا على العالم ونسوا انهم صاروا هم أيضاً ضحية، إعلام يغزوهم في عقر دارهم، يغسل ادمغتهم ببطء، يغير عاداتهم ويتلاعب بمعتقداتهم، يعرّفهم على الحياة المترفة، فيروا حياتهم مقرفة، لم تعد تعجبه زوجته، ولا ترضيه ابنته، يريدهم ان يتصرفوا كالمشاهير مشيةّ ولباساً وحديثاً ولغةً ولكنةً.
صار يصوّر للناس ويكتب: أين سهرنا وأين تعشينا وماذا أكلنا وكيف لبسنا ورقصنا وغنينا. ذاك صار مقياس الحضارة والسعادة.
أما الزوجة والأم فقد ألهاها ما يجري في العالم عما يجري في بيتها ومع أولادها ومع خادمتها فصارت الخادمة سيدة البيت والسائق هو الخافق الرافق. ولم يعد تعليم الأولاد همها الأول ولا الطعام الصحي مشكلة، فالوجبات السريعة جاهزة، وتصل إلى البيت قبل ان يسخن الطعام، وعلى صحة العائلة السلام.
قال تعالى في سورة الكهف: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)}.
من ظن أن في الأمر مبالغة فليقم بزيارة المحاكم الشرعية والعيادات الطبية النفسية فيعجب لنسبة الطلاق المرتفعة وحالات اليأس والبؤس والانتحار، من مختلف الأعمار.
قد أدخلنا الشياطين إلى بيوتنا بأيدينا، ونحن نفاخر بأننا متمدنين ولتقنيات العصر متابعين.

نعم المعرفة ضرورية لكن أية معرفة فالذي يريد أن يعرف كل شيء لن ينفع في شيء، أصبح كجريدة الأخبار عنده من كل شيء، ليقال عنه انه فهيم، لكنه في حق نفسه وأهله عديم.
التواصل الاجتماعي كذلك ضروري لكن مع من وإلى أي حد؟ نتواصل مع غرباء في بلاد العالم وقد قطعنا الأرحام، وأهملنا الجد والأخوال والأعمام.
نسينا الخروج إلى الهواء الطلق وزيارة الأهل وعيادة المرضى وقضاء حوائج الناس وسجنّا أنفسنا بين الجدران ونحن نظن أننا نحسن صنعا، حتى وصل الأمر بنا إلى أن نؤخر الصلاة بانتظار مكالمة، وننام إلى ما بعد الشروق بسبب الصداع من أثر السهر مع الشاشة الزرقاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل هؤلاء: “ذاك رجلٌ بال الشيطان في أذنه”.
تكلم صديقتها وقد حسرت عن رأسها، يتبادلون المحادثات وهم بالثياب الداخلية، من داخل غرف النوم ونسوا أنهم يحملون بأيديهم أسلحة العدو المدمرة، صارت صورهم محفوظة وتستعمل عند اللزوم، وأخبارهم معروفة ومشاكلهم مفضوحة إذ ثمة من يسمع ويرى ويسجل.لا ينبغي التعامل مع هذه الوسائل ببراءة أقرب منها إلى الغباء. تغطي رأسها عندما يطرق الباب رجل غريب، وقد كشفتِ المستور للعالم كله.

أدخلوا الجوال إلى غرف النوم، ونسوا انه ينقل الصوت وهو مقفل، فأسمعوا المتنصتين ما لا ينبغي أن تسمعه الشياطين.
نعم لاستعمال وسائل التواصل لكن لقضاء الحاجات والاطمئنان وترتيب المواعيد. نعم لكن خلال وقت قصير لا يلهي عن واجبات العائلة والتربية والسلامة والأخلاق. نعم لكن ليس للأطفال لأنه سيتسبب لهم بأمراض صحية ونفسية. نعم لمراقبة ما يشاهده المراهقون والمراهقات من أولادنا، نعم لكن نقاطع المشاهد الخلاعية، نحن قبل بقية العائلة قال تعالى في سورة النور:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْآبَائِهِنَّأَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ…} إلى آخر الآية.
نعم لاستعمال وسائل الاتصال شرط أن نسيّرها لا أن تسيّرنا، وأن نسيطر عليها لا أن تعمي قلوبنا، وأن تخفف عنا متاعب الحياة لا أن تزيدها، وأن توفر علينا عناء الانتقال، لا أن تنقلنا لنعيش في الوهم، وتنقل أخبارنا وأسرارنا إلى آخر المعمورة، صوتاً وصورة.

ختم الحكيم بالدعاء: “اللهم استرنا ولا تفضحنا، عافنا واعف عنا، نوّر قلوبنا وعقولنا ووسع مداركنا، حتى نميز الخبيث من الطيب، فلا نتورط ولا نتضرر ولا نزِلّ ولا نُذَلّ. اللهم ألهمنا ما تحب واصرفنا عما لا تحب، ألهمنا دوام ذكرك ووفقنا لكمال طاعتك”. وانتهت الجلسة.

تقنيات النوم: عادات ووساوس من التعلّق بالوسادة إلى الأحذية المقلوبة

جنى جبّور*

العدد الثالث والخمسون ربيع وصيف 2020 – المجلة الإلكترونية


“ما فيني اغفى إذا الخزانة مفتوحة”، “ما فيني اغفى إلّا وقنينة المي حدّي”، “ما بحب أوعا ع صوت المنبه لأنو بيقلقني طول النهار”… قد تكون هذه العبارات مألوفة عند كثيرين منّا، فهذه العادات وغيرها يتمسك بها الانسان ويعتبرها مريحة لنفسيته. ولكن هل فكرتكم لو مرّة واحدة أنها تخبئ وراءها مشكلات نفسية تستدعي العلاج الدوائي؟ وهل تعلمون سبب ميل “جيل الحرب” إلى تناول الأدوية المساعِدة على النوم؟
على الرغم من تأكيد المؤسسة الطبية الأميركية للنوم “National Sleep Foundation” ضرورة حصول الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 سنة على قسط كاف من النوم يومياً، يتراوح ما بين 7 إلى 9 ساعات، إلّا أنّ ذلك لا ينطبق على معظم الشخصيات الأكثر نجاحاً وشهرة في العالم. وتظهر عدد ساعات نوم هؤلاء أنها أقل من المستويات الموصى بها من قبل المؤسسة. ففنان عصر النهضة ليوناردو دافينشي تبع في حياته نظام نوم يعتمد على النوم 20 دقيقة كل 4 ساعات. أمّا المخترع توماس إديسون فلم يعطِ أي أهمية للنوم ولطالما اعتقد أنه مجرد مضيعة للوقت، حيث كان ينام لمدة 3 ساعات يومياً، مقسمة على 6 فترات. رئيس الحكومة البريطانية وأحد أبرز القادة في القرن العشرين وينستون تشرشل، كان نومه قليلاً، ويكتفي بساعات رقاد معدودة كل 36 ساعة، وكان يؤمن بأن “القيلولة” تساعده في النجاح على البقاء مستيقظاً. أمّا المرأة الحديدية رئيسة وزراء بريطانية مارغريت تاتشر، فلم تكن تنام لأكثر من 4 ساعات في اليوم الواحد مثلها مثل الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك. (…).

يشير رئيس قسم الطب الداخلي وأمراض النوم في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي الدكتور جورج جوفيليكيان لـ “نداء الوطن” إلى أنّ “ساعات النوم تختلف من شخص إلى آخر، فالبعض تكفيه 6 ساعات والبعض الآخر يحتاج الى 8 ساعات نوم أقله. أمّا الذين ينامون 4 ساعات،(…) فلا بدّ أن يحرصوا على أخذ قيلولة يومية نهاراً (Powernap) تتراوح مدتها بين 5 و 10 دقائق، وهذه الدقائق القليلة كافية لتزويدهم بالنشاط المطلوب. هذا النمط نلاحظه أيضاً عند تلامذة الطب جرّاء ضعط الدرس الذي يجبرهم على السهر ليلاً لنيل العلى”.
ويضيف جوفيليكيان “لا تحمل القيلولة قيمة أو نوعية نوم جيدّة، وتدل على حاجة الجسم إلى النوم، فالشخص الذي حصل على الكمية الكافية، بالطبع لن يحتاجها. ومن المفيد معرفة أنّ جسم الانسان لا يتحمل أكثر التفريط بـ 20 ساعة نوم وتبقى كدَين وجب تسديده لاحقاً، ما يفسر نوم تلامذة الطب مثلاً 16 الى 18 ساعة في أيام نهاية الأسبوع لتعويض النقص”.
قبل النوم؟
تختلف ساعات النوم بحسب عمر الأشخاص؛ فحديثو الولادة بحاجة إلى ما بين 16 و 19 ساعة نوم يومياً، بينما الصغار 12 ساعة تكفيهم، والمراهقون 9 ساعات، أمّا البالغون فبحاجة إلى 7 ساعات، والأشخاص فوق سن الـ 65، فينامون 6 الى 8 ساعات على فترات متقطعة (4 الى 5 ساعات في الليل وباقي الوقت في النهار). أمّا في لبنان، فيعاني المواطنون من قلة النوم أو الأرق لأسباب نفسية أو بسبب صدمة ما أو لما يعرف بالـ” post somatic stress disorder “، المصاب بها عدد كبير من الذين واكبوا الحرب اللبنانية. وقد تفسر هذه النقطة سبب تناول جيل الحرب أدوية تساعدهم على النوم كالـ”Lexotanil ” و “Valium” وغيرهما، من دون أن يعلموا إصابتهم بمشاكل مرضية مختلفة تستدعي حاجتهم إلى هذا النوع من الأدوية.
لكل “خَصلة”… تفسير نفسي!
لكل فرد فينا عادة يحرص على القيام بها قبل خلوده إلى النوم، وتؤمن له نوعاً من الراحة النفسية. وبحسب الاختصاصيّة في علم النفس العيادي الأستاذة الجامعيّة الدكتورة كارول سعادة “تعتبر العادات التي يتمسك بها الانسان طبيعية جدّاً، إلّا في حال شكل غيابها عائقاً ومعاناة للشخص المعني. وبالتالي يمكن القول إنّ معاناة الشخص هي المعيار الأساسي لتحديد التصرفات والعادات الطبيعية وتفرقتها عن الأمور المرضية أو القلق أو الوسواس. وعندما يمر الفرد بمرحلة ضغط نفسي أو ما يعرف بالـ “Stress”، يزيد تعلقه بالعادات التي تريحه، ولا يعتبر ذلك خطوة سلبية إلا في حال سببت له تداعيات جدّية على حياته اليومية من ناحية مضيعة الوقت، أو إذا شكلت عائقاً أمام حياته الاجتماعية والعائلية”.
لا تقتصر العادات على فترة محددة، بل هي مستمرة في كل مكان وزمان، وتتحول إلى روتين قد يكون الإقلاع عنه مكلفاً ويهدد استقرارنا النفسي. (…) يمكن أن تكون كل هذه الامور طبيعية ومرتكزة على عادات عائلية معينة يقوم بها الفرد في حياته اليومية، بهدف راحته. ومن الطبيعي أن تختلف بين الشخص والآخر فلكلٍ شخصيته وطريقته في العيش. ولكن عندما تصبح هذه العادات إلزامية ويتحول الشخص إلى أسيرٍ لها، عندها نتكلم عن اضطرابات في النوم وعن حالات مرضية وعن الإصابة بالوسواس القهري وحالات قلق عام، لا سيما اذا استمرت لنحو 6 أشهر، وإذا كانت تؤثر بشكل واضح على حياته الاجتماعية والعملية. وبحسب د. سعادة “يرتكز العلاج على حالة الشخص ويمكن أن يكون معرفياً سلوكياً أو حتّى دوائياً. في المقابل، يؤثر الضغط النفسي على النوم بشكل مباشر، كذلك يزيد من وتيرة العادات، ويحفز الشخصيات التي لديها استعداد للقلق والوسواس. كذلك، يسبب القلق وكثرة التفكير بأمور معينة، بالاكتئاب”.
نقاط مهمة:
– يمتد الوقت المثالي للنوم من 10 ليلاً حتّى 6 صباحاً.
– لا يجب تجاهل انخفاض حرارة جسمكم، بل عند حصول ذلك من المهم لجوءكم للنوم وإلّا “طارت النعوسة”.
– من الضروري والصحي الاستيقاظ يومياً في الوقت نفسه والا عانى الشخص من خلل في ساعته اليبولوجية.
– تؤثر قلة النوم على مستوى التركيز والذاكرة، والقدرة الجنسية والمزاج بالإضافة إلى تسببها بالضغط النفسي.
– الابتعاد عن الأكل والشرب قبل 3 ساعات من موعد النوم.
– من الأفضل النوم على الجانب.
– من المهم النوم في غرفة مظلمة وبعيداً عن الاصوات.
– يجب أن يكون الرأس أعلى من الجسم.
– يحتاج الجسم إلى نوعية نوم جيدة. (…)
___________________________________
* من بريد القراء نقلاً عن www.nidaalwatan.com بعنوان: يالله ينام يالله ينام

Importance of True Islamic History

Mansoor Aalam*

Why Is Islamic History Overlooked?
It is truly mind boggling that in spite of enormous literature on Islamic history, a vast majority of Muslims – both young and old – are ignorant of the subject. While there are more than one and a half billion Muslims in the world, it may be no exaggeration to say that very few are interested in learning the truth about Islam or its history.

The importance of history cannot be overemphasized. History is like a long-term memory in which nations’ voices are preserved. It may be safe to say that people without history are people without memory. So why have our Islamic scholars failed to attract Muslims (especially the youth) to become interested in the study of Islamic history? Has this anything to do with their overemphasis on Islam’s rituals for gaining salvation in the Hereafter that the importance of its history loses its significance in their eyes?

Whatever may be the reason, the fact is that a vast majority of Muslims are probably ignorant or uninterested in finding the truth about Islamic history. Sectarian beliefs and practices (and the internal divisions and bickering that go with it) have created various schools of thought. Books and articles on Islamic history (and even the translation and interpretation of the Qur’an) are consequently colored by the sectarian beliefs and thoughts of their authors. Scholars and leaders of competing schools of thought play with emotions of their followers in order to promote their version of history as Islamic history. Nonetheless, there have been notable exceptions among Islamic scholars who did strive to find the truth about Islamic history by challenging the status quo of their times.

How to Interpret Islamic History?
What is Islamic history? Is it synonymous with Muslim history? Have Muslims been practicing Islam – the Islam delivered and practiced by the Prophet (PBUH)? Or have they deviated from it? What happened to the Muslim world after the end of the period of the rightly guided caliphs, the Khulaafaa al-raashidoon? Is everything done in the name of Islam by Muslim kings, rulers, or politicians part of Islamic history? Is there an objective standard by which one can measure what is Islamic and what is not?
The study of history is often presented in chronological terms describing the rise and the fall of empires; but is that all to history? What about the underlying root causes of the rise and fall of nations, Islamic or non-Islamic? Is there some aspect of history that transcends space and time? In other words, is there science of history?

For a Muslim, the study of history should be like watching the laws of Allah in action, the application of the theory given in the Quran and practically demonstrated by the Prophet (PBUH). The Quran demands that Muslims reflect upon history, not merely to know it but to learn from it. By studying history, Muslims can gain an understanding of how Allah’s laws work in the world of humankind. When empires fall and new ones arise, this is not merely random nor is Allah playing dice with our world. Neither does Allah preordain the fate of nations. Rather, it is the nations themselves that cause their own downfall by not living in harmony with the laws of society that Allah has set for all.
It is hard to blame some non-Muslim nations, who are merely going through a process of trial and error without the (Quranic) solutions’ manual. But what can we say of Muslims who have this solution manual but are currently the most deprived people in the world? Blaming others or making excuses for their bad state is not going to stand in the court of Allah. What caused (and continue to cause) the downfall of Muslims?

The process is very straightforward. A piece of evidence must be rejected if it is not consistent with facts or if it is against the Qur’an. For example, it is a known fact that the Sahaaba (the companions of the Prophet (PBUH)) were the best of Muslims and adhered strictly to the Qur’an. Therefore, if a piece of evidence claims that someSahaaba used to stockpile gold and amassed huge wealth, and theQur’an demands of Muslims that they should give the wealth they do not need for themselves, then this “evidence” must be thrown out:
They ask thee how much they are to spend; Say: “What is beyond your needs.” (2:219)
Or if some evidence claims that the Sahaaba quarreled and bickered and physically fought (and killed) each other in the quest for power, it must be immediately thrown out because it vilifies the character of those people that the Qur’an claims were unquestionably pious and tender and full of mercy towards each other:
Muhammad is the apostle of Allah. and those who are with him are strong against Unbelievers, (but) compassionate amongst each other. Thou wilt see them bow and prostrate themselves (in prayer), seeking Grace from Allah and (His) Good Pleasure. On their faces are their marks, (being) the traces of their prostration. This is their similitude in the Taurat; and their similitude in the Gospel is: like a seed which sends forth its blade, then makes it strong; it then becomes thick, and it stands on its own stem, (filling) the sowers with wonder and delight. As a result, it fills the Unbelievers with rage at them. Allah has promised those among them who believe and do righteous deeds forgiveness and a great Reward. (48:29)

However, this process of studying history is probably more emotionally challenging than mentally because it requires the will to cast aside beliefs and folklore that fail the above criteria, no matter how old or dear they may be to us. Being very old and dear to our hearts does not change a false fact into a true one.

Searching for Authentic Records
It is known (and even non-Muslim historians acknowledge it) that Khalifa ‘Umar’s reign saw the largest expansion in the history of Islam. It is also universally acknowledged that the political and economic reforms that ‘Umar (R) instituted were based on justice and fairness while paying special attention to the lower rung of the society. People enjoyed basic human rights and freedoms during his period of rule, essentially unprecedented at that time. (If an old woman could question and criticize Khalifa ‘Umar in public without any fear of retribution, then there could be no doubt about the freedom of expression prevailing during his time.)

Further, during his time as Khalifa, many treaties were signed and several social and welfare reforms were instituted. Operation of the department of the treasury (Bait-ul-mal) was legendary during his time. He also created many other government departments and offices (e.g., census bureau and welfare) to deal with the ever-growing numbers of people coming under the fold of Islam.
All these departments and offices were in Medina where records were kept. These were huge endeavors in record keeping and record maintenance. Written registers were maintained to efficiently run these offices, very much like the offices before the advent of computers.

What happened to those written records?
Obviously, those written documents were precious historical treasure containing Islamic history. Why are they missing from the Ummah especially since these documents would have been extremely valuable to future generations?
Were the records destroyed? If so, who could have destroyed them? Could it be that there were some who wanted to put the Islamic train on a different economic and political track and they felt they couldn’t do that in the presence of those documents? Would Muslim kings have been able rule in the name of Islam under the presence of those documents?
Let us keep in mind that no natural disaster such as flood, fire, or earthquake has ever struck Medina since the Prophet’s (PBUH) time. So no one can claim that these documents were destroyed by natural disaster. No one can also say that the enemies of Islam destroyed these documents since no non-Muslim ruler has ever conquered Medina. This city has always been under Muslim rule since the Prophet’s time.

While the Qur’an exhorts Muslims to learn from history, they essentially have ignored this message. The Qur’an presents history of past nations as evidence of the efficacy and truth of its message and a warning to those who do not listen to the verdict of history:
Many were the Ways of Life that have passed away before you: travel through the earth, and see what was the end of those who rejected Truth. (3:137)
Say: “Travel through the earth and see what was the end of those who rejected Truth.” (6:11) Do they not travel through the earth, and see what was the End of those before them (who did evil)? Allah brought utter destruction on them, and similar (fates await) those who reject Allah. (47:10)

There are two ways to learn from the history of past nations: 1) learning from archives and 2) learning from archaeological discoveries. History based on oral narrations in the absence of archives may not be as reliable, especially if that history is compiled under a period ruled by kings.


*Dr. Mansoor Alam, is an electrical engineer by education. He is a professor at Department Electrical Engineering and Computer Science University of Toledo, Ohio.  He is an active writer, not only in the field of electronic, telecommunication and computer science, he also wrote various articles about Islam and Muslims. He is an active member of Toledo Muslim community.

Complete article is found on the web site www.IslamiCity.com.

كيفية وفن التعامل مع الآخرين

د. نصر بن علي (تونسي)

49 – العدد التاسع والأربعون ربيع 2019

الكلام مع الآخرين هو ما يحدد مميزات شخصيتك، وهو دليلنا لطريقة التعبير عما نريد قوله بطريقة مهذبة ويتم تقبلها من مختلف الشخصيات مهما كان الموقف، وكيف نستطيع السيطرة على الحوار وإعطاء الآخرين أفضل صورة ممكنة عنا، فالناس لن يحكموا عليك من المظهر فقط، كما أن من يتقن فن الكلام مع الاخرين غالبا ما يكون محبوبا من الجميع ويحظى بالاحترام لديهم.
هنا نلخص كيفية وفن التعامل مع الآخرين في عدة خطوات كالتالي:
1- عندما نوجه حديثنا لشخص ما يجب أن ننظر إليه ونناديه باسمه أو لقبه.
2- “تكلم حتى اراك” هكذا قال سقراط لاحد تلاميذه عندما سأله كل تلاميذه ما عدا هذا التلميذ، فحتى ان كانت شخصيتنا هادئة فالصمت طول الوقت شيء غير مطلوب بل يجب ان نشارك الناس بالحديث.
3- نبرة الصوت كلما كانت هادئة ورقيقة كلما تركت انطباعا فيجب دائما ان نتحكم في نبرة صوتنا.
4- الصوت العالي لا يفرض رأيا ولا يحل مشكلة، ومهما احتد الكلام فلا ترفع صوتك والا ستتحول المناقشة الى مباراة في رفع الاصوات.
5- عند التعرض للاستفزاز من اي شخص يجب ان نجتهد عدم إثارة المشاكل، ومن الأفضل الانسحاب بدبلوماسية وألا نواجه الاستفزاز بالمثل.
6- عند الحديث اثناء تناول الطعام يجب ان نبتعد عن الموضوعات والكلمات التي تثير اشمئزاز الآخرين او غضبهم، ووقت الطعام يجب ان يكون للطعام او للحديث الودي فقط.
7- لا تتحدث طول الوقت عن نفسك وعن ما تحبه وما تكرهه حتى لا تعطى انطباع بالغرور لمن معك.
8- الكلمات الاستئذانيّة المهذبة مثل من فضلك او لو سمحت تعطى تأثيرا سحريا في اذن من توجه اليه، فأحرص على استعمالها مع كل الناس سواء الاقارب او الغرباء او حتى الموظفين الاقل منك درجة.
9- عند اعتراضك على رأي او حديث معين لا تكرر كلمة ” لا ” أكثر من مرة، بل إن لا واحدة كافية لتوصيل فكرة رفضك للرأي مع ذكر وجهه نظرك وأسباب رفضك.
10- عند الاعتراض لا تذكر السلبيات وتقول لا وتصمت، بل ابدأ بذكر الايجابيات اولا ثم اذكر رأيك المخالف.
11- لا تقدم نصيحة لأي شخص الا ان طلب منك ذلك ولا تتحمس لشيء من تلقاء نفسك.
12- ممنوع الكلام ويوجد اي شيء في الفم سواء لبان (علكة) او سيجارة او اكل او مشروب.
13- اذا ابدى احدهم اعجابك بما ترتديه فقط ابتسم واشكره بلطف ولا داعي للتطرق لمواضيع مادية مثل انها قديمة أو رخيصة او حتى غالية مع ذكر سعرها.
14- تعلم فن الانصات، لا تلتفت يمينا ويسارا ولا تعبث بتليفونك المحمول او المفاتيح او الاكسسوار لان تلك الحركات مفادها انك غير مهتم بما يقال ويترك انطباع سيّئ عنك.
15- تحدث فقط بلغة من هو معك فان كان من معك لا يتحدث الانجليزية مثلا فلا داعي لاستعراض مهارتك فيها بذكر كلمات اجنبية وسط الجمل فتترك انطباع انك شخص متعالي.
16- الأحاديث الجانبية ممنوعة ويجب ان يتحدث الجميع مع بعضهم البعض، وان كان لا بد من الحديث الجانبي فبإمكانك الاستئذان انت ومن تريد الحديث معه وتجلسوا منفردين.
17- من الوارد ان نخطأ كلنا في الكلام فلا تضحك على اخطاء الاخرين سواء في اللغة العربية او لو نطق كلمة بلغة اجنبية خاطئة، فلا تجرحه بل تجاوب معه وكأنه نطق الكلمة بصورة صحيحة.
18- في حالة اللغة الاجنبية وفى حالات معينة فقط من الممكن ان تتعمد ان تكرر الكلمة نفسها امامه في نفس الحديث فيسمع النطق الصحيح لها منك وبذلك تكون اصلحت له الخطأ بطريقه مهذبة وراقية.
19- بالطبع ان كان من أخطأ شخص قريب منا او صديق حميم يتقبل الانتقاد نستطيع في تلك الحالة ان نشرح له الخطأ.
20- إذا مس الحديث شيئا عقائدي او سياسي واخلاقي وانت معترض على الكلام من الافضل ان تغير موضوع الحديث بطريقه ذكية الى اي موضوع اخر بدلا من ان تبدأ الاعتراض والاختلاف.
21- إذا كان من يحدثك من هواة مقاطعة الآخرين أثناء حديثهم وقام بقطع حديثك فاترك الحديث له وأنظر له بإنصات واهتمام، ان تكررت مقاطعته لك قل له بصوره مهذبة “لحظة من فضلك، إذا سمحت أود أن أشرح وجهة نظري”.
22- الخجل ممنوع وان كنت خجولا فاعلم ان كل من حولك يريدونك ان تعبر عن رأيك، ولذلك يجب ان تتخلى عن هذا الخجل خطوة بخطوة عن طريق التحدث مع المقربين الذين ترتاح في الكلام معهم، ثم اشراك اشخاص اخرين.
23- ابتعد عن نطق الالفاظ الصعبة والمصطلحات طول الوقت، وان حدث فلا بد ان تشرحها، فكل شخص له علمه وثقافته، وخاطبوا الناس على قدر عقولهم.
24- الحديث يكون من الفم وليس من الذراعين فلا داعى لتحريك الذراعين والايدي طول الوقت، وتجنب لمس الاخرين اثناء الحديث معهم.
25- تحكم في تعبيرات وجهك ونظراتك حتى لا تحرج احدا بتلك التعبيرات.
26- كثيرا ما تقع الفتيات فريسة التصنع اثناء الحديث فتحاول ان تغير نبرة صوتها او اسلوبها على حسب من تحدثه، وهذا كله مرفوض تماما، كوني انت على طبيعتك والناس سيتقبلونك كما انت بطبيعتك فالحديث عندما يكون طبيعيا يؤدي الى تقبله من الاخرين، اما التصنع فسيظهرك بصورة الفتاة غير الواثقة في نفسها المتكلفة، وهذا ليس من الاتيكيت.
27- لا داعى للدخول في التفاصيل الصغيرة أثناء الحديث حتى لا يصاب من يسمعك بالملل، خير الكلام ما قل ودل.


بريد القراء afdkhattab@gmail.com

تالية: اللعبة المثقفة صديقة طفلتك الجديدة

49 – العدد التاسع والأربعون ربيع 2019

في خضمّ تراجع الصناعات والإنتاجات المحلية للمُنتجات عامة، والألعاب على وجه الخصوص، لا بدّ من إلقاء الضوء على المُنتج الجديد لشركة المستقبل الرقمي digital future، وهو “تالية”.
وفي مقابلة مع الأستاذ محمد برو، مدير مبيعات فرع بيروت لشركة المستقبل الرقمي، تحدّث إلى مجلة الإعجاز عن لعبة “تالية”، وهي لعبة على شكل طفلة حافظة لجزء عمّ، تُشجع الفتيات على حفظ القرأن الكريم.
مصنعة من مواد آمنة وسهلة الاستخدام من قِبل الفتيات الصغيرات، تقوم بقراءة 29 سورة من جزء عمّ مع سورة الفاتحة.
بعد وجود الحاجة إلى هذه اللعبة في معظم دول العالم، خاصة تلك التي يسعى فيها المسلمون إلى تعليم أطفالهم القرآن الكريم وتحبيبهم به، سعت الشركة إلى تنفيذ فكرة دمية قارئة للقرآن الكريم. خاصة وأنها طريقة مبتكرة ومختلفة تجعل من لعبة “تالية القرآن الكريم” صديقة للطفلة.
وقريباً سيتم الانتهاء من صنع لعبة على شكل صبي وسيكون اسمه “عبد الله”، بإذن الله.
تقرأ “تالية” القرآن الكريم باللغة العربية مصداقا لقوله تعالى: [إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون]، ومن الصعب في الوقت الحاضر إنشاء نسخة بلغات أخرى.
وشركة المستقبل الرقمي هي شركة لبنانية تعمد إلى ابتكار ألعاب تثقيفية تعليمية بشكل متطور تواكب العصر وتُساهم في بناء شخصية الطفل المسلم العالم في مجتمعنا.

خير الدين بربروسا: القائد العثماني الذي أنقذ فرنسا ومسلمي الأندلس

حسن المختار*

49 – العدد التاسع والأربعون ربيع 2019

مقدمة
حفل سجل الدولة العثمانية بالأبطال الأشداء الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الله والوطن لرفع الظلم عن المسلمين الذين عانوا الويلات من الجيوش الصليبية اثر سقوط الخلافة العباسية مروراً بعهد المماليك والفاطميين حيث بقيت حالة الفوضى وعدم الاستقرار في العالم الإسلامي حتى بداية نهوض الدولة العثمانية سنة 678 للهجرة.
البطل الذي تدور حوله قصتنا هو القائد خير الدين بربروسا “ذو اللحية الحمراء” والذي سعت السينما الغربية إلى تشويه صورته بشكل كبير عبر العديد من الأفلام التي انتجتها هوليود والتي أظهرته على أنه قرصان شرير يجوب البحار.
لدرجة لو ذكرنا اسم بربروسا لدار في مخيلتنا صورة ذلك القرصان أعور العين ذو القدم الخشبية واليد الحديدية، متناسين سيرة ذلك البطل المسلم الذي خاض العديد من الحروب العظيمة ضد الجيوش الصليبية والتي كانت تخوض حروب مقدسة برعاية الكنيسة الكاثوليكية ضد المسلمين خلال العصور الوسطى وقد ذاع صيته ابان حكم السلطان العثماني سليم الأول بعد نجاحه بالعديد من المهمات التي كلفه بها والتي سنتحدث عنها في هذا المقال حيث يعتبر أبرزها انقاذ مسلمي الأندلس من محاكم التفتيش الإسبانية إثر سقوط دولة المسلمين في الأندلس وصولاً إلى إنقاذ فرنسا عقب سقوط ملكها فرانسوا الأول بقبضة شارلكان ملك إسبانيا والعسكرة داخل ميناء طولون الشهير المطل على البحر الأبيض المتوسط.

القائد خير الدين بربروسا… ولادته ونشأته
نجح بربروسا في اختراق حصون الصليبين والسيطرة على مدن غرب الأندلس، وتمّ نقل 70 ألف مسلم أندلسي في أسطول مؤلف من 36 سفينة، وتم تأمينهم في الجزائر وتوطّنوا فيها.
ولد خضر بن يعقوب ٱغا أو ما بات يعرف بلقب خير الدين بربروس سنة 1478 للميلاد في جزيرة لسبوس اليونانية أو ما تعرف باسم مدللي التابعة لولاية الأرخبيل ابان حكم الدولة العثمانية، كان والده انكشارياً نسبة لعمله مع الفرقة الانكشارية وهي فرقة عسكرية من جنود المشاة العثمانية عُرِفت بالقوة وشدّة البأس من فاردار، في حين كانت والدته “كاتالينا” مسيحية تقول بعض المصادر أنها أرملة لقس نصراني، وله أربعة إخوة أكبر منه هم إسحاق، وعروج، وإلياس، ومحمد، وقد نشأوا نشأة إسلامية قويمة فعكف أحد أشقائه إلى تعلم القرآن الكريم ودراسة علوم الدين، في حين كان لخير الدين بربروسا ولع كبير بركوب البحار فأقتنى وأخيه عروج مراكب بحرية وعملوا بالتجارة قبل دخولهم الميدان العسكري.

إنجازاته وحروبه:
لدى القائد بربروسا سجل حافل من الإنجازات والانتصارات التي دونها التاريخ بماء من ذهب على الرغم من اختلاف العديد من المؤرخين في ذلك على اختلاف توجهاتهم، ومن ابرز المعارك التي خاضها فتح الجزائر وتأمينها من هجمات الإسبان مروراً بمعركة بروزة البحرية التي انتصر فيها على الاسطول الأوربي المؤلف من 600 قطعة بحرية وأسر ما يزيد عن 3 آلاف مقاتل دون خسارة أي قطعة عثمانية وصولاً لحصار نيس و العسكرة داخل ميناء طولون، بينما الحدث الأكبر بحياة بربروسا بنظر الكثيرين تلبية نداء الأندلسيين المسلمين لإنقاذهم من حملات الإبادة الإسبانية، حيث كان لبربروسا موقف مشرف تجاه مسلمي الأندلس الذين كانوا يعانون من الاضطهاد والتمييز العنصري في أقسى صوره على يد الكنيسة الكاثوليكية واتباعها إثر سقوط دولة الأندلس الإسلامية سنة 897 للهجرة الموافق لسنة 1492 للميلاد، حيث اعتمدت مبدأ التطهير العرقي للقضاء على المسلمين فيها، وذلك بعد أن أعطى ملك اسبانيا فريداند وزوجته ايزابيلا وعود كثيرة لملك الاندلس محمد الثاني عشر قبل استسلامه بعدم التعرض للمسلمين.
وسرعان ما نكث الإسبان بالعهد وبدأت الكنيسة الكاثوليكية بفعل ما تشاء بحق مسلمي الأندلس الذين سقتهم الويلات، فقد عمدت إلى قتلهم وتعذيبهم داخل معتقلات مظلمة تحت الأرض عرفت بمحاكم التفتيش، والتي بدورها بدأت بارتكاب الفظائع والجرائم التي لا تعد ولا تحصى بحق المسلمين، من قتل جماعي وتشريد واعتقال، ويذكر المؤرخون بأن محاكم التفتيش أجبرت آلاف الأندلسيين على ترك الإسلام والدخول بالدين النصراني، كما أجبرتهم على حرق ما يملكونه من نسخ للقرآن الكريم والكتب الإسلامية والعربية بمختلف المجالات، والتي كانت تعتبر بمثابة كنزٍ لا يقدر بثمن يتفاخر به الأندلسيون، آلاف المسلمين قتلوا أثناء الحملات الكاثوليكية في حين نجح آخرون بالهروب إلى دول شمال إفريقيا والقسم الأكبر منهم بقي عالقاً تحت رحمة محاكم التفتيش العنصرية.
في هذه الأثناء كان عروج بربروسا شقيق القائد خير الدين قد ذاع صيته في البحار وبدأت دولته الفتية التي اسسها في الجزائر تنمو وتتوسع بشكل ملحوظ، لاسيما بعد نجاحه بطرد الاسبان من السواحل التي احتلوها شمال إفريقيا كما نجح بضم مصر إلى دولته وبعث برسالة للسلطان العثماني سليم الأول يعلن فيها عن ولائه وطاعته لدولة الخلافة العثمانية.
عندها استشعر الاسبان خطر الدولة الفتية أعدوا حملة ضخمة مكونة من 15 ألف مقاتل للقضاء عليها، وبالفعل تمكنوا من التوغل داخل الجزائر وحاصروا مدينة تلمسان التي كان يتحصن فيها الحاكم عروج وتمكنوا من قتله برفقة شقيقه إلياس سنة 1518 للميلاد، فأقترح وجهاء الجزائر على القائد خير الدين خلافة شقيقه الأكبر وأصبح بذلك حاكماً لولاية الجزائر العثمانية.
على أثر ذلك طلب السلطان سليم الأول من بربروسا إنقاذ مسلمي الأندلس فأبحر من أقصى الشرق في تركيا إلى أقصى الغرب في الأندلس لمحاربة الجيوش الصليبية (الإسبانية، والبرتغالية، والإيطالية، وسفن القديس يوحنا). وبالفعل نحج في اختراق حصون الصليبين والسيطرة على مدن غرب الأندلس، و تمّ نقل 70 ألف مسلم أندلسي في أسطول مؤلف من 36 سفينة، في سبع رحلات في عام 1529، وتم تأمينهم في الجزائر وتوطّنوا فيها.

التحالف التركي الفرنسي
عرض ملك فرنسا على بربروسا إقامة قاعدة عثمانية في ميناء طولون الفرنسي المطل على البحر الأبيض المتوسط لحماية فرنسا من هجمات الإمبراطورية الرومانية مقابل مساعدة العثمانيين بتحرير تونس
بعد أن انتصر إمبراطور الإمبراطورية الرومانية وملك إسبانيا شارلكان على ملك فرنسا آنذاك فرانسوا الأول وأسره إثر معركة بافيا سنة 1525 للميلاد وإجباره على توقيع اتفاقية مدريد المذلة للفرنسيين والتي قدموا فيها الكثير من التنازلات لصالح الإسبان، بعث فرانسوا الأول برسالة استغاثة للسلطان العثماني آنذاك سليمان القانوني يطلب فيها منه إنقاذه من عدوهم المشترك شارلكان، وجاءه الرد على طلبه من السلطان العثماني سليمان القانوني برسالة مطولة مما جاء فيها، بعناية حضرة عزة الله جلّت قدرته وعلت كلمته، وبمعجزات سيد زمرة الأنبياء، وقدوة فرقة الأصفياء محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم الكثيرة البركات، وبمؤازرة قدس أرواح حماية الأربعة، أبى بكر وعمر وعثمان وعلى، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وجميع أولياء الله.
أنا سلطان السلاطين وبرهان الخواقين، أنا متوج الملوك، ظلّ الله في الأرضين، أنا سلطان البحر الأبيض والبحر الأسود والبحر الأحمر والأناضول والروملّى وقرمان الروم، وولاية ذي القدرية، وديار بكر وكردستان وأذربيجان والعجم والشام ومصر ومكة والمدينة والقدس وجميع ديار العرب والعجم وبلاد المجر والقيصر وبلاد أخرى كثيرة افتتحتها يد جلالتي بسيف الظفر ولله الحمد والله أكبر… أنا السلطان سليمان بن السلطان سليم بن السلطان بايزيد.. إلى فرانسيس ملك ولاية فرنسا.
وعلى أثر ذلك تم عقد تحالف مشترك بين فرنسا والدولة العثمانية على الرغم من اعتراض الكنيسة وتسميته من قبل الكاثوليك بالتحالف الأثيم، لكن ملك فرنسا كان له رأي آخر فقد وقع خيار فرانسوا في طلبه للنجدة على السلطان العثماني لكثير من الأسباب أهمها أن الدولة العثمانية في ذاك الزمان كانت تعتبر أقوى دولة في العالم وكانت بأوج ازدهارها إبان حكم السلطان سليمان القانوني والذي لقبه الغرب بسليمان الرائع، لذلك كأن يأمل بتحقيق الكثير من المكاسب على حساب الإسبان.
وفي عام 1543 أمر السلطان العثماني سليمان القانوني القائد خير الدين بربروسا بالإبحار إلى فرنسا بأسطول قوامه 100 سفينة و30 ألف جندي لمساعدة الفرنسيين بتحرير مدينة نيس من أساطير دوقية سافوي الموالية لشارلكان، وقد نجح بربروسا من تحرير المدينة والانتصار على جيوش الرومان والإيطاليين. وإثر هذا الانتصار العثماني الكبير عرض ملك فرنسا على بربروسا إقامة قاعدة عثمانية في ميناء طولون الفرنسي المطل على البحر الأبيض المتوسط لحماية فرنسا من هجمات الإمبراطورية الرومانية مقابل مساعدة العثمانيين بتحرير تونس، وقد قبل بربروسا العرض بعد أخذ موافقة السلطان العثماني وسرعان ما تحولت مدينة طولون إلى مركز عسكري ضخم للحملات العثمانية، واستمر التحالف العثماني الفرنسي ما يقارب ثلاثة قرون حتى إقدام نابليون على مهاجمة مصر والتي كانت تعتبر إحدى أراضي الدولة العثمانية منطلقاً من ميناء طولون نفسه الذي قدمه فرانسوا الأول للعثمانيين من أجل حماية فرنسا من الخطر الروماني.


* صحافي سوري من محافظة إدلب

المصدر: جزيرة نت.

الصعوبات التعلمية وطرق معالجتها

فاتن الحاج*

49 – العدد التاسع والأربعون ربيع 2019

يشكو نحو 10 % من التلامذة حول العالم من صعوبات تعلمية محددة. وفي لبنان، لا تقل النسبة عن هذا الرقم. وتتنوع الحالات بين عسر في القراءة (ديسلاكسيا)، أو عسر في الكتابة (ديسغرافيا)، أو عسر في الحساب (ديسكلكوليا)، أو اضطرابات سلوكية أو اضطرابات نفسية وغيرها. يستطيع هؤلاء أن ينخرطوا في التعليم مع جهد إضافي من الأساتذة، الأهل والمجتمع ليس في ملامح ذوي الصعوبات التعلمية المحددة ما يوحي بأنهم مختلفون عن الأطفال العاديين، لدرجة أنّ أدبيات التربية المختصة تصف صعوباتهم بـ «الإعاقة الخفية المحيّرة». يمتلكون طاقات تخفي جوانب الضعف في أدائهم. يعانون فروقاً بين القدرات الذهنية والمردود الأكاديمي.
قد يسردون قصصاً رائعة وهم لا يستطيعون الكتابة، وقد ينجحون في تأدية مهارات معقدة جداً، ويخفقون في اتباع التعليمات البسيطة. بعضهم لا يستطيع تعلّم القراءة، وبعضهم عاجز عن تعلّم الكتابة، وبعضهم يواجه صعوبات حقيقية في تعلّم الرياضيات، ومنهم من يتعثر في الكلام ويرتكب أخطاء متكررة، ومنهم من يعاني من عسر في تنسيق الحركات والإفراط الحركي.

الصعوبات التعلمية ليست احتياجات خاصة:
ولأن هؤلاء ينجحون في تعلـّم بعض المهارات ويفشلون في تعلّم مهارات أخرى، فإن المركز اللبناني للتعليم المختص (C.L.E.S) ركز في حملته السنوية لهذا العام على عدم جواز الخلط بين ذوي الصعوبات التعلمية المحددة، حيث الإحاطة بظروفهم والتغلب على معاناتهم ومساعدتهم للبقاء ضمن النظام الدراسي متوافرة بشكل كبير، وبين ذوي الاحتياجات الذين يتطلبون عناية تعليمية مختلفة، «من دون أن يُعد ذلك موقفاً مسبقاً من الدمج الاجتماعي للفئة الثانية»، كما تسارع إلى القول مؤسسة المركز ورئيسته كارمين شاهين دبانة. هم طفولة لبنان الضائعة، كما تصفهم دبانة، مشيرة إلى أننا «نسعى منذ 1999 إلى التعاون مع وزارة التربية لتجنب تسربهم من المدارس الرسمية». يحصل ذلك من خلال إنشاء غرفة دعم دراسي في 104 مدارس رسمية منتشرة في كل المحافظات، غالباً ما يكون المكوث فيها أقلّ من نصف يوم دراسي، ليعودوا إلى صفهم العادي معظم هذا اليوم.
تقدم 7 مراكز في كل لبنان مساعدة متخصصة فردية للأولاد. لا تخفي دبانة صعوبات تواجه هذا العمل لا سيما لجهة اضطرار المعلمات اللواتي دُربن على مواكبة هؤلاء الأطفال إلى مزاولة نشاط تعليمي آخر، وخصوصاً مع ارتفاع عدد التلامذة بسبب النزوح السوري. ومن خلال 7 مراكز منتشرة في كل المحافظات، يقدّم المركز مساعدة متخصصة فردية للأولاد الذين يعانون من صعوبات تعلمية محددة والذين تراوح أعمارهم بين 3 و12 سنة. يتألف فريق العمل في كل مركز من اختصاصيين في علم النفس والعلاج اللغوي والعلاج النفسي الحركي، ويقوم بتقييم قدرات الأولاد وتشخيص حالاتهم، كما يتم التنسيق بين أعضائه من خلال اجتماعات تقييمية أسبوعية لوضع برنامج عمل خاص بكل حالة والتبادل بشأنه. جديد المشروع الرقص مع (C.L.E.S)، إذ عقد المركز شراكة مع المعهد الوطني للرقص في نيويورك لإدخال الرقص إلى المدارس الرسمية والخاصة ومساعدة طلاب الصعوبات التعلمية المحددة على بناء الثقة بالنفس والآخر.

قصصهم كما يروونها:
على مدى السنوات الماضية، وثّق المركز في حملاته السنوية قصص الأطفال ذوي الصعوبات التعلمية، وكيف يروونها بأنفسهم، فكريم مثلاً يعاني من صعوبة في الكلام، يقول: “كل ما بحكي بتلخبط بالكلام، بطلع كلمات غريبة عجيبة، الكل بيقولولي عيد، مش كل الناس بتفهم علييّ، بالصف لما بسأل سؤال بيضحكوا عليي، شو بعمل؟ ببطّل احكي؟”.
ماتيلدا تشكو من عسر في تنسيق الحركات، فتقول: “بحس حالي مش متل غير اولاد بعمري، بدي العب معهم بس بتفركش بكل شي بعملو، ما بعرف اكل وما بعرف البس لوحدي، بضلني ضيع دفاتري وأقلامي، بعمل جهد كبير لأهلي ينبسطوا مني، بس مش عطول بيقدّروا”.
ناديا تركز في الدرس لكنها تتعثر في الأحرف ولا تستطيع القراءة منذ صغرها، فتقول: “ما بقدر افهم كيف رفقاتي لما بيقرأوا بيشوفوا كل الأحرف ودغري بتطلع منهم الكلمة، أنا بتاخد معي وقت كتير”.
رامي لديه إفراط في الحركة، لا يركز، يضيع وينسى وليس لديه رفاق، يقول: “ما بدي أؤذي أحداً، بتصرف قبل ما فكّر وبعرف شو بيصير براسي، بدي وقّف احرك، بس راسي ما بدو”.
اميل (اسم مستعار) لديه المشكلة نفسها، يقول: “أول مرة بفوت عالمدرسة وما بتجي ولا شكوى عليّ، قبل ما اجي عالمركز غيّرت 14 مدرسة بحياتي خلال 4 سنوات، بحكي من دون ما ارفع ايدي، ما بتلحقني ايدي، هلق مشي حالي ورح ابني مستقبلي”.

لا تدرس كثيراً… أدرس بذكاء:
هنا عشر قواعد عملية تجعل الدرس تجربة جميلة وعملاً جذاباً لدى كلّ طالب وطالبة:
1- ثق بنفسك وتأكّد بأنك تستطيع أن تتعلم أيّ شيء في أي مادة! كل الدروس تحتوي مفاهيم وحقائق متناسبة مع قدراتك، بل أقل منها. كذلك فإن المعلمين يقومون بشرحها وتبسيطها وتقديم الأمثلة. فكّر جيداً ما الذي يجعلك تتوهم أنك ضعيف ولا يمكنك استيعاب هذه الدروس، لا شكّ أنك قادر على الفهم والحلّ والتحليل والإبداع.
2- ركّز أثناء شرح المعلم للدرس؛ اكتب ملاحظات تلخّص أهم نقاط الدرس ومحاوره والجديد فيه، ستجد الأمر مُتعباً في البداية، لكن الصعوبة ستزول عندما تلاحظ كم توّفر عليك هذه الطريقة من وقت وجهد عند حلّ الفروض ومراجعة الدروس، لا تنس مراجعة هذه الملاحظات لدقائق في البيت قبل البدء بدروس الغد أو الاستعداد للامتحان .
3- جهّز مكاناً خاصاً للدرس في البيت، الاستلقاء على السرير خيار سيئ جداً! ضع كل ما تحتاجه خلال الدرس من أدوات وأوراق وغيرها في متناول يدك. عليك إطفاء كل مصادر الضوضاء وتشتيت الانتباه والذهن والحواس، يجب أن تنهي درسك بسرعة، لكي تتابع بقية حياتك وبرامجك المتنوعة!
4- لا تترك هواياتك بل قم بها دوماً لتتكامل مع درسك؛ اقرأ وطالع يومياً ولو لعشر دقائق، طالع الروايات والكتب والمقالات المتنوعة، خصص بعض مطالعتك لمواضيع توسّع فيها معلوماتك عن مواد درسك من العلوم للتاريخ إلى اللغة والأدب والجغرافيا و…الإنترنت ومواقع البحث والوثائقيات متوافرة وجاهزة لدعمك وتوسيع معارفك ومهاراتك بشكل جذاب وستلاحظ الفرق عندما تشارك في نقاشات الصف.
5- مارس رياضتك المفضلة ولا تجعل أيام الدراسة حالة طوارئ وحرمان، تناول الفطور الصحي يومياً ولا تقبل بأكل ما يزيد وزنك ويُضعف تركيزك! حدّد ساعة مناسبة للنوم ولا تتجاوزها مهما حدث، فجسمك يستحقّ ويحتاج إلى النوم والراحة لينطلق بفرح ونشاط صباح اليوم التالي.
6- ابدأ دائماً بالدروس والتمارين التي تظنّ أنها الأصعب، خذ استراحة عشر دقائق مثلاً عند كل 25 دقيقة درس جدي وقدّم لنفسك مكافأة ممتعة على جهودك، لعبة ما أو نزهة صغيرة أو برنامجاً مفضلاً أو مزاحاً مع أخيك الصغير، حدد الجوائز والمفاجآت.
7- ترسيخ المعلومات والمعارف عبر مباحثتها ومناقشتها، الأفضل أن تعلمها للآخرين سواء لطالب في صفك أو لأمك وهي تعّد الطعام! ستجد كيف أن صور المسائل وأساليب حلها ستحضر في ذهنك بوضوح وسهولة، فكّر دوماً بأهداف كلّ درس وعلاقته بكل المادة وكذلك بعلاقة المواد ببعضها وبالحياة العملية، العلم النافع سيجعلك تحبه وتتعمق فيه ليصبح التعلم المستمر أسلوب تفكيرك ونمط حياتك.
8- احترم كل المعلمين وأظهر تقديراً لجهودهم – الحب ليس شرطاً وإن كان يسهل التعلم – المهم هو حفظ الأدب والالتزام بالقوانين وأخلاقيات الصف، جرّب أن تضع نفسك مكان أستاذك، حينها ستتغير نظرتك وتعاملك معه وتنسجم مع شرحه وتدريسه، فيفرح وتربح!
9- خصص وقتاً للتأمّل والتفكير في الحياة والمستقبل بأمل وبهجة، بعيداً عن أجواء التشاؤم و”النق” والإحباط التي تبثها نشرات الأخبار وبرامج الجدالات السياسية، اتركها للعاطلين عن الأحلام، ابحث عن كلمات الحكماء والعلماء والعرفاء فهي مصدر طاقة روحية لا ينضب، الدعاء والصلاة والتكامل المعنوي أفضل رصيد للتكامل العلمي وبناء الهوية والشخصية القوية؛ تأمّل في حياة العظماء والمبدعين.
10- قبّل يد أمك ومازح أباك، خطّط لنفسك وضع البرامج المتنوعة لدرسك ووقتك ووهواياتك، وتذكّر أن عملك الأساسي في هذا العمر هو الدرس وطلب العلم لبناء شخصية فعالة وأخلاق عالية. أنت ترسم اليوم نفسك وتحدّد هويتك ومستقبلك، بقليل من التفكير يمكنك تحديد نقاط ضعفك ومعالجتها بصبر ومثابرة، والتعرّف إلى الأسلوب الأفضل لدرسك وتعلمك وحياتك الطيبة…


*بريد القراء نقلاً عن صحيفة الأخبار 16/10/2017.
محمد محسن عليق: أستاذ التربية في الجامعة اللبنانية.