قرأت لكم

كتاب “موت الغرب”

د‌. ميساء بنات*

47- العدد السابع والأربعون خريف 2018

كتاب “موت الغرب”: أثر شيخوخة السكان وموتهم وغزوات المهاجرين على الغرب” بقلم باتريك جيه بوكانان ولمن ﻻيعرفه هو: سياسي ومفكر أمريكي معروف عمل في منصب مستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين، وهو كاتب لعمود صحافي دائم في عدد من الصحف الأمريكية ومؤسس لثلاثة من أشهر برامج التلفزيون في أكبر قناتين أمريكيتين إن بي سي و سي إن إن. من مؤلفات بوكانان:
“الخيانة العظمى”,”يوم الحساب “,” عندما يصير الصواب خطيئة”, حالة طارئة “. والكتابان الأكثر مبيعا” في الولايات المتحدة الأميركية: “محق منذ البداية ” و “جمهورية لا إمبراطورية”. أما الكتاب الذي نحن بصدده فهو “موت الغرب” الذي صدر في العام 2002 في الولايات المتحدة الاميركية. نقله إلى العربية محمد محمود التوبة.

مقدمة الكتاب:
يقدم الكاتب لكتابه بجملة تختصر مضمونه: “اننا نفقد البلد الذي نشأنا فيه.” ثم يسترسل بعرض سلسلة من الأمور التي تصف وضع الولايات المتحدة الأمريكية في عصرها الذهبي: نسبة البطالة منخفضة، معدلات الجريمة متدنية، مدخول الفرد مرتفع، القوة العسكرية غير مسبوقة وغير ذلك من الإنجازات. ولكن رغم هذه الإنجازات الإستثنائية، يرى بوكانان أن الهجرة غير المُسيطر عليها في الغرب تهدد بتفكيك الأمة الغربية وتحولها إلى شعوب ململمة بدون أي قاسم مشترك بينها. وقد انطلق الكاتب من الوضع الأمريكي معمماً نظريته على كافة الدول الأوروبية منطلقاً من الفكرة التالية: “أمريكا هي بوتقة الله، هي بوتقة الانصهار العظيمة، وفيها تذوب كل أجناس أوروبا ويعاد تشكيلها.”
يتطرق بوكانان في مقدمته أيضا إلى ما تعانيه أمريكا من ثورات ثقافية تؤدي إلى خلق شعب جديد يشعر بالغربة عن أرضه. ويشير بالتحديد إلى الثورة التي انفجرت في الستينات في ساحات الجامعات ويخبر قرّاءه أنه سيصف هذه الثورة وماذا تعنيه ومن أين جاءت وكيف تقوض البنيان الغربي وتغيّر معتقداته وتأسر شبابه. ويرى الكاتب أن هذه الثورة لا تطال أمريكا فقط بل أمم الغرب قاطبة وينتج عنها باختصار حضارة جديدة، وثقافة جديدة، وإيمان جديد، ونظام أخلاقي جديد. أما بلدان الغرب التي تحتضر وتشارك في مسيرة الموت العظمى لموت الغرب فهي بحسب بوكانان: بلجيكا، بلغاريا، كرواتيا، جمهورية التشيك، الدنمارك، أستونيا، ألمانيا، هنغاريا، إيطاليا، لاتيفا، ليتوانيا، البرتغال، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، إسبانيا، وروسيا. ويشمل ذلك أيضا جميع ملل الإيمان المسيحي أي: الكاثوليك، البروتيستانت، والأرثوذوكس.

موت الغرب موتان: أخلاقي وديموغرافي بيولوجي
يصنف بوكانان الموت الذي يلوح في أفق الغرب إلى نوعين: موت أخلاقي بسبب السقوط الأخلاقي الذي ألغى كل القيم التربوية والأسرية والأخلاقية التقليدية، وموت ديموغرافي وبيولجي وهو ناتج عن النقص السكاني بالموت الطبيعي. يشير الكاتب إلى أعداد أفراد العائلات والسجلات الحكومية التي تؤشر إلى اضمحلال القوى البشرية في الغرب وإصابة ما تبقى منها بشيخوخة لا شفاء منها إلا باستقدام المزيد من المهاجرين الشبان أو بالقيام بثورة حضارية مضادة تعيد القيم الدينية والأخلاقية إلى مكانتها التي كانت من قبل. يصف بو كنان الموت المقبل بالمريع والمخيف لأنه وباء ومرض من صنع الغرب ونتاج أفكاره وليس بسبب خارجي مما يجعل هذا الموت أسوأ بكثير من الوباء الأسود الذي قتل ثلث سكان أوروبا في القرن الرابع عشر!
فالوباء الجديد لا يقتل إلا الشباب مما يحول الغرب عموما وأوروبا بشكل خاص إلى قارة للعجائز. القصة ليست مجرد تخمينات أو توقعات أو احتمالات إنما هي حقيقة واقعة تصدم المتطلع عليها لشدة وضوحها … خاصة عندما تبدأ الأرقام بالحديث، إذ وفقا للإحصاءات الحديثة هبط معدل الخصوبة عند المرأة الأوروبية إلى طفل واحد لكل امرأه، علما أن الحاجة تدعو إلى معدل طفلين كحد ادني لتعويض وفيات السكان الموجودين الآن دون الحديث عن زيادة عددهم. وإذا بقيت معدلات الخصوبة الحالية على ما هو عليه فإن سكان أوروبا البالغ عددهم 728 مليون نسمة بحسب إحصاء عام 2000م سيتقلصون إلى 207 ملايين في نهاية هذا القرن إلى أقل من الثلث.
وفي المقابل ففي الوقت الذي تموت فيه أوروبا لنقص المواليد يشهد العالم الثالت الهند والصين ودول أمريكا اللاتينية (وخاصة المسلمون) انفجارا سكانيا لم يسبق له مثيل بمعدل 80 مليونا كل عام ومع حلول عام 2050م سيبلغ مجمل نموّهم السكاني 4 مليارات إضافية (4 مليارات إضافية من البشر) وهكذا يصبح كابوس الغرب حقيقة وتصبح أوروبا بكل بساطة ملكا لهؤﻻء بعد وقت ليس بالبعيد.
ويقول المؤلف: إن الأرقام تصبح مخيفة أكثر عند تناولها لتشخيص مرض النقص السكاني على مستوى الدول والأمم بعد 50 عاما من الآن ففي ألمانيا سيهبط التعداد السكاني من 82 مليونا إلى 59 مليون نسمة، وسيشكل عدد المسنين ممن تجاوزوا الـ65 عاماً أكثر من ثلث السكان.. أما إيطاليا فستشهد تقلص عدد سكانها البالغ 57 مليونا إلى 41 مليونا، وستصبح نسبة المسنين 40 % من التعداد العام للسكان. وفي إسبانيا ستكون نسبة الهبوط 25 المئة، وستشهد روسيا تناقص قواها البشرية من 147 مليونا إلى 114 مليون نسمة.
ولا تتخلف اليابان كثيرا في اللحاق بمسيرة الموت السكاني فقد هبط معدل المواليد في اليابان إلى النصف مقارنة بعام 1950 وينتظر اليابانيون تناقص أعدادهم من 127 مليون نسمة إلى 104 ملايين عام 2050م.

لماذا توقفت أمم أوروبا وشعوبها عن إنجاب الأطفال؟
يعلق بوكانان على هذه الارقام والإحصاءات بأنها مخيفة ويطرح التساؤل التالي:
لماذا توقفت أمم أوروبا وشعوبها عن إنجاب الأطفال وبدأت تتقبل فكرة اختفائها عن هذه الأرض بمثل هذه اللامبالاة؟
يقول المؤلف: إن الجواب يكمن في النتائج المميتة لهذه الثقافة الجديدة في الغرب والموت الأخلاقي الذي جرّته هذه الثقافة على الغربيين هو الذي صنع موتهم البيولوجي.
فانهيار القيمة الأساسية الأولى في المجتمع وهي الأسرة وانحسار الأعراف الأخلاقية الدينية التي كانت فيما مضى تشكل سداً في وجه منع الحمل والإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار المؤسسة الزوجية إضافة إلى تبرير لا بل تشجيع العلاقات الشاذة المنحرفة بين أبناء الجنس الواحد كل هذا دمر بشكل تدريجي الخلية المركزية للمجتمع وأساس استمراره ألا وهي الأسرة.
وتبدو لغة الأرقام هنا أكثر هولاً: فقد ارتفع الرقم السنوي لعمليات الإجهاض في الولايات المتحدة من ستة آلاف حالة سنوياً عام 1966 إلى 600 ألف عام 1976 بعد أن سمح بالإجهاض واعتبرت عملية قتل الأجنَة حقا للمرأة يحميه الدستور وبعد عشر سنوات وصل الرقم إلى مليون ونصف حالة إجهاض في العام الواحد. أما نسبة الأطفال غير الشرعيين فهي تبلغ اليوم 25 في المائة من العدد الإجمالي للأطفال الأمريكيين ويعيش ثلث أطفال أمريكا في منازل دون أحد الأبوين، أما بدون الأب وهو الغالب وأما بدون الأم.
ويتطرق الكاتب إلى مؤشر آخر خطير: فقد بلغ عدد حالات الانتحار بين المراهقين الأمريكيين ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 1960 أما عدد مدمني المخدرات، المدمنين وليس المتعاطين، بلغ أكثر من ستة ملايين شخص في الولايات المتحدة وحدها.
وقد تناقصت كثيراً أعداد الشبان والشابات الراغبين في الزواج، طبعا في مجتمع يسمح بالحرية الجنسية الكاملة ويتيح المساكنة بين الرجل والمرأة دون أي رابط شرعي أو قانوني في بيت واحد، وخوف الرجل من قانون الأحوال الشخصية الظالم إذ تأخذ الزوجة نصف ثروته في حالة الطلاق وتضطر المرأة للقبول بالمساكنة بدون زواج بسبب حاجتها إلى رجل يقف معها ويحميها ناهيك عن حاجتها البيولوجية.
أما قضية الشذوذ الجنسي وقانون الزواج بين أبناء الجنس الواحد فحدث ولا حرج فقد بلغت حداً لم يكن ممكنا مجرد تخيله في السابق. وكانت هيلاري كلنتون أول سيدة أولى في البيت الأبيض تمشي في تظاهرة لمثليين لإبداء تعاطفها مع قضيتهم ومطالبهم المشروعة!

خلاصة الكتاب:
وأخيراً يخلص المؤلف للقول إن هذه هي إحصاءات مجتمع منحط وحضارة تحتضر وتموت. وقد يكون زمن الغرب قد حان مثلما يحين زمن كل حضارة. موت الغرب بحسب بوكانان مقدر وليس هناك من معنى لوصف عقاقير جديدة أو لتوصية معالجات مؤلمة لأن المريض في نزع الموت ولا يمكن فعل شيء. ويختم الكاتب أن حضارة مثل هذه لا يمكن أن تكون حرة فلا وجود للحرية دون فضيلة ولا وجود للفضيلة بغياب الإيمان.


*من صديقات منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، أستاذة محاضرة في جامعة رفيق الحريري.

The Death of the West: How Dying Populations and Immigrant Invasions Imperil Our Country and Civilization.By Patrick J. Buchanan.