أطفالك مدمنون على مواقع التواصل الاجتماعي

أ.زينب ضاهر*

48- العدد الثامن والأربعون شتاء 2019

إدمان مواقع التواصل الاجتماعي
لا يخفى على أحد الاهتمام البالغ بمواقع التواصل الاجتماعي، خاصة من قبل المراهقين الذين أدمنوا هذه المواقع وصرفوا أوقاتهم في تعزيز صورهم وحياتهم الافتراضية عبر نشر الصور والمعلومات والأخبار والاهتمامات، من أجل الحصول على علاقات اجتماعية وهمية محاولة لزيادة ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بكيانهم الاجتماعي ضمن مظاهر العولمة الجديدة.
فهل أصبحت هذه المواقع تُشكّل خطر إدمان ؟ وأي نوع من الإدمان يكون؟

أشارت بعض الدراسات إلى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الدماغ، ففي دراسة لمركز تخطيط الدماغ في جامعة UCLA، أظهرت الدراسة أنه عندما تحصد صور المراهقين الشباب على الإعجاب، تنشط مراكز “المكافآت” في الدماغ بالطاقة (أورلاندي، 2017). وقام شيرمان وزملاؤه بدراسة مماثلة عبر تصوير دماغ البعض، حالة معرفتهم بكمية الاعجاب التي نالتها صورتهم، فتنشطت منطقة معينة في الدماغ تدعى “nucleus accumbens” (كما تظهر الصورة أدناه)، وترتبط هذه المنطقة بالمكافآت وتضيء عندما يقوم الإنسان بأشياء ممتعة كأكل الشوكولا أو ربح المال، وذلك بحسب الباحثين الذين استنتجوا بأن عملية الحصول على الاعجاب هي ذات مكافآة عالية للإنسان.

وأشارت الدراسات السابقة حول “nucleus accumbens” لدى الأطفال مقارنة مع المراهقين، بأنه تتنشط هذه المنطقة لدى المراهقين عندما يقومون بأنشطة تعطيهم بالمقابل “مكافآت”. وتنمو وتكبر بالحجم خلال سنوات المراهقة لتعود وتنكمش لاحقاً. ما يشرح، بحسب شيرمان، السلوك المتهور، والبحث القوي عن اللذة وعدم اتخاذ قرارات عاقلة لدى المراهقين. وما يشرح أيضاً العلاقة القوية بينهم وبين المكافآت الناتجة عن مواقع التواصل الاجتماعي. (ألمندرالا، 2016)
يحث ذلك المراهقين على نشر المزيد من الصور على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على الاعجاب والقبول الاجتماعي. ويعتبر القبول الاجتماعي عامل مهم في التكنولوجيا الحديثة، خاصة بالنسبة للمراهقين. إذ يتم إظهار عملية الاعجاب إلى العلن ما يعزز الأنا أو يؤدي إلى مقارنة مؤذية للإنسان بينه وبين غيره. وفي كلتي الحالتين يتشجع على نشر المزيد من الصور.
يحل استخدام التكنولوجيا مكان التفاعل الجسدي المباشر ما يؤثر سلباً على النمو الاجتماعي للفرد. وبحسب “Child Mind Institute”، يخسر الأطفال مهارات اجتماعية مهمة. فعملية التواصل أونلاين تضع الطفل في قالب معطّل غير لفظي، تغيب فيه لغة الجسد، تعابير الوجه وردّات الفعل الصوتية. (أورلاندي، 2017)
ولقد أشار علماء من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بأنه لعملية الإعجاب أثر تراكمي، فعندما يُعجب أحدهم بمنشور معين، يقوم أقرانه بالمثل بغض النظر عن مضمون المنشور. ومن الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي، شعور المراهقين بالإدمان على أجهزتهم. ووجدت دراسة أخرى ارتباط الضغط الناجم عن وسائل التواصل الاجتماعي بزيادة احتمال الاصابة بالاكتئاب والقلق لدى المراهقين. (ألمندرالا، 2016)

إدمان الهواتف الذكية
ذكر الدكتور غسان مراد في كتابه “الإنسانيات الرقمية” (ص. 233) أنه من الممكن أن تؤدي الهواتف الذكية إلى تغير في بعض الدوائر العصبية، خصوصاً عند الأطفال، فالمختصون يعتبرون أن الدماغ الذي هو في طور التطور عند الأطفال، قد تعوّد الإشباع الفوري، ويؤدي به هذا التعود، إلى تغيرات في الجزء الدماغي المتعلق بأمكنة الذاكرة الفورية قصيرة الأمد، على حساب تقلص النشاط في الأمكنة المتعلقة بالذاكرة طويلة الأمد، والتي من خلالها ننفذ الأنشطة الأكثر تعقيداً.
لهذا من الممكن الإصابة بإدمان الهواتف الذكية، وذلك من خلال مراقبتها بشكل دائم وقهري (Compulsive)، وهذا الأمر يفرض تجنيب الأطفال خطر الإصابة بهذا الإدمان، وتعليمهم بطريقة سليمة، تؤدي إلى بناء هيكلية، تلحظ حفظ الأولويات، المطلوبة لتحصيل المعرفة وتحليلها. ويكون ذلك من خلال تفعيل الأنشطة، التي تتطلب تحفيز الدماغ (كقراءة القصص، وحفظ الشعر، وحلّ المسائل الرياضية…) ونفتّش هنا على خلق قدرة التنبّه عند الأطفال، وليس على قدرة المحاكاة عند قيامهم بأمور معقدة.
وكانت صحيفة الاندبندنت (Independant) البريطانية قد نشرت مقالة تحت عنوان “Giving your child a smartphone is like giving them a gram of cocaine, says top addiction expert”، قالت فيها الأخصائية ماندي ساليجاري Mandy Saligari العاملة في عيادة لإعادة التأهيل (Harley Street rehab clinic): “أردد دائماً للناس أنهم عندما يقدمون لأطفالهم لوحة ذكية أو هاتف، أنهم يقدمون في الحقيقة قنينة نبيذ أو غرام من الكوكايين”، وتقول: “لماذا نعير أهمية أقل بكثير لهذه الأمور من المخدرات والكحول مع أنها تعمل على نفس مؤثرات الدماغ؟”
وبات من الطبيعي زيارة الأطفال إلى مراكز لإعادة التأهيل من الهاتف الذكي (Smartphone rehab)، حيث قامت عائلات عدة في الولايات المتحدة الأميركية بإرسال أبنائهم البالغين من العمر الثالثة عشرة إلى مراكز لمعالجة إدمانهم على التكنولوجيا الرقمية. يقوم أحد هذه المراكز بتقديم برامج مكثّفة للمراهقين الذين يواجهون مشاكل في سيطرتهم على استعمال الأجهزة الإلكترونية.
في حين ثلث أطفال المملكة المتحدة، بين الثالثة والخامسة عشر، يعبرون عن عدم موازنتهم بين استعمال الشاشات الإلكترونية والقيام بنشاطات الأخرى.

إدمان الألعاب الإلكترونية
لعبة Player unknown’s Battlegrounds أو كما تعرف اختصاراً باسم PUBG، هي واحدة من ألعاب الفيديو التي انتشرت أخيراً واجتاحت مواقع الـ”سوشال ميديا”، في الحديث عنها، إذ حمِل أكثر من وسم باللغتين العربية والإنكليزية اسم Pubg أو “بوبجي”، وتعددت التغريدات بين التأييد والرفض، ولم تخل الأوسمة من بعض الآراء المضحكة.

وفق ما ذكره موقع pocket-lint، فإن اللعبة التي يمارسها أكثر من 400 مليون لاعب حول العالم، تُعدّ الأنجح بين الألعاب التنافسية في الفترة الأخيرة، وهي الإصدار الأخير لشركة Epic Games، إذ تتوفر مجاناً على الهواتف الذكية بنسختي IOS، والأندرويد، بالإضافة إلى أجهزة ألعاب الفيديو المنزلية مثل الـXbox، وجهاز الكمبيوتر الشخصي. وأشارت الاحصاءات بأن اللعبة تواجدت في مقدمة التطبيقات التي يجري تحميلها في أكثر من 100 دولة حول العالم، وقد تم تحميلها على متجر أندرويد أكثر من 32.34 مليون مرة.
وتسبب اللعبة الإدمان للاعبيها إذ عبّر الكثيرون عن انشغالهم باللعبة عن عملهم ونشاطاتهم الأخرى.
بل وتسببت اللعبة بزواج اثنين وطلاق اثنين، وإصابة أخرين بالإدمان.

وتم إدخال فتى في الخامس عشر من العمر إلى عيادة في بنغالورو في الهند، تابعة للمعهد الوطني للصحة العقلية والعصبية، تسعى إلى تحقيق الاستخدام الصحي للتكنولوجيا، وذلك لمعالجته من إدمانه على لعبة الـ PUBG. بعد تشخصيه بما أصبح يُعرف بـ “اضطراب اللعب” (Gaming disorder). وهو ما اعترفت به منظمة الصحة العالمية في حزيران 2018. وتتّسم عوارضه بوضع اللعب في المرتبة الأولى مقابل أية نشاطات أخرى، وباستكمال اللعب بغض النظر عن العواقب السيئة التي تحصل للاعب.


*من أعضاء منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة – لبنان.
المصادر:
– مقالة تحت عنوان: This Could Explain Why Teens Are So Obsessed With Social Media – Anna Almendrala – نُشرت في 06/03/2016 –على موقع www.huffingtonpost.com
– مقالة تحت عنوان: “Teens obsessed with social media” –Anna Orlandi – 27 تشرين الثاني 2017 من على موقع: www.ludlowcub.com
– مقالة تحت عنوان: “Giving your child a smartphone is like giving them a gram of cocaine, says top addiction expert”- Rachael Pells – 7 حزيران 2017–من على موقع صحيفة الاندبندنت البريطانية: www.independent.co.uk
– مقالة تحت عنوان: “Children as young as 13 attending ‘smartphone rehab’ as concerns grow over screen time” – Katie Forster – 14 نيسان 2017 – من على موقع صحيفة الاندبندنت البريطانية: www.independent.co.uk
– مقالة تحت عنوان: “PUBG: هوس عالمي يختطف عقول الشباب” – 1 تشرين الأول 2018 – من على موقع شبكة النبأ المعلوماتية: www.annabaa.org
– مقالة تحت عنوان: “Digital detox: This Bengaluru clinic helps people battle tech-based addictions” – Vikram Gopal – 5 آب 2018 – من على موقع صحيفة الهيندوستان تايمز: www.hindustantimes.com
– كتاب “الإنسانيات الرقمية” للدكتور غسان مراد.