العكبر: الذهب الأرجواني في خلية النحل – اكتشافات وأبحاث جديدة

د. ميساء بنات*

العدد الثاني والخمسون شتاء 2020

هناك العديد من المنتجات والمركبات التي يستطيع النحل إنتاجها غير العسل، ومنها العكبر فما هو العكبر؟ وما هي فوائده الصحية؟
عرف الإنسان فوائد صمغ النحل أو العكبر أو البربوليس منذ آلاف السنين وقد تجدد الاهتمام به حديثاً نظراً لكونه مصدراً طبيعياً في الطب الشعبي وفي الصناعة الكيميائية. توضح هذه المقالة التكوين والخصائص البيولوجية والدوائية والنشاط العلاجي لاستخدامات صمغ النحل.
تحمل النحلة فكرة العلاج الطبيعي إذ قد توفر هذه الحشرة “المتواضعة” علاجاً للفيروسات والأمراض التي تصيب الانسان وذلك بإفراز مادة راتنجية صمغية يستخدمها النحل في تثبيت خلية النحل ولصق أطرها، وسد الشقوق والفوهات التي يدخل منها الضوء، وتضييق مدخل الخلية في فصل الشتاء. كما يستعملها لتحنيط بعض القوارض والحشرات كبيرة الحجم التي يقتلها داخل خليته، ويصعب عليه إخراجها لكبر حجمها، فيقدم على تغليفها بالكامل بالعكبر، منعاً لتحللها وصدور روائح كريهة داخل الخلية .

ماذا قال الطب القديم عن صموغ النحل؟
عرف الإنسان فوائد العكبر منذ آلاف السنين، فاستعمله المصريون ثم الإغريق والرومان في العلاج. و استخدمه الإغريق قديماً لالتئام الجروح وتقليل التورم.
ويقول الخبراء أن العكبر موجود منذ أكثر من 45 مليون عاماً، وأنه استخدم من قبل الإنسان لآلاف السنين. واستعمل أبوقراط العكبر كمرهم في علاج الجروح والقروح. وبعد أربعة قرون كتب الطبيب الروماني الشهير ”ليني” عن فوائد العكبر في شفاء القروح وتخفيف التورمات وتليين المناطق القاسية. واستعمل العكبر في القرون الوسطى كمادة مضادة لالتهابات جوف الفم ومضاد لقلح الأسنان. كما استعمل في علاج الزكام وآلام المفاصل، ومن إحدى العادات المتبعة في ذلك الحين أن توضع كمية قليلة منه على سرة الوليد !!.

المحتويات الكيميائية لصمع النحل
يتكون العكبر من (55) بالمئة من موارد راتنجية وبلسم، و (30) بالمئة من الشمع، و (10) بالمئة من زيوت عطرية، و (5) بالمئة من حبوب اللقاح، ويحتوي على العديد من الفيتامينات وأهمها فيتامين (A)، ويحتوي أيضاً على المعادن الأربعة عشر المهمة للجسم البشري، منها الكالسيوم، والصوديوم، والبوتاسيوم وغيرهم .
ماذا قال عنه الطب الحديث؟
وحديثاً يجري الأطباء البريطانيون اختبارات لمعرفة ما إذا كان العكبر يساعد في علاج الاكزيما والتقرحات وقرحة المعدة. ويعتقد حتى انه ينفع لتخفيف مرض الزهايمر.
وقد تبيّن لباحثين في جامعة “بليموث” في بريطانيا،، (Plymouth University) ، أن غسول الفم المصنوع من مادة يستخدمها النحل لمقاومة الماء في الخلية، يمكن أن يساعد في مكافحة ارتفاع ضغط الدم وأمراض اللثة. وبالإضافة إلى استخدام هذه المادة في المجال الطّبي بفضل فوائدها المطهرة، كما كشفت الدّراسة أنّ هذا الصمغ يُستخدم أيضاً لخفض ضغط الدّم.

وفي هذا الإطار، يشرح الباحثون أنّ هذه المادة تُخفض ضغط الدم في الجسم عن طريق تحفيز نشاط البكتيريا الموجودة بشكل طبيعي في الفم وزيادة أعدادها، والتي تحول مادة النترات في الغذاء إلى مركب يوسّع الأوعية الدموية مما يخفض ضغط الدم.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور راؤول بيسكوس: “لقد اختبرنا غسول الفم هذا على 50 متطوّعاً في الجامعة وقمنا بتحليل البكتيريا في أفواه المشاركين في بداية ونهاية التجربة. ويمكننا القول إن تعزيز عدد البكتيريا في الفم ونشاطها يساهم في الحفاظ على مستوى ضغط الدم الطبيعي وبالتّالي يُتناول الصمغ كبديل للأدوية المستخدمة في هذه الحالات.”
وسيدرس الفريق في المدى المنظور أيضاً ما إذا كان غسول الفم الذي يحتوي على صمغ النحل يمكن أن يساعد في مكافحة أمراض اللثة، بعد أن اقترحت ذلك دراسات سابقة. وإذا نجحت هذه الاختبارات التي تجري في ثلاثه مستشفيات بريطانية، فانها ستفتح الطريق لكي يتم ترخيص هذه المادة كدواء.
ويعتقد البروفيسور أرنولد بيكيت، وهو خبير في كيمياء الأدوية، أن البروبوليس أو العكبر قد يزود الأطباء بمضاد حيوي طبيعي لمكافحة العدوى. وأنه يعمل كمضاد للفيروسات، ومكافحة الفطريات المضادة للبكتيريا، وهو ما يعادل أياً من المخدرات الحديثة. وتبين الأبحاث أن هذه المادة فعالة جداً في مكافحة البق بسبب مزيج فريد من نوعه مكون من أكثر من 2,000 مكوناً كيميائياً.
وقد استخدم البروفيسور بيكيت أيضا مرهم صمغ النحل على مرضى الأكزيما لتخفيف الحكة، وقد تبين انه إذا كانت القروح موجودة بالفعل، فإنها تلتئم بسرعة. ويتم العمل على عدد من الإختبارات في مستشفى هامرسميث في لندن لمعرفة ما إذا كان صمغ النحل يقلل من أمراض الالتهابات الجلدية. وينظر الباحثون أيضاً في ما إذا كان يساعد على التئام الجروح الناجمة عن قرحة الساق.
واستنادا إلى التركيب الكيميائي المعقد جداً لصمغ النحل وخصائصه الدوائية والعلاجية، نستنتج أن صمغ النحل مادة طبيعية قوية يمكن استخدامها لعلاج الأمراض البشرية بنجاح كبير. وترتبط بعض المشاكل لهذا المنتج بمصدر تكوينه النباتي وبوقت جمع وإدراج ملوثات الشمع. كما أن الاختبارات الكيميائية الدقيقة لم تطبق بعد لغرض مراقبه الجودة .
مستقبل أبحاث العكبر
يلزم إجراء مزيد من البحوث بشأن التركيب الكيميائي لصمغ النحل وبشأن الأنشطة البيولوجية للمواد المعزولة عنه. على وجه الخصوص، يمكن أن يكون اكتشاف مصادر النباتات لصمغ النحل في مناطق جغرافية مختلفة ذات أهمية كبيرة. ويمكن أن تؤدي معرفة المركبات النشطة إلى صياغة عدد من أنواع البروبوليس “المحلي” استناداً إلى أصل النبات؛ على سبيل المثال “الأوروبيه”، “الروسية الشمالية”، وبعض الأنواع “البرازيلية”.
كما يجب الجمع بين الاختبارات الكيميائية والتجارب البيولوجية لأغراض مراقبة الجودة، وخاصة الاختبارات المضادة للميكروبات وخصائص النقاء، مثل النسبة المئوية من شمع العسل، وبقاياه غير القابلة للذوبان. ويتطلب هذا النهج إجراء تحقيقات منهجية في الكيمياء والعمل البيولوجي لصمغ النحل في المناطق الكبيرة, هذا لا يمكن تحقيقه إلا بالجهود المشتركة التي يبذلها العديد من العلماء ومربي النحل والمنظمات الوطنية والدولية العامة والحكومات وذلك لمعرفة المزيد حول العكبر: “الذهب الأرجواني من خليه النحل”.
من أوجه الإعجاز العلمي:
هذا الخليط العجيب، الذي تعجز أكبر المصانع التي بناها الانسان عن إنتاج شيء مثله، يخرجه ربنا ﷻ من بطون الشغالات من إناث النحل، ولذلك جاءت الإشارة اليه بقول الله ﷻ: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} (سورة النحل)، والألوان لغةً تعني الأنواع أيضاً وليس الأصباغ فقط، وهو شراب لأنه خليط من عسل النحل و غذاء ملكات النحل وشمع النحل، وصموغ النحل وغرائه (أو العكبر) وسم النحل، وخبز النحل. وهذه حقائق لم يبدأ الإنسان بالتعرف عليها إلا بعد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وأشار إليها القرآن الكريم من قبل ألف وأربع مئة سنة بهذه الدقة العلمية الفائقه بقوله ﷻ :{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) } (سورة النحل).
كما وردت أحاديث نبوية عديدة عن فوائد منتوجات النحل، ومن ذلك ما ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ:‏ “‏مَنْ لَعِقَ الْعَسَلَ ثَلاَثَ غَدَوَاتٍ كُلَّ شَهْرٍ لَمْ يُصِبْهُ عَظِيمٌ مِنَ الْبَلاَءِ ‏” ‏‏.‏


* أستاذة في جامعة رفيق الحريري، ومن أعضاء منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وعضو في منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

1- الإعجاز-العلمي/علم-الحيوان-والحشرات/وفي-العكبر-أسرار-وإعجاز https://www.iijazforum.org/-1

2- Pope, N. (1999, Jun 02). Bee healthy: Final 1 edition]. The Sun Retrieved from https://search.proquest.com/docview/369377100?accountid=158790

3- 3 Bankova, V. S., de Castro, S. L., & Marcucci, M. C. (2000). Propolis: recent advances in chemistry and plant origin. Apidologie, 31(1), 3-15.

4- رواه ابن ماجة في “سننه” (3450) ، والبخاري في “التاريخ (6/54) “