الصعوبات التعلمية وطرق معالجتها

فاتن الحاج*

49 – العدد التاسع والأربعون ربيع 2019

يشكو نحو 10 % من التلامذة حول العالم من صعوبات تعلمية محددة. وفي لبنان، لا تقل النسبة عن هذا الرقم. وتتنوع الحالات بين عسر في القراءة (ديسلاكسيا)، أو عسر في الكتابة (ديسغرافيا)، أو عسر في الحساب (ديسكلكوليا)، أو اضطرابات سلوكية أو اضطرابات نفسية وغيرها. يستطيع هؤلاء أن ينخرطوا في التعليم مع جهد إضافي من الأساتذة، الأهل والمجتمع ليس في ملامح ذوي الصعوبات التعلمية المحددة ما يوحي بأنهم مختلفون عن الأطفال العاديين، لدرجة أنّ أدبيات التربية المختصة تصف صعوباتهم بـ «الإعاقة الخفية المحيّرة». يمتلكون طاقات تخفي جوانب الضعف في أدائهم. يعانون فروقاً بين القدرات الذهنية والمردود الأكاديمي.
قد يسردون قصصاً رائعة وهم لا يستطيعون الكتابة، وقد ينجحون في تأدية مهارات معقدة جداً، ويخفقون في اتباع التعليمات البسيطة. بعضهم لا يستطيع تعلّم القراءة، وبعضهم عاجز عن تعلّم الكتابة، وبعضهم يواجه صعوبات حقيقية في تعلّم الرياضيات، ومنهم من يتعثر في الكلام ويرتكب أخطاء متكررة، ومنهم من يعاني من عسر في تنسيق الحركات والإفراط الحركي.

الصعوبات التعلمية ليست احتياجات خاصة:
ولأن هؤلاء ينجحون في تعلـّم بعض المهارات ويفشلون في تعلّم مهارات أخرى، فإن المركز اللبناني للتعليم المختص (C.L.E.S) ركز في حملته السنوية لهذا العام على عدم جواز الخلط بين ذوي الصعوبات التعلمية المحددة، حيث الإحاطة بظروفهم والتغلب على معاناتهم ومساعدتهم للبقاء ضمن النظام الدراسي متوافرة بشكل كبير، وبين ذوي الاحتياجات الذين يتطلبون عناية تعليمية مختلفة، «من دون أن يُعد ذلك موقفاً مسبقاً من الدمج الاجتماعي للفئة الثانية»، كما تسارع إلى القول مؤسسة المركز ورئيسته كارمين شاهين دبانة. هم طفولة لبنان الضائعة، كما تصفهم دبانة، مشيرة إلى أننا «نسعى منذ 1999 إلى التعاون مع وزارة التربية لتجنب تسربهم من المدارس الرسمية». يحصل ذلك من خلال إنشاء غرفة دعم دراسي في 104 مدارس رسمية منتشرة في كل المحافظات، غالباً ما يكون المكوث فيها أقلّ من نصف يوم دراسي، ليعودوا إلى صفهم العادي معظم هذا اليوم.
تقدم 7 مراكز في كل لبنان مساعدة متخصصة فردية للأولاد. لا تخفي دبانة صعوبات تواجه هذا العمل لا سيما لجهة اضطرار المعلمات اللواتي دُربن على مواكبة هؤلاء الأطفال إلى مزاولة نشاط تعليمي آخر، وخصوصاً مع ارتفاع عدد التلامذة بسبب النزوح السوري. ومن خلال 7 مراكز منتشرة في كل المحافظات، يقدّم المركز مساعدة متخصصة فردية للأولاد الذين يعانون من صعوبات تعلمية محددة والذين تراوح أعمارهم بين 3 و12 سنة. يتألف فريق العمل في كل مركز من اختصاصيين في علم النفس والعلاج اللغوي والعلاج النفسي الحركي، ويقوم بتقييم قدرات الأولاد وتشخيص حالاتهم، كما يتم التنسيق بين أعضائه من خلال اجتماعات تقييمية أسبوعية لوضع برنامج عمل خاص بكل حالة والتبادل بشأنه. جديد المشروع الرقص مع (C.L.E.S)، إذ عقد المركز شراكة مع المعهد الوطني للرقص في نيويورك لإدخال الرقص إلى المدارس الرسمية والخاصة ومساعدة طلاب الصعوبات التعلمية المحددة على بناء الثقة بالنفس والآخر.

قصصهم كما يروونها:
على مدى السنوات الماضية، وثّق المركز في حملاته السنوية قصص الأطفال ذوي الصعوبات التعلمية، وكيف يروونها بأنفسهم، فكريم مثلاً يعاني من صعوبة في الكلام، يقول: “كل ما بحكي بتلخبط بالكلام، بطلع كلمات غريبة عجيبة، الكل بيقولولي عيد، مش كل الناس بتفهم علييّ، بالصف لما بسأل سؤال بيضحكوا عليي، شو بعمل؟ ببطّل احكي؟”.
ماتيلدا تشكو من عسر في تنسيق الحركات، فتقول: “بحس حالي مش متل غير اولاد بعمري، بدي العب معهم بس بتفركش بكل شي بعملو، ما بعرف اكل وما بعرف البس لوحدي، بضلني ضيع دفاتري وأقلامي، بعمل جهد كبير لأهلي ينبسطوا مني، بس مش عطول بيقدّروا”.
ناديا تركز في الدرس لكنها تتعثر في الأحرف ولا تستطيع القراءة منذ صغرها، فتقول: “ما بقدر افهم كيف رفقاتي لما بيقرأوا بيشوفوا كل الأحرف ودغري بتطلع منهم الكلمة، أنا بتاخد معي وقت كتير”.
رامي لديه إفراط في الحركة، لا يركز، يضيع وينسى وليس لديه رفاق، يقول: “ما بدي أؤذي أحداً، بتصرف قبل ما فكّر وبعرف شو بيصير براسي، بدي وقّف احرك، بس راسي ما بدو”.
اميل (اسم مستعار) لديه المشكلة نفسها، يقول: “أول مرة بفوت عالمدرسة وما بتجي ولا شكوى عليّ، قبل ما اجي عالمركز غيّرت 14 مدرسة بحياتي خلال 4 سنوات، بحكي من دون ما ارفع ايدي، ما بتلحقني ايدي، هلق مشي حالي ورح ابني مستقبلي”.

لا تدرس كثيراً… أدرس بذكاء:
هنا عشر قواعد عملية تجعل الدرس تجربة جميلة وعملاً جذاباً لدى كلّ طالب وطالبة:
1- ثق بنفسك وتأكّد بأنك تستطيع أن تتعلم أيّ شيء في أي مادة! كل الدروس تحتوي مفاهيم وحقائق متناسبة مع قدراتك، بل أقل منها. كذلك فإن المعلمين يقومون بشرحها وتبسيطها وتقديم الأمثلة. فكّر جيداً ما الذي يجعلك تتوهم أنك ضعيف ولا يمكنك استيعاب هذه الدروس، لا شكّ أنك قادر على الفهم والحلّ والتحليل والإبداع.
2- ركّز أثناء شرح المعلم للدرس؛ اكتب ملاحظات تلخّص أهم نقاط الدرس ومحاوره والجديد فيه، ستجد الأمر مُتعباً في البداية، لكن الصعوبة ستزول عندما تلاحظ كم توّفر عليك هذه الطريقة من وقت وجهد عند حلّ الفروض ومراجعة الدروس، لا تنس مراجعة هذه الملاحظات لدقائق في البيت قبل البدء بدروس الغد أو الاستعداد للامتحان .
3- جهّز مكاناً خاصاً للدرس في البيت، الاستلقاء على السرير خيار سيئ جداً! ضع كل ما تحتاجه خلال الدرس من أدوات وأوراق وغيرها في متناول يدك. عليك إطفاء كل مصادر الضوضاء وتشتيت الانتباه والذهن والحواس، يجب أن تنهي درسك بسرعة، لكي تتابع بقية حياتك وبرامجك المتنوعة!
4- لا تترك هواياتك بل قم بها دوماً لتتكامل مع درسك؛ اقرأ وطالع يومياً ولو لعشر دقائق، طالع الروايات والكتب والمقالات المتنوعة، خصص بعض مطالعتك لمواضيع توسّع فيها معلوماتك عن مواد درسك من العلوم للتاريخ إلى اللغة والأدب والجغرافيا و…الإنترنت ومواقع البحث والوثائقيات متوافرة وجاهزة لدعمك وتوسيع معارفك ومهاراتك بشكل جذاب وستلاحظ الفرق عندما تشارك في نقاشات الصف.
5- مارس رياضتك المفضلة ولا تجعل أيام الدراسة حالة طوارئ وحرمان، تناول الفطور الصحي يومياً ولا تقبل بأكل ما يزيد وزنك ويُضعف تركيزك! حدّد ساعة مناسبة للنوم ولا تتجاوزها مهما حدث، فجسمك يستحقّ ويحتاج إلى النوم والراحة لينطلق بفرح ونشاط صباح اليوم التالي.
6- ابدأ دائماً بالدروس والتمارين التي تظنّ أنها الأصعب، خذ استراحة عشر دقائق مثلاً عند كل 25 دقيقة درس جدي وقدّم لنفسك مكافأة ممتعة على جهودك، لعبة ما أو نزهة صغيرة أو برنامجاً مفضلاً أو مزاحاً مع أخيك الصغير، حدد الجوائز والمفاجآت.
7- ترسيخ المعلومات والمعارف عبر مباحثتها ومناقشتها، الأفضل أن تعلمها للآخرين سواء لطالب في صفك أو لأمك وهي تعّد الطعام! ستجد كيف أن صور المسائل وأساليب حلها ستحضر في ذهنك بوضوح وسهولة، فكّر دوماً بأهداف كلّ درس وعلاقته بكل المادة وكذلك بعلاقة المواد ببعضها وبالحياة العملية، العلم النافع سيجعلك تحبه وتتعمق فيه ليصبح التعلم المستمر أسلوب تفكيرك ونمط حياتك.
8- احترم كل المعلمين وأظهر تقديراً لجهودهم – الحب ليس شرطاً وإن كان يسهل التعلم – المهم هو حفظ الأدب والالتزام بالقوانين وأخلاقيات الصف، جرّب أن تضع نفسك مكان أستاذك، حينها ستتغير نظرتك وتعاملك معه وتنسجم مع شرحه وتدريسه، فيفرح وتربح!
9- خصص وقتاً للتأمّل والتفكير في الحياة والمستقبل بأمل وبهجة، بعيداً عن أجواء التشاؤم و”النق” والإحباط التي تبثها نشرات الأخبار وبرامج الجدالات السياسية، اتركها للعاطلين عن الأحلام، ابحث عن كلمات الحكماء والعلماء والعرفاء فهي مصدر طاقة روحية لا ينضب، الدعاء والصلاة والتكامل المعنوي أفضل رصيد للتكامل العلمي وبناء الهوية والشخصية القوية؛ تأمّل في حياة العظماء والمبدعين.
10- قبّل يد أمك ومازح أباك، خطّط لنفسك وضع البرامج المتنوعة لدرسك ووقتك ووهواياتك، وتذكّر أن عملك الأساسي في هذا العمر هو الدرس وطلب العلم لبناء شخصية فعالة وأخلاق عالية. أنت ترسم اليوم نفسك وتحدّد هويتك ومستقبلك، بقليل من التفكير يمكنك تحديد نقاط ضعفك ومعالجتها بصبر ومثابرة، والتعرّف إلى الأسلوب الأفضل لدرسك وتعلمك وحياتك الطيبة…


*بريد القراء نقلاً عن صحيفة الأخبار 16/10/2017.
محمد محسن عليق: أستاذ التربية في الجامعة اللبنانية.