هل يمتص الناس طاقة بعضهم بعضا؟

د‌. ميساء بنات*

العدد السابع والأربعون – خريف 2018

علم جديد قديم، بعد أبحاث كثيرة، أساسها التجربة، بيّن أن المجالسة والمحادثة بين شخصين، قد تؤديان إلى فقدان أحدهما لطاقته، وامتصاص الآخر لهذه الطاقة. بعد أن كان البعض ينظر إلى الإرشادات الدينية حول أضرار جليس السوء وأخطار الإصابة بالعين، على أنها مجرد نصائح اجتماعية قد تؤثر على المزاج أو السلوك وقد لا تؤثر. لكن التجارب العملية أثبتت بلا شك أن من الناس من هو سلبي يشعر بالضعف، ولا يطيق الوحدة، ويحتاج إلى الاحتكاك بآخرين من ذوي الطاقات والقدرات العالية يستمد منهم بعضاً من قوتهم، فإن لم يجد جالس ذوي القدرات المحدودة والطاقات الضعيفة وخاصة الأطفال، لينشط على حسابهم، فتخور قواهم وتضمحل طاقاتهم.

كيف نفسر الطاقة؟ وكيف تتجدد؟
تظهر طاقة الانسان في نشاطه وحيويته، وفي مزاجه الهاديء المتفائل، وفي عافيته وتمام صحته، وفي قدرته على التركيز والإنجاز، كما تظهر في عاطفته واهتمامه بالآخرين وقدرته على منحها لمن يحتاجها ويطلبها. وتظهر عموماً في إيجابية الانسان في معالجة الأمور وفي استجابته لنجدة الآخرين. والطاقة تتجدد وتقوى بالصلاة وبالذكر وبالتفكر (التأمّل)، وبالتحصيل العلمي والمطالعة والثقافة، وبالنوم، وبالنزهة في الطبيعة وبالرياضة، وبشيء من المرح، وحتى بالعطف على الأحبة، وبأعمال الخير كتقديم المساعدة للفقراء والمحتاجين، وأساسها الاعتماد على النفس قبل الاتكال على الغير، وتحقيق الآمال والانجازات.

كيف يحصل امتصاص الطاقة ؟

لا نتحدث هنا عن شخصيات مصاصي الدماء الخيالية التي تذكر في القصص وتظهر في الأفلام السينمائية محض خيال. لكن المقصود هو ذلك الذي يجالس بسلبية فيشكو ويتذمر ويتظاهر بالضعف على أنواعه فيتطلب من الآخر عاطفة ومساعدة واهتماماً فيضطره إلى الإصغاء إليه والتأثر لحاله ويستحثه على القيام بأي عمل لمساعدته في محنته. ولا يقوم من مجلسه إلا بعد أن يطرح كل السلبيات على محدثه فيتبادلان حالتهما النفسية بعد أن امتص منه الحيوية التي كان ينعم بها ونقل إليه ألمه وحالته النفسية البائسة. ومصاص الطاقة يحسد مجالسيه على النعم التي حباهم الله بها وخاصة نعمة المال والعافية والسعادة وحتى نعمة الإيمان، وقد أقر الإسلام بخطر الحسد وشرّه قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [سورة الفلق: 5].
والإصابة بالعين أمر ثابت في شرعنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” الْعَيْنُ حَقٌّ تَسْتَنْزِلُ الْحَالِقَ” . أي تهد الجبل العالي. ومن خطرها انها قد تقتل الانسان أو تمرض الحيوان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” الْعَيْنُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ، وَتُدْخِلُ الْجَمَلَ الْقِدْرَ “.

هل يعي الطرفان ما الذي يجري؟
الجواب لا بصورة عامة، لأن عامة مصاصي الطاقة المزمنين غير واعين لما يقومون به من استنزاف لطاقات الاخرين .وكل ما يفعلونه هو التنقل والقيام بزيارة الآخرين ولا يعودون إلى منازلهم إلا بعد شعورهم بالارتياح النفسي ومعنى ذلك أنهم قد شحنوا ذواتهم بطاقات الآخرين. بينما تركوا هؤلاء في حالة نفسية مزرية، أقل ظواهرها القلق والارتباك والوهن والعزوف عن العمل والانتاج. وأما الطرف المستنزف فلربما اتخذ موقفاً أفعل لو كان يعي ما الذي يحصل لطاقته.

هل كل مجالسة فيها امتصاص للطاقة؟
بالطبع لا، فإن تبادل الطاقة الإيجابية بين صديقين أو قريبين أو متحابين يؤدي إلى علاقات صحية. فالمشاعر المشتركة الصادقة بين اثنين، كالمحبة والصداقة السليمة والنوايا الصافية والرغبة بالتضحية، والعمل على إسعاد الآخر وتبادل المساعدة والمشورة، كلها عوامل ترفع من طاقة الطرفين، وتشد أواصر المحبة وعلاقات الود والبذل والعطاء.
والعلاقة السليمة لا يكتنفها الحسد بل الغبطة، (فالغبطة حسد خاص غير مذموم وهو أن يتمنى مثل حال غيره من غير أن تزول عنه النعمة التي غبطه عليها) .

كيف يمكن التمييز بين العلاقات الإيجابية والعلاقات السلبية؟
بكل بساطة العلاقة السلبية هي التي تتطلب العطاء والتضحية من طرف واحد، وتظهر واضحة عندما يحتاج المضحي إلى مؤازرة الشخص السلبي فلا يجده، او تراه يظهر عجزه ويعتذر عن النجدة والمساعفة بحجج شتى. وعلامتها كثرة العقبات وكثرة الطلبات من طرف مصاص الطاقة.
اما العلاقات الإيجابية فهي متبادلة ترفع من انتاجية الطرفين وهمتهما وتفاؤلهما ورغبتهما بالحياة والعطاء والمساعدة والتضحية. والأمور بينهما دائماً إلى تحسّن وباطراد، وبفضل حالتهما النفسية الإيجابية لا يعدمان إيجاد الحلول السريعة والبسيطة لحل المشاكل وتذليل العقبات.

كيف يحصل الهجوم؟
من الطبيعي أن يلجأ الإنسان المريض أو غير السوي معنوياً إلى سحب أو هدر طاقة غيره. وعندما ينقضّ مصاص الطاقة على ضحيته يشعر الضحية بوهن شديد بينما يتلقى المعتدي شحنة طاقة عالية. ولأن هؤلاء الذين يمتصون طاقة الآخرين يقومون بذلك دون وعي منهم. فهم يفعلون ذلك كلما انهدرت طاقتهم واحتاجوا إلى شحنها من أي مصدر ممكن، وبالتالي يستنزفون طاقة غيرهم. إنهم ليسوا أناساً اشراراً، معظمهم غير مدركين على مستوى الوعي ماذا يفعلون، وأي انسان غافل لديه الإستعداد لسلب طاقته فيقع ضحيتهم، ويؤدي ذلك إلى تبادل غير عادل للطاقة وبالتالي يصبح أحد الطرفين خاوي القوى بينما الآخر مشحون بها.

صفات مصاصي الطاقة:
الشعور بالرفض والإقصاء، الحاجة، التوكيدات المستمرة، لا يشعر بالإكتفاء،يسعى لكسب للاهتمام، ولو تسولاً وابتذالا، طاقته ضعيفة إجمالاً ويشعر بالإنهاك دون أن يشكو من مرض. اختصاراً يكثر من الهذي والثرثرة، ويتذمر من كل شيء وهو غير راضٍ عن أي شيء.
ولكل منا استعداد لأن يكون مصاصاً للطاقة ويجب أن يعلم أضرار ذلك وأن يتعلم كيف يتجنب هذه العادة السلبية السيئة. وأن يضع لشرهه النفسي حدّا. قبل أن يتجنبه الناس، أو أن يفتضح أمره.

ما هي عوارض سحب الطاقة عند الضحية؟
طاقة مهدورة، ضعف الطاقة، دوخة، تشنج عضلي، تشتت فكري، أوجاع في الرأس، تعب مزمن، إضطراب في النوم، توتر، كآبة، امراض جسدية.

الوقاية من أذى امتصاص الطاقة:
من الضروري أن يكون الانسان واعياً ومدركاً انه من الممكن أن يكون ضحية لسلب طاقته وان يتعلم كيف يقي نفسه من تعديات الآخرين . فالأشخاص العاطفيون والشديدو الحساسية هم أكثر عرضة لمصاصي الطاقة. لذلك لا بد من إتباع الطرق التالية للوقاية والحماية:
1- فهم معنى امتصاص الطاقة وطرق امتصاصها المذكورة آنفاً.
2- كشف مصاصي الطاقة من خلال مراقبة الحالة النفسية وقوة الطاقة الشخصية بعد مجالسة كل إنسان قريباً كان أو صديقا او عامياً
3- عدم المجالسة إلا للضرورة ولا بد من اختلاق الأعذار لتجنب اللقاء.
4- عندما لا يكون من المجالسة بد، تقصير وقت المجالسة إلى الحد الأدنى.
5- قبل الدخول على المجلس: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، والتعوّذ بما ورد من حديث شريف بهذا الشأن: “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم”؛ “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ”. إلخ…
6- التحصن بالمعوذتين: سورتي الفلق والناس. وتخيّلهما كالدرع الواقي المحيط بالجسد كله.
7- التحفز وعدم الاسترخاء والغفلة والانسجام أثناء المجالسة.
8- المساهمة بالخدمة في صنع القهوة أو مساعدة أهل البيت في تقديم الضيافة لقطع التواصل مع مصاص الطاقة.
9- عدم المجالسة بعاطفة وتجاوب، إقفال باب القلب، السمع دون الإنصات ودون الإصغاء التام.
10- الانشغال أثناء المجالسة بالاستغفار وبالذكر في السر لا في الجهر.
11- عند الشعور بالأذى قراءة آية الكرسي، والانتقال إلى مقعد جانبي غير مواجه.


*أستاذة في جامعة رفيق الحريري ، من صديقات منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة- لبنان.
Understanding How a Psychic Vampire Attack Happens. By PhylameanalilaDesy
https://www.thoughtco.com/how-a-psychic-vampire-attack-happens-1724677.
(حم) 2477 , 2681 , (ك) 7498. عن ابن عباس رضي الله عنهما.
مسند الشهاب للقضاعي (1057)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 200)، محمد بن إسماعيل الأمير.
من محاضرة العميد الدكتور محمد فرشوخ في منتدى الإعجاز بتاريخ 5/9/2018، حول ” أدب الخصومة والجدال”.