للكلب خطم وللشيطان خطم

باتريسيا اسطمبولي*

العدد الثامن والأربعون شتاء 2019

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أمسَكَ كلبًا فإنَّهُ ينقصُ كلَّ يومٍ من عملِهِ قيراطٌ إلَّا كلبَ حَرثٍ أو ماشيةٍ”. (البخاري)

وهل ينقص من قيراط عملك إلا لارتكابك خطأً ما؟ تُشكّل الحيوانات خطراً كبيراً على صحة الانسان في حال وجودها داخل البيت، فهي ناقل كبير لعديد من الجراثيم والأمراض. وهنا نجد أن لا شيء حرمّه الإسلام إلا وفيه منفعة للناس. علّمنا رسول الله صل الله عليه وسلم وهو المعلم الاول كيف نحافظ على نظافتنا وطهورنا وصحتنا كما جاء بالحديث القدسي: “لا ضرر ولا ضرار”. (ابن ماجه والدارقطني وغيرهما)

صحيح ان الإسلام نهانا عن احتواء الكلب في البيت لكنه حثّنا على الرفق به، كما جاء بالرواية عن رسول الله صل الله عليه وسلم عن “أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا” (البخاري، مسلم وغيرهما)، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى تلك المرأة في صلاة الكسوف حيث قال : “.. ودنت مني النار، فإذا امرأة تخدشها هرّة، قلت : ما شأن هذه ؟، قالوا: حبستها حتى ماتت جوعاً، لا أطعمتها، ولا أرسلتها تأكل”. (البخاري)

تأثرنا المبالغ به بالعادات الغربية المؤذية

لقد اعتدنا مؤخراً في بلادنا العربية أن نأخذ العادات السيئة وننميها وندع العادات والصفات الانسانية الجيّدة الموجودة لدى الشعوب الغربية. كما وتخلينا عن ما جاءنا به ديننا الحنيف من علوم دينية ومجتمعية وإنسانية، التي ينجح العلم الحديث باكتشاف بعضها وتأكيدها.

من إحدى هذه العادات المنتشرة هي اقتناء الكلاب، الكلاب تعتبر من الحيوانات المؤنسة واللطيفة بعض الأحيان وتتمتع بصفة الوفاء لصاحبها ولكن داخلها ليس كخارجها. ونقصد بذلك ما تحمله من أذى لصحة الانسان.

تكشف الإحصائيات أن تقريباً كل من يملكون حيوانات أليفة يعتبرونها جزءاً من العائلة(1) ومع هذه الحقائق فهو من غير المفاجئ أن يكون تقبيل هذه الحيوانات هو ممارسة رائجة. “أفواه الكلاب أكثر نظافة من أفواه البشر” مقولة نشرها مارتي بيكر Marty Becker  المؤلف لكتاب “Chicken Soup for The Soul of The Dog Owner “.

ولكن  كل ما عليك فعله هو النظر والمراقبة وشم الرائحة فتدرك أن المقولة ليست صحيحة. إذ تحشر الحيوانات أنفها في سلة القمامة، كما أنهم يقبّلون مؤخرة بعضهم البعض عند إلقاء السلام.”

وبالعودة للعادات المكتسبة من الشعوب الغربية دعونا نبحث بالدراسة التي جاء بهاJohn Oxford “جون اوكسفورد” البروفيسور في علم الفيروسات والباكتيريا في جامعة كوين ماري في لندن لعلنا نكتسبها وننتفع بها. أكسفورد هو مؤسس Retroscreen Virology، وهو رائد في مجال اللقاحات والتجارب السريرية المضادة للفيروسات خلال العشرين سنة الماضية. كما شارك في تأليف كتاب “علم الفيروسات البشرية”.(2)

تحدث أوكسفورد عن كمية البكتيريا التي يمكن لخطم وفم كلبك أن يحملها، وليس فقط ما يحمله اللعاب، إذ يضع الكلاب أنوفهم في زوايا قذرة أو في فضلات الكلاب الأخرى، لذلك خطمهم مليء بالبكتيريا والفيروسات والجراثيم على أنواعها.

تلعق الكلاب جراحها لتسريع عملية شفائها، ولكن هذا لا يدل على أن اللعاب صحي، هذه الميزات موجودة كذلك لدى ألسنة البشر. لعق الجراح هو مفيد فقط لإزالة الدماء والبكتيريا. لكنه في الحقيقة يؤذي البشرة المتضررة. فلذلك يضعون المخاريط كي يمنعوا الحيوانات الأليفة من لعق الدرزة بعد العمليات.

ماذا ممكن أن يحدث إذا دخلت هذه البكتيريا إلى جسدك؟

تسبب الفيروسات والجراثيم التي تعيش في لعاب الحيوانات أضراراً صحية خطيرة على جسم الإنسان، وهو ما حدث لامرأة بريطانية أصيبت بالتهاب بسبب لعاب كلبها، بدأت تشعر أن كلامها أصبح متداخلاً وثقيلاً ما أثار قلقها فذهبت إلى الطبيب. وبعد إجراء فحص الدم تبيّن أنها أُصيبت بالتهاب بسبب بكتيريا كابنوسيتوفاجا  كانيمورسسCapnocytophagaCanimorus”“Bactiria وهي موجودة عادةً في أفواه الكلاب والقطط، والغريب أن المرأة لم يكن لديها أي أثر لعض أو جرح، لذلك توصّل الأطباء إلى نتيجة أن الباكتيريا انتقلت من خلال تقبيلها لكلبها، هذه البكتيريا قد تسبب مشاكل كبيرة إذا دخلت جسدك من خلال جرح مفتوح.

هذه الحالة ليست الوحيدة، حيث سجلت ١٣حالة شبيهة في المملكة البريطانية.(3)

كما أكد الدكتور ليني ك. كابلانDr. Leni K. Kaplan,، المحاضر في خدمة الممارسة المجتمعية في كلية الطب البيطري بجامعة كورنيل، أن البكتيريا مثل كلوستريديوم، إي كولاي، السالمونيلا، وبيتيلوباكتر، والتي يمكن العثور عليها في أفواه الكلاب، تسبب مرضًا هضميًا شديدًا لدى البشر. ووفقاً لوكالة معايير الأغذية، فإن عقار كامبيلوباكتر هو أكثر الأسباب شيوعاً للتسمم الغذائي في المملكة المتحدة، مما أدى إلى متوسط 280 ألف حالة من حالات اضطراب المعدة كل عام.(4)

 

طهروا إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرّات أولاهنّ بالتراب” (مسلم).

والآن هل عرفتم السبب العلمي وراء حديث رسول الله عن نجاسة لعاب الكلب؟

فلو لم يكن الكلب نجساُ لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتطهير الإناء الذي شَرِب فيه بهذه الكيفيّة من التّطهير والمُبالغة فيه.

ويعود الأمر في الحديث الشّريف بغسل الإناء الذي شرب منه الكلب بالتّراب، ذلك لأنَّ فيروس الكَلَب الذي يحمله الكلب مُتنَاهٍ في الصِّغَر، ممّا يجعله يلتصق بجدار الأواني، والتّراب يمتلك القدرة على امتصاصها، كما ثبت أنَّ التّراب يحتوي على موادّ قاتلة للجراثيم.(5)

إن قائمة الالتهابات التي يمكن انتقالها من الحيوانات إلى الانسان كبيرة بشكل مخيف.

إلتهاب Ring worm هو واحد من أكثر الأمراض التي يمكن أن تصاب بها عند تقبيل كلبك أو قطتك. إذا كان كلبك مصاب بـ Ring Warm  ثم قبّلته ستصاب بالمرض أيضا حيث أنه يسبب فطريات جلدية. بالإضافة إلى التهاب MRSA الذي يصيب البشرة أيضاً ويمكنه أن يظهر بعد لعقة واحدة من كلبك.(3)

تتسبّب الكلاب أيضاً بداء الكَلَب، وهو مرضٌ فيروسي ينتقلُ إلى الإنسان بواسطة لُعاب الكلب، وتتسبّب العدوى بداء الكَلَب بعشرات الآلاف من الوفيات سنويّاً مُعظمها في آسيا وأفريقيا، ويُشكِّلُ الأطفال دون سنِّ الخامسة عشرة 40% من المُتعرّضين لعضّات الكلاب المُشتبه بإصابتهم بهذا المرض، بحسب منظمة الصحة العالمية. وليس داء الكَلَب هو المرض الوحيد الذي تتسبّب به الكلاب، فالأكياس المائيّة في الرّئة كذلك مرضٌ تتسبّب به الدّودة الشريطيّة الشوكيّة التي تتواجد في فضلات الكلاب، وتحدث العدوى للإنسان بتناوله طعاماً مُلوّثاً بفضلات الكلاب الحاملة لبيوض هذه الدّودة، وتكمن خطورة هذا المرض في طول مُكوثه في الجهاز التنفُسيّ دون أعراضٍ مُلفتة، كما أنَّ علاجه غالباً ما يكون بالتدخّل الجراحيّ لإزالة هذه الأكياس.(5)

كيف تتجنب الأخطار الصحية الناجمة عن امتلاك حيوان أليف؟

أولا إذا كنت تشعر بتغير حرارتك أو أنك على وشك المرض تجنب الاقتراب من حيوانك. لأن جهاز مناعتك يكون ضعيفاً في هذه الظروف. بينما تكون في حالتك الطبيعية، قادراً على محاربة الالتهاب الذي قد تصاب به.

لا تقبلوا حيواناتكم ولا تدعوها تلعق وجوهكم ولا تطعموها على موائدكم ولا تشاركوها صحونكم. اغسلوا أيديكم مباشرة بعد ملامستها. لقّحوها ضد الأمراض والفيروسات المنتشرة. استعملوا سوائل الاستحمام المضادة للبكتيريا والفطريات عندما تغسّلوها. تأكدوا أن كلبكم أو قطتكم لا يقتربان أو يلامسان حيوانات شاردة أو متوحشة أخرى. وعند أخذ الكلب في نزهة، كونوا حذرين أن لا يأكل أي شيء من الشارع. لا تطعموها اللحم أو السمك أو البيض النيء. نظموا وعقّموا جيداً وعاء كلبكم. خذوه فوراً إلى البيطري إذا شعرتم أنه مريض أو رافضٌ للطعام أو يعاني من سوء الهضم.(2)

 

للكلب خطم وللشيطان خطم فهل هناك أي رابط؟

عن رسول الله صل الله عليه وسلم: “إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس و إن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس”.(أبي يعلى)

من المعروف أن الملائكة لا تحب القذارة والروائح المزعجة، ما يفسّر الحديث:“لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ” (متفقٌ عليه)، على عكس الملائكة، تتواجد الشياطين حيث القذارات والنجاسة.

هل أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلفت انتباهنا إلى ما يرمز إليه”الخطم” من نجاسة فعلية ومعنوية؟  فلندع الإجابة عن هذا السؤال لكل منّا، ولنتّجه أكثر نحو علوم الدين لعلنا نرتقي بمجتمعنا.


*من أعضاء منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة – لبنان.

المصادر:

(1): مقالة تحت عنوان: “Are Pets Really Family?” – Jessica Pierce – 7 تشرين الأول 2015 – من على موقع: www.Psychologytoday.com

(2): موقع جون أوسكفورد الرسمي: www.oxfordmedicine.com

(3): فيديو تحت عنوان: “Why You Should Never Kiss Your Pet” – 23 أيلول 2017 – من على قناة Brightside من على موقع يوتيوب.

(4): مقالة تحت عنوان: “Dogs Licking Humans Can Be Dangerous; Transmission of Bacteria, Viruses Possible “- Jaimee Bruce – 24 تشرين الأول 2016 – من على موقع: www.natureworldnews.com

(5): مقالة تحت عنوان: ” تربية الكلاب في الإسلام” – آلاء جرار – 24 تشرين الأول 2016 – من على موقع: www.mawdoo3.com