مـرض ألزهايمـر…تجـارب أوليـة لتحسيـن الذاكـرة

أ.د. صالح بن عبدالعزيز الكرِّيم*

العدد الخمسون صيف 2019 -50

من التخصصات المهمة اليوم ما يعرف بتخصص كبار السن أو الشيخوخة التي من أهم أمراضها مرض ألزهايمر، وقد توفر اليوم أطباء متخصصون في هذا المجال، مع أهمية هذا الموضوع، والزيادة المطردة لعدد المصابين به. (…)
ألزهايمـر
في قاموس المعجم الوسيط أن معنى كلمة “التذكّر” هو استحضار الشيء بعد نسيان، وأن المعضلة الأساسية في مرض ألزهايمر هو عدم التذكّر أي: النسيان الذي ليس بعده تذكّر، وهو مرض سمي باسم أول من وصفه وعرفه وهو العالم الألماني ألويس ألزهايمر عام 1906، ويطلق عليه باللغة الانجليزية Alzheimer’s disease ويقصد به باللغة العربية الخرف.


الويس الزهايمر مكتشف مرض خرف الشيخوخة
هو مرض تنكسي عصبي مزمن عادة ما يبدأ ببطء وتزداد حالة المريض به من الزمن، ومن أوضح أعراضه فقدان الذاكرة قصيرة الأمد، ولا تقف الحالة عند عدم التذكر، إنما يصحب ذلك مع الوقت مشاكل أخرى متعددة، منها سوء اللغة والضياع وتقلب المزاج وفقدان العناية بالنفس، ويشمل شيئا من ذلك فيما يخص تغذيته لنفسه، ومعرفة دوائه مما يؤثر على العناية بصحته، وإلى الآن ليس هناك علاج ناجع تتحق به المعالجة التامة، ما يترتب عليه سوء حالته وبالتالي الوفاة، وأسرة المريض وعائلته والمجتمع والجهات الصحية هم الوحيدون – عند عنايتهم به – الذين يمكن أن يحسّنوا من وضعه ويحافظوا عليه، وانتشار مرض ألزهايمر أخذ بالازدياد خاصة في أمريكا، حيث تشير الاحصائية إلى أن 4.5 مليون مصاب بألزهايمر حالياً، واللافت للنظر أن أعمار من كان يصاب به فوق 65 عاماً، وأصبح المرض يظهر الآن على من هم في سن 55 عاماً، ولا يعرف إلى الآن سبب ذلك، وإنما قد يكون بأسباب تغذوية وبيئية ونفسية واجتماعية.

إن من أكثر الأمور شيوعاً في مرضى ألزهايمر هو ما يعرف بمتلازمة الغروب Sundowining وهي ظاهرة نفسية سلوكية مشهورة في كبار السن عند غروب الشمس، حيث يحدث فيها زيادة في أعراض الهذيان والهلوسة والنرفزة، وأظهرت الدراسات أن 40% من المصابين بألزهايمر يعانون من متلازمة الغروب، ولعل أحد الحكم من توجيه الله سبحانه وتعالى إلى ذكره وخاصة تسبيحه عند الشروق وعند الغروب، حتى يشغل الإنسان نفسه ووقته وذهنه بما يعود عليه بالفائدة.

أسبـاب مـرض ألزهايمـر:
1- الاستعداد الوراثي: يذهب بعض العلماء البيولوجيين إلى أن مرض ألزهايمر سببه هو الناحية الوراثية، مع أن هذا الإحتمال بحاجة إلى مزيد من الدراسات الإحصائية والوراثية وفقا لتقنيات الوراثة الحديثة فلم يزل غير مؤكد 100% واستطاع العلماء تحديد الجينات الخاصة ببعض أنواع من ألزهايمر، كما أن العلماء من يذكر أن السبب الأول هو تفاعل بين أسباب جينية وأسباب غير جينية.
2- نفاذ طاقة خلايا الذاكرة: الخلاية الحية تحتاج إلى الطاقة ويتأكد الاحتياج أكثر للخلايا العصبية، التي منها خلايا الذاكرة، وتتخصص عضيات المتوكوندريا التي في السيتوبلازم بهذه الطاقة، فيرجع بعض العلماء إلى أن نفاذ الطاقة من الخلايا الدماغية، أو نقصها هو السبب لمرض ألزهايمر.
3- أمراض الأوعية الدمية: إن تغذية الدماغ عبر الأوعية الدموية مهم جدا، وأي مرض يصيب الأوعية الدموية يؤثر على التروية الدموية وإيصال احتياجاتها، ويتسبب في عطب خلايا الذاكرة وبالتالي الإصابة بألزهايمر.
4- الخلايا الدبقية: هناك نوع من الخلايا في الدماغ يطلق عليه اسم الخلايا الدبقية Glial Cells تعتبر الخلايا الحامية للخلايا العصبية، وبمثابة الجهاز المناعي لها، فإذا ضعفت أو مرضت فإن لها أثر سلبي على خلايا الذاكرة.
5- الإصابات الدماغية: قد يصاب الإنسان بضربات قوية في رأسه وقد تكون دامية ينتج عنها نزيف جهة موضع خلايا الذاكرة فتصاب بالعطب واحتمال الإصابة بألزهايمر.

ألزهايمـر الناضـج وألزهايمـر الكـاذب:
خلايا الذاكرة خلايا عصبية تتعرض كغيرها من الخلايا للعطب وتتسبب أمور كثيرة بنزع التذكر منها إما تدريجياً أو كلياً، وكثير من الناس لا تفرق بين حالات النسيان وضعف التذكر وبين مرض الخرف (ألزهايمر)، ومعظم المجتمعات في السابق تصنف الخرف كحالة مصاحبة لكبار السن والعجائز وهذا إلى حد ما صحيح لكن معظم كبار السن يعانون من أمراض أخرى ليس من بينها الخرف. وقد تكون حالة خلايا الذاكرة عند كبير السن أقوى ما عنده لكن إصابته بالأمراض تدخله في وضع نفسي كله كآبة مما يفرض عليه وضعا من تقمص حالة ألزهايمر والخرف وهذا ما يطلق عليه طبياً بـ “ألزهايمر الكاذب” مثله في ذلك مثل الحمل الكاذب فتظهر على المريض حالات من النسيان المفتعل والسرحان الذهني المعتمد والعناد النفسي بعدم التجاوب مع الحياة ولا يستطيع أن يكشف هذا النوع من ألزهايمر الكاذب إلا الطبيب المتخصص في ألزهايمر الذي عنده قدرة تحمل عالية في الصبر على المريض والقاء معه ساعات طويلة.
تعزو الدراسات الطبية الحديثة الزيادة في إنتشار وظهور مرض ألزهايمر في العصر الحديث إلى تحسن الحالة الصحية للإنسان والتطور التقني في العلاج مما زاد في بقاء الإنسان و(تعميره) فأصبح يصل إلى التسعين من عمره وهو سن كاف لقطف ثمار ألزهايمر الناضجة إلا أن الأمر الأكثر خطورة هو ظهوره كمرض أخذ يصيب الناس في سن مبكرة (ستين عاماً)، والحقيقة أن اكتشاف مرض ألزهايمر مبكرا قد يساعد في العلاج بعكس اكتشافه في سن متأخرة قد يكون علاجه صعباً. ويجب أن نميز تماماً بين حالات النسيان العادية التي لا تخلو منها ذاكرة خاصة في تقدم عمر الإنسان، حيث طبيعيا أن تزداد نسبة عدم التذكر بالذات الأمور الجديدة لأن تخزين الذاكرة في هذه السن ضعيف كبقية الأجهزة والخلايا كلما تقدم الإنسان في العمر، ضعفت وظائف تلك الأجهزة والخلايا وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ(يس: 68)، إن مرض ألزهايمر كبقية الأمراض قد يكون أحد أسبابه الناحية الوراثية لكن حتماً هناك أسباب أخرى بيئية واجتماعية وتغذوية وحياتية تساعد على إظهاره مبكراً، كما أن وجود أطباء متخصصين في هذا المرض تخصصاً دقيقاً يساعد في دقة التشخيص وحسن المعالجة، مرضى ألزهايمر على مستويين: حالات ما قبل اسفتحال المرض، وهؤلاء العناية بهم من قبل أسرهم والأطباء يمكن أن يحسن من وضعهم ويسير حياتهم، أما عند استفحال المرض فإن العبء على أهل المريض كبير ويصبح من عنده مريض ألزهايمر متفرغاً لمريضه معطلاً عن أداء عمله وهنا يأتي دور الجمعيات(…) لمرض ألزهايمر بضرورة تبنيها لدعم مرضى ألزهايمر من تخصيص مراكز ودور العناية بهم ومساعدة ذويهم ولو على شكل وقت جزئي.

الكشـف عـن ألزهايمـر:
أكد باحثون المانيون إمكانية الكشف المبكر عن مرض ألزهايمر من خلال الكشف عن تكلسات بروتينية محددة في الغشاء المخاطي للأنف، وأن فحص هذا الغشاء المخاطي يوفر معلومات وبيانات عن مرحلة المرض، وتوصل باحثون من جامعة تكساس الأمريكية وفقا لما نشرته مجلة Molecular Phsychiatry عام 2010م إلى نتائج تشير أن سبب حدوث ألزهايمر يعود إلى تراكم بوتين “بيتا اميلويد”، الذي يقلل من سرعة التواصل، ونقل الإشارات العصبية، ويتسبب في تلف وضمور الخلايا العصبية، واتُخذ بالتالي هذا البروتين كمؤشر لظهور ألزهايمر.
وهناك أبحاث حديثة تدل على الربط بين ألزهايمر وصحة الكبد كما نشرت ذلك مجلة Medical News Today عام 2018م، ولكن هذه الدراسة تحتاج إلى مزيد من البحث والاستقصاء، وأثبتت دراسات أن تعاطي حبوب اكستاسي المخدرة ينتج عنها تلف خلايا الدماغ، وفقدان الذاكرة مما قد يتسبب عنه مرض ألزهايمر.
إن أحد التخصصات المهمة اليوم هو ما يعرف بتخصص كبار السن والشيخوخة، والتي من أهم أمراضها مرض ألزهايمر، ولذلك هناك اليوم أطباء متخصصون في هذا المرض، ويحضرون فيه شهادات عليا، ومن مواصفاتهم أن تكون عندهم درجة عالية من التحمل، وطرق التباحث مع المرضى.

ألزهايمـر والتغذيـة والصيـام:
أشارت بعض الأبحاث والدراسات إلى أن بعض الأغذية وتحديداً الأسماك والعنب والتوت البري والخس – لاحتوائه على حمض الفوليك وبعض المكسرات ومضادات الأكسدة – تحد وتقي من الإصابة بألزهايمر، بعكس بعض المواد الغذائية مثل المشروبات المحلاة صناعيا تزيد من احتمالية الإصابة بألزهايمر، ويبقى موضوع أنواع الأغذية محل نقاش على اعتبار أنه مسبب ثانوي.
كما أشارت بعض الدراسات إلى أن صيام يومين في الأسبوع يساعد على الوقاية من ألزهايمر، ولا شك أن الصيام من الأمور التي تفيد صحة الجسم التي منها الدماغ والتي منها خلايا الذاكرة. (…)

الخلايا الجذعية وعلاج ألزهايمر:
كما ذكرنا فإن مرض ألزهايمر من الأمراض التي إلى الآن لا يوجد لها علاج ناجح، وإنما يقوم تحسن وضع المريض بعناية أهله به والحفاظ عليه من مضاعفات المرض، وعند اكتشاف المرض مبكرا فإنه بالإمكانكبقية الأمراض التي تكتشف مبكرا يمكن من خلال بعض العقاقير الخاصة بتنشيط الذاكرة أن يكون هناك تحسن فلعلهم يتذكرون، واليوم يطرق الباحثون والعلماء باب الخلايا الجذعية، وهناك تجارب أولية في استراليا وبعض الجامعات العالمية تشير إلى تحسن وضع ذاكرة فئران التجارب باستخدام الخلايا الجذعية، ومن الفرضيات البحثية محاولة تصميم تجارب لنقل المعلومات المخزنة في الذاكرة القديمة إلى الجديد من الخلايا الجذعية وتوفير خلايا جديدة تعمل على الذاكرة القديمة، فلعل ذلك مما يساعد مرضى ألزهايمر لعلهم يتذكّرون.


* وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مع المراجع كاملة العودة الى الموقع www.ioqas.org.sa.

المراجـع:
1- About alzheimer’s Disease: symptoms, Nation institute of Aging (2011).
2- Medical News Today July (2018).
3- Molecular Phsychiatry (2010).
4- Clinical Sciences 48 (2017).
5- Nature 08 February (2018).