كتابة السنة النبوية في زمن الوحي ورد شبهات المرجفين

الشيخ الدكتور وفيق حجازي*

49 – العدد التاسع والأربعون ربيع 2019

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، من أوتي جوامع الكلم ومحاسن الحكم ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه من حفظوا الدين وسادوا الأمم، وبعد: فإن الله تعالى حفظ الدين وأكمله وأتمّه، فقال جل جلاله {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر9] ومن حفظ الدين حفظ السنة النبوية كذلك؛ لأن الأمر بالأخذ بها جاء في القرآن الكريم بقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[الأنفال24]. لكنه بين الفينة وأختها تتجه سهام البعض نحوها طعناً وتشكيكاً وافتراءً وافتئاتاً تحت مسميات كثيرة، والغريب أن من يوجه سهامه نحو السنة ليس من ذوي الاختصاص في التشريع الإسلامي، وبالتالي فهو أحد اثنين إما جاهل بالإسلام وقواعده، وإما حاقد على الإسلام ومصادره وكلاهما شر.

تعريف بالسنة وبأهميتها:
فالسنة النبوية تطلق على كل ما أُثِر عن الرسول صلوات الله عليه من قول، أو فعل، أو تقرير، أو سيرة، أو خُلق، أو شمائل، أو أخبار، أو صفات خَلقية، دون نظر إلى ما قد يثبت به حكم شرعي، أو ما لا يثبت به حكم، وسواء في ذلك ما كان بعد البعثة، وما كان قبلها.
وإن أمر السنّة عظيم، لا يُتصور إسلام بلا سنّة، ولا يفهم بلا سنّة، ولا يقبل بلا سنّة، فالسنّة ميزان الأعمال والأقوال، العلم بها واجب لصحة العمل، والعمل بها واجب لصحة الإيمان، والطعن بها والزيغ عنها هلاك وخسران، بمتابعتها سعادة الدارين، وبمخالفتها شقاوة الثقلين، وبحسْب المتابعة للسنة تكون العزّة والكفاية والنصرة، والهداية والفلاح والنجاة.

علاقة السنة بالقرآن:
والسنّة مع القرآن تعتبر مبيِّنةً وشارحةً ومؤكدةً ومستقلة، وإنكارها بداية الطريق نحو عدة مزالق في هدر نصوص الوحي وهذا يميت في قلوب الناس الغيرة على الإسلام ويشكل لهم مناعة ضد أي سبيل للنصح أو بيان الحق، والسنّة هي البيان النبوي للبلاغ القرآني، والتطبيق العملي لآياته، من فرائض وعبادات وتكاليف وشعائر ومناسك ومعاملات، فكان تطَلَّبُ القرآن الكريم السنّةَ النبوية، باعتبارها أُسًّا لا يُستغنى بها عن القرآن ولا يغني عنها القرآن؛ لأنها أحد صنوي الوحي قال تعالى:{لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور63] لذا تحوّل القرآن بالسنة إلى حياة ومعيشة، ودولة وأمة ومجتمع ونظام وحضارة، وكانت التطبيقات النبوية للقرآن عملاً وقولاً وشرحاً وتفصيلاً ضرورة قرآنية.
ولا يخفى أن السنة النبوية مع القرآن أشبه ما تكون بالعلاقة بين الدستور والقانون فالدستور مصدر ومرجع للقانون، والقانون تفصيل وتطبيق للدستور، ولا حُجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور، ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون، لذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بتبليغ وتطبيق وتنفيذ وإقامة دستور الدين، فتحول القرآن على يديه إلى حياةٍ عملية يحيياها المسلمون، فكان بيان القرآن وتفسيره وتفصيله فريضة إسلامية دائمة وقائمة على الأمة إلى يوم الدين، وأول من أقامها مُقيمُ الإسلام، نبينا صلى الله عليه وسلم.

إشكالية كتابة الحديث خلال حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
اهتم الصحابة بالسنة ونقلها وكتابتها في زمن رسول الله على خلاف ما يدعيه المشككون بالسنة الذين يزعمون أن السنة لم تكتب إلا بعد مائة سنة ونيف من الهجرة، وأن التدوين الرسمي للسنة كان في زمن الأمير العادل عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى، وأيدوا تلك الدعوى ببيّنة ساقطة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة السنة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :”لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه”. وقد ذكر الإمام البخاري أن هذا الحديث ليس مرفوعا للنبي بل هو موقوف على أبي سعيد ومع هذا فالحديث في صحيح مسلم وهو صحيح لكن أبا سعيد نفسَه كتب أحاديثاً عن رسول الله، وهنا تعارض القول مع الفعل وعند التعارض يُقدَّم الفعل على القول.
ومع هذا فقد حاول بعض العلماء تعليل ذلك الحديث وأنه نهي خاص لمن خشي الاتكال على الكتابة دون الحفظ أو نهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة وهذا ما رجحه العلماء كيف وقد كتب كثير من الصحابة أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام كالصديق والفاروق حتى أن أبا هريرة يقول ما من الصحابة أحد أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب ، فالصحيفة التي كان يكتب فيها عبد الله بن عمرو تسمى بالصحيفة الصادقة ، وهي من أشهر الصحف المكتوبة في العصر النبوي كتبها جامعها عبد الله بن عمرو بن العاص من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اشتملت على ألف حديث، حتى لَيصحَّ أنْ توصف بأنها أصدق وثيقة تاريخية تثبت كتابة الحديث على عهده صلوات الله عليه، بل وكان له كُتَّاب وباللغات المختلفة.
والكتابة كانت متألقة في زمن النبي على خلاف ما يزعمه بعض المستشرقين لأن من طبيعة الرسالة أن يكون هنالك القراء والكتّاب والمتعلمون لأن الدولة تحتاج لمكاتبات ومراسلات وعهود ومواثيق فكان للنبي كتّاب وحي ينيفون على الأربعين كاتبا، ناهيك عن كتّاب الصدقات والرسائل والعهود.

من كتب الحديث في عصر النبوة؟
كانت مساجد المدينة محطّ أنظار المسلمين يتعلمون فيها القراءة والكتابة وكانت هنالك كتاتيب لتعليم الصبيان الكتابة والقراءة، وهذه الوثيقة -الصحيفة الصادقة- كانت نتيجة محتومة لفتوى النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو وإرشاده الحكيم له، يقول: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَكَلَّمُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، قَالَ: فَأَمْسَكْتُ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ، فَقَالَ: ” اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ: مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ “. وهنالك صحيفة سَمُرة بن جندب ، كان قد جمع أحاديث كثيرة في نسخة كبيرة ورثها ابنه سليمان ورواها عنه، وهي التي يقول فيها ابن سيرين: في رسالة سمرة إلى بنيه علم كثير، وسعد بن عبادة كان من كبار صحابة رسول الله كانت عنده صحيفة فيها أحاديث عن رسول الله وتوارثها أولاده واحفاده من بعده، ورافع بن خديج يقول للنبي صلى الله عليه وسلم إنا نسمع منك أشياء أفنكتبها قال اكتبوا ولا حرج، وفي فتح مكة قال النبي لرجل من أهل اليمن اكتبوا لأبي شاه، تقول السيدة عائشة جمع أبي الحديث عن رسول الله وكان خمسمائة حديث فبات ليلة يتقلب كثيرا فلما أصبح قال: أي بنيّة هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها فدعا بها فحرقها بالنار. والفاروق همّ بتدوين السنة كما جمع الصديق المصحف وبإشارة منه وإنما تريث في ذلك ولكن جاءته طعنة المجوسي أبي لؤلؤة عليه لعنات الله تعالى وهو القائل قيّدوا العلم بالكتابة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه أمر بكتابة صحيفة خطيرة الشأن في السنة الأولى للهجرة، فكانت أشبه (بدستور) للدولة الفتية الناشئة آنذاك في المدينة، وهي الصحيفة التي دون فيها كتابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حقوقَ المهاجرين والأنصار واليهود، ولفظ الكتابة صريح في مطلعها: “هذا كتاب محمد النبي رسول الله بين المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس”. وكتاب الصدقات فصّل فيه رسول الله مقادير الزكاة الواجبة كتبه للصدّيق قبل وفاته، وكتبه الصديق لولاته في الأمصار. وكتاب عمور بن حزم لمّا بعثه النبي لليمن قاضيا فيه كثير من التشريعات الجنائية والاقتصادية والتعويضات المالية. وعلي بن أبي طالب كانت عنده صحيفة العاقلة.

بل كان النبي يكتب للملوك كتباً، وإلى عماله وقضاته كتباً كذلك، فالسنة حُفِظت وكُتِبت كلها في زمن رسول الله، صلى الله عليه وسلم. بل كان بعض الصحابة لَيؤكد حفظه للسنة يكتبها ثم حتى لا يتكل على الكتابة يمحوها. وكان كثير من الصحابة يكتب ما يحفظه من رسول الله ويرسله لصحابي آخر فكتب أسيد بن حضير الأنصاري لمروان بن الحكم، وجابر بن سمرة لعامر بن سعيد بن أبي وقاص، وزيد بن أرقم لأنس بن مالك، وزيد بن ثابت لعمر بن لخطاب، وعبد الله بن أبي أوفى لعمر بن عبيد الله، وغيرهم الكثير. بل إن أنس بن مالك كان يأمر بكتابة العلم ويقول كنا لا نعد علم من لم يكتب علمه علما، وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس يقولان قيدوا العلم بالكتاب .

التدوينات الأولى كانت أساساً لعلم موثّق وراسخ:
صارت هذه الكتب والصحف والأوراق بمثابة نواة للمجامع والمسانيد والمدونات للسنة في عصر التابعين وتابعيهم مع نقد وصيرفة تلك الروايات سنداً ومتنا، باعتباره المسبار الذي يحاكم كل ما يقال، لأن الحديث الذي لا سند له كبيت لا سقف له أو لا أساس له، فهذا العلم دين كما قال ابن سيرين فانظروا عمن تأخذون دينكم”، ولأنه سلاح المؤمن كما قال سفيان الثوري ذلك أنه بعد فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، اتخذ المحدثون اجراءات وقائية لمنع الكذابين من ترويج كذبهم، من خلال سلاح الإسناد. ويقول عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء حتى قال أحد المستشرقين “سبرنجر”:(إن المسلمين درسوا تراجم ما يقرب من نصف مليون راوٍ بل إن فضل هذا العلم على غيره من العلوم أن تعدى استخدامه لكل العلوم كعلم الأدب العربي، والتاريخ والطب وغيرها من علوم).
تقول باحثة بريطانية وهي”كارين أرمسترونج”: (تكوِّن الأحاديث النبوية مع القرآن أصول الشريعة الإسلامية، كما أصبحت أيضاً أساساً للحياة اليومية والروحية لكل مسلم. فقد علَّمت السنَّة المسلمين محاكاة أسلوب محمد في الكلام، والأكل، والحب، والاغتسال، والعبادة، لدرجة يعيدون معها إنتاج حياة النبي محمد على الأرض في أدق تفاصيل حياتهم اليومية بأسلوب واقعي).

ويقول أحد القساوسة الانجليز وهو “دافيد صموئيل مرجليوث”: (ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم) ويفند دعاية المستشرقين في طعنهم بالسنة وتاريخ تدوينها رغم عدائه للإسلام، حتى وإن لم نصدق أن جلّ السنة التي يعتمد عليها (الفقهاء) في استدلالاتهم صحيحة، فإنه من الصعب أن نجعلها اختراعًا يعود إلى زمن لاحق للقرن الأول. ويقول عالم ألماني “أشبره نكر”: (إن الدنيا لم تر ولن ترى أمة ًمثل المسلمين، فقد دُرس بفضل علم الرجال الذى أوجدوه حياة نصف مليون رجل، والباحث النصراني “أسد رستم” عندما أراد أن يؤصل لعلم حفظ الأخبار التاريخية: لم يسعه إلا التأثر بقواعد علم مصطلح الحديث، واعترف بأنها: (طريقة علمية حديثة لتصحيح الأخبار والروايات)، وقال بعد أن ذكر وجوب التحقق من عدالة الراوي، والأمانة في خبره: (ومما يذكر مع فريد الإعجاب والتقدير ما توصل إليه علماء الحديث منذ مئات السنين في هذا الباب).
إن القول بأن السنة لم تكتب في عهد النبي وأنه نهى عن كتابتها كما يزعم بعض المستشرقين وأدعياء العلم هو طعن بالنبي واعتباره سبب هذه المشكلة و[أن هذا الأمر أَدَّى إلى وجود الخلاف بين فِرَقِ المُسْلِمِينَ، وللوضع والكذب في الحديث فكان له أكبر الضرر في ضياع السُنَّةِ الحقيقية]، كلام لا يمكن لمسلم أن يسلّم له؛ لأن فيه مخالفة صريحة لكتاب الله، وقضاء على التراث التشريعي الإسلامي كله، ودعوة إلى فوضى في العقيدة والتشريع وهذا لا يقول بها من يحترم نفسه، وشريعته، وكيان أُمَّتِهِ الاجتماعي .

لكن السؤال المطروح بعد كل ما سبق :
لماذا يُتَكَلَّم عن الطعن بالسنة وروايتها ودعاية الأخذ بالقرآن دونها ؟
الجواب إن الحقيقة الدامغة هي العداء للإسلام بالكلية وإن بتظاهرٍ بالإسلام جعلت مبدأ الطعن والتشكيك بالسنة باباً للطعن بالقرآن ومنه بالإسلام تحت دعاية أن القرآن وحده كاف وأنه لا حاجة للسنة وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أحوال هؤلاء فقال «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ لَا نَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ» وفي لفظ آخر يقول :”يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته، يحدث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله ولذلك قال الإمام الأوزاعي عن أيوب السختياني:(إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وحدثنا من القرآن فاعلم أنه ضال مضل)، وهو القائل:(القرآن أحوج إلى السنة من السنة الى الكتاب، والسنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب قاضيا على السنة) أي هي شارحة ومبينه ومفصلة له.
وعليه فإن الحرب على الإسلام قديمة ولم تنته ولها امتدادات يقول شيخ الازهر الشيخ عبد الحليم محمود «المُسْتَشْرِقُونَ لَهُمْ صِبْيَانٌ مَعْرُوفُونَ، إِنَّ لَهُمْ صِبْيَانًا تَابِعِينَ مُقَلِّدِينَ». وللأسف ما ذهب إليه البعض من المفتونين بالفكر الغربي فضلا عن أنهم قليلو البضاعة في الحديث قصَروا الدفاع عن الإسلام بالفكر الفلسفي العقلي المجرد، ووصل بهم الأمر لتبرير دعايتهم أن كذبوا على الرواة، وزعموا تبعا أن ألوف الأحاديث هي من صنع العلماء، حتى وصل الأمر ببعضهم في طعنه بالسنة للقول بتواتر صلب المسيح في رفض تام للقرآن الكريم فهو بين إنكار للسنة ومناقضة للقرآن.
فعجبا لمن استرقته الأهواء والنزوات، وباع دينه بدنيا غيره، واتخذ من أعداء الإسلام وسائل لتقويض دعائمه وإذهاب ريح الأُمَّة الإسلامية، لكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وستستمر الأحاديث النبوية مصدر تشريع وهداية ومبعث إشعاع ونور وستبقى مَرْجِعًا مُهِمًّا لعلماء الفقه والتشريع والآداب والأخلاق وعلماء النحو واللغة والبلاغة.

خاتمة: ما هي أسباب الطعن بالسنة وادعاء الاكتفاء بالقرآن؟
أمام افتراءات مستشرقٍ ومحاكاة مفتونٍ، مستغرباً، أسأل نفسي سؤالا بديهيا: ما السبب في الطعن بالسنة والاكتفاء بالقرآن؟ هل هو الحرص على الدين؟ أم التحلل منه؟ ليتم الجواب سراعا بأن النية خبيئة وخبيثة كيلا تكشف السنة أغراضهم وتحول دون أهوائهم فباستبعاد السنة يستطيعون الوصول إلى حرية وضع الأحكام المتفقة مع أهوائهم ومن معهم دون أن يوصَفوا بأنهم يهدِمون الدين، ودون أن يشعر المسلمون بذلك، حتى قال أحدهم يوما إن الله قد حرم الخبيث الضار وأحل النافع المفيد، وإن إمعان النظر إلى العاريات على شواطئ البحار ليس من الخبيث وبالتالي فليس من المحرم وكذلك ارتداء الفتيات الملابس القصيرة جدًا تمشيًا مع شرف العصر ليس من الخبيث لأن العبرة بالقلوب فإمعان النظر للعاريات بالشواطئ هو تفكر في خلق الله أي من العبادة، والتفكر واجب وهو واجب، فواعجباً كيف زين الشيطان لهم أعمالهم واستدرجهم من حيث يعلمون وهم لا يعلمون، لغاية مؤداها التحرر من الإسلام وأحكامه، فإذا كان الإلحاد قد أفرغ كُلَّ ما في حوزته من طُعُون، وانتقل من طور الشُبُهَات، إلى طور الجهالات، إلى طور المُفْتريات، فتفرَّقت بهم السُبُل، مُغْمِضِينَ على ما في ذلك من مُحال وناب ونافر، في نسج لإثارة غُبار من الأوهام في عيون المُتَطَلِّعين إلى نور الوحي، فإن تجارته كاسدة وخاسرة لأن نور الله لا بد وأن يمحو كل جهالة وظلمة، قال تعالى:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف8-9].


*أستاذ جامعي ورئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة AUL، وعضو في منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في لبنان.