“استعمار” اللغة العربية للغة الفرنسية

49 – العدد التاسع والأربعون ربيع 2019

دار جدلٌ في الفترة الأخيرة في فرنسا حول تعليم اللغة العربية في المدارس الحكومية، وذلك عقب إعلان وزير التربية الفرنسي ميشال بلانكيه “Jean-Michel Blanquer” دعمه لاقتراح قدمه معهد “مونتاني” للدارسات والبحوث حول تعليم اللغة العربية في المدارس العمومية من أجل “محاربة التطرف الإسلامي” على حد قولهم.
أشار حكيم القروي مُعدّ التقرير في تصريح لصحيفة “لوباريزيان” أن “تعليم اللغة العربية في المدارس سيؤدي إلى تقليل عدد التلاميذ الذين يدرسون هذه اللغة في المساجد والأماكن الدينية الأخرى”.(1)
وقد ردّ الوزير بلانكيه في 11 أيلول 2018 على اقتراح قروي إيجاباً قائلاً: “العربية لغة أدبية عظيمة يجب تعلّمها ليس فقط من قِبل من هم من أصول مغربية أو من بلاد ناطقة بالعربية”.(2)

واختلفت ردود الفعل بين مؤيدين ومعارضين، إذ صرّح رئيس حزب “انهضي فرنسا” نيكولا دوبون إنيان “Nicolas Dupont-Aignan” أنه”هناك خطة لتعريب فرنسا باسم فكرة محاربة التطرف الديني” ووصف وزير التربية بـ “الديماغوجي”. في حين رأى الصحافي فريديريك بيغن “Frédéric Béguin” مؤلف كتاب “العلمانية في المدرسة” أن تطوير اللغة العربية في المدارس الفرنسية “خطوة “إيجابية”.(1)
وردّاً على الجدل القائم، قام الكوميدي لوران دوتش “Lorànt Deutsch” في برنامج “C à vous” على قناة France 5، خلال الترويج لكتابه “Romanesque: la folle aventure de la langue française” بالقول: “لا أرى هناك أية حاجة لتعليم اللغة العربية في المدارس مع الإشارة إلى أنه هناك أكثر من 600 إلى 700 كلمة عربية في اللغة الفرنسية، لذا أجدادنا من ناحية اللغة هم عرب أكثر منهم فرنسيين”.
وأكد اللغوي لويس جان كالفين “Louis-Jean Calvet”، في مقابلة له مع Check News، أنّه لا شك هناك بين 500 إلى 600 كلمة فرنسية ذات أصل عربي، وقد يكون العدد أكبر إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المفردات العلمية المتخصصة.

وهو ما قاله أيضاً عالم الألفاظ جان بروفوست ” Jean Pruvost”، البروفيسور الفخري في جامعة “Cergy-Pontoise” في مقابلة له على “France Inter” في كانون الأول عام 2017، قال فيها: “إن اللغة العربية حاضرة بشدة في اللغة الفرنسية، العربية هي ثالث لغة غذّت اللغة الفرنسية بعد اللغة الأولى هي الانجليزية، يليها الايطالية. لم ينقطع إغنائها للغتنا منذ القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا”. وأعطى مثالاً حول الملابس، فقال: “إذا ذهبتم إلى المحال (كلمة عربية)، لشراء تنورة (كلمة عربية) من قطن (كلمة عربية)، وجيليه وكابان (كلمات عربية)، لاستعملتم الكلمات العربية”.(3)
وكان بروفوست قد نشر بحثاً تحت عنوان “أسلافنا العرب” أشار في مقدمّته أن عدد الكلمات الغاليّة في اللغة الفرنسية محدود جداً (200 تقريباً) مقارنةً بالكلمات العربية التي تتجاوز الـ500. وتضمّن البحث طرق انتقال الكلمات العربية إلى اللغة الفرنسية كـ: الفتوحات العربية، الحملات الصليبية، التبادل التجاري، الإشعاع الحضاري الذي شهدته دمشق وبغداد والأندلس، مرحلة الاستعمار الفرنسي، مرحلة ما بعد هذا الاستعمار، وفي النهاية الهجرة العربية الكثيفة إلى فرنسا في العقود الخمسة الأخيرة.(4)

وكان صلاح غريميش، وهو روائي وباحث جزائري مقيم في فرنسا قد نشر قاموساً تحت عنوان “معجم الكلمات الفرنسية من أصل عربي”، عرض فيه “لتاريخ ما يقرب من أربعمائة كلمة عربية استُعملت طوال عهود وما زالت تُستعمل إلى يومنا هذا، في اللغة الفرنسية الشفوية منها أو المكتوبة في حقول شتى، في علم الزراعة والفلاحة في الطب في الفلك كذلك في الرياضيات في الصيدلة في فن الطبخ إلى آخره”.
مثال على هذه الكلمات، كلمة (لاكيه) هي لقيط. المسخرة بالفرنسية (ماسكراد) وكذلك الشأن بالنسبة للتعرفة، فهي بالفرنسية (لو تريف).(5)
ويجدر الإشارة أن “أن وضع اللغة العربية في النظام التعليمي الفرنسي بالغ التردي، وهو ما تدل عليه الأرقام الرسمية التي تفيد بأنه في عام 2017 كان عدد التلاميذ الذين يدرسون العربية 4573 تلميذاً من أصل أكثر من ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف تلميذ. أما في التعليم الثانوي، فإن العدد يصل إلى 6200 تلميذ من أصل 2.73 مليون تلميذ. وبكلام آخر، فإن نسبة التلاميذ الذين يدرسون العربية تتأرجح ما بين 0.01 و0.02 في المائة. كذلك، فإن وزير التربية كذّب الادعاءات التي تقول إنه «سيفرض تعليم العربية منذ الصفوف الابتدائية»، وليؤكد أن تعليمها في هذه الصفوف اختياري، ويأتي من خارج المنهج الرسمي المقرر وساعاته التعليمية المحددة. والعربية تدرس كبقية اللغات، مثل الروسية، والكرواتية، والتركية، والصربية… ويقوم بذلك معلمون يأتون من هذه البلدان وعلى نفقة حكوماتهم. أما اللغة الأجنبية الأكثر ذيوعاً فهي الإنجليزية تليها الإسبانية، والألمانية. وتحل اللغة الصينية قبل العربية؛ إذ يتعلمها في الثانوي لغةً ثالثة 18618 تلميذاً مقابل 6200 للعربية”.(6)
______________________________________________________
المراجع:
(1): مقالة على موقع France 24 لطاهر هاني تحت عنوان: “فرنسا: تقرير يقترح تعليم اللغة العربية في المدارس العمومية “، نُشرت في 11 أيلول 2018، رابط المقالة:
https://www.france24.com/ar/20180911
(2): مقالة على موقع “Le Parisien” تحت عنوان “L’enseignement de l’arabeestissud’une tradition séculaire et prestigieuse” نُشرت في: 16 أيلول 2018، رابط المقالة:
http://www.leparisien.fr/societe/l-enseignement-de-l-arabe-est-issu-d-une-tradition-seculaire-et-prestigieuse-16-09-2018-7890279.php
(3): مقالة على موقع “Liberation.fr” تحت عنوان “Y a-t-il plus de mot arabesdans la langue française que de mots gaulois, commel’affirmeLorànt Deutsch?” لـ لوك باييون Luc Peillon، نُشرت في 26 تشرين الأول 201، رابط المقالة:
https://www.liberation.fr/checknews/2018/10/26/y-a-t-il-plus-de-mot-arabes-dans-la-langue-francaise-que-de-mots-gaulois-comme-l-affirme-lorant-deut_1687976
(4): مقالة في جريدة الحياة لأنطوان جوكي تحت عنوان “عندما استعانت اللغة الفرنسية بـ «الأسلاف العرب»” نُشرت في 14 أيار 2017، رابط المقالة:
http://www.alhayat.com/article/864497/
(5): مقالة على موقع الجزيرة تحت عنوان “معجم الكلمات الفرنسية من أصل عربي لصلاح غريميش”، رابط المقالة:
http://www.aljazeera.net/programs/a-book-i-wrote-read/2008/11/23/
(6): مقالة في جريدة الشرق الأوسط لميشال أبو نجم تحت عنوان “تعليم العربية يثير جدلاً في فرنسا” نُشرت بتاريخ 15 أيلول 2018، رابط المقالة:
https://aawsat.com/home/article/1396146/