تحرير المرأة العربية من نفسها ومن عقدها ومما يخططه الغرب لها

أ‌. سوزان حيدر*

49 – العدد التاسع والأربعون ربيع 2019

في ظل ما نسمعه في السنوات الأخيرة المنصرمة عن المرأة العربية وخاصة المسلمة، التي أصبحت محط أنظار العالم الغربي، والتي يريد العالم تحريرها وإلحاقها بأختها الغربية التي هي بنظرهم أيقونة من الأيقونات المقدسة للتحرر ولبناء المجتمعات السليمة الحرّة، فهل تشكل المرأة المسلمة بحجابها وأسرتها عائقاً لبناء مجتمع حر ومستقل، بحسب المبادئ المعاصرة الجديدة التي تتبناها أكثر الدول الغربية. والتي تعتقد أيضاً بأن الرجل هو بمثابة حاجز أمامها يجب الحد من دوره كزوج وكأب. وقد تم التركيز على مواضيع اعتبروها ملخصاً “لمعاناة” المرأة المسلمة كـ: “تعدد الزوجات، وضرب النساء، أو ختان المرأة”(1).

ومثال على الآراء المنتشرة والصورة التي يتم تعميمها عن المرأة المسلمة “المضطهدة” بحسب قول الكثيرين، يعتبر جوش سيريتي Josh Cerretti في مقالة له تحت عنوان: “نظرة الغرب للمرأة المسلمة” أن المرأة المسلمة فقط هي من تعاني من الاضطهاد، وأنها أصبحت رمزاً للنضال من أجل المساواة مع الرجل.(2)
وكتبت الباحثة ياسمين أسامة عبد المنعم كتاباً بعنوان “صورة المرأة العربية في الصحافة الأميركية والبريطانية” أكّدت فيه: “أنه على الرغم من التطور التكنولوجي وتحسن أوضاع المرأة العربية، ظلت الصحافة الغربية تقدم صوراً قديمة ومشوهة ومتحيزة ضد العرب بصفة عامة، والمرأة العربية بصفة خاصة، حيث دأبت على تقديمها في صور نمطية تعكس الاستسلام والسلبية والأمّية والانقياد والتبعية للرجل والمجتمع وعاداته والتقاليد التي تحكمه، حيث لا تبرز من دور المرأة إلا تلك الأدوار التقليدية المربوطة بالإنجاب والبيت، في تجاهل تام لما حققته من نجاحات في مجالات عديدة”.(3)

ومن هذا المنطلق علت الصيحات على منابر التواصل الاجتماعي وفي الاعلام المرئي والمسموع وغيرها، ونُظمت الحركات النسائية “لتحرير المرأة العربية المسلمة”. كجمعية “انتفاضة المرأة العربية”، جمعية “تحرير المرأة العربية”… الذين نادوا بالخروج عن كل العادات والتقاليد والتخلي عن المسؤوليات والالتزامات… والتي لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بها.
“فانتفضت المرأة العربية”، على حد زعمهم، ونادت بأعلى صوتها وفي صفحات التواصل الاجتماعي حيث أعلنت ما يلي:

هذه المقولة من أحد المقولات التي دعت إليها جمعية “انتفاضة المرأة العربية” التي تأسست عام 2011 ومن مقرراتها “علينا نحن النساء أن نكمل الثورة للإطاحة بالذكورية التي تجعل من كل رجل ديكتاتورًا في بيته على زوجته وابنته واخته وحتى على أمّه… لا أولويات لا رقابة ذاتية، ولا مساومة على حقوقنا. إما أن تكون الثورات كاملة بنا أو لا تكون. ولنتذكر دوماً، أنه باستطاعة امرأة واحدة أن تحدث فرقاً كبيراً. ولنا أن نتخيّل ما قد تفعله مئتا مليون امرأة في عالمنا العربي معاً…”(4)
وهنا السؤال تحرير المرأة من ماذا؟ هل هذا “التحرر” يبني مجتمعاً سليماً يرتكز على التعاون والتكامل بين الجنسين؟ أم نرى أنها حملة لإثارة الأحقاد بين المرأة والرجل بحيث حولوا المسألة صراعاً بينهما كلٌّ يريد إثبات نفسه بأنه الأفضل والأقوى؟
هناك مقولة قديمة “أبغض ما في الرجل العربي غيرته على نسائه”، والتي باتت ماضياً يُحكى حيث أصبح كثير من الرجال في أيامنا هذه يحاول خلع هذه الصفة عنه لأنها لم تعد تتفق مع المبادئ الجديدة والمستوردة لاكتساب صورة “الرجل المتحضر”.
لماذا المرأة المسلمة؟ لدى المرأة المسلمة في الإسلام مكانة عظيمة ودور مهمّ في إنشاء المجتمع، لذا فإن ضرب هذا الدور قد يسبب الضربة القاضية لهدم مجتمع بأكمله.

قال أحد اليهود قديماً: “إن مكسبنا في الشرق لا يمكن أن يتحقق إلا إذا خلعت الفتاة المسلمة حجابها، فإذا خلعت الفتاة المسلمة حجابها كسبنا القضية واستطعنا أن نستولي على الشرق” وجاء في بروتوكلات حكماء صهيون: “علينا أن نكسب المرأة ففي أي يوم مدت إلينا يدها ربحنا القضية”.
وقال آخر: “كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع فأغرقوها في حب المادة والشهوات”. (5)
لذلك عقدت ونظّمت المؤتمرات لأجلها “ففي عام 1980 عقدت الأمم المتحدة المؤتمر الثاني الخاص بالمرأة، للوقوف على ما تم انجازه من تنفيذ توصيات مؤتمر المكسيك، وفي عام 1985 عقد المؤتمر الثالث الخاص بالمرأة (إستراتيجيات نيروبي المرتقبة للنهوض بالمرأة) في نيروبي بكينيا، وفي عام 1995 عقدت الأمم المتحدة المؤتمر الرابع للمرأة في بكين ودعت إلى مضاعفة الجهود والإجراءات الرامية إلى تحقيق أهداف استراتيجيات نيروبي، ويعتبر هذا المؤتمر من أخطر المؤتمرات، حيث دعت فيه بوضوح إلى العديد من الأمور التي تخالف الشريعة الإسلامية، مثل: الدعوة إلى الحرية والمساواة – بمفهومهما المخالف للإسلام ـ والقضاء التام على أي فوارق بين الرجل والمرأة، وقامت الأمم المتحدة كمتابعة لمؤتمر بكين بتنظيم مؤتمر “المرأة 2000: مساواة النوع، والتنمية والسلام للقرن الحادي والعشرين”، والذي أصبح معروفا باسم بكين + 5 ، ثم بكين +10 عام 2005، ومؤخرا بكين +15 عام 2010.
كذلك وضع المؤتمر العالمي المعني بالمرأة في بكين عام 1995م منهاج عمل وخطة لتنفيذ بنود إتفاقية السيداو، أُلزمت الدول التي صادقت على الاتفاقية بالعمل بها، ودعا المؤتمر بصراحة إلى عدد من الأمور التي تخالف الفطرة والشرع، ومنها: الدعوة إلى فتح باب العلاقات الجنسية المحرمة، والسماح بالإجهاض، وتحديد النسل، ومنع الزواج المبكر، وإباحة الزواج اللانمطي، والاعتراف بالشواذ، والتركيز على التعليم المختلط بين الجنسين وتعميمه، والقضاء على أي فروق تشريعية بين الرجل والمرأة.

كما تضمنت وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة (المساواة والتنمية والسلام)، المنعقد في نيويورك عام 2000م الدعوة إلى الحرية الجنسية والإباحية للمراهقين والمراهقات، والتبكير بها مع تأخير سن الزواج، وأوصى المؤتمر بتشجيع جميع أنواع العلاقات خارج إطار الأسرة الشرعية (للرجل والمرأة)، وتهميش دور الزواج في بناء الأسرة، والسماح بزواج الشواذ من الجنس نفسه، والمطالبة بإلغاء التحفظات التي أبدتها بعض الدول الإسلامية على وثيقة بكين.
ومن الملاحظ في وثيقة بكين بوجه خاص وأغلب مواثيق المؤتمرات السابقة أنها لم تعترف بكون الزوج شريكًا شرعيًا في مؤسسة الزواج، بل لم تعترف من الأصل بوجود مؤسسة تسمى الزواج والأسرة، وإنما شجعت على تكوين مؤسسات جديدة ترتكز على الزمالة والصداقة والشراكة، لذلك أكثرت من ذكر الشريك أو الزميل باعتباره الطرف الآخر في العلاقة بين طرفين أحدهما ذكر والآخر أثنى، أو كلاهما ذكر، أو كلاهما أنثى، وذلك في العلاقات الشاذة (اللواط أو السحاق)، لذلك طغت على الوثائق صفة الفردية كونها وصفًا للمرأة لا كونها ضلعًا في مؤسسة الأسرة، إضافة إلى كلمة “جندر” التي وردت في وثيقة بكين ستين مرة.”(6)

ما أُعطيَته المرأة في الاسلام ؟

ركّز الاسلام على بناء المجتمع ككل، والأسرة هي جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع لذا أولاها الاسلام اهتماماً كبيراً، وأعطى الزوجة والأم مكانةً كبيرة فيها والدور الأساسي في تربية الأولاد وتنشئتهم التنشئة الصالحة.
الأم هي التي تعمل على بث روح العمل والإخلاص في نفوس أولادها من أجل خدمة المجتمع وبنائه.
صان الاسلام حقوق المرأة واحترم إنسانيتها وعرف فضلها وخصّها بكثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تكرمها أماً وزوجة وأختا وبنتاً.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه “كنا في الجاهلية لا نعُد النساء شيئًا، فلما جاء الإسلام، وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقًا”. (صحيح البخاري)
من تكريم الإسلام للمرأة أنه خصص سورة باسمها وهي سورة “النساء”، وكرّم الإسلام المرأة أماً، فقال تعالى “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا”. (الآية 23 من سورة الإسراء)
فهي في الاسلام راعية وسيدة في بيتها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم:”كُلُّ نَفْسٍ مِنْ بَنِي آدَمَ سَيِّدٌ ، فَالرَّجُلُ سَيِّدُ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ سَيِّدَةُ بَيْتِها” (ابن السني).

وللزوجة حقوق على زوجها قال الله تعالى: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (الآية 19 من سورة النساء) وقوله جلّ وعلا “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (الآية 228 من سورة البقرة).
وكان العرب في الجاهلية يُكرهون إماءهم على الزنا، ويأخذون أجورهم، وجاء الإسلام فأنكر ذلك ونهى عنه واستقبحه قال تعالى “وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”. (الآية 33 من سورة النور)، ونهى الاسلام عن ضربها وجلدها إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يضاجعها”(البخاري ومسلم.)

وفي الختام أختي المسلمة الكريمة العزيزة في دينها الوقورة في حجابها الجميلة العفيفة في إيمانها، لا تكاد الحياة تخلو من تعب وكبد، والمؤمن معرض فيها للفتن، أنت جوهرة ثمينة وأنت خُلقتِ لتكوني سيدة زمانك عفة وطهارةً وسعادة. اجتهدي في أسرتك وحياتك لتكون أكثر نجاحاً وتفوقاً واعلمي أن دورك في بناء الأمة عظيم، فلا تكوني وسيلة للهدم والدمار، قومي بدورك كما أمرك الله تعالى، كوني صانعة للرجال والأجيال.


*من صديقات منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة –لبنان.
المصادر:
(1): مقالة على موقع “الجزيرة” تحت عنوان “المرأة العربية بعيون غربية” لعادل لطيفي، رابط المقالة: https://bit.ly/3bqDbz2
(2): مقالة “المرأة المسلمة في عيون الغرب” على موقع “لها” ترجمة ايمان سعيد القحطاني نُشرت بتاريخ 6 تشرين الأول 2012، رابط المقالة:
http://www.lahaonline.com/articles/view/41710.htm
(3): مقالة “الغرب يرسم صورة أخرى للمرأة العربية” على موقع “العرب” نُشرت بتاريخ 25 كانون الثاني 2017، رابط المقالة: https://bit.ly/2RPCLu9
(4): مقالة على موقع مجلة “بدايات” تحت عنوان “انتفاضة المرأة في العالم العربي” نُشرت في العددين الثالث والرابع، رابط المقالة:
https://www.bidayatmag.com/node/224
(5): مقالة على موقع “المسلم” تحت عنوان “كيف ينظر اليهود للمرأة” لخباب الحمد نُشرت بتاريخ 24 نيسان 2010، رابط المقالة:
http://almoslim.net/node/127172
(6): مقالة على موقع “رسالة المرأة” تحت عنوان “المؤتمرات الدولية والمرأة المسلمة.. تعددت الصياغات والهدف واحد” لرشا عرفة نُشرت بتاريخ 29 حزيران 2010، رابط المقالة:
http://woman.islammessage.com/article.aspx?id=626