تأثير الخوف على النسيج الكبدي

د. لطيفة إسحاق خياط*

العدد السابع والأربعون خريف 2018 – 47

قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۗ فَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا ۗ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج:34]
قال صلى الله عليه وسلم: ” إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته” رواه مسلم كتاب الصيد والذبائح.

الحقيقة العلمية:
أظهرت العديد من الأبحاث العلمية الحديثة حقائق مذهلة عن مظاهر الخوف الفسيولوجية التي تحدث داخل الجسم، نتيجة التعرض للخوف الشديد، كالخوف من القتل والذبح.
ويعتبر الجهاز الهرموني هو المسؤول عن حدوث هذه التغيرات الفسيولوجية بما يفرزه من هرمونات تؤثر في الحالة الفسيولوجية للجسم، وتنظم عمله، ويمكننا تعريف الهرمون كما يلي:
الهرمون عبارة عن جزيئات تفرزها الغدد الصماء في الدم مباشرة: ليؤدي وظيفة معينة في الجسم، ويقوم الدم بتوزيع هذا الهرمون على أجزاء الجسم. بعض الهرمونات سريعة التأثير مثل هرمون الأدرينالين الذي يهيئ الجسم لمواجهة الخطر، وهرمون الأنسولين الذي ينظم نسبة السكر في الدم، وبعضها بطيء التأثير، ويؤثر خلال فترات زمنية طويلة مثل هرمون النمو، والهرمونات الجنسية.
تعتبر الغدة النخامية هي الغدة المسؤولة والمسيطرة على الغدد الصماء، فهي عبارة عن جسم صغير يتدلى من السطح السفلي للمخ، وتفرز هرمونات منبهة، ومنشطة لكل من الغدة الدرقية، والغدة الكظرية، والغدد التناسلية، وغيرها لذلك تعتبر الغدة الننخامية رئيسة الغدد الصماء.

تقوم الغدة الكظرية، أو الغدة فوق الكلوية، بإفراز الهرمون المسؤول عن حالة الخوف الشديد، حيث يوجد زوج من الغدد الكظرية كل منها عبارة عن جسم أصفر هرمي الشكل، يلتصق بأعلى الكلية، ويتركب من جزء خارجي ( قشرة الكظر)، يفرز مجموعة من الهرمونات، منها هرمون الكورتيزون، الذي يرفع من مقاومة الجسم، وجزء داخلي (نخاع الكظر) يفرز هرمون الأدرينالين المعروف بهرمون النجدة، حيث يزداد إفرازه في حالات الخوف، والغضب، والإنفعال.

ففي حالة الخوف الشديد، يتم إستحثاث الغدة النخامية لإفراز هرمون يعمل على حث الغدة الكظرية (نخاع الكظر) لإفراز هرمون الأدرينالين، الذي تزيد نسبته في الدم عن المستوى الطبيعي، مما يؤدي إلى حدوث العديد من التفاعلات الكيميائية والفسيولوجية داخل الجسم، مثل إرتفاع درجة الحرارة، مع زيادة دقات القلب، وإرتفاع عال ومفاجئ في ضغط الدم، بسبب إنقباض الشرايين، والأوردة الصغيرة، مما قد يسبب نزيفاً دماغياً صاعقاً، أو جلطة قلبية، أو موتاً مفاجئاً، وقد يؤثر على أوعية العين الدموية، فيسبب لها العمى المفاجئ.

كما أن زيادة الأدرينالين في الدم تعمل على تحرير الجليكوجين من مخازنه في الكبد، والعضلات، ويطلق السكر، مما يزيد من نسبة السكر في الدم.

ويصاحب إزدياد الأدرينالين صعوبة في التنفس، وضعفاً عاماً في العضلات، وتقلصاً لعضلة القلب، وزيادة في إستهلاك الأكسجين، كما يزيد الأدرينالين من قابلية الدم للتجلط ما يؤدي إلى حدوث الجلطة القلبية، أو الدماغية. وتعمل زيادة الأدرينالين على تثبيط لحركة الأمعاء، وتوسيع بؤبؤ العين، فتزيد حدة الإبصار في الليل، كما يرافق زيادة الأدرينالين خروج كميات كبيرة من الماء بواسطة الإدرار الولي (dieresis).

هرمون الأدرينالين:
تم إكتشاف هذا الهرمون في عام 1900م على يد عالم الكيمياء الياباني تاكامين takamine kichi، وينتمي هرمون الأدرينالين إلى عائلة الكاتيكول أمين (catecholamine)، وصيغته الجزيئية هي C9H13NO3.
وللأدرنالين وظائف حيوية هامة داخل الجسم، حيث يعتبر كناقل عصبي، يؤثر في الجهاز العصبي السمبتاوي الذي يتصل بكل من (القلب، الرئتين، الأوعية الدموية، المثانة البولية)، كما يعمل هرمون الأدرينالين على معاكسة تأثير الأنسولين، حيث يطلق عندما ينخفض مستوى السكر في الدم، مما يزيد من عملية الأيض، وإرتفاع السكر في الدم.

وبعد التعرف على التغيرات الفسيولوجية، والتأثيرات الجانبية الناتجة عن زيادة جزيئات هرمون الأدرينالين على الوظائف الحيوية للجسم، لنا أن نسأل: هل لزيادة هذه الجزيئات عن المستوى الطبيعي للجسم تأثيرات على مستوى الأنسجة والخلايا؟
لذلك إهتمت الدارسة الحالية بالتعرف على التغيرات النسيجية التي تحدث نتيجة لزيادة إفراز هرمون الأدرينالين، عندما يتعرض الحيوان للخوف الشديد مثل الخوف من الذبح.

التجربة:
1- حيوانات التجارب:
إستخدم في هذه الدراسة عدد 12 خروفاً من نوع الحري،وزن الحيوان حوالي 22-25 كيلوجراماً سليمة، وخالية من الأمراض.
2- خطوات التجربة:
– قُسمت الحيوانات إلى ثلاث مجاميع تضم كل مجموعة أربعة خرفان، المجموعة الأولى مجموعة ضابطة تم تطبيق هدى الرسول صلى الله عليه وسلم عليها في ذبح الحيوان (إراحة الذبيحة، وتمرير السكين بسرعة على العنق)، المجموعة الثانية تم حد السكين لمدة 30 ثانية أما الحيوان، وهو ينظر ثم ذبحه، المجموعة الثالثة ذبح حيوان أمام حيوان آخر ينظر إليه، ويتم حد السكين لمدة 60 ثانية أمام الحيوان، وهو ينظر إليه ثم ذبحه.
– تم سلخ الحيوانات وتشريحها، ثم أخذت عينات صغيرة من أكباد كل الخرفان، ووضعت على الفور في فورمالين تركيزه 10% لمدة 48 ساعة لثبيتها، ثم جهزت العينات للدراسة النسيجية حسب الطرق النسيجية المعروفة (الغسل، الترويق، التخليل، الطمر)، ثم قطعت العينات بإستخدام ميكروتوم دوار إلى قطاعات رقيقة بسمك 5 ميكرونات، وحملت على شرائح زجاجية، وصبغت بصبغة الهيماتوكسلين والأيوسين H&E، ثم فحصت القطاعات بإستخدام المجهر الضوئي.

الجدول التالي يوضح المجاميع المختلفة للتجربة وفترات الخوف

مدة التعرض للخوف

نوع الخوف

المجموعة

————–

مجموعة ضابطة الأولى

30 ثانية

حد السكين أمام الحيوان وهو ينظر

الثانية

60 ثانية

ذبح حيوان أمام آخر وهو ينظر

الثالثة

النتائج:
1. توضح القطاعات النسيجية لحيوانات المجموعة الضابطة مجموعات الخلايا الكبدية (HC) مرتبة في أشرطة داخل صفوف كبدية، يتوسطها وريد مركزي (CV) كما توجد جيوب دموية (BS) بين أشرطة الخلايا، تحتوي كل خلية كبدية على نواة وسطية بداخلها كروماتين.
2. أظهر فحص قطاعات الكبد في المجموعة الثانية، والتي تعرضت للخوف لمدة 30 ثانية، وجود تغيرات نسيجية متعددة شملت تحلل الستوبلازم، وأنوية الخلايا الكبدية، وإتساع الوريد المركزي (CV)، وركود وترسيب لخلايا الدم الحمراء مع تحللها، كما يظهر الوريد المركزي محطم البطانة الطلائية الداخلية ومتصلاً بالجيوب الدموية (BS) التي تظهر متسعة، ومنفصلة البطانة الطلائية، مع تحلل لبعض الخلايا الكبدية، وظهور بداية تحلل لكرماتين أنوية بعض الخلايا ومعظم العضيات الستوبلازمية، مع مشاهدة زيادة عدد خلايا كوفر (K).
كما يظهر إتساع في الجيوب الكبدية، مع بداية تحلل الخلايا الكبدية، وتحلل للسيتوبلازم والأنوية (HC)، مع مشاهدة نزيف داخلي وخلايا التهابية (I).
3. أظهر فحص قطاعات الكبد في المجموعة الثالثة التي تعرضت للخوف لمدة 60 ثانية تحللاً واضحاً لسيتوبلازم الخلايا الكبدية، مع إنكماش بعض الأنوية، ووجود بعض الأنوية الطرفية داخل الخلايا الكبدية، كما تظهر منطقة كبيرة متحللة داخل الفصوص الكبدية، مع زيادة في عدد خلايا كوفر، وترسيب لخلايا الدم الحمراء داخل الجيوب الدموية.
إستدارة وإتساع شديد وكبير للوريد المركزي (CV)، مع تهتك وإنفصال البطانة الطلائية الداخلية للوريد، وترسيب لخلايا الدم الحمراء، وتحطمها، وتحللها، ويظهر إتصال الوريد المركزي بالجيوب الدموية.
كما يوضح القطاع في منطقة الحيز البابي القناة الصفراوية التي تظهر معظم خلاياها متحللة مع تهتك لجدار القناة، وزيادة ملحوظة في عدد خلايا كوفر في تلك المنطقة ويظهر الوريد البابي تهتك البطانة الطلائية مع تليف لجدارها، وتوسع للجيوب الدموية المحيطة به وترسيب للخلايا الدموية الحمراء داخلها.

وجه الإعجاز:
‌أ. بين الرسول صلى الله عليه وسلم الهديّ الصحيح والسليم في الذبح، مما يؤكل من بهيمة الأنعام، فربط عليه الصلاة والسلام بين الرفق والإحسان إلى الحيوان، وبين سلامة اللحوم، وما يؤكل من الحيوان كالكبد. فقد ظهر في الدارسة المجهرية الحالية أن إخافة الحيوان، وعدم الرفق به، أو ذبح حيوان آخر أمامه يؤثر في الخلايا النسيجية للكبد، ويتلفها، ويزداد هذا التلف بزيادة فترة التعرض للخوف، وذلك لأن الخوف يعمل على إستحثاث الغدة النخامية لإفراز هرمون يعمل على حث الغدة الكظرية لإفراز هرمون الأدرينالين، الذي تزيد نسبته في الدم بسرعة، وينتشر مع الدورة الدموية إلى جميع أعضاء الجسم المختلفة.
‌ب. كما أظهرت نتائج الدراسة الحالية التأثير السلبي لزيادة إفراز هرمون الأدرينالين على الخلايا الكبدية، الذي يعمل على تدمير بعض الخلايا الكبدية، وتحلل الأنوية، وتلف للكروماتين لبعض الخلايا مع إنكماش للأنوية في البعض الآخر، كما أظهرت تلفاً في البطانة الطلائية للوريد المركزي، مع إتساع في حجم الوريد، والذي يزداد بازدياد فترة الخوف التي يتعرض لها الحيوان، كما يظهر ترسب لخلايا الدم الحمراء، وتحللها داخل الوريد المركزي، مع ظهور إتساع في حجم الجيوب الدموية، وإتصالها مع الوريد المركزي، وترسيب للخلايا الدموية الحمراء بداخلها وتحللها، وظهور زيادة في عدد خلايا كوفر. كما تظهر القنوات الصفراوية محطمة البطانة الداخلية، مع تهتك في خلاياها، مما يؤدي إلى إنتشار العصارة الصفراوية بين الخلايا الكبدية، وقد تنتشر مع الدورة الدموية إلى جميع أنسجة الجسم ومنها العضلات.
‌ج. نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إخافة المسلم، وقد ورد ذلك في العديد من الأحاديث النبوية، وإتضح السر في هذا النهي باكتشاف التغيرات النسيجية للخلايا الكبدية التي تـتأثر بزيادة إفراز هرمون الأدرينالين، المسؤولة عن حالة الخوف، ولأن الكبد يعتبر من الأعضاء الهامة جداً في الجسم، فقد أظهرت الدارسة النسيجية الحالية الأضرار الشديدة التي تصيب الكبد، نتيجة التعرض للخوف الشديد، وهذا يتوافق مع نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن إخافة المسلم، وكذلك مع رفقه وإحسانه للحيوان عند الذبح، لأن ذلك من الإحسان المأمور به.

وهكذا يتجلى وجه الإعجاز العلمي لهذا النهي مع الحقائق العلمية الحديثة التي بينت الأضرار الجسيمة التي يحدثها الخوف داخل الجسم، سواء على المستوى الفسيولوجي والنسيجي للأعضاء. وذلك يزيدنا يقيناً أن القرآن الكريم كلام الخالق – عز وجل- وأن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وحي من الله قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّوَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3،4].

فمن أين لهذا النبي الأمي أن يعلم بكل هذا الضرر الذي يلحق بالإنسان والحيوان عند تعرضه للخوف الشديد، وينهى عن إخافته.
كما يتجلى لنا عطفه ورحمته وإحسانه إلى الحيوان، حتى عند ذبحه، وبذلك يكون قد سبق الغرب في الدعوة إلى الرفق بالحيوان، قبل ألف وأربعمئة وأربعين عاماً.


* جامعة أم القرى. وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مع المراجع كاملة العودة الى الموقع www.eajaz.org .