الصيام علاج لمتلازمة التمثيل الغذائي*

أ. دانة عبده جرادي**

52- العدد الثاني والخمسون شتاء 2020

تتوالى الأبحاث الداعمة للصيام كعلاج للصحة الجسدية، النفسية وحتى الروحية.
الصيام المتواجد في كلّ الأديان السماوية، والذي يعتبر ركيزة أساسية للرياضات الروحية، يُثبت تأثيره على الإنسان يوماً بعد يوم مع تزايد الأبحاث المتعلقة بالغذاء وتأثيره على الجسد، لمحاربة الأمراض والحفاظ على صحة جيدة.
آخر الدراسات ما نشرحه أدناه عن الصيام لفترة معينة وتناول الطعام في مدة زمنية محددة، ما يشدد على صحة صيام المسلمين وانقطاعهم عن الطعام لساعات محددة. إذ يؤدي حصر مدة تناول الطعام إلى التأثير الايجابي على مرضى متلازمة التمثيل الغذائي.
متلازمة الأيض أو ما يعرف “بمتلازمة التمثيل الغذائي” (metabolic syndrome) هي مجموعة من المشاكل التي تحدث معًا وتزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية ومرض السكري من النوع الثاني. تشمل تلك المشاكل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع السكر في الدم وزيادة دهون الجسم حول الوسط ومستويات غير طبيعية من الكوليستيرول أو الدهون الثلاثية.

الصيام علاج
وجدت دراسة عيادية (clinical) أن تناول الطعام في مدة زمنية محصورة بعشر ساعات خلال النهار قد تساعد في تجنب مرض السكري وأمراض القلب.
تصيب متلازمة التمثيل الغذائي ما يقارب ٣٠% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، كما وأنها تزيد خطورة الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني وأمراض القلب والجلطة. ونظراً لصعوبة المحافظة على نمط صحي للعيش، كاتباع حمية صحية وممارسة التمارين الرياضية، بالإضافة إلى تناولة الدواء، يتعذّر السيطرة على المرض.
الآن، وفي جهود تعاونية بين باحثي مؤسسة سالك (Salk’s Institute) ومدرسة سان دييغو للطب (San Diego School of Medicine)، وجدوا أن تناول الطعام يؤدي في فترة محصورة بعشر ساعات يومياً مع تناول الأدوية التقليدية، إلى خسارة الوزن وانخفاض الدهون في منطقة البطن، انخفاض ضغط الدم والكولسترول، واستقرار سكر الدم والإنسولين لدى المشاركين في الدراسة.
هذه الدراسة المصغرة، والتي تم نشرها في مجلة التمثيل الغذائي للخلية (Cell Metabolism Journal) في ٥ من كانون الثاني عام ٢٠١٩، قد تؤدي إلى خيارات علاجية جديدة لمرضى متلازمة التمثيل الغذائي الذين هم عرضى لخطر الإصابة بأمراض تغيّر مجرى حياتهم بالكامل.
يقول البروفيسور ساتشيداناندا باندا (Satchidananda Panda)، المؤلف والأستاذ المشارك في مختبر سالك (Salk) التنظيمي للبيولوجيا: “لقد وجدنا أن تحديد وقت الأكل بمدة زمنية معينة بالإضافة إلى تناول الدواء يعطي مريض متلازمة التمثيل الغذائي فرصة للسيطرة على المرض، بعكس نظام عدّ السعرات الحرارية، من السهل دمج هذا النوع من التدخل الغذائي في الحياة، إذ وجدنا استطاعة المرضى الحفاظ على جدول تناول الطعام”.

تأثير الساعة البيولوجية على متلازمة التمثيل الغذائي
يدعم تناول الطعام في فترة معيّنة (خلال ١٠ ساعات في النهار) إيقاع الساعة البيولوجية لدى الأفراد (Circadian Rhythm)، ويزيد من الفوائد الصحية كما أُثبت في دراسة سابقة نشرها فريق مؤسسة سالك.
إنّ إيقاع الساعة البيولوجية هو دورات تستمرّ لمدة ٢٤ ساعة للعمليات البيولوجية التي تؤثر تقريباً على كل خلية من خلايا الجسم. يتزايد عدد الباحثون الذين يجدون أن تناول الطعام بشكل عشوائي يعرقل هذا الإيقاع المنتظم ويزيد خطورة الإصابة بمتلازمة واضطرابات التمثيل الغذائي، التي تتّسم بأعراض كزيادة نسبة الدهون في البطن والكوليسترول غير الطبيعي أو الدهون الثلاثية، وارتفاع ضغط الدم ومستويات السكر فيه.

تقول إميلي مانوجيان في دراسة بحثية في مختبر باندا: “ان تناول الطعام والشرب (ما عدا الماء) خلال عشر ساعات فقط، يعطي الجسم فرصة للاستراحة واستعادة قوته خلال الستة عشر ساعة المتبقية في الليل، يمكن أن يتنبأ الجسم أيضًا بالوقت الذي سيأكل الإنسان فيه حتى يتمكن من الاستعداد لتحسين عملية التمثيل الغذائي” وأضافت: “أردنا معرفة تأثير تنظيم وقت تناول الطعام لدعم إيقاع الساعة البيولوجية على تحسين صحة الأفراد الذين يتم علاجهم من أمراض القلب الأيضية (cardiometabolic diseases)”.
ويضيف مساعد الباحث وأخصائي القلب ميخائيل ولكنسون (Michael Wilkinson): “لقد ظننا أن تناول الطعام المقيد بفترة ١٠ ساعات سيكون مفيداً، منها فوائد عائدة إلى التمثيل الغذائي”.
وجد الباحثون عند انتهاء الدراسة، تحسّن في نوم المشتركين، انخفاض نسبة ٣-٤% في كل من وزن الجسم، وفي مؤشر كتلة الجسم، ودهون البطن ومحيط الخصر. كما تضاءلت عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب حيث أظهر المشتركون انخفاض في ضغط الدم ونسبة الكولسترول، وتحسّنت مستويات السكر في الدم ومستويات الأنسولين.
وأعلنت البروفسورة وأخصائية القلب بام توب (Pam Taub) أن اكتشاف ارتباط عملية التمثيل الغذائي بإيقاع الساعة البيولوجية للإنسان، خوّلهم تطوير عملية التدخل لمساعدة مرضى متلازمة التمثيل الغذائي دون الحاجة لتقليل السعرات الحرارية أو زيادة التمارين الرياضية”، وقالت: “إذا استطعنا تحسين عمل إيقاع الساعة البيولوجية، سوف نستطيع تحسين عمل جهاز التمثيل الغذائي”.
بحسب البروفيسور ساتشيداناندا باندا (Satchidananda Panda): “إنّ تبني مبدأ تناول الطعام في فترة ١٠ ساعات خلال النهار هو طريقة سهلة وفعالة من حيث التكلفة من أجل تقليل أعراض متلازمة التمثيل الغذائي وتحسين الصحة”، وأضاف باندا: “عبر تأخير بدء مرض السكري ولو سنة واحدة عند مليون شخص يعانون من أعراض ما قبل السكري (prediabetes)، يمكن أن يوفر هذا التدخل تكاليف الرعاية الصحبة بنسبة ٩.٦ مليار دولار تقريباً”.

يجري العلماء الآن دراسة عياديه (Clinical Trial) مموّلة من قبل المؤسسة الوطنية للسكري وأمراض الهضم والكلى لاختبار فوائد حمية تناول الطعام في فترة زمنية محددة، على عدد كبير من المشتركين والذي لا يقل عددهم عن ١٠٠ شخص مُشخصين بمتلازمة التمثيل الغذائي، تحتوي هذه الدراسة على مقاييس إضافية لمساعدة الباحثين في استكشاف التغييرات في مكونات الجسم وعمل العضلات.

قلة الطعام في الاسلام
يأمرنا الله سبحان وتعالى بصوم شهر رمضان، يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءآمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون” (سورة البقرة، 183).
وعن أبي هريرة، أنّ رسول الله ﷺ قال:” تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس فأحبّ أن يعرض عملي وأنا صائم (أحمد والترمذي).
وقال أبو ذر الغفاري: أمَرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ نصومَ منَ الشَّهرِ ثلاثةَ أيامٍ البِيضِ: ثلاثةَ عشَرَ وأربعةَ عشَرَ وخمسةَ عشَر (ابن حجر).
وكان ﷺ يصوم أغلب المحرم، وأغلب شعبان، وكان يصوم التسعة الأوائل من ذي الحجة.
وكان سيدنا محمد ﷺ يقول: ” ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه” (الترمذي).


*أخصائية تغذية وصحة عامة، من صديقات منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في لبنان
**ترجمة لمقالة “Clinical study finds eating within 10-hour window may help stave off diabetes, heart disease”، نُشرت في 5 كانون الأول 2019، الرابط: https://www.sciencedaily.com/releases/2019/12/191205141731.htm