الحديد والشمس

  د. مسلم شلتوت*

العدد الثامن والثلاثون صيف 2016 -38

الحديد أحد سبعة عناصر عرفها القدماء وهي: الذهب والفضة والزئبق والنحاس والرصاص والحديد والقصدير. وهو أكثر الفلزات انتشارًا في الطبيعة؛ فيوجد أساسًا في الحالة المركبة على هيئة “أكسيد” و”كبريتيد” و”كربونات” و”سيلكات” وتوجد كذلك مقادير صغيرة من الحديد الخالص في الشهب والنيازك الحديدية.

ويمتاز الحديد وسبائكه المتنوعة بخواص متعددة ومتفاوته الدرجات في مقاومة الحرارة والشد والصدأ والبلى وفي مرونة تقبل المغناطيسية وغيرها؛ ولذلك كان أنسب الفلزات لصناعة أسلحة الحرب وأدواتها وأساسًا لجميع الصناعات الثقيلة والخفيفة ودعامة للحضارات.
وللحديد منافع جمة للكائنات الحية؛ إذ تدخل مركبات الحديد في عملية تكوين” الكلوروفيل” وهي المادة الأساسية في عمليات التمثيل الضوئي التي ينشأ عنها تنفس النبات وتكوين” البروتوبلازم” الحية وبواسطتها يدخل الحديد جسم الإنسان والحيوان.

 ويدخل الحديد في تركيب بروتينات النواة (المادة الكروماتينية) في الخلية الحية, كما أنه يوجد في سوائل الجسم مع غيره من العناصر وهو أحد مكونات” الهيموجلوبين” المادة الأساسية في كرات الدم الحمراء ويقوم بدور هام في عملية الاحتراق الداخلي للأنسجة والتمثيل الحيوي بها.

والحديد يوجد كذلك في الكبد والطحال, والكلى والعضلات والنخاع الأحمر. ويحتاج الجسم إلى كمية من الحديد يجب أن يزود بها من مصادره المختلفة؛ فإذا نقصت تعرض الإنسان لعدة أمراض أهمها فقر الدم. والرمز الكيميائي للحديد هو Fe وهو العنصر رقم(26) في الجدول الدوري للعناصر؛ حيث إن عدده الذري عدد الإلكترونات حول نواته 26 إلكترونًا ووزنه الذري 56. وله نظائر متفقة معه في العدد الذري, ومختلفة معه في وزنه الذري وزن النواة. وهو عنصر من العناصر النشطة كيميائيًّا. ودرجة حرارة انصهاره وتحوله إلى سائل 1.535 درجة مئوية. ودرجة غليانه وتحوله إلى بخار 2750 درجة مئوية.

لقد نزل القرآن في عصر الحديد؛ حيث كانت تصنع السيوف ورؤوس الرماح والسهام منه وكذلك الدروع والخوذات وغيرها من أدوات ولباس الحرب. كما كانت تصنع منه فؤوس الحقل، وسلاح المحاريث لشق الأرض للزراعة؛ فلا غرابة أن يأتي ذكره في القرآن الكريم وأن تسمى سورة باسمه “الحديد” وقد أشارت الآية الكريمة رقم 25 في سورة” الحديد” إلى أن الحديد ذو بأس شديد ومنافع للناس؛ حيث يقول الله تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} وقد فسرت هذه الآية الكريمة في “المنتخب في تفسير القرآن الكريم” الصادر عن “المجلس الأعلى للشئون الإسلامية” عام 1993 م على النحو التالي :”وخلقنا الحديد فيه عذاب شديد في الحرب ومنافع للناس في السلم يستغلونه في التصنيع؛ لينتفعوا به في مصالحهم ومعايشهم”. وواضح هنا أن المفسرين قد أخذوا المعنى المجازي لكلمة “أنزلنا” بمعنى “خلقنا” ولم يتمسكوا بحرفيات الكلمة بأن الحديد نزل إلى الأرض من السماء.

… ولما انصهر الحديد صار هو المعدن العام وصار النحاس هو المعدن الخاص وبقيت الفضة هي الأميرة وبقي الذهب هو الملك؛ ومع ذلك فإن الحديد النقي كان ألين من البرونز الذي يعتبر مادة رديئة المستوى في صناعة السلاح وبعض التطبيقات الأخرى التي تتطلب عمرًا أطول. وكان تسخين الحديد في وجود الكربون الذي يأتي عادة من الفحم المستخدم في النار بالكربنة في قيد الغيب إلى ما قبل الميلاد بألف عام ؛ حيث اكتشف الهنود والصينيون وبعض القبائل الهندوأوربية تقنية الحديد المكربن الصلب.

لذلك كانت السيوف الهندية المصنوعة من الصلب رمز القوة والبأس عند العرب وكانوا يستوردونها من الهند ويسمون الواحد منها السيف “المهند” نسبة إلى الهند ويعتبرونها أشد السيوف و أقواها في العصر الجاهلي. …

هل الشمس خالية من الحديد ؟

ويدعي البعض أن الشمس لا تحتوي على الحديد؛ وأن الحديد جاء إلى الأرض من خارج المجموعة الشمسية عن طريق النيازك الحديدية؛ علمًا بأن الثابت علميًّا هو الحقائق التالية:
إن أكثر عشرة عناصر شيوعًا في الشمس هي: “الهيدروجين” و”الهليوم” و”الأوكسجين” و”الكربون” و”النتروجين” و”النيون” و”السليكون” و”الماغنسيوم” و”الحديد” و” الكبريت”.

وبالتحليل الكيميائي للنيازك الأصلية وجد أن هناك تشابهًا كبيرًا بين الوفرة العنصرية في هذه النيازك وفي الشمس؛ مما يدل على أن أصلهما واحد؛ وهو ما نسميه بـ “السديم الشمسي” الذي تكونت منه الشمس وكواكبها وتوابعها وما يجول داخل هذه المجموعة الشمسية من نيازك ومذنبات. والغلاف الجوي للشمس يتكون من ثلاث طبقات هي: طبقة “الفوتوسفير” الطبقة المرئية, وطبقة “الكروموسفير” الطبقة الملونة باللون الأحمر, وطبقة “الكورونا” إكليل الشمس (والحديد موجود في الطبقات الثلاث في صورته الذرية أو صورته الأيونية تبعًا لدرجة حرارة الطبقة؛ …

ما هي آلية إنتاج الحديد في الكون ؟

إن الآلية الوحيدة المعروفة لدينا والتي يمكن أن تنتج العناصر الثقيلة هي الاندماج النووي؛ حيث تتحد البروتينات لتعطي نوي “الهليوم”؛ ومنها تشتق نوى الكربون والعناصر الأثقل وإن هذه التفاعلات تكاد تكون مستحيلة في أي مكان باستثناء باطن النجوم؛ إذ لا تتوفر الحرارة والكثافة العالية إلا هناك وبعد اندماج نوى” الهيدروجين” لإنتاج “الهليوم”- وهذا أطول تفاعل وهو في الوقت نفسه أكثر التفاعلات الاندماجية إطلاقًا للطاقة- وكلما كانت الفترة الزمنية لإنهاء التفاعل أقصر. وتنتهي سلسلة التفاعلات الاندماجية عندما يفقد الغاز إمكانية الاحتفاظ بدرجة حرارة تستطيع موازنة أثره الجاذبي؛ ويحدث ذلك عندما يتكون الحديد 56 بوصفه منتجًا نهائيًّا لسلسة التفاعلات الاندماجية؛ حيث يعتبر الحديد في هذه الحالة كعادم الاحتراق في باطن النجوم وغير قابل للاندماج النووي لإعطاء طاقة جديدة وعنصرًا جديدًا في باطن النجم وعندما تنخفض درجات الحرارة ينخفض بدوره ضغط الإشعاع والغاز؛ وعندما يصبح ضغط الغاز ضئيلاً جدًّا تتمخض حالة عدم الاستقرار عن انفجار هائل يعرف بـ” المتجدد الجبار” الذي يرافقه تشظي الأقسام الخارجية للنجم وقد تجاوز إشعاع “المتجدد الجبار” إلى درجات حرارة هائلة (حتى عدة آلاف من ملايين الدرجات)؛ مما يسمح بتكون أثقل العناصر كـ”اليورانيوم”….


*من بحث بعنوان: الحديد والشمس والعلقمة الحمراء، وللراغبين بمتابعة البحث بكامله مع المراجع كاملة العودة الى الموقع  www.eajaz.org