كن لطيفاً من أجل صحّة أفضل

ترجمة أ. زينب ضاهر*

العدد الثالث والخمسون ربيع وصيف 2020

اللطف فضيلة وهي محط إعجاب وتقدير في معظم الحالات. ولكن هل تعلم أن كونك لطيفًا يمكن أن يكون مفيدًا لصحتك أيضًا؟ إن التعاطف مع الآخرين يعيد ضبط أنظمتنا البيولوجية المُجهدة باستمرار ويردها إلى “حالة الراحة” الطبيعية لدينا، ما يؤثر بشكل إيجابي وكبير على صحتنا بشكل عام وذلك بحسب دراسة رائدة للبروفيسور الدكتور جايمس دوتي (James Doty) من جامعة ستانفورد .

ليس من مصلحتنا أن يكون نظامنا العصبي في “حالة الخطر” طوال الوقت
بحسب الدكتور دوتي، لا يعمل الجهاز العصبي بشكل طبيعي إذا كان في حالة خطر طوال الوقت. ولكن للأسف إن نمط حياتنا السريع الذي يرفع من مستوى الأدرينالين في الجسم يجعلنا نعمل بشكل رئيسي ونحن في حالة خطر وليس في حالة راحة كما من المفترض أن يكون، ما يسبب عدداً كبيراً من الأمراض المتنوعة.
عند التعرض للضغوط يفرز جسمنا بروتينات تشير إلى وجود التهابات. وبسبب هذه الإفرازات يسجل جهازنا العصبي انخفاضاً في قدرات جهاز المناعة لدينا، وهو المسؤول عن الدفاع عن الخطر الذي تسببه الجراثيم أو البكتيريا التي تسبب الأمراض.
إن التحفيز المفرط المستمر لأجهزتنا العصبية، والناجم عن أسلوب حياتنا السريع يحثّنا على الحكم على الآخرين. هذا الحكم السريع على الآخر يقلل من قدرتنا على التصرف بدافع الرحمة والتعاطف مع الغير. ويضعنا في حالة الخطر أيضاً وبشكل مستمر، ما يؤثر بشكل سلبي على صحتنا على المدى الطويل.

اللطف والرحمة يعيداننا إلى “حالة الراحة”، بدءًا من الجهاز العصبي
يؤثر الشعور باللطف والتعاطف مع الآخرين، وكذلك القيام بأعمال الخير، على صحتنا بشكل كبير.
يقول الدكتور دوتي: “عندما ينوي أحدهم القيام بعمل لطيف، فإن ذلك يؤثر بشكل كبير على فيزيولوجية الانسان، فيخرجه من “حالة الخطر” إلى “حالة الراحة”، ويؤدي ذلك إلى تغيّر في طريقة تعامله مع الأحداث”.
وبدل أن تكون استجابتنا السريعة مرتكزة على الخوف أو القلق أو التوتر، فإننا نستجيب بشكل أبطأ، وبتحرر أكثر، مما يؤدي إلى أعمال مثمرة ومنتجة، أكثر ابتكاراً وتعاطفاً.
وقد أظهرت ذلك دراسات قامت بها جامعة ايموري “Emory”، وأدّت النتائج إلى دعم فكرة أن الأعمال اللطيفة الدائمة والتي تظهر التعاطف مع الآخرين أو ممارسات التأمل المرتكزة على الرحمة يمكن أن تقلل من التفاعل السلبي بين الجهاز العصبي وجهاز الغدد الصماء.

الجهاز العصبي الودي مقابل الجهاز العصبي السمبتاوي
عندما نقوم بأي عمل لطيف وبدافع الرحمة، ينتقل نظامنا العصبي من النظام العصبي الودي (Sympathetic nervous system) والذي يعيش فيه أغلبنا نتيجة لنمط حياتنا السريع والمزدحم إلى النظام العصبي اللاودي (Parasympathetic nervous system).
ومعنى ذلك أن النظام العصبي الودي والذي يبقي الانسان في حالة متحفزة وتسمى “حالة الخطر”، وعنده ترتفع ضربات القلب ويتسارع تدفق الدم في الشرايين ويكثر إفراز الانسولين ويتعرق الانسان، بسبب صخب الحياة اليومية. بينما يؤدي عمل الخير واللطف والتبسم والهدوء إلى الانتقال إلى النظام العصبي اللاودي والذي يطلق عليه “حالة الراحة”.
يؤدي هذا الانتقال إلى انتظام معدل ضربات القلب وخفضه، ما يعزز نظام المناعة ويساعد على مكافحة العدوى أو الأمراض.
وماذا عن التيلوميرات (Telomeres)؟ وهي الأجزاء أو الأطراف التي ينتهي عندها الكروموزوم، ولكي تتصوّرها، يمكنك تخيل أغطية صغيرة تحمي نهايات الكروموزومات أثناء انقسام الخلايا. تصبح التيلوميرات أقصر في كل مرة يقوم فيها كروموزوم بنسخ نفسه أثناء انقسام الخلية، وهو ما يحدث باستمرار.
في نهاية المطاف، تقصر التيلوميرات إلى حدّ يمنعها من القيام بعملها في حماية المعلومات الجينية المخزنة في الكروموزومات، ما يؤدي إلى توقف الخلايا في النهاية عن التكاثر – وهي عملية تعرف باسم موت الخلايا.
هذه هي الطريقة التي تعمل بها التيلوميرات كساعة قديمة في كل خلية لدينا؛ كلما قصرت التيلوميرات بشكل أسرع، أصبحت عملية الشيخوخة أسرع.
وقد أظهر البحث الذي أجراه د. دوتي أن من الآثار الإيجابية للعيش في نظام عصبي لاودّي إطالة حجم التيلوميرات مما يشرح نظريًا، بمرور الوقت، كيف يؤدي اللطف والرحمة إلى إبطاء عملية الشيخوخة في بعض خلايا الجسم.
كما أن إظهار اللطف والتعاطف يمكن أن يعيد ضبط أنظمتنا العصبية بعيدًا من “حالة الخطر” ليعيدها إلى “حالة الراحة”، وإن تجربة اللطف أو التعاطف من قبل الآخرين لها أيضًا تأثير إيجابي على أنظمتنا.
وأثبت البحث الذي أجرته ستيفاني براون (Stephanie Brown) الأستاذة بجامعة ستوني بروك (Stony Brook) أن تجربة التعاطف يمكن أن تؤدي إلى تحسينات هائلة في صحتنا العقلية والبدنية أيضًا.

من أجل صحة جيدة: كن لطيفاً
يتيح لنا البحث الذي ذكرناه أعلاه فهم فوائد التفاعلات الإيجابية والخيّرة للإنسان على صحته العقلية والبدنية.
فالأثر الإيجابي الناجم عن كونك لطيفاً لا يؤثر فقط على صحتك ، بل يؤثر أيضًا على تفاعلاتنا مع الآخرين ويطلق تفاعلًا إيجابيًا ذا فوائد بعيدة المدى عبر مجتمعات بأكملها. وبذلك فإننا بإعادة ضبط أنظمتنا إلى “حالة الراحة” عن طريق إخراج أنفسنا من “حالة الخطر” ، نتمكن من معالجة الأشياء بشكل أكثر وضوحًا ومن اتخاذ خيارات أفضل والتمتع بحياة أكثر سعادةً واستقرارا.
لذا اجتهد في المحافظة على لطفك وهدوئك وافعل الخير، ففي ذلك مصلحتك ومصلحة الذين مِن حولك!


*من أعضاء منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

[1] “Our bodies are chronically in “threat mode”—but being kind recalibrates our nervous system”، لجايمي بال “JAIMEE BELL”، رابط المقالة على موقع big thing: https://bigthink.com/mind-brain/kindness-benefits-james-doty?utm_term=Autofeed&utm_medium=Social&utm_source=Facebook&fbclid=IwAR2R-fUeMFtrro5gYK_M8WBlT6Wdu4nCZm5rO0LGhE2qOT5qUoNEnSHbANI#Echobox=1580879373