التطورات العالمية وتداعياتها على العالم

سير الأحداث وضرورة اللحاق بالركب التقني

الأستاذ طلال أبو غزالة

العدد الثامن والأربعون شتاء 2019 – 48

حذّر الأستاذ طلال أبوغزالة(1)، المؤسس والرئيس لمجموعة طلال أبو غزالة الدولية، من أزمة اقتصادية “طاحنة” ستضرب العالم بحلول 2020، مركزها الولايات المتحدة الأميركية، وستكون أقوى وأشد بكثير من تلك التي حدثت في 2008.
وأكد في حديث مع “البلاد”(2) أن ما سيحدث هو أزمة اقتصادية، وليست مالية كسابقتها، ستأكل “الأخضر واليابس”، وستؤدي إلى كساد كبير، وغلاء وبطالة وارتفاع “فاحش” في الأسعار.
مجموعة طلال أبو غزالة الدولية هي شركات عالمية تقدم خدمات المحاسبة والمحاماة والاستشارات الإدارية ونقل التكنولوجيا والتدريب والتعليم والملكية الفكرية وتقنية المعلومات والتوظيف والترجمة والنشر والتوزيع.
ودعا أبو غزالة الدول والحكومات والشركات والمؤسسات على مختلف أحجامها وقطاعاتها لضرورة الاستعداد لهذه الأزمة والتصدي لها، كل حسب ما يناسبه.
وأوضح أن المؤشرات التي تدل على ذلك كثيرة، وهو توقع يؤيده به الكثير من الخبراء والمفكرين الاقتصاديين ومراكز الدراسات والأبحاث حول العالم.
وبيّن أن الغرب بدأ بالفعل استعداده وبات قلقا تجاه هذا الأمر، لكننا للأسف في الدول العربية ما زلنا “نائمين” على الموضوع، حيث لا تحركات جدية ولا تجهيزات ذات قيمة.
وأوضح أن الأزمة ستبدأ بأميركا وتقضي على كل اقتصادات العالم، فكما يقال “عندما تعطس أميركا يصاب العالم بالإنفلونزا”.
ومن المعلوم أن النظام المالي العالمي مرتبط بطريقة أو بأخرى بأميركا، فهي تسيطر على التجارة وحركة الأموال الدولية، منذ اتفاقية “بريتون وودز” في العام 1944، عندما أصبح الدولار العملة الأساسية والمرجعية بالعالم.
وتوقع أبوغزالة أن يصل سعر برميل النفط جراء الأزمة لأكثر من 150 دولاراً، واعتبر ذلك ميزة للدول المنتجة (الخليج العربي مثلا) على عكس الدول التي تعتمد على الاستيراد.

أسباب الأزمة
أما الأسباب، فبدأها بتحول أميركا إلى دولة مستوردة للنفط بعد استهلاك معظم إمكاناتها، وبالتالي فإنها ستفرض شروطها على الأسواق بحكم قوتها العسكرية للهبوط بالأسعار، كذلك ارتفاع الفوائد في السوق المالية هناك ما سيؤثر على الأسواق العالمية.
وتابع “يضاف إلى ذلك الحرب التجارية التي تقودها واشنطن ضد العالم، في مقدمته الصين التي تعتبرها أشد خصومها الحقيقيين، وهو صراع كبير لن ينتهي، وقد قرأ كثيرون وعلموا عن تبادل الضرائب والرسوم والعقوبات بين البلدين”. وأكد أن الصين منافس قوي وشرس لأميركا، وفي مختلف المجالات، فضلاً عن أن معظم الصناعات الأميركية الهامة وشركاتها الكبرى تنتج أعمالها وتقيم مصانعها بالصين، (…) وطبيعي أن يكون لدى واشنطن مشكلة اسمها بكين.
وزاد أبوغزالة “الأمر لا يتوقف هنا، فبعض مراكز البحوث والدراسات في أميركا، تتوقع أن تعلن واشنطن حربا حقيقية عسكرية على الصين عندما تقع الأزمة”.
وأكد أن ما يزيد المشكلة بأن ارتفاع أسعار النفط سيخدم خصوم أميركا، كروسيا وإيران، وفنزويلا وغيرها، وهو ما سيزيد تأجيج الموقف العالمي.
(…) التعليم الرقمي.. ضرورة
واتهم أبوغزالة النظام التعليمي بجميع دول العالم دون استثناء، بأنه غبي وخاطئ؛ كونه لا يتماشى (مع الفرق بين الدول) مع التقنية، مؤكداً أنه يدرس رفع دعوى قضائية على جميع مؤسسات التعليم العالي حول العالم بهذا الخصوص لاسيما في الدول العربية.

واستند بفكرته إلى أن جميع أنظمة التعليم تخرّج أشخاصاً يحملون شهادات، لكنهم باحثين عن وظيفة، وبالتالي هم عاطلين عن العمل، مؤكداً أن مؤسسات التعليم لم تتكيف مع احتياجات السوق المستقبلية، وهي الاختراع والإبداع.
وتساءل لدعم فكرته “ما هي غوغل، إنها برنامج، فكرة، ليس فيها مواد أولية ولا منتجات ولا رأس مال، لكنها الآن أكبر شركة بالدنيا، فحجمها وصل إلى تريليون دولار، وهذا ما نحتاجه”.
وتابع أبوغزالة “تساءلتُ في عدة محاضرات وكلمات ألقيتها بالشهور القليلة الماضية في جامعات هارفرد وMIT وكولومبيا، وغيرها: ألم تدركوا أنه إذا لم تتغيروا فإن التسونامي المعرفي سيقضي عليكم، (…) قلت للحاضرين: لماذا ترككم واحد مثل بيل غيتس ولم يكمل دراسته؟، (…) أنتم تخرّجون أناسا يتسببون بمشكلة في سوق العمل”.
وزاد “مصيبتنا بالبلدان العربية أكبر، فالغرب على الأقل يدّرسون باللغة الإنجليزية، وبالتالي يستطيع الخرّيج العمل في أي مكان، على عكسنا نحن حيث يدرس الطلاب بالعربية، وبالتالي نقضي على مستقبله”.
وضرب أبوغزالة مثالاً حياً على ذلك، حيث قال “لدي أكبر شركة محاماة بالمنطقة، ولا أستطيع إيجاد موظفين عرب يتقنون اللغة الإنجليزية للعمل معنا، فنحن بحاجة إلى شخص يستطيع قراءة وفهم المستندات التي يريد رفع قضية فيها، والتي معظمها باللغة الإنجليزية”.

وأوضح أن كل شيء حولنا تطور وواكب المعرفة والرقمنة، إلا التعليم خصوصاً في البلدان العربية، (…) انظر إلى الصناعات حولنا، الهواتف، السيارات أين كانت وكيف أصبحت؟

إصلاح التعليم قبل الاقتصاد
وعاد أبوغزالة ليؤكد أن الدول العربية تعاني مشكلة سيطرة وزارات التعليم (الحكومية) على التعليم، وهو ما يزيد التأخير ويعطل التقدم نحو المستقبل، موضحاً أن دولاً متقدمة استطاعت السير بخطوات كبيرة بهذا الاتجاه، فمثلاً بأميركا وفنلندا لا توجد وزارة تعليم أساساً، فيما ألغت السويد التعليم الحكومي نهائياً.
ويؤكد أبوغزالة أن إصلاح التعليم يجب أن يسبق إصلاح الاقتصاد، بل يجب أن يسبق إصلاح كل نواحي الحياة، موضحاً أنه لا يمكن القضاء على الفساد بشكل نهائي مثلاً إلا بالتحول الرقمي؛ لأنه عندما يكون هناك حكومة إلكترونية ومواطن إلكتروني وخدمات رقمية، فإن ذلك سيلغي التمييز؛ كون الجهاز لا يعرف الأسماء و”الواسطات والمحسوبيات”، مبيناً أن هناك ضرورة ملحة لنقفز إلى التعلم الرقمي، فتقدم الدول الآن يقاس بعدد المواطنين الرقميين، (بالدول الإسكندنافية يصل إلى 90 %).

توفر الفرص في عصر الإنترنت
أما المشكلة الثانية الأعظم، فهي بحسب وجهة نظر أبوغزالة توفر الفرص، حيث لم تتجهز الدول لمواكبة المستقبل والعصر الرقمي، (…) نحن انتقلنا من التعليم إلى التعلم، والشخص يستطيع الآن أن يعلم نفسه، وأن يصبح عالماً بفضل التقنية والإنترنت الذي بات يوفر كل المعلومات.
وفضّل أبوغزالة تسمية الثورة المعرفية التي نعيشها بالثورة الصناعية الرابعة، والتي اعتبرها أقوى من الصناعية والزراعية وغيرها، منبهاً إلى أهمية خلق طريقة للعيش في ظل الذكاء الاصطناعي الذي سيطغى على كل شيء. وأشار إلى أن ذلك يحتم على الجميع سواء كان حكومات أو قطاعاً خاصاً أو أي جهة كانت، مواكبة سرعة التطور التقني؛ لأن الوظائف تغيرت وفرص العمل أصبحت ذكية.
وتابع “مثلا خذ مهنة المحاسبة، فهي بأقصى حد لن تكون موجودة بعد 20 عاماً، حيث لن يكون هناك مدقق حسابات، فالأمر سيصبح تكنولوجياً بالكامل، وسيحل محلها البرامج التقنية”.


كلية المخترعين
وعن أحدث مشروعات المجموعة، بيَّن أبوغزالة أنه تم إطلاق كلية بالأردن هي الأولى من نوعها على مستوى العالم تعنى بالإبداع، وفكرتها الرئيسة تكمن في أن الطالب لا يستطيع التخرج إلا بعمل اختراع ما. وأكد أن العالم يحتاج إلى التغيير، فالثروة في المستقبل تأتي من الاختراع، (…) لاحظ مثلا كيف كانت بالسابق البنوك وشركات العقارات والطاقة هي الأكبر على مستوى العالم. أما الآن، فشركات التقنية هي التي تسيطر.
ويؤكد أبوغزالة أن الفرص المتاحة للشباب اليوم لا تحصى، كما أنها لا تقارن بتلك التي كانت متوافرة سابقاً، رابطاً ذلك بعصر السرعة والتقنية وبالإنترنت الذي أتاح كل شيء وفتح الأبواب على مصراعيها.


(1)طلال أبو غزالة:

مؤسس ورئيس مجموعة طلال أبو غزالة الدولية، التي تعد أكبر مجموعة شركات عربية تقدم الخدمات المهنية في مجالات المحاسبة والاستشارات الإدارية ونقل التكنولوجيا والتدريب والتعليم والملكية الفكرية والخدمات القانونية وتقنية المعلومات والتوظيف والترجمة والنشر والتوزيع.

وفي عام 1972 أنشا شركتين هما شركة طلال أبو غزاله (تاجكو) وأبو غزاله للملكية الفكرية (أجيب)، حيث اختصت الأولى بمجال المحاسبة واختصت الثانية في مجال الملكية الفكرية. ومنذ ذلك الحين، أسس طلال أبو غزاله ما مجموعه 14 شركة للخدمات المهنية المتخصصة في مجالات متنوعة مثل الإدارة والاستشارات والخدمات القانونية وتقنية المعلومات وغيرها كثير.

وعلى مر السنين، نجح في إنشاء شراكات وثيقة مع منظمات عالمية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية.

وفي 4 أبريل/نيسان عام 2007 عيّن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون طلال أبو غزالة نائباً.

(2)نقلاً عن جريدة البلاد البحرينية التي أجرت المقابلة بتاريخ 18 تشرين الثاني 2018 تحت عنوان: “النفط والحروب التجارية أسباب للأزمة ومركزها أميركا طلال أبوغزالة: أزمة اقتصادية عالمية “طاحنة” في 2020″.

رابط المقالة: http://albiladpress.com/newspaper/3687/534452.html