غابات مُصَغَّرة داخل حضانات فنلندا

ترجمة أ. دانة عبده جرادي*

العدد 54 شتاء 2021

يميل الأهل إلى الحماية المفرطة لأطفالهم، ظانّين أنّهم بذلك يبعدون عنهم الأمراض والضرر، فتراهم يعزلون أطفالهم عن الخروج إلى الطبيعة واستكشاف البيئة المحيطة بهم، والتعرف على الطبيعة وجمالها.
ولكن ماذا لو كان العكس هو الصحيح؟
“يعزّز خروج الطفل للّعب في الخارج صحته ونموّه”، هذا ما أظهرته دراسة فنلندية تم نشرها في صحيفة العلوم المتطورة (Science Advance).
بيّنت هذه الدراسة المصغّرة أنّ اللعب بالنباتات والشجيرات لمدة شهر، كفيل بتغيير جهاز المناعة لدى الأطفال.
ازداد التنوّع في البكتيريا الصحية على جلود الأطفال وداخل أمعائهم خلال فترة قصيرة من الزمن، وذلك عقب قيام معلمين ومعلمات ببناء غابة صغيرة في حضاناتهم، وتشجيع الأطفال على اللعب داخلها والاعتناء بالمحاصيل الموجودة داخل صناديق الزراعة.
عندما تمت مقارنة هؤلاء الأطفال وأطفال المدينة الذين يلعبون على الأرصفة والبلاط والحصى، وجد العلماء زيادة في نسبة خلايا المناعة (T-cells) ومؤشرات أخرى للمناعة موجودة في الدم، وذلك خلال ثمانية وعشرون يوماً.

صرحت عالمة البيئة مارجا روسلند (Marja Roslund) من جامعة هلسنكي (Helsinki) ما يلي: “وجدنا أن الميكروبات المعويّة الصحية لدى أطفال تلك الحضانات تتشابه مع الميكروبات المعويّة الصحيّة لدى الأطفال المعتادين على زيارة الغابة بشكل يومي”.
كما وأظهرت أبحاث أخرى أنّ التعرّض المبكّر للطبيعة يؤثر بشكل ما على تطور جهاز مناعة صحّي، ولكن لم يكن من الواضح إن كانت العلاقة سببية أم لا.
تُعتبر هذه الدراسة من أول الدراسات التي تقوم بتغيير البيئة المدنية المحيطة بالطفل بهدف فحص التغييرات الحاصلة في الميكروبات الصحيّة في جسمه وجهازه المناعي.
لم تحمل نتائج البحث جميع الأجوبة، ولكنها دعمت الفكرة الأساسية للبحث، والتي تصرّح أنّ تغيير طبيعة البيئة الميكروبية لدى الأطفال يحسّن من طبيعة البيئة الميكروبية داخل أجسامهم، وهذا يساعد جهاز المناعة على النموّ والتطوّر.

التنوّع الحيوي
يُعرف تأثير البيئة الغنية بالكائنات الحيّة على جهاز المناعة بـ “نظريّة التنوّع الحيوي”، وبناءً على هذه النظرية، يُعتبر نقص التنوّع الحيوي في المناطق المدنية مسبّب جزئي لارتفاع نسبة أمراض المناعة.
يقول الباحثون: “تدعم نتائج البحث نظرية التنوّع الحيوي، المبدأ الذي يقول أنّ قلة التنوّع الحيوي في المناطق المعاصرة قد يؤدي إلى نمو جهاز مناعي غير ناضج، ما يزيد من نسبة أمراض المناعة”.

طريقة الدراسة
أجريت الدراسة على عشر حضانات معاصرة في فنلندا تعتني بخمس وسبعين طفلاُ ما بين سن الثالثة والخامسة من العمر؛ بعض ملاعب تلك الحضانات مبنيّة من الإسمنت والحصى، في حين قامت أربع حضانات ببناء غابة صغيرة بدلاً من الحصى والإسمنت، أمّا باقي الحضانات فقاموا بأخذ أطفالهم إلى الطبيعة.
أعطى الباحثون الأطفال فرصة اللعب خمس مرات في الأسبوع ولمدة ثمانية وعشرين يوماً. كما فحص الباحثون نسبة الميكروبات الصحية في أمعاء الأطفال وعلى جلودهم قبل وبعد بدء البحث.

نتائج البحث
وجد العلماء تحسّن في نسبة الميكروبات الصحيّة مقارنة بالأطفال الذين لعبوا على الإسمنت والحصى.
رغم قصر هذا البحث من حيث المدّة الزمنية، إلّا أنّ الباحثين وجدوا ميكروبات صحية لدى هؤلاء الأطفال تكون موجودة عادةً داخل أجسام الأطفال الذين يتعرضون للطبيعة الخضراء بشكل يومي.
كما وجد العلماء نمو نوع من البكتيريا تسمى البكتيريا الغامابروتينية (gammaproteo bacteria)، التي تعمل على تقوية جهاز المناعة لدى الانسان. ووجد الباحثون زيادة في نسبة المؤشرات المناعية في الدم، وانخفاض نسبة الانترلوكيين 17_أ (Interleukin 17-A)، والذي يلعب دوراً في أمراض المناعة.
يقول عالم البيئة آكي سنوكين (Aki Sinnoken): “تدعم هذه النتائج فرضيّة بأنّ التعرض للطبيعة يمنع أمراض جهاز المناعة، كالحساسية وأمراض جهاز المناعة الذاتي”.
كما وبحثت الدراسة في بصر الأطفال وصحتهم النفسية، وأظهرت دراسات أخرى تغير هيكلي في دماغ الطفل الذي يتعرض للطبيعة.
لم يُعرف السبب المباشر بعد لهذه النتائج الإيجابية، قد يكون استنشاق الهواء النقي أحد الأسباب، أو التعرض لأشعة الشمس، أو الزيادة في تحريك الجسم، أو وجود راحة للبال حول الطبيعة.
رغم أنّ حالات الربو والحساسية لدى الاطفال الذين يعيشون في القرى قليلة، إلّا أنّ الدراسات التي تربط بين المساحة الخضراء وجهاز المناعة متناقضة.

سلبيات البحث
حجم العينة في هذا البحث قليل، كما وجد الباحثون علاقة ولم يجدوا سبباً. ولم يستطع الباحثون السيطرة على ما يفعله الأطفال خارج الحضانة. وعلى الرغم من ذلك، فإن التغيرات الإيجابية التي تمت ملاحظتها كانت كافيه ليقوم علماء فنلندا بإعطاء النصائح والإرشادات.

النصائح والإرشادات
يصرّح سنوكين مشجعاً: “من الأفضل للأطفال أن يلعبوا بالطين والتراب العضوي، ومن الأفضل أن نأخذ أطفالنا إلى الطبيعة خمس مرات في الأسبوع لكي يتعرضوا للكائنات الحيوية. التغيرات بسيطة والأضرار قليلة والفوائد كبيرة”.
كما يعتبر تفاعل الأطفال مع الطبيعة مفيداً لمستقبل الأرض؛ حيث أظهرت الدراسات أن اللعب خارجاَ يزيد من احتمالية نشأة هؤلاء الأطفال ليصبحوا علماء بيئة، وهذا ما يحتاجه كوكب الأرض، خاصة مع التغيرات الكبيرة التي تحصل.
وينصح بالنهاية سنوكين بتلقيح الأطفال من مرض الكزاز قبل اللعب في الطبيعة.


*أخصائية تغذية وصحة عامة، وعضو في منتدى الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في لبنان
ترجمة لمقالة تحت عنوان “Daycares in Finland Built a ‘Forest Floor’, And It Changed Children’s Immune Systems” لـ “كارلي كاسيلا” (CARLY CASSELLA) نُشرت على موقع Science Alert بتاريخ 22 تشرين الأول 2020، رابط المقالة: https://bit.ly/32ywIzx